أكد «ضرورة عدم تحميل مؤسسة مصرف لبنان كل مسؤولية الأزمة الإقتصادية الحالية»
الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام حسن فتوح في حديث تلفزيوني:
خطة الحكومة الحالية غير عادلة وغير مقبولة حيال توزيع خسائر المودعين
خطّة التعافي المطروحة من إتحاد المصارف العربية ترتكز على حماية المودعين
وبدء الحوار معهم وإعادة جدولة ودائعهم وشطب مصطلح «شطب الودائع»
- التعامل بالكاش خطر جداً على الإقتصاد اللبناني ويُسهّل عمليات غسل الأموال وتُحظّره كل القوانين الدولية ولا سيما منظمة العمل المالي FATF
- من الضروري أن يعود سعر الدولار في لبنان إلى سعره الطبيعي والذي لا يقلّ عن الـ 50 ألف ليرة
- ثمّة رغبة من دول عدّة وتحديداً من العراق والأردن بشراء مصارف في لبنان مما سيستقطب ودائع كبيرة جداً
- طبع العملة يؤدي إلى التضخّم ويزيد من الطلب على الدولار بسبب عدم الثقة بالعملة الوطنية
- مصرف لبنان قام بعمل مشكور وهو المحافظة على الذهب حيث ترتفع أسعاره دولياً ويُمكن توظيفه لا بيعه لإنقاذ الإقتصاد
تحدّث الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام حسن فتوح لـ «تلفزيون لبنان»، متناولاً الواقع المالي والإقتصادي في لبنان من وجهة نظر الإتحاد، فقال: «يتعارض رأي إتحاد المصارف العربية مع خطة الحكومة اللبنانية التي طرحتها أخيراً، كذلك مع خطة حكومة حسان دياب، إذ إن خطة الحكومة الحالية غير عادلة ولا سيما حيال توزيع خسائر المودعين، ونلاحظ الضبابية حيال الخسائر التي يُمكن أن توزّع على المودعين تحديداً، والتركيز على تحميل المودع لها. فهذا الموضوع بالنسبة إلينا يُشكل خطاً أحمر، ونرفض ذلك تماماً، إذ يجب ألاّ يتحمّل المودعون الخسائر. علماً أن موضوع المودعين هو حق لهم، ويحميه الدستور اللبناني، (حق الملكية الفردية)، لذا فإن خطة الحكومة الحالية في هذا الشأن تحديداً غير مقبولة، في الوقت الذي نلاحظ فيه أن الخطة التي وضعها إتحاد المصارف العربية، تتعارض تماماً مع خطة الحكومة».
عن موضوع الثقة من قبل المصارف المراسلة الأجنبية بالقطاع المصرفي اللبناني، قال د. فتوح إنه «موضوع في غاية الأهمية والخطر في آن واحد»، مشيراً إلى «أننا حتى تاريخه لم نشهد إنسحابات من البنوك المراسلة، (أربعة بنوك مراسلة لا تزال تعمل مع المصارف اللبنانية)، ولكن إذا إستمرت هذه الأزمة طويلاً، فإن الخطر كبير، ولا سيما أننا شهدنا مؤخراً يا للأسف، ما حصل لحاكم مصرف لبنان، وتالياً تأثيره على نحو مباشر، على مخاطر السمعة»، معتبراً «أن المفارقة هنا تكمن بأن مصرف لبنان المركزي لا يزال يعمل كمؤسسة، وتالياً لا يزال يُواجه الأزمة الإقتصادية. كذلك إستطاع مصرف لبنان ومجلسه المركزي أن يفصل المسألة القانونية عن قضية الحاكم، كمؤسسة ككل وكمؤسسة رقابية. لذا نشهد حالياً أن تعاميم المركزي لا تزال تصدر بشكل جيد، بحيث تتواءم والأزمة الإقتصادية».
