أوبيك + تُخفّض إنتاجها حتى نهاية 2023
… تداعيات على الإقتصاد العالمي وردود فعل متبايبة
ما أن أعلنت مجموعة أوبيك + خفض إنتاجها اليومي للنفط، منذ بداية أيار/ مايو 2023، حتى إرتفعت أسعار النفط خام برنت بنحو 5 % للبرميل ليبلغ 84 دولاراً، إذ يوازي إنتاج مجموعة أوبك+ نحو 40 % من إجمالي إنتاج النفط الخام في العالم، وتبلغ الكمية التي تمّ الإعلان عن خفضها بين الدول المشتركة نحو 1.66 مليون برميل يومياً. لكن في المقابل يُحذّر خبراء وإقتصاديون من أن إرتفاع أسعار النفط، سيُصعّب على الحكومات مهمة خفض تكاليف المعيشة، وسط أزمة تضخُّم مقلقة تشهدها الدول الغربية. علماً أن أوبك+ سبق أن أعلنت أنها إتخذت هذه الإجراءات من أجل «إستقرار الأسواق». ويرى الخبراء أن مجموعة أوبك+ تُحاول الحفاظ على سعر 80 دولاراً للبرميل، عبر هذه الإجراءات وذلك على المدى المتوسط والى بلوغه 100 دولار في المرحلة اللاحقة، معتبرين أنها خطوة مفاجئة، ولكنها تتفق مع عقيدة أوبك+ الجديدة للعمل بشكل إستباقي. ويُمكن لأوبك بحسب هؤلاء إتخاذ هذا النوع من القرارات دون خسائر كبيرة في حصّتها في السوق.
في مقابل هذا التفسير العلمي والتجاري للقرار وتداعياته على الإقتصاد العالمي ككل، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة وزيادة مخاطر الركود ، يُشار إلى أن أسعار النفط إرتفعت مع غزو روسيا جارتها أوكرانيا، في أواخر شباط/فبراير 2022، لكن الأسعار تراجعت مؤخراً إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب. وكانت الولايات المتحدة دعت المنتجين مراراً إلى زيادة الإنتاج من أجل دفع أسعار الطاقة إلى الانخفاض. ورغم تقلّبات الأسعار في الأشهر الأخيرة، كانت هناك مخاوف من أن الطلب العالمي على النفط قد يفوق العرض، ولا سيما في نهاية العام الجاري.
حسابات سياسية وإقتصادية
من المرجّح أيضاً أن يُؤدي خفض الإنتاج إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة و الدول المنتجة للنفط. وهذا الإنتعاش في الأسعار يفيد بشكل خاص روسيا التي تحتاج إلى النفط لتمويل حربها المكلفة في أوكرانيا. وتفيد صحيفة «الغارديان» البريطانية أن خطوة أوبك +، أتت في وقت سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول، حيث تكافح كلها لتقليل الضغط التصاعدي على تكلفة المعيشة. علماً أن إرتفاع أسعار النفط يجعل الإنتاج والنقل أكثر تكلفة، ويُقلل من القدرة الشرائية للمستهلكين، وقد كانت البنوك المركزية تتوقع إنخفاض التضخم بشكل حاد هذا العام، على أساس أنه لن يكون هناك تكرار لزيادة تكاليف الطاقة في العام الماضي، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن تهدد حركة أوبك + بجعل إنخفاض التضخم شأناً مطولاً، بحسب الصحيفة البريطانية.
ردة فعل على سياسة الإغراق
الخبير الإقتصادي الدكتور ربيع ياغي: ردة فعل أوبيك+ بخفض إنتاج النفط سببه إغراق الأسواق
يشرح الخبير الإقتصادي الدكتور ربيع ياغي لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «في الفترة الأخيرة حصل إغراق في سوق النفط الخام، وأدى إلى تراجع في الأسعار، ووصل سعر برميل النفط الاميركي إلى حدود الـ 60 دولاراً والبرند إلى 69 دولاراً»، موضحاً أن «هذا التراجع في الأسعار هو نتيجة الإغراق الذي كانت تعانيه أسواق النفط العالمي، وحالة الإنكماش الإقتصادي الذي تعانيه دول أوروبا، وعملية ترشيد الإستهلاك في الصين واللجوء إلى المخزونات الإستراتيجية، عند الدول الكبرى وتصريفها في السوق، وإستعمال الولايات المتحدة للإحتياطي النفطي لديها لتخفيض الأسعار وإغراق أسواق النفط وتراجع الأسعار».
