مطلوب تعزيز المصارف الأهلية مواكبة للتطورات المصرفية العالمية
يعاني القطاع المصرفي العراقي من مشاكل هيكلية وتنظيمية مزمنة لم يستطع تخطيها رغم القوانين والتعليمات الإصلاحية التي يصدرها المصرف المركزي العراقي منذ سنين، ولعل أبرز الدلائل على هذه الأزمة، أن القطاع يضم 57 مصرفاً أهلياً، ورغم هذا العدد الكبير نسبياً، فإن حجم ونشاط هذه المصارف محدودان جداً مقارنةً بالمصارف الحكومية الستة التي تدير أكثر من 90 % من مجمل موجودات القطاع المصرفي العراقي ككل، بينما تُدير المصارف الأهلية أقل من 10 % منها.
في ما يلي دراسة أعدتها إدارة الدراسات والبحوث في الأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية حول هيكلية القطاع المصرفي العراقي والتحديات التي تواجهه:
هيكلية القطاع المصرفي العراقي
يبلغ عدد المصارف العاملة في العراق 63 مصرفاً، تشمل 6 مصارف حكومية (تتوزع بين مصارف تجارية ومصارف متخصصة) و23 مصرفاً أهلياً تقليدياً عراقياً (خاصاً)، و16 مصرفاً إسلامياً عراقياً، و18 فرعاً لمصارف أجنبية وعربية (10 منهم مصارف لبنانية تدير21 فرعاً في العراق). يضم الجدول رقم 1 لائحة بالمصارف العاملة في العراق ونوعھا.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من المصارف الأهلية في العراق، لا يزال حجمها ونشاطها محدودين جداً مقارنة مع المصارف الحكومية التي تدير حوالي 90.3% من مجمل موجودات القطاع المصرفي العراقي، في حين تدير المصارف الأهلية (العراقية والأجنبية) حوالي 9.7% منها.
يُظهر الجدول 2 التركّز الكبير في القطاع المصرفي العراقي، حيث سيطرت أكبر 10 مصارف عراقية على 90.5% من الموجودات المجمعة للقطاع في نهاية الفصل الثالث من العام 2016، و90.4% من ودائعه، و83.6% من التسليفات الائتمانية.
كما بلغت الحصة السوقية لأكبر مصرفين فقط، أي مصرف الرافدين ومصرف الرشيد، حوالي 70.2% من إجمالي موجودات القطاع، و71.3% من ودائعه، و55.4% من القروض.
تطور البيانات المجمعة للقطاع المصرفي العراقي
بلغ حجم الموجودات المجمعة للمصارف التقليدية (الحكومية والأهلية) العاملة في العراق حوالي 186.9 مليار دولار بنهاية العام 2015 و142.3 مليار دولار بنهاية الفصل الثالث من العام 2016، مسجلة تراجعاً بحوالي 23.9%. ومقارنة بحجم الإقتصاد العراقي، بلغت موجودات المصارف التجارية في العراق نحو91 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العراقي عام 2016، وهذا يدل على المساحة المتوافرة أمامها لمزيد من النمو والتوسّع.
كما بلغت الودائع نحو 54.5 مليار دولار عام 2015 و52.3 مليار دولار بنهاية الفصل الثالث 2016. وتجدر الإشارة إلى أن إنخفاض الودائع لدى المصارف الأهلية بنسبة 19% هو نتيجة ضعف ثقة الزبائن، مما يؤثر سلباً على معدلات السيولة في هذه المصارف وبالتالي على نشاطها الإئتماني والإستثماري.
وبالنسبة لتوزع الودائع على مصارف القطاعين العام والخاص التجارية، فقد استحوذت المصارف الحكومية على ما نسبته 88.1% في نهاية الفصل الثالث 2016، مقابل 11.9% للمصارف الأهلية.
وتوزعت ودائع المصارف الحكومية بحسب البنك المركزي العراقي، بنهاية العام 2015 كما يلي:27.2% منها مصدره الحكومة المركزية، 46.3% مصدره المؤسسات العامة، و26.5% من القطاع الخاص. في المقابل، توزعت ودائع المصارف الأهلية كما يلي: 0.5% من الحكومة المركزية، 0.9% من المؤسسات العامة، و98.6% من القطاع الخاص. تظهر هذه الأرقام أن المصدر الأساسي لودائع المصارف التجارية الحكومية هو الحكومة المركزية والمؤسسات العامة، في حين أن مصدر ودائع المصارف التجارية الأهلية هو بشكل أساسي القطاع الخاص، كما تدل هذه الأرقام على سيطرة المصارف الحكومية على سوق الودائع في العراق.
