إستعادة الودائع الهمُّ الأكبر للمودعين والحلول لا تزال غير متوافرة

Download

إستعادة الودائع الهمُّ الأكبر للمودعين والحلول لا تزال غير متوافرة

مقابلات
العدد 500 - تموز/يوليو 2022

إستعادة الودائع الهمُّ الأكبر للمودعين والحلول لا تزال

غير متوافرة بعد مرور عامين على الأزمة

مرّ أكثر من عامين على الأزمة المالية والنقدية والإقتصادية غير المسبوقة التي يُعانيها لبنان، من دون أن يظهر بصيص أمل في كيفية إستعادة أموال المودعين، وخصوصاً أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لا تزال تتخبّط، ولم تتوصّل إلى خطة ناجزة للتعافي، وتُحاول تلافي الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لإنقاذ الوضع الإقتصادي، كونها موجعة للشعب اللبناني، وهذا أمر لا يُريد المسؤولون السياسيون تحمّل تبعاته الشعبية على أبواب الإنتخابات النيابية المقبلة.

إذاً، جُلّ ما يحصل عليه المودعون اللبنانيون من ودائعهم منذ بداية الأزمة، هو بضع مئات من الدولارات نتيجة تعاميم مصرف لبنان التي تسمح لهم بأخذ جزء من ودائعهم، إما بالدولار الـ Fresh (مبلغ محدود) أو بالليرة اللبنانية على سعر 12 ألف ليرة للدولار الواحد، وبمبلغ محدود أيضاً. ويبدو أن هذه الإجراءات ستستمر بعد رفض صندوق النقد الدولي الخطة (غير الرسمية) التي قدّمتها حكومة الرئيس ميقاتي لإعادة ودائع المودعين بالليرة اللبنانية تجنّباً للتضخم، وتالياً على مجلس الوزراء مجتمعاً إيجاد البديل، وهذا أمر لا يبدو أنه متوافر إلى الآن.

هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها المودعون، تجعل البحث مع الخبراء وأهل الإختصاص عن المخرج السليم لإستعادة المودعين أموالهم، أمراً مشروعاً، وعمَّا إذا كان هذا الأمر يُمكن أن يتحقق بشكل منفصل عن إيجاد حل شامل للأزمة الإقتصادية والمالية التي تتخبّط فيها بلاد الأرز. علماً أن السؤال الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليهم، هل هذه الودائع لا تزال موجودة أم تبخّرت، وأيضاً هل يُمكن للطرق القانونية أن تكون وسيلة لإستعادة هذه الودائع؟

يُقارب المختصون الجواب على هذه الأسئلة من زوايا مختلفة، لكنها غنية ويُمكن أن تشكل حلاً للحكومة اللبنانية إذا كانت تريد إنصاف المودعين، وعدم تحميلهم الجزء الأكبر من الخسائر (على غرار الخطة التي قدّمتها لصندوق النقد الدولي وتمّ رفضها)، علماً أن النقطة التي ينطلق منها هؤلاء المختصون هي ألاّ وجود لحل سحري لإنقاذ الودائع والقطاع المصرفي ككل، نظراً إلى حجم الخسائر غير المسبوق، بل من خلال  القيام بإصلاحات إقتصادية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. ويعتبرون أن باب الحل العادل والفعَّال (في الشق المتعلق بإعادة هيكلة المصارف) يبدأ بفصل نشاط المصارف التجارية عن محفظتها الإستثمارية، ومعالجة كل جزء على حدة لأنهما مختلفان، لأن دمجهما في مصرف واحد كان الخطيئة الأكبر، بمعنى آخر، المطلوب عملية إصلاحية تعيد القطاع إلى أساس العمل المصرفي الأصيل ودوره الحيوي في تمويل الإقتصاد، لا الإستثمار في المخاطر السيادية.

