«أوبيك+» تُخفّض الإنتاج بدءاً من (ت2) 2022
قرار تقني بتداعيات إقتصادية
تُشكل أزمة الطاقة مصدر إزعاج لكثير من دول العالم، منذ إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وفي مقدّمها دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وخصوصاً بعد قرار أوبيك+ الأخير (في شهر تشرين الاول/ أوكتوبر)، تخفيض إنتاجها نحو مليوني برميل يوميا، بدءاً من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. ويُتوقع أن تكون هناك خطوات لاحقة، في ظل عدم وضوح الرؤية العالمية، حول تطوُّرات إقتصادية يُمكن أن تحصل خصوصاً في الصين (تراجع النمو)، وتوقعات الركود في أوروبا والولايات المتحدة.
ثمّة مخاوف أيضاً في شأن إمدادات الكهرباء، خلال فصل الشتاء في دول الإتحاد الأوروبي، التي تستعد لتقشف «مستدام»، وتخفيض «طوعي» (تعليق الأنشطة التي أصبحت غير مربحة بسبب تكلفة الطاقة)، أو تقنين مرسوم من قبل الحكومات، مما سيُؤدي إلى إنخفاض إستهلاك الطاقة، ويتبعه إنخفاض الإنتاج وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي. وسيكون من الصعب على دول أوروبا تجنُّب الركود العام المقبل، إذ يتوقع الخبراء تباطؤاً حاداً في الإقتصاد، بدءاً من الربع المقبل من السنة الجارية، في جميع أنحاء منطقة اليورو، لذلك تُحاول المفوَّضية الأوروبية إحتواء أزمة الطاقة بأي ثمن.
بحسب الخبراء الإقتصاديين، من المرجّح أن تكون ألمانيا الدولة الأكثر معاناة من أزمة الطاقة هذه. وتالياً يُتوقع حدوث إنخفاض في الناتج المحلي الإجمالي. فألمانيا في حالة ركود صناعي بالفعل، ويرجع ذلك على وجه الخصوص، إلى مشاكل الإمداد المرتبطة بالصين. ومع ذلك، لا تزال حالات التعثُّر عند مستوى منخفض للغاية، لأن الحكومة وضعت خطة بقيمة 65 مليار دولار لمساعدة الشركات.
كل هذه التطورات الإقتصادية لها علاقة، بشكل أو بآخر بقرار «أوبيك +» بتخفيض إنتاجها مليوني برميل يومياً بدءاً من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. إلاَّ أن التخفيضات الحقيقية ستكون بين مليون إلى 1.1 مليون برميل يومياً، وستكون حصّة كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت من التخفيض حوالي 800 ألف برميل. إذ إن الدول الخليجية الثلاث يُمكن الإعتماد عليها لتحمل أكبر حجم من التخفيضات، لأنه ثبت إلتزامها بنسبة 100 % خلال الأشهر السابقة.
يصف الخبراء الإقتصاديون قرار «أوبك بلس» بـ «الإيجابي»، وسط محاولة موازنة بين العرض والطلب، ورسالة واضحة لأسواق النفط، بأن التحالف يُراقب السوق ويدرسها، وخصوصاً أن التباطؤ الإقتصادي في الصين والدول الأخرى المتقدمة، يُشير إلى هبوط الطلب على النفط، لذلك فإن القرار سينعكس على دعم أسعار النفط. وهو من قرارات «أوبك+» الإستباقية، وخطوة أولى للحفاظ على إستقرار الأسعار، والعمل على تصحيح الخلل الذي أصابها بعد هبوطها بقوة، وهذا تطوُّر غير مقبول في ظل تضخم مرتفع، وإحتمال ركود إقتصادي في العالم.
مجلة «إتحاد المصارف العربية»، تحدثت إلى عدد من الخبراء الإقتصاديين والنفطيين، الذين أوضحوا خلفيات قرار «أوبك+»، وتأثيراته على الإقتصاد العالمي، وأجمعوا على أن أسبابه، تقنية- إقتصادية وسياسية في آن واحد.
الخبير النفطي ربيع ياغي:
القرار حلٌّ عادل حول إنتاج الطاقة وأسعار النفط
يُفسّر الخبير النفطي ربيع ياغي قرار «أوبيك+» من زاويتين، ويقول لمجلة «إتحاد المصارف العربية»: «إن هدف القرار هو إعادة التوازن ما بين العرض والطلب، لأنه حصل إرتفاع في الطلب على النفط والغاز، وأنواع الفيول في بداية الحرب الروسية – الاوكرانية، بعدها بدأ هذا الطلب بالتراجع، وأدى إلى فائض في السوق، فتمّ إستعماله من قبل الدول الاوروبية، والولايات المتحدة لبناء مخزونات إستراتيجية خاصة بها، ووصلت كمياتها إلى الحدّ الأقصى»، لافتاً إلى أن «هذا التطور ليس لصالح الدول المنتجة، فقررت بناءً عليه إعادة التوازن ما بين العرض والطلب، عبر خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل، بدءاً من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022».
