كيف ينظر المستثمر العادي إلى أدائه هذا العام، وكيف يقارنه بنتائج أداء مختلف الوسائل المالية وأداء مديري الصناديق المالية وكبار المستثمرين حول العالم؟ عانى كثير من أسواق المال طوال 2022 نتيجة للظروف الجيوسياسية والآثار الاقتصادية التي نتج عنها تضخم في الأسعار غير مسبوق، أدى إلى إحداث ارتفاعات قياسية في معدلات الفائدة مصحوبة بارتفاع سعر صرف الدولار، الأمر الذي أدخل عديدا من الدول في سلسلة من الأزمات الاقتصادية.
في هذا التقرير نتناول أداء عديد من الأسواق المالية والاستثمارية عموما، وصناديق الاستثمار السعودية خصوصا، حيث ترمز هذه الأسواق والصناديق إلى واقع الاقتصاد العالمي من جهة، من جهة أخرى فأداء هذه الوسائل يروي حال المستثمرين وكفاحهم في 2022.
أسوأ أداء لمؤشر S&P 500 منذ 2008
يأتي مؤشر S&P 500 كواحد من أبرز ضحايا 2022، وهو المؤشر الذي يعبر عن أداء أكبر 500 شركة أمريكية، متراجعا
بـ19.44 في المائة، دون احتساب الأرباح الموزعة، وهو الأسوأ منذ 2008 حين انخفض المؤشر بـ38.5 في المائة. تراجع الأسهم الأمريكية جاء في عدة جولات، الأولى في آذار (مارس) الماضي بهبوط أكثر من 500 نقطة خلال أقل من ثلاثة أشهر، في حين كان أقوى هبوط للمؤشر في تشرين الأول (أكتوبر)، حيث فقد أكثر من 700 نقطة خلال شهرين فقط ليصل إلى أدنى مستوى له خلال 24 شهرا.
على الرغم من التراجع الكبير في شركات المؤشر إلا أن بعض قطاعات المؤشر حققت نتائج أفضل نسبيا، حيث حققت شركات أعمال النفط والغاز نموا بـ60 في المائة، والمصافي والتسويق في مجال النفط والغاز 52 في المائة، والطاقة 49 في المائة، وشركات التوزيع الخاصة بالرعاية الصحية 38 في المائة، و32 في المائة لشركات المنتجات الزراعية. أما الأسوأ أداء فكانت شركات صناعة السيارات بسالب 69 في المائة، والأفلام والترفيه 50 في المائة، والأثاث المنزلي 42 في المائة.
تراجع كبير للشركات التقنية في ناسداك
حدة التراجع في الأسواق الأمريكية ظهرت بشكل خاص في أداء الشركات التقنية في مؤشر ناسداك لأفضل 100 شركة، التي هبط مؤشرها 40 في المائة إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا. الاستثناء الكبير كان من نصيب الشركة الصينية Pinduoduo المختصة في التجارة الإلكترونية بنمو بلغ 64 في المائة، في حين أن الأثر السيئ الأكبر كان من نصيب أسهم كل من ميتا “الشركة الأم لفيسبوك” وتطبيق زووم، السهمين اللذين انخفضا بنسب تجاوزت 60 في المائة خلال العام.
ربما مؤشر داو جونز أفضل حالا من المؤشرات الأخرى، لكون عدد شركاته قليلا، فقط 30 شركة، وهي في الأغلب شركات صناعية عريقة، إلا أنه خسر 8.8 في المائة من قيمته. وكان المؤشر قد حقق أعلى مستوى تاريخي له مطلع 2022 عند 36.3 ألف نقطة. ومن أبرز شركات المؤشر التي تراجعت أسهمها بقوة، شركة المعالجات الإلكترونية “إنتل” بنحو 50 في المائة، وشركة علاقات العملاء “سيلز فورس” بـ42 في المائة، بينما شركة الأدوية “ميرك” ارتفعت 38 في المائة، وشركة الطاقة “شيفرون” ارتفعت بنحو 44 في المائة.
السندات العالمية أسوأ أداء منذ 5 أعوام والعقارات تتراجع 26%
شهدت سوق السندات العالمية تراجعا كبيرا أيضا، حيث سجل المؤشر العالمي الخاص في الأسواق المتقدمة والناشئة والسندات الحكومية وسندات الشركات، انخفاضا بـ16.2 في المائة، ولم تنج السندات الأمريكية بطبيعة الحال رغم أن تراجعها بـ13 في المائة يعد أقل حدة من تراجعها في 2018.