هل تبخرت الودائع؟

مارديني: دفع الودائع بالليرة اللبنانية HairCut

مقنّع رفضه صندوق النقد الدولي  لأنه سيزيد التضخم

يرى الخبير المصرفي الدكتور باتريك مارديني لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن الإجابة على السؤال «هل تبخرت الودائع» معقد، لأن المواطن حين يضع ماله في المصرف، فإنها لا تبقى فيه، بل يستخدمها لمنح قروض بفوائد، وأي مصرف في العالم يتعرّض لعمليات سحب مكثفة للودائع لا يمكنه ردها بسرعة»، لافتاً إلى أن «الفرق إذا كان إستخدام هذه القروض بطريقة جيدة، ويُمكن تسديدها فهذا يعني أن المصرف يُمكن ردّها للمودعين، وفي المحصّلة، فإن أموال المودعين ليست موجودة في المصارف،  ولكن الجواب على سؤال عمّا إذا كانت تبخرت مرهون بنوعية القروض التي أعطتها المصارف، وهل يُمكن إسترجاعها أم لا،  فإذا كان بإمكان المصارف إسترجاعها فهذا يعني أنها لم تتبخّر، ولو كانت غير موجودة، ولكن في حال تبين أن هذه المصارف لن تتمكن من إسترجاع هذه القروض، فهذا يعني أن هناك مشكلة ملاءة في المصارف».

 يضيف مارديني: «المصارف اللبنانية لديها مشكلة ملاءة، لأن القروض التي منحتها هي للقطاع العام بشقيه مصرف لبنان والحكومة اللبنانية، وهما غير قادرين على رد هذه القروض بالدولار اليوم، ما يعني أننا نعاني مشكلة ملاءة»، مشيراً إلى أنه «إذا أردنا معرفة إذا كانت هذه الودائع ستُرد للمودعين، علينا أن نعرف إذا كان المصرف المركزي سيرد الودائع للمصارف بالدولار أو سيستمر بردّها بالليرة اللبنانية،  وهل  ستدفع الحكومة اللبنانية سندات اليوروبوندز أم أنها ستستمر في التخلف عن الدفع؟»، ويرى أنه «إذا ردت هذه السندات، فهذا يعني أن جزءاً من أموال المودعين ستعود إليهم، وفي حال شُطبت فهذا يعني أنه لن تعود أموال المودعين».

 ويوضح مارديني أن «مصرف لبنان إستعمل ودائع اللبنانيين  قبل الأزمة من أجل الحفاظ على إستقرار سعر صرف الليرة، وبعد الأزمة عاد يستعملها في التعميم 161 من أجل  إستمرار إستقرار سعر صرف الليرة على 20 ألفاً، ولا نزال نستخدم الأسلوب عينه الذي أدى إلى الإنهيار المالي الحاصل، وقبل الأزمة وحتى صدور التعميم 161 حصل إهدار كبير جداً لهذه الأموال من خلال سياسة الدعم العشوائية التي استُعملت في بداية الأزمة، وجزء منها تم تهريبها من قبل النافذين إلى الخارج».

 

كيف نحل المشكلة؟

يعتبر مارديني أنه «لا يمكن حل مشكلة الودائع بعيداً عن الحل الشامل للأزمة اللبنانية، وعلى الدولة اللبنانية ومصرف لبنان إتخاذ القرار إذا كانا سيتمكنان من رد الديون بالدولار، وبعدها يجب أن تحصل جدولة لهذه الديون. وعلى الدولة اللبنانية أن يكون لديها فائض في الموازنة يُمكّنها من تقسيط خدمة الدين العام أو الحل الآخر وهو شطب الودائع أي الـ HairCut (الهيركات) على أموال المودعين»، مشدِّداً على أن «دفع الودائع بالليرة اللبنانية هو «هيركات» مقنّع، وهو ما رفضه صندوق النقد الدولي، لأن تحويل ما يزيد عن 50 مليار دولار من الودائع إلى الليرة اللبنانية، سيزيد التضخم بشكل كبير جداً. وعلى الدولة أن تقرر إذا كانت تريد التوصل إلى حل أم لا، وتغيير هذه الخطة المرفوضة».

