ثمانون عاماً على مسيرة القطاع المصرفي المحلي، وقد أتى اتحاد مصارف الكويت ليكون المنارة لهذا القطاع الدائم التجدد ليواكب معه كل جديد ويرسم معه كل انطلاقة اقتصادية يكون الهدف الأسمى منها وضع القطاع المصرفي الكويتي دائماً وأبداً في مساره الطبيعي كواحد من أقوى القطاعات البنكية في العالم وقاطرة التنمية في دولة الكويت.
تأسس اتحاد مصارف الكويت بناء على اتفاقية موقعة بين رؤساء مجالس إدارات البنوك المحلية، بهدف توثيق التعاون والتنسيق بين المصارف الأعضاء وإبراز كيانها في المحيطين العربي والدولي، لخدمة مصالحها المشتركة والأهداف الوطنية وتطوير المهنة المصرفية.
نشأة الاتحاد
فهد عبدالرحمن البحر – أول رئيس مجلس إدارة لاتحاد مصارف الكويت – تحدث عن الأهداف الرئيسية للاتحاد منذ ولادته حتى اليوم، مستعرضاً دوره البناء في توثيق روابط التعاون بين البنوك المحلية، تحقيقاً لتطلعاتها المشتركة، وضمن إطار رؤية الدولة النقدية والاقتصادية.
وقال البحر: في فترة السبعينيات تنادى ممثلو البنوك لعقد أول اجتماع تنسيقي لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المصرفي المشترك، وشكلت حينها الاجتماعات المبكرة بدايات التعاون والتنسيق بين كل المصارف، وفي عام 1981 التقت إرادة ورغبة البنوك لإنشاء «لجنة المصارف الكويتية»، بحضور ممثلين عن بنك الكويت الوطني و«البنك التجاري الكويتي» و«بنك الخليج» و«البنك الأهلي الكويتي»، بالإضافة إلى «بنك برقان» وبنك الكويت والشرق الأوسط (البنك الأهلي المتحد حالياً).
وذكر أن هذا التاريخ شهد ميلاد لجنة المصارف، التي كان هدفها الأساسي دعم الروابط بين البنوك الأعضاء، وتوثيق أسس التعاون بينها، والتنسيق بين نشاطاتها، تحقيقاً لمصالحها المشتركة، مؤكداً على دور اللجنة آنذاك، حيث كانت حلقة الوصل ما بين المؤسسات المصرفية ووزارة المالية، وبنك الكويت المركزي لتنفيذ السياسة النقدية والمصرفية التي يضعها، وإبداء ما تراه البنوك الأعضاء من مقترحات في هذا الشأن.
واستعرض البحر عمل لجنة المصارف الكويتية التي ترأسها واستمرت لسنوات عدة قبل أن تصبح اتحاداً، مشيراً إلى أن اللجنة استطاعت أن تجمع كل البنوك المحلية لتساهم بشكل أو بآخر في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وأوضح خلال حديثه أن أول مصرف تأسس في الكويت هو البنك البريطاني للشرق الأوسط تحت مسمى «المصرف الإمبراطوري الإيراني»، ثم تغير مسماه إلى بنك الكويت والشرق الأوسط، وقد ترأس مجلس الإدارة حينها في 19 ديسمبر 1971.
مواكبة المتغيرات
أكد البحر على الدور الكبير الذي لعبه اتحاد مصارف الكويت وما زال في توفير أفضل فرص التدريب مباشرة أو بالتنسيق مع معهد الدراسات المصرفية للشباب وتشجيعهم على الانخراط في المؤسسات المصرفية.
وقال إن الاتحاد يسعى جاهداً إلى مواكبة المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم من خلال عقد دورات تدريبية لتنمية قدرات العاملين في مؤسسات القطاع المصرفي، وتقديم خدمات مصرفية مميزة للمجتمع الكويتي.
ولفت البحر إلى أن الاتحاد يمثل المصلحة المشتركة للقطاع المصرفي في ما يتعلق بالتشريعات والدراسات وغيرها من الأنشطة التي تخدم البنوك والقطاع الخاص عموماً، مشدداً على أهمية لجان الاتحاد المختلفة في وضع رؤية تشريعية مناسبة بالتعاون مع بنك الكويت المركزي لمصلحة المؤسسات المالية والمجتمع.