عن دور حاكم مصرف لبنان الجديد في الفترة المقبلة، وتأثير السياسة الحالية في لبنان على الواقع المالي والإقتصادي، أوضح د. فتوح «لا نستطيع تحميل مؤسسة مصرف لبنان كل مسؤولية الأزمة الإقتصادية الحالية في لبنان، أو حتى مسؤولية السياسة النقدية، لأن الأخيرة تُعتبر إنعكاساً لسياسة الحكومة والمالية العامة، لذا إذا لم يحصل إصلاح إقتصادي، ولا سيما في المالية العامة، لا يستطيع أي بنك مركزي في العالم، أن يتخذ القرارات المجدية»، لافتاً إلى «أن أهم مصاريف البنك المركزي تتركز على دعم العملة الوطنية، فضلاً عن مهمات الرقابة، وتطبيق القوانين الدولية، بما فيها قوانين مكافحة غسل الأموال وغيرها، لكن الأهم في الموضوع هو دعم العملة الوطنية، أي ثباتها، لذا منذ نحو 30 عاماً حتى تاريخه، أوردت كل البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة، ضرورة المحافظة على تثبيت سعر الصرف، وهذا يعني أن البنك المركزي هو المعني الأول بأن يتدخل في السوق المالية بغية تثبيت سعر الصرف، ومعنى ذلك أن ميزانية المصرف المركزي تتحمّل أعباء ضغوط كبيرة، ولا سيما حيال دعم الدواء وغيره».
وقال د. فتوح: «لو أن الحكومة إتخذت قبلاً قرار دعم الإنتاج المحلي، على سبيل المثال لا الحصر، وتالياً لو أنها حدّت من إستيراد السلع الأجنبية (الغذائية وغيرها)، بغية تفعيل الإنتاج الصناعي الداخلي، لكانت خفّفت الطلب على الدولار. وهنا تكمن مسؤولية الحكومة، حيال تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية والمالية، والموازنة العامة، على نحو تخفيف الطلب على الإستيراد كما على الدولار».
وأوضح د. فتوح «أن إستمرارية عمل القطاع المصرفي اللبناني، هو أحد أهم عوامل الإصلاح المصرفي، أي بما يُسمى بإعادة هيكلة المصارف، لكن يجب أن يترافق ذلك مع الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة من الحكومة، بغية إعادة الحياة الإقتصادية إلى البلد، وتنشيط الدورة الإقتصادية، ومن ثم يأتي دور مصرف لبنان لتثبيت سعر الصرف، وتوحيد السعر، لأن تعدّدية أسعار الصرف (كما هو الآن) غير صحّي للإقتصاد الوطني، كما للأسواق المالية. علماً أن بدء الإصلاحات والهيكلة، مطلوبان من الحكومة أولاً، وليس من البنك المركزي».
وهل يستطيع لبنان أن يحلّ أزمته الإقتصادية والمالية من دون مساعدة صندوق النقد الدولي؟ أوضح د. فتوح: «إن مساعدة صندوق النقد للبنان ضرورية، من الناحيتين الإصلاحية والتقنية. أما على صعيد المبلغ المالي المحدّد من الصندوق، فيُعتبر متواضعاً جداً، (نحو 3 مليارات دولار)، لكن في حال إتفق السياسيون في لبنان على القيام بالإصلاح الإقتصادي، ومحاربة الفساد، وعدم التوظيف العشوائي، وسائر المتطلّبات الإصلاحية المتعارف عليها عالمياً، أقول هنا، ربما لا يوجد ضرورة لمساعدة صندوق النقد الدولي. لكن وجود الصندوق هنا، يشكل عاملاً مهمّاً حيال حثّ الحكومة اللبنانية على تطبيق الإصلاحات المذكورة».
وتابع د. فتوح: «من جهة أخرى، لدينا بعض الملاحظات على صندوق النقد، لأن شروطه لا تُحاكي الواقع اللبناني، لا بل قاسية على المجتمع. علماً أن عودة الثقة بلبنان تُعتبر العامل الأهم لإستعادة الدورة الإقتصادية. لكن هل تعود الثقة بهذا البلد في ظل إقرار الحكومة شطب الودائع؟ في هذه الحال، أي مودع في الخارج أو أي مستثمر أجنبي، سيجرؤ على وضع أمواله تحت رحمة المصارف أو الإقتصاد اللبناني؟ فالثقة تعود إلى لبنان من خلال إعادة جدولة الودائع، عبر بدء التحدُّث مع المودع»، رافضاً فكرة إفلاس المصارف في لبنان، «إذ في هذه الحال تضيع الودائع قانوناً».