 ويختم مارديني: «إذا كانت المصارف تملك فروعاً خارج لبنان، يُمكن رفع دعاوى قضائية عليها، ويُمكن حجز ممتلكاتها في الخارج، أما إذا لم يكن لهذه المصارف فروع في الخارج فإسترجاع الأموال سيزداد صعوبة.

لا يمكن الفصل

قطب: لا يمكن استعادة القطاع المصرفي لدوره إلا إذا تمت معالجة الودائع التي لا يمكن فصلها عن الأزمة الاقتصادية

يتشارك الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور مروان قطب مع مارديني الرأي، في أنه «من المستحيل الفصل بين خطة التعافي وإستعادة المودعين لأموالهم»، لافتاً لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، أن «صندوق النقد الدولي يمنح قروضاً ميسرة للدول، وهي مشروطة بإجراء إصلاحات هيكلية في إقتصاداتها الوطنية»، ويوضح أنه في «لبنان هناك أزمة إقتصادية ومالية ونقدية ومصرفية، ومن آثار أزمة المصارف هو عدم قدرتها على رد أموال المودعين، وتعطل دورها كمموّل للإقتصاد، وكنظام للمدفوعات على المستوى الداخلي والخارجي»، معتبراً أنه «لا يمكن للمصارف أن تستعيد دورها في الإقتصاد الوطني إلا إذا قامت بإجراءات لإصلاح هذا القطاع، ولا يُمكن إستعادة القطاع المصرفي لدوره، إلاّ إذا تمت معالجة ودائع الناس، ولا يُمكن فصل أزمة الودائع عن الأزمة الإقتصادية الموجودة، وهي مفتاح أساسي لإستعادة القطاع المصرفي لدوره، وتالياً لا يمكن للإقتصاد بالنهوض، إلاّ إذا كان لدينا قطاع مصرفي.

إذاً، هناك ترابط بين القطاع المصرفي والإقتصاد وخطة التعافي وصندوق النقد الدولي، ولا يمكن فصلها عن بعضها».

ويشرح قطب أن «المشكلة هي تحميل القسم الأكبر من الخسائر للمودعين عبر إجراء «هيركات» بطريقة أو بأخرى، عبر تقسيم وتصنيف الودائع إلى شرائح. المشكلة أن هناك أربعة أطراف معنية بتوزيع الخسائر هي: الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعون، وهناك تحميل الجزء الأكبر منها للمودعين، وإجراء «هيركات» قاس عليها لأن «ليلرة» الودائع هي من دون شك، نوع من إجراء «هيركات» عليها»، مشدِّداً على أنه «يجب ألاّ نتناسى أن هناك سبباً رئيسياً للخسائر الحاصلة، وهو إهدار الأموال، لأن أصل المشكلة هو إقتراض الدولة للأموال من القطاع المصرفي من خلال ودائع الناس، وعندما توقفت الدولة عن الدفع، فإن القطاع المصرفي توقف عن رد الودائع، وفقاً للأصول المصرفية، لذلك هناك أموال أُهدرت، ولا بد من تحميل مسؤولية إهدارها للطبقة السياسية، وكل من ساهم في إهدارها، وهذا يتطلب وجود قانون لإستعادة الأموال المهدورة وإنشاء صندوق للأموال المستعادة».

