بمشاركة متخصصين من 30 دولة عربية وأوروبية وخبراء
من المنظمات الإقليمية الدولية بينها إتحاد المصارف العربية
إجتماع تخصصي لـ «مكافحة الفساد والجرائم الإقتصادية» في روما
د. فتوح: المتطلّبات التنظيمية العالمية المعقّدة تجعل القطاعات المصرفية من أهم ساحات القتال ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
نمو الأصول المشفّرة والخدمات المرتبطة بها يُثير مخاوف حيال الإستقرار المالي
نظمت وكالة الإتحاد الأوروبي للتدريب على إنفاذ القانون، بالتعاون مع أكاديمية الشرطة الإقتصادية والمالية في إيطاليا، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، في مقر الأكاديمية، في العاصمة الإيطالية روما، على مدار ثلاثة أيام، فعاليات حول «مكافحة الفساد والجرائم الإقتصادية» بمشاركة خبراء من 30 دولة عربية وأوروبية، بالإضافة إلى نظرائهم من منظمات إقليمية ودولية، بينها إتحاد المصارف العربية ممثلاً بالأمين العام الدكتور وسام حسن فتوح.
د. فتوح
في الكلمات، تحدث الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام حسن فتوح فقال: «تواجه البنوك والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، متطلبات تنظيمية متزايدة ومعقّدة، وزيادة التدقيق في أطر الإمتثال (الإلتزام) الخاصة بها، ولا سيما في ما يتعلق بقضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتفرض هذه البيئة التنظيمية العالمية المعقّدة والمتطلبة للغاية، مزيداً من المتطلّبات من الجهات التنظيمية والبنوك المراسلة، مما يجعل الإمتثال أحد أكثر القضايا صعوبة وتعقيداً في جميع أنحاء العالم، ويجعل القطاعات المصرفية واحدة من أهم ساحات القتال ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب».
وأعلن د. فتوح «أننا في الإتحاد حرصاء دائماً على المشاركة في مثل هذه الفعاليات والملتقيات، لعرض تجربتنا في التعامل مع القوانين والأنظمة الدولية، وخصوصاً تلك المتعلقة بقضايا الإمتثال ومكافحة الجرائم المالية»، مشيراً إلى «أهمية دور إتحاد المصارف العربية بإعتباره منظمة عربية إقليمية، تأسست في العام 1973، حيث نحتفل هذا العام (2023) باليوبيل الذهبي للإتحاد، والذي يضمُّ في عضويته 340 مصرفاً عربياً، بالإضافة إلى البنوك المركزية العربية، والإتحادات المصرفية، مما يجعله أكبر إتحاد مصرفي ومالي في المنطقة العربية».
وقال د. فتوح: « لقد أقام إتحاد المصارف العربية UAB، روابط وثيقة للغاية مع المنظمات والمؤسسات المالية الدولية والهيئات التنظيمية العالمية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة، ولجنة بازل، والإحتياطي الفيدرالي الأميركي، والخزانة الأميركية، والبنك المركزي الأوروبي والبنوك الأوروبية. كما أن الإتحاد هو عضو في المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة (UN ECOSOC)، وتالياً، فإن إتحاد المصارف العربية هو واحد من أهم المهتمين الرئيسيين في ما يتعلق باللوائح والأنظمة والمعايير المالية والمصرفية العالمية، وهو يتابع عن كثب التطورات التنظيمية والرقابية العالمية، من أجل نشر الوعي وتعزيز الروابط بين البنوك العربية والأنظمة المالية والمصرفية الدولية».
أضاف د. فتوح: «تشهد الجرائم المالية تطوّرات كبيرة على مستوى العالم، إذ تجلّت في الأساليب التي يستخدمها المجرمون لإضفاء الشرعية على أموالهم غير المشروعة، بما في ذلك إستغلال الهياكل المؤسسية المعقّدة، فضلاً عن الأشكال الجديدة والمتنوعة والأساليب المبتكرة في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإستغلال الثغرات في وسائل الدفع الحديثة».
وتابع د. فتوح: « في ضوء ذلك، لا تزال البنوك والمؤسسات المالية، تمثل الهدف الرئيسي لمرتكبي الجرائم المالية، ولا سيما غاسلي الأموال وممولي الإرهاب، الذين يسعون بإستمرار وبقوة لإجراء سلسلة من العمليات المصرفية البسيطة أو المعقّدة، لإختراق النظم المالية وإخفاء مصادر أموالهم القذرة. ومع التطوّر المستمر للخدمات والمنتجات المصرفية، وزيادة التعقيد، وخصوصاً في ضوء الرقمنة والتحوّل التكنولوجي، فإن ذلك يُوفر المزيد من الفرص لمرتكبي الجرائم المالية والأنشطة المالية غير المشروعة».