ركيزة أساسية
من جهتها، قالت مديرة العلاقات العامة في اتحاد مصارف الكويت شيخة العيسى خلال حديثها في البرنامج الوثائقي إن الاتحاد أُنشئ في 16 مايو 2001، بناء على القرار الوزاري رقم 82 ليحل مكان لجنة المصارف الكويتية التي تأسست في 12 ديسمبر 1981 بموجب اتفاقية بين رؤساء مجالس إدارات البنوك الكويتية.
وأكدت أن الاتحاد حريص على دعم الروابط بين البنوك المحلية، والبنوك الإقليمية والدولية، لتبادل الخبرات وتطوير الخدمات في القطاع المصرفي، بهدف تعزيز القطاع المالي في الكويت، مشيرة إلى أن الاتحاد ممثلاً بالبنوك الكويتية يشكل ركيزة أساسية في تنمية الاقتصاد الوطني، حيث يشارك في عملية إعداد الكثير من الدراسات الاقتصادية ومراجعة المقترحات بقوانين لمساعدة صانعي السياسات في اتخاذ القرارات الاقتصادية المناسبة.
المسؤولية المجتمعية
وأوضحت العيسى أن المسؤولية المجتمعية تعد ركيزة أساسية في إستراتيجية البنوك، حيث ساهم القطاع المصرفي في دعم المسؤولية المجتمعية بنحو 680 مليون دينار خلال السنوات الـ 30 الماضية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر فقد تبرعت البنوك الكويتية بالتنسيق من «بنك الكويت المركزي» بمبلغ 10 ملايين دينار لمؤازرة الحكومة في مكافحة جائحة كورونا.
22 لجنة نوعية
يهدف الاتحاد إلى دعم الروابط بين المصارف المحلية وتوثيق التعاون بينها والتنسيق بين نشاطاتها وإبراز كيانها في المحيطين العربي والدولي لخدمة مصالحها المشتركة والأهداف الوطنية وتطوير المهنة المصرفية.
وتنبثق عن الاتحاد 22 لجنة نوعية تمارس دورها في مناقشة ودراسة الموضوعات والقضايا التي تهم البنوك والقطاع المصرفي بشكل عام وفقاً لاختصاص كل لجنة، حيث تعتمد توصيتها من مجلس إدارة الاتحاد واللجنة التنفيذية المنبثقة عن مجلس الإدارة ولجنة الرؤساء التنفذيين للبنوك المحلية.
توحيد آلية منح القروض
وفي هذا الخصوص، أوضح عضو لجنة المستشارين القانونيين لدى اتحاد مصارف الكويت أ.د. فايز الكندري أن من ضمن لجان الاتحاد لجنة القروض المعنية بالتنسيق بين جميع البنوك لتوحيد الآليات وجميع القواعد الخاصة لمنح القروض للمواطنين وغيرهم.
وأضاف: من مهام اللجنة أيضاً مواجهة التحديات التي قد تعتري منح القروض، لتسهيل منحها للمواطنين من جهة، وضمان قدرة من يحصل عليها على السداد بأريحية من دون أي عقبات أو تحديات من جهة أخرى. كذلك من اختصاص اللجنة استقبال المقترحات والتوصيات المتعلقة بتطوير عمل منح القروض، بعد أن بدأت تأخذ منحنى آخر من خلال التطبيقات الإلكترونية من دون حاجة العميل إلى زيارة أفرع البنك لطلب القروض.
تطوير المنظومة التشريعية
من جهة أخرى، أكد الكندري أن من ضمن اللجان الأخرى المهمة في اتحاد مصارف الكويت هي لجنة المستشارين القانونيين، والتي تضم كل مستشاري البنوك المحلية في لجنة واحدة تتميز بقوتها وملاءتها وخبراتها وتخصصاتها المتعددة.
وأوضح أن اللجنة المذكورة معنية بالتنسيق بين كل البنوك لحلحلة القضايا والمسائل المشتركة، إلى جانب اقتراح القوانين والمساهمة في التشريعات وخلافه.
وذكر أن تلك اللجنة استطاعت أن تساهم في تطوير المنظومة التشريعية في الكويت بالتعاون مع لجان مجلس الأمة والجهات الحكومية، عبر التواصل أيضاً مع مؤسسات المجتمع المدني لاقتراح القوانين وتعديل القائم منها.