ويُشير ياغي إلى أن «هذا الأمر سيُؤدي بالدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي إلى السحب من مخزونها الإستراتيجي للنفط، لتعويضها لاحقاً حين تنخفض أسعار النفط والطاقة عالمياً».
يضيف ياغي: «لهذه الخطوة أبعاد جيوسياسية، ولا سيما موقف السعودية وروسيا، من الحرب الروسية – الأوكرانية، كونهما أكبر قطبين في «الأوبيك+». وهي رد على المقاطعة والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على روسيا، من خلال حياد دول منظمة «أوبيك+» عن هذه العقوبات»، معتبراً أن «هذه الخطوة هي محاولة لإعادة التوازن الثابت بينها وبين روسيا، وحلّ عادل حول إنتاج الطاقة وأسعار النفط كي لا تنهار، وهذا ما يُناسب كل دول «أوبيك+» مجتمعة، سواء روسيا أو السعودية أو الإمارات أو قطر. والسعر العادل يُوازي الطلب العادل، بعد تراجع الطلب العالمي على النفط، بسبب التضخم والحرب والإنكماش الإقتصادي العالمي وإرتفاع أسعار الطاقة عالمياً».
يرى ياغي أنه من النتائج المتوقعة والمرافقة لهذا القرار، «ركود إقتصادي وتضخُّم وترشيد الطاقة. أما النتائج المباشرة فهي إرتفاع في أسعار الطاقة على أبواب الشتاء، وستضطر دول العالم للقيام بترشيد إستهلاك الطاقة في دولها مع زيادة الأسعار، وستحصل فوضى إقتصادية في ملف الطاقة في كل دول العالم، والثمن سيدفعه المواطن وخصوصاً في الدول غير المنتجة والمستهلكة سواء غرباً أو شرقاً»، مشدّداً على أن «الدول المنتجة ستتأثر من خلال إرتفاع فاتورتها الإستهلاكية، وإن كانت أسعار الطاقة فيها ليست بالدرجة عينها للدول غير المنتجة. وكل ما هو متعلّق بالطاقة فيها سيتأثر وسترتفع أسعاره، والدول المستوردة للمواد الغذائية والصناعية، ستتأثر سلباً بسبب إرتفاع أسعار البضائع نتيجة إرتفاع أسعار الطاقة».
ويختم ياغي: «صحيح أن الدول المنتجة للنفط ستُحقق أرباحاً، لكن ستدفع من جهة أخرى، ثمن إرتفاع أسعار النفط وتأثيره على كل عملية الإنتاج، وهذا ما سيشمل كل دول العالم ولكن بدرجات متفاوتة».
الخبير الإقتصادي روي بدارو:
بدارو: التأثير السلبي للقرار سيكون محدوداً في ظل الإنكماش الإقتصادي المتوقع حصوله
من جهته، يعتبر الخبير الإقتصادي روي بدارو «أن قرار «أوبيك+» يغلب عليه الحسابات السياسية»، موضحاً لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «القرار بتخفيض الإنتاج اليومي لـ «أوبيك +» بمليوني برميل، هو إشارة سياسية بإتجاه الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب البرودة الحاصلة في العلاقات السعودية- الاميركية، لكن لا تأثير لهذا القرار على الإقتصاد العالمي وعلى سعر النفط، الذي بقي ما بين سعر 99 دولاراً و89 دولاراً للبرميل، ثم تم تثبيته على سعر 93-94 دولاراً، وهذا السعر كان سائداً سابقاً».
يُضيف بدارو: «صحيح، أن هذا القرار تسبّب بذعر الإقتصادات الصناعية، لكن أعتقد أن تأثيره السلبي سيكون محدوداً، في ظل الإنكماش الإقتصادي المتوقع حصوله عالمياً، بعد زيادة الفوائد الأميركية وإستمرار رفع أسعار الفائدة من قبل الإحتياطي الفيدرالي، وبسبب توافر البديل عن هذا الإنتاج في حال كانت الحاجة لذلك».