يضيف د. ياغي: «لذلك كانت ردة فعل أوبيك+ بأن تتخذ موقفاً بخفض الإنتاج منذ أول أيار/مايو 2023، بمعدل مليون و 600 ألف برميل يومياً، وروسيا ستخفض 900 ألف برميل، والمملكة العربية السعودية 500 ألف برميل، والدول الباقية بحسب قدرتها. وهذا التخفيض سيبقى مستمراً لغاية آخر العام 2023 «، لافتاً إلى أن «ذلك أدى إلى نوع من التوازن في الأسعار بين العرض والطلب، لذلك، فإن الأسعار إرتفعت ولم يعد في مقدور الولايات المتحدة وكندا، إستعمال مخزونهما الإستراتيجي لتخفيض الأسعار، وتزويد أوروبا بحاجتها من النفط، بل على العكس، هذه الدول باتت بحاجة إلى إعادة بناء مخزونها الإستراتيجي».
يضيف د. ياغي:»هذا ما حاولت هذه الدول القيام به حين كانت الأسعار منخفضة، لكنها لم تستكمل بناء المخزون، لذلك نرى الكباش الحاصل بين أوبيك+ والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي. فالأسعار الحالية متوازنة وهي في حدود 80 دولاراً. والإرتفاع الذي يمكن أن يكون مضراً فعلياً، في الأسواق العالمية المستهلكة والمستوردة للنفط، هو حين يتجاوز سعر البرميل 90 دولاراً»، شارحاً أن «هذا يعني بالإضافة إلى الإنكماش والركود الإقتصادي الحاصل، فإن إرتفاع أسعار المحروقات سيزيد من التضخم والإنكماش. وأوبيك+ لا تنوي أذية الإقتصاد العالمي بل يهمها أن يكون متعافياً لزيادة الإستهلاك، لكن هدفها خلق توازن ووقف تدهور أسعار النفط، بينما الدفع الأميركي مع الإتحاد الأوروبي، هو بإتجاه تخفيض الأسعار وإعادة بناء مخزونات إستراتيجية، تمّ إستهلاكها منذ منتصف العام 2022 وحتى اليوم».
ويختم د. ياغي قائلاً: «ما يحصل اليوم في سوق النفط هو إغراق الولايات المتحدة للأسواق الأوروبية للنفط في ظل الحرب الأوكرانية – الروسية الدائرة، وشراكة سياسية إستراتيجية قائمة بين معسكر مؤيد لروسيا، وآخر موال للولايات المتحدة. في النتيجة، ثمة حرب بالوكالة بين الأيديولوجيات».
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة: القرار لن يُفيد على المدى الطويل لأن رفع السعر سيُزيد التباطؤ الإقتصادي العالمي
من جهته يرى الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «قرار أوبيك+ هدفه تحقيق مصالحها الخاصة عبر تخفيض الإنتاج لرفع السعر وتأمين مداخيل أكبر. علماً أن دول أوبيك+ تخاف من التباطؤ في النمو العالمي، وهذا يعني أنه سيؤثر على العرض والطلب في سوق النفط»، معتبراً أن «هذا القرار لن يُفيد على المدى الطويل، لأن رفع سعر النفط سيزيد من التباطؤ الإقتصادي العالمي، ومن تباطؤ إقتصادات الدول الفقيرة».
يضيف د. حبيقة: «كان يمكن التمهل في تطبيق هذا القرار حتى نهاية العام الجاري، وخصوصاً أن البنك وصندوق النقد الدوليين يحذران من مزيد من التباطؤ في الإقتصاد العالمي، ورفع أسعار النفط سيزيده بالتأكيد»، مشيراً إلى «أن هذا القرار له حسابات سياسية، وخصوصاً أن روسيا مشاركة فيه، وتخفيض الإنتاج لا يعني زيادة الإيرادات لأنه سيخفّض الإستهلاك».