وقال: «من التطورات المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها، قانون مكافحة غسل الأموال الجديد (AMLA) لعام 2020»، لافتاً إلى أن هذا القانون يُوسع سلطة الحكومة الأميركية للحصول على معلومات من المؤسسات المالية الأجنبية (بما في ذلك بالطبع المؤسسات المالية العربية)، ويُخوّل القانون وزارتي الخزانة والعدل الأميركية إستدعاء المؤسسات المالية الأجنبية التي تحتفظ بحسابات بنكية مراسلة، وبسجلات البنوك الأجنبية في ما يتعلق بتحقيق أميركي في الجرائم المالية، ويُطلب من المؤسسة المالية الأجنبية تقديم السجلاّت التي بحوزتها، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه السجلات مرتبطة بمعاملة تتعلق بالولايات المتحدة أم لا».
أضاف د. فتوح: «إن عدم الإمتثال لطلب الإستدعاء، يُعرّض البنك الأجنبي لغرامات وفقدان العلاقة مع المصارف المراسلة، وهو في الواقع يشكل عواقب وخيمة للغاية. فهناك حاجة للتركيز راهناً على هذا الحكم وتقييم الطريقة المناسبة للإمتثال»، مشيراً إلى «أن قانون مكافحة غسل الأموال المشار إليه يُعد بمثابة «الإصلاح الأكثر شمولاً» لقوانين مكافحة غسل الأموال منذ بدء قانون السرّية المصرفية في العام 1970، وقد وسّع سلطة الحكومة الأميركية للحصول على المعلومات من المؤسسات المالية الأجنبية. علماً أن أي تعارض مع حكم ما في شأن السرية الأجنبية أو قانون السرية، لن يكون أساساً وحيداً لإلغاء أو تعديل أمر الإستدعاء، مما قد يؤدي على الأرجح إلى إشتباكات مستقبلية في المحاكم تشمل البنوك الأجنبية من البلدان التي سنّت حظراً تقييدياً أو سرّية أو قوانين تتعلق بخصوصيتها المصرفية».
وأشار د. فتوح إلى أنه «عند دراسة التحدّيات التي تُواجه البنوك في الوقت الحاضر، من الضروري تسليط الضوء على الرقمنة والتحوّل الرقمي والتكنولوجيا المالية، وأصول التشفير والعملات الرقمية على وجه الخصوص. فهناك إهتمام عالمي متزايد اليوم، لا سيما من قبل السلطات التنظيمية الدولية، بالتوسع الكبير في مجال العملات الرقمية والأصول المشفرة. وتشير أحدث البيانات إلى أن إستخدام الأصول المشفرة ينمو بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، حيث بلغ حجم المعاملات حوالي 16 تريليون دولار في العام 2021، بزيادة قدرها حوالي 570% مقارنة بالعام 2020.
وفي ظل هذا النمو الهائل في عمليات تبادل الأصول المشفرة، ليس من المستغرب أن المزيد من المجرمين وغاسلي الأموال ومموّلي الإرهاب، يسعون إلى إستخدام هذه الأصول لإخفاء مصادر أموالهم، وتحويلها عبر قنوات ومؤسسات مختلفة الأنظمة المالية حول العالم، وتالياً، حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الأصول المشفّرة على أنها تهديد لفعالية نظام العقوبات الخاص به، وركّزت مراجعة عقوبات الخزانة الأميركية في العام 2021 على الدور الذي تلعبه الأصول المشفّرة في إنفاذ العقوبات، وأشارت إلى أنه إذا تُركت هذه الأصول دون رادع، فإنها يُمكن أن تضرّ بقوة بفعالية عقوبات وزارة الخزانة الأميركية».
وخلص الدكتور فتوح إلى القول: «لقد أعلنت لجنة بازل في يونيو/ حزيران 2022 الإصدار الثاني من الوثيقة الإستشارية في شأن إدارة التعرّض لأصول التشفير، وصرّحت اللجنة أن نمو الأصول المشفّرة والخدمات المرتبطة بها، يُمكن أن يثير مخاوف في شأن الإستقرار المالي، ويزيد من المخاطر التي تواجه البنوك. وشدّدت اللجنة أيضاً على الدرجة العالية من التقلّب في قيمة بعض الأصول المشفّرة، مما يشكل مخاطر جسيمة على البنوك ذات التعرّض العالي لها، بما في ذلك مخاطر السيولة والإئتمان والسوق والتشغيل (بما في ذلك مخاطر الإحتيال والإنترنت)، وبالطبع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والمخاطر القانونية، لذا نحتاج إلى حلول للتخفيف من هذه المخاطر».
وقال د. فتوح: «تمثل التكنولوجيا المالية وتطبيقاتها المختلفة، فرصاً وتحديات في الوقت عينه، للبنوك والمؤسسات المالية، حيث تتغيّر طبيعة ونطاق المخاطر المصرفية، كما هو مفهوم تقليدياً بسرعة، نتيجة الإعتماد المتزايد على التكنولوجيا المالية. ومع ذلك، في حين أن هذا التغيير قد يؤدي إلى مخاطر جديدة، فإنه يُمكن أن يفتح أيضاً فرصاً جديدة للبنوك والهيئات التنظيمية والعملاء والنظام المصرفي والإقتصاد الأوسع.