وبالنسبة للإئتمان النقدي الممنوح، فقد تراجع من حوالي30.8 مليار دولار عام 2015 إلى 29.4 مليار دولار بنهاية الفصل الثالث 2016. ويعود هذا الإنخفاض إلى تراجع القروض المقدمة من المصارف الأهلية بنسبة 26.6% خلال الفترة المذكورة.
نشير إلى أن المصارف الحكومية قد ساهمت بنسبة 84.6% من مجمل الإئتمان الممنوح بنهاية الفصل الثالث 2016 مقابل 15.4% ساهمت بها المصارف الأهلية التجارية العاملة في العراق. وتوزّع الإئتمان النقدي المباشر المقدم من المصارف الحكومية عام 2015 بنسبة 37.4% للحكومة، و26.8% للمؤسسات العامة، و35.8% للقطاع الخاص. أما بالنسبة للإئتمان النقدي المباشر المقدم من المصارف الأهلية، فقد توجه كله للقطاع الخاص.
وبلغ مجموع رأس المال والإحتياطات حوالي 8.2 مليارات دولار بنهاية الفصل الثالث من العام 2016، مسجلاً تراجعاً بنسبة 19.5% عن نهاية العام 2015. وفي نهاية الفصل الثالث 2016، بلغ رصيد أرباح المصارف التجارية العاملة في العراق حوالي 470 مليون دولار، مسجلاً إنخفاضاً بنسبة 38.5% عن نهاية العام 2015.
الصيرفة الإسلامية في العراق
يعمل في العراق 18 مصرفاً إسلامياً بعد تحويل 9 شركات تحويل مالي إلى بنوك إسلامية (16 مصرفاً عراقياً أهلياً، مصرف أجنبي واحد، ومصرف عربي واحد). وأصبح لدى الصيرفة الإسلامية قاعدة واسعة في العراق رغم حداثة نشاطها، وحققت نجاحاً على صعيد انتشارها في المحافظات. وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي العراقي في طور إنجاز تعليمات الصيرفة الإسلامية وقانون الصكوك الاسلامية.
وبنهاية الفصل الثالث من العام 2016، بلغ حجم الأصول
المصرفية الإسلامية في العراق حوالي 4,522 مليون دولار، أي نحو3.1% من إجمالي الأصول المصرفية. كما بلغ حجم الودائع في المصارف الإسلامية العراقية حوالي 1,509 مليون دولار أي 2.8% من إجمالي ودائع القطاع.أما حجم القروض فبلغ حوالي 1,565 مليون دولار، أي نحو 5.1% من إجمالي القروض. وبلغ رأسمال المصارف الإسلامية حوالي 2,421 مليون دولار أي 22.8% من الإجمالي. وقد تكبدت المصارف الإسلامية العاملة في العراق خلال تلك الفترة خسائر بلغت حوالي 2.3 مليون دولار. يظهر الجدول رقم 4 البيانات المالية لتلك المصارف.
التحديات التي تواجه القطاع المصرفي العراقي
يعاني القطاع المصرفي العراقي من مشاكل هيكلية وتنظيمية مزمنة لم يستطع تخطيها حتى اليوم بسبب الضغوطات السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية والظروف التشغيلية العالية المخاطر.
ومن أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي العراقي إستمرار ضعف مساهمة الإئتمان المحلي المقدم إلى القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، بحيث لم تتعدَّ 9.2% عام 2015، مقابل معدل وسطي عربي بلغ 52.6%.
وتعكس هذه النسبة المتدنية ضعف مساهمة القطاع المصرفي العراقي في التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
كذلك، يعاني القطاع المصرفي العراقي نتيجة للظروف الأمنية التي يعيشها العراق، صعوبات في استرداد القروض من المدينين بتواريخ استحقاقها، ما يربك عمل المصارف وينعكس سلباً على السيولة.
ويكمن التحدي الأكبر في وجود قطاع مواز غير مسجل يمثله صرافون يقومون بعمليات صيرفة وحوالات داخلية وخارجية كبيرة، تتم خارج الإطار الرسمي وتنجم عنها عمولات ضخمة، وهو ما يخلق بيئة منافسة للقطاع المصرفي العراقي.