وأكد أن اللجنة تمكنت خلال أزمة كورونا أن تستمر في عملها عبر التواصل عن بعد لحلحلة كل العقبات أمام البنوك لضمان توفير خدماتها المالية والمصرفية للمواطنين والمقيمين خلال حالات الإغلاق والحظر الكلي.
المساهمة بالتشريعات
وقال الكندري إن لجنة المستشارين القانونيين إلى جانب دورها في تعديل التشريعات تنظر أيضاً في المقترحات التي تقدم من جهات عديدة، سواء كانت مشاريع قوانين مقدمة من جهات حكومية أو اقتراحات بقوانين، أو تنسيقاً ما بين اتحاد مصارف الكويت وبقية الاتحادات، مثل اتحاد شركات الاستثمار، واتحاد العقاريين، فضلاً عن غرفة التجارة والصناعة وجمعية المحامين والجمعية الاقتصادية وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية.
وأكد أن اللجنة المذكورة استطاعت أيضاً أن تصل بالمنظومة التشريعية إلى تشريعات لم تكن موجودة بالسابق، من ضمنها مساهمتها الإيجابية باستحداث قانون الإفلاس الجديد، وإصدار قانون جديد للشركات، وتعديل قانون المرافعات.
إبداء ملاحظات قانونية
أوضح الكندري أن مساهم لجنة المستشارين القانونيين في إعداد تشريع لا يعني أن الاتحاد موافق على كل ما جاء في القانون من أحكام وقواعد، وقد أبدى الأخير ملاحظات كثيرة على مشروع قانون الإفلاس المعد من جانب الحكومة، وكان من ضمنها التخلي عن بعض الإجراءات والمساعي التي تحث المدين على سداد الدين ومنها منع السفر. وعلى سبيل المثال، اعترض اتحاد مصارف الكويت على إلغاء تجريم إصدار شيكات من دون رصيد، لأنه يعتقد أن هذه الورقة التجارية مهمة جداً، ويجب أن تحاط بسياج من الحماية الجنائية والمدنية، لتعزيز الثقة بالتعامل مع هذه الأداة التجارية.
وأضاف أن هناك لغطاً حول مسألة منع سفر المدين لحثه على سداد الدين، ولا شك أن ذلك سيكون له تأثير على المصارف بشكل عام، لكن لدى الاتحاد الثقة بأن هناك إجراءات بديلة سوف تحل مكان منع السفر لضمان تحصيل البنوك لمديونياتها.
ولفت إلى أن التعديل الجوهري الذي جاء من جانب الحكومة في قانون المرافعات وإقرار الإعلان الإلكتروني سهل كثيراً مسألة الخصومة القضائية، فأصبح هناك اختصار كبير جداً للخصومة القضائية، وهذا أمر إيجابي يدعم العمل في قطاع المصارف والاقتصاد الكويتي بشكل عام.
مكافحة غسل الأموال
من جهة أخرى، أثنى الكندري على جهود ومساعي بنك الكويت المركزي بالتعاون والتنسيق مع اتحاد مصارف الكويت وكل البنوك في مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولفت إلى أن هناك دوراً كبيراً ومهماً لاتحاد مصارف الكويت في طرح تعديلات وتوصيات على القانون القائم الحالي، من خلال عقد اجتماعات تنسيقية للبحث في إجراءات البنوك في مواجهة الوسائل المستجدة والمستحدثة بعمليات غسل الأموال.
وأوضح أن قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب تعتبر من الجرائم الدولية، ولا تقف بحدود الأراضي الكويتية، لذلك لدى البنوك المحلية تواصل عميق مع بقية الجهات الخارجية لتعزيز التعاون في ما بينها للحد من عمليات غسل الأموال.
التحلي بــ«الصبر»
رأى البحر أن الالتحاق بالمؤسسات المصرفية ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى تدريب ودراية، ويفترض من الموظفين التحلي بالعديد من الصفات أهمها «الصبر» كي يستطيعوا الارتقاء بالسلّم الوظيفي، ويتمكّنوا من الوصول إلى مناصب مرموقة، مؤكداً أن البنوك من أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة لجيل الشباب.