وعن خطة التعافي التي طرحها إتحاد المصارف العربية مؤخراً، لفت د. فتوح إلى «أن هذه الخطة تُعدّ شاملة، وترتكز على حماية المودعين، وبدء الحوار معهم، وإعادة جدولة ودائعهم، وشطب مصطلح «شطب الودائع»، وعدم سلوك طريق الغموض في الخطة الحكومية الحالية، ولا سيما حيال ما يُسمّى بـ «توزيع الخسائر». هذه الأمور من مسؤولية الحكومة أولاً ومن ثم مصرف لبنان المركزي ثانياً، والمصارف ثالثاً. وتالياً، يُفترض حصول مناقشات مع كل مودع، بحسب وديعته، وإعادة جدولتها».
وأشار د. فتوح إلى «أن خطة الإتحاد تشمل الإصلاح الإقتصادي والمالي في المالية (الموازنة العامة)، وتحقيق التوازن ما بين المصاريف والإيرادات، مما يُعيد الثقة الخارجية بلبنان، وخصوصاً أن هذا البلد مرغوب من المغتربين اللبنانيين كما من السياح الأجانب. إذ يكفي في العام الماضي أنه دخل لبنان نحو 7 مليارات دولار جرّاء وجود هؤلاء، فضلاً عن تحويلات المغتربين، والتي لا تزال على نحو ثابت منذ سنوات عدة حتى اليوم، وتوازي نحو 7-8 مليارات دولار»، مؤكداً «أن مشكلتنا تكمن بأن هذه الأموال الآتية إلى لبنان لا تدخل الدورة الإقتصادية، إنما تدخل البيوت، ويبقى تداولها بمعزل عن الإقتصاد اللبناني».
عن خطورة الكاش، قال د. فتوح: «إن التعامل بالكاش خطر جداً على الإقتصاد اللبناني، ويُسهّل يا للأسف، عمليات غسل الأموال، وتُحظّره كل القوانين الدولية، ولا سيما قوانين منظمة العمل المالي FATF، مما يُلغي دور المصرف، الذي يعمل أساساً في توظيف الودائع، في المكان الصحيح في الإقتصاد، وتالياً فإن المصرف اليوم محروم من هذه الوديعة، فلا تُوظّف في الإقتصاد»، موضحاً «أن الأموال التي تذهب في شراء العقارات والذهب، لا يستفيد منها الإقتصاد اللبناني والنظام المالي الرسمي، وتالياً إما تسلك هذه الأموال طريق الخارج، أو تبقى في المنازل».
وعن إعادة هيكلة المصارف اللبنانية، تحدث د. فتوح قائلاً: «لا مانع من الدمج والتملُّك، أي أن يُدمج البنكان، من أجل خلق كيان مصرفي متين، قادر على الصمود، ولا مانع من أن يقوم مصرف بشراء مصرف آخر، إذ إن هذا الأمر صحّي في الأحوال العادية».
أضاف د. فتوح: «لكن في لبنان، ثمّة عائقان يحولان دون ذلك، هما: الأول، يتمثّل بالمصارف العائلية، علماً أن هناك مصارف عائلية في العالم تحوّلت إلى مصارف دولية، وتعمل بطريقة مؤسساتية ومهنية عالية، والثاني يتمثل بشروط الدمج، بمعنى إذا أراد بنك أن يشتري بنكاً آخر، فإنه من الطبيعي أن يشتري محفظته المربحة (الودائع، القروض وغيرها). لكن في الوضع الحالي، إن أي مصرف في لبنان يريد شراء مصرف آخر فإنه تالياً، سيشتري محفظة خاسرة، في ظل عدم وجود الودائع، وتعثُّر القروض، أو أنها سُدّدت بأموال بخسة بحسب السعر الرسمي، في ظل تبخُّر مبلغ 40 مليار دولار، تشكل قروضاً للقطاع الخاص، من طريق المودعين والمصرف في آن واحد.، بإعتبار أن القطاع الخاص ردّ قيمة هذه القروض، إما بواسطة الشيكات المصرفية، أو بالسعر الرسمي، وهذا شكّل ضرراً كبيراً بالمودع، كما بالمصرف أيضاً».