وأدت ظاهرة تخفيف المخاطر (De-Risking) إلى إيقاف بعض البنوك المراسلة التعامل مع بعض المصارف العراقية، مما أوقف نشاطها المصرفي الخارجي خصوصاً الإعتمادات المستندية والحوالات الخارجية، لذا بات من الضروري تحصين القطاع المصرفي العراقي عبر الإلتزام بمقررات لجنة بازل للرقابة المصرفية، ومقررات منظمة FATF ، والمعايير الدولية لتقارير الإفصاح الماليIFRS ، ومتطلبات قانون الإمتثال الضريبي الأميركي FATCA ، ومعيار التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية CRS وغيرها..
ولا يزال العراق يسجل أحد أدنى المستويات في المنطقة العربية والعالم فيما يخصّ الشمول المالي، حيث امتلك 11% فقط من السكان البالغين حسابات مع مؤسسات مالية عام 2014، وتنخفض هذه النسبة إلى 7.6% في الأرياف بسبب ضعف الإنتشار الجغرافي لفروع المصارف العراقية، حيث تتمركز الفروع المصرفية في عواصم المحافظات وبعض المدن الرئيسة. ووفقاً للبنك الدولي، يخدم الفرع المصرفي الواحد نحو 20,408 أشخاص في العراق، مقارنة بمعدل وسطي عربي يبلغ 9,000 شخص للفرع الواحد. وبحسب أحدث بيانات البنك الدولي، اقترض 4.2% من العراقيين فقط من المصارف التجارية أو المؤسسات المالية، بينما اقترض 48.2% من العائلة والأصدقاء، في حين لجأ 19.8% إلى الإقراض غير الرسمي. لذا، من الضروري نشر ثقافة الشمول المالي وتوسيع الإنتشار المصرفي والمشاركة في النظام المالي الرسمي في العراق، نظراً لدوره التنموي الهام في تحسين مستوى المعيشة، وتعزيز تكافؤ الفرص، وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحد من الفقر وعدم المساواة، وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام.
الإصلاحات المالية والمصرفية في العراق
أصدر البنك المركزي العراقي خلال السنتين الماضيتين عدداً من القوانين والتعليمات الرامية إلى إصلاح القطاع المصرفي العراقي ومواكبة تطورات النظام المصرفي العالمي، أبرزها:
الضوابط الرقابية للمصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية بخصوص مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (2016).
قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة (2015).
قانون المصارف الإسلامية رقم (43) لسنة (2015)
تعليمات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة رقم (7) لسنة (2015).
الضوابط الرقابية الخاصة بتطبيق مقررات بازل 3 في ما يتعلق بالسيولة (2017)، التي تتضمن الإرشادات العامة لتطبيق نسبة تغطية السيولة ونسبة صافي التمويل المستقر، والتي تشترط أن تصل نسبة تغطية السيولة بشكل تدريجي إلى 100% عام 2019. أما في ما يخص نسبة صافي التمويل المستقر فستكون المصارف ملزمة بالإيفاء بنسبة 100% كحد أدنى إبتداء من1/1/2017.
كما أن البنك المركزي العراقي في صدد إنجاز القوانين والتعليمات التالية، في سبيل تطوير القطاع المصرفي العراقي وتفعيل دوره:
مشروع تأسيس شركة لضمان الودائع المصرفية.
ضوابط إصدار خطابات الضمان.
تعليمات تأسيس فروع للمصارف العربية والأجنبية ورؤوس أموالها.
تعليمات شركات ضمان القروض.
تعليمات الصيرفة الإسلامية (في مراحلها الأخيرة للإنجاز).
قانون الصكوك الإسلامية.
وضمن هذا الإطار، أطلق البنك المركزي العراقي إستراتيجية للسنوات 2016-2020 تحدّد وترسم الطريق للإصلاح المصرفي وفقاً للأهداف الرئيسية التالية:
دعم وتحقيق الإستقرار المالي من خلال تفعيل دور القطاع المصرفي والمؤسسات المالية.
إعادة ثقة المواطنين والزبائن بالقطاع المصرفي العراقي وخصوصاً المصارف الأهلية.
دعم التمويل الأصغر والتمويل المتوسط لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة كونها تمثل قوة رئيسة محركة للإقتصاد الوطني وتوليد فرص العمل.
تطوير وإستحداث نظم رقابية ونظم مدفوعات تعمل كأدوات لتعزيز متانة وإستقرار القطاع المصرفي.
نشر الثقافة المالية والمصرفية وتعزيز الشمول المالي من خلال توفير البنية التحتية اللازمة لوصول الخدمات المصرفية الى جميع شرائح المجتمع العراقي.
إتحاد المصارف العربية
الأمانة العامة – إدارة الدراسات والبحوث