المشاركة في الندوات العالمية
لفتت العيسى إلى أن اتحاد مصارف الكويت يحرص كل الحرص على المشاركة في الندوات والمؤتمرات العالمية للإبقاء على آخر التطورات الخاصة بالصيرفة المالية، كما يحرص على التواجد في المحافل الدولية، على سبيل المثال المشاركة في اجتماعات المصارف العربية والمشاركة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، لإبراز دور الكويت والقطاع المصرفي تحديداً بأحسن صورة.
22 بنكاً محلياً وأجنبياً
يشغل عضوية اتحاد مصارف الكويت 22 بنكاً، بينها 11 بنكاً كويتياً، بالإضافة إلى 11 فرع بنك أجنبي، فيما يشكل الاتحاد حلقة وصل بين تلك البنوك والجهات الرسمية الرقابية والمالية والحكومية والتشريعية، ومؤسسات القطاع الخاص في الكويت والجهات الأخرى داخل دولة الكويت وخارجها.
تنمية مهارات الموظفين
أكد الكندري أن البنوك حريصة على تنمية مهارات وكفاءات الموظفين العاملين لديها للحد من عمليات غسل الأمول، واصفاً ذلك بالالتزام الأخلاقي المفروض على القطاع المصرفي لتحقيق الأمن الاقتصادي والمالي للمجتمع بأسره، ومد يد المساعدة والعون لكل الجهات المعنية. وأشار إلى أن هناك تواصلا ممتازا مع وحدة التحريات المالية المعنية بالتنسيق ما بين المصارف و«بنك الكويت المركزي» وما بين النيابة العامة، والأمر كذلك مع نيابة الأموال العامة ونيابة غسل الأموال، مضيفاً أن اتحاد مصارف الكويت مستمر بمتابعة أهم الاجراءات والمستجدات وكيفية تحديثها وتطويعها بما يضمن الحد من عمليات غسل الأموال.
إدارة حيادية للمخاطر
لفت الكندري إلى أن لجنة المخاطر تعنى بتطبيق مبدأ الحوكمة في أي مؤسسة اقتصادية وعلى وجه الخصوص البنوك، مشيراً إلى أن قطاع المصارف هو من بدأ بهذا المفهوم بحيث تكون هناك إدارات مستقلة تضمن حيادية اتخاذ القرار.
وبين أن إدارة المخاطر تبدي رأيها بتجرد فيما إذا كانت تبعاته سلبية على أداء البنك، وهنا يأتي دور إدارة المخاطر من خلال وضع توصياتها وملاحظاتها بتجرد تام وبشكل منفصل عن إدارة تمويل الشركات أو الأفراد لتبيان أوجه التحديات، لتكون مسؤولة أمام بنك الكويت المركزي في تسليط الضوء على كل المخاطر أو التبعات السلبية لأي قرار ائتماني أو مصرفي.
تحقيق الأمن السيبراني
قال الكندري إن البنوك الكويتية تولي أهمية كبيرة في تحقيق الأمن السيبراني لمواجهة التحديات المتمثلة بالاختراق الإلكتروني واختراق قاعدة بيانات العملاء، مبيناً أن لدى المصارف عدة اتفاقيات دولية لتبادل تحقيق الأمن السيبراني في دولة الكويت.
إشادة من «عمدة حي لندن»
أشاد اللورد ويليام راسل عمدة الحي المالي لمدينة لندن (2019 – 2021) في كلمة له خلال البرنامج الوثائقي بالدور الذي يقوم به اتحاد مصارف الكويت، مؤكداً العلاقة القوية التي تربط المملكة المتحدة والاتحاد.
وقال إنه قد سبق أن التقى بمحافظ بنك الكويت المركزي وتباحثا حول العملات الرقمية، مشيراً إلى أن لدى الكويت عدداً من البنوك في لندن، ومتمنياً مواصلة الحفاظ على هذه العلاقة الطيبة والمتينة بين الجانبين.
وأوضح أنه سبق أن التقى بأعضاء اتحاد مصارف الكويت خلال زيارته للكويت في فبراير 2020، وتم التأكيد حينها على مواصلة العلاقة القوية بين الطرفين مستقبلاً من خلال تبادل الآراء والأفكار والخبرات.