ردود فعل إيجابية
وقد أبدت مصافي التكرير الآسيوية إرتياحاً شديداً لقرار تحالف أوبك+ الأخير، بخفض الإنتاج بصورة مفاجئة. ويصبّ قرار أوبك+ في صالح المصافي الآسيوية التي لا تفضّل إنخفاض أسعار النفط الخام، بصورة مفاجئة خشية التأثير في عائداتها من بيع المشتقات المكررة، وفقًا لمنصة إس آند بي غلوبال المتخصصة (S&P global platts). وتشتبك مصلحة مصافي التكرير الآسيوية مع مصالح تحالف أوبك+ بصورة كبيرة ،تجعلها لا تحبّذ أي إنخفاض حادّ أو سريع في أسعار النفط العالمية.
وغالباً ما تحتفظ مصافي التكرير الآسيوية بمخزونات ضخمة من النفط الخام، ما يعني أن أيّ إنخفاض سريع في أسعار النفط يعود عليها بالضرر بصورة خسائر كبيرة في تكرير المخزون وبيعه بالأسعار الجديدة. وتستفيد المصافي من الحالة العكسية، التي تزيد فيها أسعار النفط بصورة فجائية عن أسعار المخزون المتعاقد عليه منذ أشهر عدة؛ ما يحقق لها عوائد أعلى من تكرير المخزونات وبيعها بالأسعار الأحدث.
على الجانب الآخر، تخشى شركات تسويق المشتقات النفطية في آسيا من إرتفاع أسعار النفط فوق 90 دولاراً للبرميل؛ ما قد يؤدي إلى إنخفاض الطلب الإقليمي نتيجة ضعف ثقة المستهلك الذي يعاني معدلات تضخم مرتفعة منذ الحرب الأوكرانية. وتخشى مصافي التكرير الآسيوية، في حال إنخفاض أسعار النفط، من إضطرارها إلى بيع المنتجات المكررة بأسعار أقلّ بكثير مما دفعته في شراء الخامات المخزّنة خلال الأشهر الماضية. وتفضل المصافي هبوط الأسعار بصورة تدريجية، مما يسهل معها التحوط من التكاليف المستقبلية، وحماية مخزونات النفط من التعرض لخسائر كبيرة ومفاجئة.
وتضمن شركات التكرير في هذه الحالة هوامش ربحية معقولة من تصدير المنتجات المكررة، لا سيما المبيعات الفورية الشهرية، إضافة إلى المبيعات الآجلة، وفقًا لمدير التسويق في إحدى مصافي التكرير اليابانية. ويسود اعتقاد شائع، أن مصافي التكرير تفضل الأسعار المنخفضة للنفط حتى تتمكن من بيع البنزين والديزل والمشتقات النفطية بأسعار أرخص.
وكانت قد أعلنت المملكة العربية السعودية عن خفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً، كما أعلنت الإمارات العربية المتحدة خفضاً بمقدار 144 ألف برميل يومياً، بداية من مايو/أيار 2023، وحتى نهاية العام 2023. وصرّحت روسيا، إحدى دول تحالف أوبك+، بتمديد خفض إنتاجها من النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية العام 2023، تماشياً مع قرار أوبك+.
وسيُخفض العراق إنتاجه بواقع 211 ألف برميل يومياً، بينما ستخفض الكويت إنتاجها بمقدار 128 ألف برميل يومياً، أمّا عمان فستخفض إنتاجها بمقدار 40 ألف برميل يوميًا. كما أعلنت قازاخستان خفض إنتاجها بمقدار 78 ألف برميل يومياً، بينما أعلنت الجزائر خفض إنتاجها بمقدار 48 ألف برميل، أمّا الغابون فكانت أقلّ الملتزمين بخفض الإنتاج بمقدار 8 آلاف برميل يومياً.
على الجانب الآخر، يفضّل المستهلكون إنخفاض أسعار النفط الخام، لإنعكاسها بصورة مباشرة على أسعار الوقود المتحكمة في تكاليف النقل والشحن وأسعار السلع والمنتجات الغذائية ومستلزمات الحياة اليومية وغيرها.