وقال د. فتوح: «إن موضوع سعر الصرف في كل دول العالم، يتوقف عند عوامل عدة، أبرزها، العرض والطلب، ولا سيما حيال مدى الحاجة إلى العملة الصعبة (الدولار) وذلك إما لغاية السفر، أو الإستيراد. لكن في لبنان يتحدد موضوع سعر الصرف بعوامل عدة ابرزها العرض والطلب، وخصوصاً الطلب على الدولار، وذلك ليس لغاية السفر ولا للإستيراد، إنما لعدم الثقة بالعملة الوطنية، مما يدفع المواطنين إلى الإقبال على شراء الدولار، فضلاً عن موضوع إستيراد الدواء والغذاء وغير ذلك، إضافة إلى عامل عدم الإستقرار السياسي في لبنان»، معتبراً أنه من الضروري «أن يعود سعر الدولار في لبنان إلى سعره الطبيعي، والذي لا يقل عن الـ 50 ألف ليرة. لكن يبقى العامل الأهم في الموضوع، هو القوة الشرائية لليرة اللبنانية، والتي تنعكس على نحو مباشر على المواطنين ولا سيما القطاع العام».
وخلص د. فتوح إلى القول: «إن المؤتمرات والملتقيات التي ينظمها إتحاد المصارف العربية في البلدان العربية والأوروبية، تؤدي دوراً كبيراً في جمع الخبراء المتخصصين في الشؤون المالية والمصرفية الدولية، ولا سيما مسؤولين من البنك وصندوق النقد الدوليين، والتي نفتح معها في الإتحاد قنوات مهمة في سبيل إنقاذ لبنان من كبوته الإقتصادية، المصرفية والمالية، وكان آخرها القمة الأورو – متوسطية الإقتصادية والمصرفية التي نظّمها الإتحاد في العاصمة الفرنسية باريس بمشاركة فرنسية وأوروبية رفيعة المستوى، والتي إطّلعت من خلال إتحاد المصارف العربية على حقيقة الأوضاع في لبنان، حيث أبدى المسؤولون الدوليون تفهُّماً كبيراً للأوضاع الإقتصادية والمالية في لبنان، في ظل رغبة العديد من الدول (تحديداً من العراق والأردن)، ومن العديد من المستثمرين، بشراء مصارف في لبنان، وهذا الأمر من مصلحة الأخيرة، مما سيستقطب ودائع كبيرة جداً، بإعتبار أن بعض المودعين والتجار سيجدون ذلك فرصة ملائمة للتعامل مع بنك أجنبي (عربي) ذي ثقة، ويستطيع أن يكون جزءاً كبيراً من السوق المالية في لبنان».
وختم د. فتوح قائلاً: «في المرحلة المقبلة، مطلوب التعاون بين السياسة النقدية والسياسة المالية في لبنان، بمعنى أننا نريد تنفيذ السياسة المالية التي تصبُّ في تنشيط القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة، والصناعة والخدمات، بغية تخفيف العبء عن البنك المركزي. أما السياسة النقدية فدورها يكمن في المحافظة على سعر الدولار في السوق على نحو معقول، وتثبيت سعر الصرف في شكل أساسي، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وتحسين رواتب القطاع العام، بمعنى ألاَّ تذوب في ظل تضخُّم الأسعار»، مشيراً إلى «أن طبع العملة يؤدي إلى التضخّم، ويزيد من الطلب على الدولار، بسبب عدم الثقة بالعملة الوطنية»، معتبراً «أن مصرف لبنان قام بعمل يُشكر عليه، وهو المحافظة على الذهب، حيث يُمكن توظيفه لا بيعه لإنقاذ الإقتصاد، وخصوصاً أن أسعاره إلى إرتفاع دولياً».