هايتايان: إنخفاض الإنتاج بسبب إنخفاض النمو
الأسباب والتداعيات تقنية وسياسية واقتصادية وهذا ما إلى هذه النتيجة
ترى الخبيرة النفطية لوري هايتايان لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «تخفيض الإنتاج خلق توتراً بين الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية ومجموعة «أوبيك +»، موضحة أن «قرار تخفيض الإنتاج كان بسبب التوقُّعات، بإنخفاض نسب النمو عالمياً، وإزدياد الركود والتضخم، مما يُسبّب بتراجع الطلب على الطاقة. لذلك من الأفضل تخفيض نسب الإنتاج، إلى أن يحصل نوع من النمو، عندها يكون لهذه الدول القدرة على الإنتاج وتلبية متطلبات السوق».
تضيف هايتايان: «خلال الشهور السابقة، هناك الكثير من دول «الأُوبيك+»، كانت تُنتج نفطاً أقل من «الكوتا» المسموحة والمحدّدة لها، وتقنياً، سيكون الإنخفاض نحو مليون برميل، يُضاف إليه تراجع إنتاج الدول الذي كان حاصلاً قبل القرار».
وتختم هايتايان: «إن الأسباب والتداعيات تقنية وسياسية وإقتصادية، وهذا ما أدى إلى هذه النتيجة».
الخبير النفطي فؤاد الأنسي: خلاف جيوسياسيط
المتضرر الأكبر هو ألمانيا التي تعتمد صناعاتها على النفط الروسي
يرى الخبير النفطي فؤاد الأنسي لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «نتيجة هذا القرار سيُعاود سعر برميل النفط إلى الإرتفاع، وخصوصاً بأن التخفيض سيكون مليوني برميل، وهذا رقم كبير، ويعكس الخلاف الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإن كانت تداعياته إقتصادية».
يضيف الأنسي: «إن الولايات المتحدة تريد بقاء الإنتاج على حاله، وزيادته كي لا تتضرّر صناعاتها، في حين أن دول «أوبيك+» ومنها المملكة العربية السعودية، تريد زيادة السعر لزيادة المدخول، وخصوصاً أن لديها مشاريع إنتاجية كبيرة، وبرامج تنمية تمتد لعشر سنوات».
ويتوقع الأنسي أن «تكون التداعيات الكبرى للقرار على إقتصادات الدول الأوروبية، التي بدأت ترشيداً لكل أنواع الطاقة، والمتضرّر الأكبر هو ألمانيا التي تتّكل صناعاتها على النفط الروسي، وهي ترغب بأن لا تستغني عن الإنتاج الروسي، في حين أن فرنسا تُصرّ على أن تستغني كل دول أوروبا عن النفط الروسي».
براكس: خلاف سياسي
الرد الأميركي 15 مليون برميل يومياً
قرار أوبيك سيُساهم برفع أسعار النفط وسيصل البرميل إلى 100 دولار
من جهته، يرى الخبير النفطي الدكتور جورج براكس، لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «هناك معطيات عدة تؤثر على تخفيض إنتاج الأُوبيك للنفط، ومنها الرد الأميركي بضخ 15 مليون برميل من إحتياط النفط الإستراتيجي لدى الولايات المتحدة إلى أسواقها»، مشيراً إلى أن «هناك عاملاً آخر هو أنه بقي نحو شهرين، لتنفيذ قرار دول الإتحاد الاوروبي بوقف إستيرادها للنفط الروسي، الذي يبلغ 700 ألف برميل يومياً».
ويلفت د. براكس إلى أن «روسيا تحتاج الى أسواق بديلة، ومنها أسواق الصين والهند، كما أن الأوروبيين يحتاجون الى مصادر بديلة، ممّا سيزيد الضغط في الأسواق الدولية على النفط وإرتفاع سعره».
يضيف د. براكس: «إن البنك الفيدرالي الأميركي كان يرفع معدّلات الفوائد، لكنه إتّخذ قراراً بوقف هذا الرفع، ممّا يعني أن الدولار لن يُعاود الإرتفاع في الأسواق العالمية، وهذا سيُساهم في زيادة الطلب على النفط، لأن الفاتورة النفطية هي بالدولار، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتراجع الإقتصاد الدولي وإنكماشه، وتراجع النمو في الصين، وزيادة أسعار النفط عالمياً، ما يعني تراجع الإستهلاك».
ويختم د. براكس: «إن قرار «أُوبيك» حكماً، سيُساهم برفع أسعار النفط، وسيصل البرميل إلى 100 دولار، رغم الإنكماش الإقتصادي الحاصل، وهذا ما سيُؤثر سلباً على الإقتصاد العالمي».