أما في الجانب العقاري فقد تأثر الصندوق المتداول لمؤشر “فانجارد” الخاص بالقطاع العقاري الأمريكي بنزول بلغ نحو 26 في المائة، وذلك نتيجة انخفاض أسعار أسهم الشركات العقارية في الصندوق بسبب ارتفاع تكاليف التمويل العقاري، حيث يتأثر القطاع بقوة عند ارتفاع أسعار الفائدة، وما ينتج عن ذلك من أحداث تبدأ بالتخلف عن السداد وتنتهي ببيع العقارات في المزادات العلنية.
صناديق التحوط ليست بالضرورة متحوطة
يعد أداء 2022 الأسوأ بالنسبة إلى صناديق التحوط العالمية منذ 2008، حيث خسرت هذه الصناديق 6.5 في المائة، في حين كان أداؤها الأسوأ في 2008 بتراجع 14 في المائة. وقد خسرت صناديق التحوط الرئيسة 2.5 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على أساس سنوي، وهو الأدنى منذ مارس 2021، في حين تلقت صناديق التحوط في الأسواق الناشئة ضربة أكبر بخسارة نحو 13.4 في المائة من قيمتها في الفترة نفسها لتعود إلى مستويات ما قبل نوفمبر 2020.
وعلى الرغم من التراجعات الظاهرة إلا أن ذلك يعد أقل حدة من تراجع الأسهم عموما، وهذا ما تحاول تحقيقه هذه الصناديق، وكانت أسوأ صناديق التحوط أداء تلك الصناديق التي لديها استراتيجيات تحوط مبنية على الأسهم، وأفضلها أداء كانت صناديق استراتيجيات الاقتصاد الكلي، والصناديق التي تمارس البيع على المكشوف.
العملات الرقمية المشفرة تفقد ثلثي قيمتها
انخفضت القيمة السوقية للعملات الرقمية من 2.38 تريليون دولار بنهاية 2021، إلى 796 مليار دولار بنهاية 2022، بخسارة 67 في المائة، حيث عادت إلى مستوياتها قبل عامين، وكان الأثر السيئ الأكبر لـعملة بتكوين التي تشكل أكثر من 40 في المائة من إجمالي القيم السوقية للعملات المشفرة، بتراجع 64 في المائة، ومثلها عملة إيثيريوم المستحوذة على 19 في المائة من العملات المشفرة، بتراجع بالنسبة ذاتها. وكانت هناك عملات مشفرة تدهورت أسعارها بنسب تتجاوز 90 في المائة، إلى جانب السقوط المدوي لبورصة “إف تي إكس” التي خسر بسببها آلاف المستثمرين عملاتهم وأموالهم في البورصة.
النفط والذهب أقل تأثرا من الأسهم والدولار يتصدر المشهد
شهدت أسعار النفط ارتفاعا بنحو 7 في المائة، وقد حققت ارتفاعات كبيرة في بداية العام حين تجاوزت 125 دولارا في مارس، وأنهت 2022 عند مستويات 80 دولارا للبرميل. أما أسعار أونصة الذهب فلم تتغير كثيرا خلال العام على الرغم من ارتفاعها لأكثر من ألفي دولار مباشرة عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ويعود السبب في عدم تجاوب الذهب مع التقلبات الاقتصادية والسياسية إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تصبح منافسا كبيرا للذهب وهو ما حدث هذا العام، إلى جانب قوة الدولار.
كان 2022 هو الأسعد بالنسبة إلى الدولار الأمريكي، حيث ارتفع مؤشر الدولار 8 في المائة من 96 نقطة نهاية 2021 إلى 103 نقاط، ويعد العام الماضي ثالث عام يشهد ارتفاعات قياسية في سعر الدولار بعد 1985 و1986 والثلاثة أعوام الأولى من الألفية، عندما تخطى المؤشر 128 نقطة، ولا يزال الدولار مرشحا لمزيد من الارتفاع في ظل استمرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة.
بورصات الدول الضعيفة تحقق ارتفاعات شاهقة
على مستوى أسواق الأسهم، حققت بورصة السودان أفضل أداء عالمي خلال 2022 بنمو 262 في المائة، صعودا من 20.5 ألف نقطة إلى 74 ألف نقطة، تبعتها بورصة فنزويلا بنمو 209 في المائة، وتلتها البورصة التركية التي ارتفعت بدورها من 2.2 ألف نقطة إلى 5.6 ألف نقطة بنمو 155 في المائة. وفي المراكز التالية جاءت بورصات الأرجنتين، سورية، زيمبابوي، لبنان بمعدلات نمو على التوالي: 85، 73، 68، 44 في المائة، وذلك بسبب تراجع عملات هذه الدول.
عندما يتراجع سعر صرف العملة للدولة فإن الأصول الحقيقية، كالعقارات وأسهم الشركات، تعوض تراجع العملة بارتفاع أسعارها، لكون تراجع العملة يجب ألا يؤثر في القيمة الحقيقية للأصول، وهذا هو السبب نفسه لعدم ارتفاع أسعار الذهب في 2022 لأن العملة التي يتم تسعير الذهب بها، الدولار الأمريكي، كانت مرتفعة بقوة خلال العام.