ونظراً إلى أن حجم مشكلة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب يُعرّض الإستقرار المالي العالمي لخطر جسيم، فإن المبادئ الأساسية للجنة بازل للإشراف المصرفي الفعال، تُوضح تماماً أن إستقرار النظام المالي، والسلامة المالية مرتبطان على نحو جوهري».
وختم د. فتوح قائلاً: «لذلك، فإننا نحث البنوك والهيئات التنظيمية على النظر في كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على سلامة وإستقرار النظام المصرفي، وتشجيع الإبتكار في القطاع المالي والمصرفي. وسيعزّز هذا النهج المتوازن، سلامة البنوك ومرونتها، والإستقرار المالي، وحماية المستهلك، والإمتثال للقوانين واللوائح، بما في ذلك قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من دون المساس بالإبتكارات المفيدة في الخدمات المالية، وخصوصاً تلك التي تستهدف الشمول المالي».
الحرفش
بدوره، أكد وكيل جامعة نايف العربية للعلاقات الخارجية خالد الحرفش «أن مكافحة الفساد ترتبط على نحو وثيق بالأمن الوطني»؛ مؤكداً «أن التعاون الدولي المنشود من خلال تبادل أكثر فعالية للمعلومات والتضييق على الملاذات الآمنة، وتتبع الأموال العامة المسروقة وإستردادها، يصعب أن يتحقق دون تضافر الجهود من جميع الأطراف، من حكومات ومنظمات دولية ومؤسسات متخصصة، بما فيها القطاع الأكاديمي».
وأوضح الحرفش «أن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، إنطلاقًا من مسؤولياتها كجهاز علمي لمجلس وزراء الداخلية العرب، قد وضعت مكافحة الفساد ضمن أولوياتها العلمية؛ حيث طرحت برنامج ماجستير النزاهة المالية الهادف إلى إعداد خبراء في مجال مكافحة الفساد وغسل الأموال، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من البرامج التدريبية المتخصصة مثل برامج التحقيق الجنائي الرقمي، كما نظمت العديد من الأنشطة العلمية من مؤتمرات وندوات وورش عمل استهدفت تنمية قدرات العاملين في مجال إنفاذ القانون. كما دشنت الجامعة مؤخراً بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، مركزاً متخصصاً في مقر الجامعة في الرياض، يهدف إلى أن يكون مركز الخبرة الإقليمي في مجال مكافحة الجريمة، بما فيها الفساد والجرائم المنظمة والعابرة للحدود، وذلك من خلال المساهمة في بناء سياسات وإستراتيجيات مبتكرة وأكثر تأثيراً، تستند إلى الأدلة وتستجيب للتحديات والتهديدات المستجدة»
يشار إلى أن الفعليات تهدف إلى التعرُّف على المفاهيم الأساسية ذات العلاقة بالفساد والجرائم الإقتصادية، ووسائل تفعيل التعاون الدولي والتنسيق بين الجهات المختصة بجريمة الفساد والجريمة الإقتصادية إقليمياً ودولياً، إضافة إلى مناقشة المعوقات التي تحد من مواجهة جرائم غسل الأموال والتقنيات الحديثة المستخدمة في التحقيق في الجرائم المالية، وعرض القوانين والأنظمة الإقليمية والدولية ذات العلاقة بمكافحة جرائم الفساد والجريمة الإقتصادية.
وتحدث في الفعاليات كل من: السفير أنطوني برنارديني، السفير والممثل الدائم لإيطاليا لدى المنظمات الدولية، والدكتور ناصر خالد الدوسري، أستاذ مساعد بالقانون الجنائي، وبابلو سالازار ميندياس، كبير مفتشي الشرطة الوطنية الإسبانية، وأخصائي مكافحة الفساد في اليوروبول، والعقيد روبرتو ريبودو، محاضر في المديرية العامة للعولمة والقضايا العالمية في مكافحة الفساد، والبروفسور إدوارد إيفانوف، خبير دولي في مكافحة الفساد، الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، وجورجيوس تشاسابيس، ضابط تدريب في الجريمة المنظمة والخطرة، وكالة الإتحاد الأوروبي للتدريب على إنفاذ القانون، وجابور بوتا، رئيس قطاع الجرائم الجسيمة، وكالة الإتحاد الأوروبي للتدريب على إنفاذ القانون، والعقيد أنطونيو ساسي، رئيس مكتب التحليل في وحدة شرطة العملات الخاصة، مدرسة الشرطة الإقتصادية المالية، والدكتور ناصر أباالخيل، الهيئة السعودية للرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، وأناستاسيوس دينيس، مقدم في الشرطة اليونانية، وأيونيس ياكوفيديس، ضابط في الشرطة اليونانية، والدكتور أوك ويليمز، مسؤول التعاون القضائي لدى بوروجيست، ومارين ماير، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وديمو غزوزديف، المحلل في مكتب المدعي العام الأوروبي، والقاضي حاتم علي، المدير الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة لدى مجلس التعاون الخليجي.