 يضيف قطب: «البعض يعتبر، أن ما نقول هو من الخيال، لكن لا يُمكن إصلاح الأوضاع الإقتصادية، إلا وفقاً لهذه الطريقة، لأنه لا بد من إجراء تدقيق مالي في كل المؤسسات العامة والمرافق العامة، ورفع السرية المصرفية عن حساباتها، والتدقيق الجنائي الذي يتركز على مصرف لبنان غير كاف، لأنه لا يشمل كل مؤسسات الدولة»، داعياً أيضاً إلى «رفع السرية المصرفية عن الشخصيات العامة التي تولّت المسؤولية في المؤسسات العامة خلال العقد الماضي، والتدقيق في الأموال التي حُوِّلت إلى الخارج، وبيان أسباب هذه التحويلات كي يتم تحديد مواطن الإهدار، وإستعادة هذه الأموال. وهذا أمر يتطلب تعاوناً وتنسيقاً دولياً، عندها يمكن تكوين صندوق للأموال المنهوبة وإعادتها إلى المودعين بشكل أساسي».

 ويعتبر قطب أنه «لا يمكن تحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسائر، مهما كانت المبرّرات، ومن الطرق الأخرى لإستعادة أموال المودعين، هي تحويل الودائع إلى أسهم في رأسمال المصارف، على أن تكون قابلة لتسييلها بعد مرحلة زمنية معينة»، لافتاً إلى أن «الطريقة الثالثة هي إنشاء صندوق سيادي يُدرج فيه أسهم الشركات التي تتولى إدارة المؤسسات العامة من إتصالات وكهرباء، ويُمكن لهذه الشركات التي تُدير هذه المرافق وفقاً لطريقة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذه الأسهم يكتتب فيها المودعون الذين أُهدرت أموالهم، بدلاً من إجراء «هيركات» قاس كما هو مطروح،  بل يتم إكتتابهم في هذه الاسهم لقاء هذه الأموال التي لم ترد لهم في الحال، وهذا إجراء يُعيد لهم جزء من حقوقهم ولو لفترة طويلة».

 ويرى قطب أن «القطاع المصرفي يُحاول أن يتحمل الجزء الأقل من المسؤولية، والدولة اللبنانية  تُحاول التنصل من المسؤولية أيضاً، وأي شخص أقرض الدولة يُمكنه رفع دعاوى أمام المحاكم الاجنبية والمطالبة بحقه، وخصوصاً بالنسبة إلى سندات اليوروبوندز التي تم الإصدار بالإستناد إليها»، مشيراً إلى أن «الاشكالية الكبرى هي أن القسم الأكبر من المكتتبين هم من المصارف، وهذا الأمر لن يتم، ولو حدث لكان تأثيره سلبياً على الوضعية المالية للدولة. هناك مصارف تقوم ببيع هذه السندات بأسعار منخفضة، ويُمكن لمن يشتريها أن يقوم لاحقاً برفع دعاوى قضائية، وحجز أموال الدولة اللبنانية في الخارج».

الطبقة السياسية مسؤولة

من جهته، يرى وزير المال السابق الدكتور جورج قرم لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «المشكلة في لبنان، هو وجود الطبقة الحاكمة عينها التي كانت سبباً في حجز أموال المودعين، وعليها إيجاد حل لهذه الودائع، وهذا أمر غير ممكن، لأنها مسؤولة عن كل مأساتنا، وهذا ما نبّهنا له على مدى السنوات الماضية، بأن هذا النمط الإقتصادي سيُوصل إلى التهلكة».

قرم: الوضع يحتاج إلى تغيير جوهري في الأداء السياسي

 ليتم بعدها البحث في خطة التعافي وكيفية إستعادة الودائع

 ويشدِّد قرم على أن «المصارف اللبنانية هي من بخّرت ودائع اللبنانيين، وبنظري الوضع يحتاج إلى  تغيير جوهري في الأداء السياسي، ليتم بعدها البحث في خطة التعافي وكيفية إستعادة الودائع»، معتبراً أن «المهم هو الإنطلاق من نقطة أساسية، هي كيف وإلى أين تبخّرت الودائع، ومَن هو المسؤول».

 ويختم قرم: «يجب البدء بالتحقيق أين وضعت أموال المودعين من قبل المصارف في المصارف الخارجية، والحل هو إستعادة الاموال التي تم تهريبها على مدار سنوات».

مجلة إتحاد المصارف العربية