صناديق الاستثمار السعودية
على مستوى الصناديق الاستثمارية في المملكة، هناك نحو 241 صندوقا أعلنت بيانات أدائها في الفترة من بداية 2022 إلى نهايته، بينها 146 صندوقا حققت نموا في أسعارها، مقابل 95 صندوقا متراجعا، وكان أفضل أداء من نصيب صناديق أسواق النقد وهي الأكبر حجما من حيث الأصول، تليها صناديق الأسهم. وجاء أفضل أداء لصناديق الأسهم بارتفاعات تجاوزت 10 في المائة لأفضل عشرة صناديق، كما في الجدول المرفق. وكان أداء أسوأ عشرة صناديق تراجعات بأكثر من 25 في المائة.
هل صناديق الاستثمار تناسب الجميع؟
صناديق الاستثمار العامة في المملكة عبارة عن محافظ تدار من قبل إخصائيين يعملون في مؤسسات مالية مرخصة تعمل وفق استراتيجيات وأهداف استثمارية محددة، وبالتالي فهذه الصناديق هي الوسيلة المفضلة لمن لا يملك المعرفة أو الوقت اللازم للقيام بالاستثمار بنفسه، وهي بالطبع لا تناسب جميع المستثمرين، لكن هي الخيار الأنسب لكثير من الناس ممن اتخذ قرارا بالاستثمار في الأسواق المالية.
ميزة الصناديق الاستثمارية، في المملكة وفي الخارج، هي أن هناك أنواعا كثيرة منها يستطيع المستثمر اختيار المناسب منها لتطبيق ما لديه من استراتيجية، سواء في أنواع الأصول المراد الاستثمار فيها أو المناطق الجغرافية التي يرى المستثمر ضرورة الاستفادة منها.
قبل اختيار الصندوق يجب على الشخص تحديد درجة المخاطرة التي يقبل بها، أي تحديد أقصى مدة يستطيع ترك أمواله لدى الصندوق، وتحديد نسبة الانخفاض في سعر الصندوق الممكن له تقبلها في أي وقت من الأوقات. وعندما يتم تحديد المدة ونسبة الانخفاض يستطيع الشخص تحديد نوع الصندوق وهل هو مختص بالأسهم أو السندات أو السلع أو العقار، أو متنوع، أو أن يكون صندوقا يستثمر في عدد من الصناديق، ما يسمى صندوق الصناديق.
يوجد في موقع شركة السوق المالية “تداول” صفحات خاصة بصناديق الاستثمار يمكن من خلالها استعراض جميع الصناديق المتاحة واختيار الصندوق المناسب بسهولة.
هل أداء الصناديق أفضل من حركة مؤشر الأسهم؟
يختلف أداء الصناديق الاستثمارية من عام إلى آخر، وهي معرضة للمخاطر ذاتها التي يتعرض إليها جميع المستثمرين، إلا أن الصناديق تختلف عن الأفراد في أنها تدار بطرق احترافية وفق أسس وأساليب متعارف عليها، ولا يعني ذلك تفادي الخسارة أو تحقيق الربح، بل إن ذلك يعني أن إدارة هذه الصناديق تلتزم بأساليب انتقاء وبيع وشراء متعارف عليها، وتمارس أساليب الحد من المخاطرة أفضل من المستثمر الفرد غير المطلع.
ولا يمكن لأي صندوق الاستمرار بتحقيق الأداء ذاته من عام إلى آخر، وإذا كان الصندوق يدار بطريقة نشطة ودون محاكاة لأداء مؤشر استرشادي، يكون الأداء متذبذبا أكثر من صندوق يدار بالأسلوب الخامل الذي يتبع أداء مؤشرات محددة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن من خلال موقع “تداول” مشاهدة أداء الصندوق لعدة أعوام، وليس فقط لعام واحد، ومنها ممكن أن يستشف المستثمر مدى احترافية إدارة الصندوق وتميزها.
الخاتمة
تناول هذا التقرير أداء أهم المؤشرات المالية والاستثمارية حول العالم، ولاحظنا كيف أن كثيرا منها فقدت في 2022 مكتسباتها المتحققة في 2020 و 2021، واستعرضنا أداء البورصات العالمية وأداء أسواق السندات وغيرها، وكيف استعاد الدولار الأمريكي هيمنته العالمية بصحبة النفط بعد أعوام عديدة من الهبوط، في حين قاوم الذهب الأحداث العالمية، وتلقت العملات المشفرة وشركات التكنولوجيا أكبر التراجعات في 2022.