الإقتصاد الأخضر ليس بديلاً من التنمية المستدامة

Download

الإقتصاد الأخضر ليس بديلاً من التنمية المستدامة

موضوع الغلاف
العدد 497 - نيسان/أبريل 2022

حجمه حالياً نحو ثمانية تريليونات دولار  وفي 2030 سيصل إلى 12 تريليوناً

الإقتصاد الأخضر ليس بديلاً من التنمية المستدامة

عاماً بعد عام، يتوسع الحديث حول الإقتصاد الأخضر على المستويين العالمي والعربي، خصوصاً أنه من المتوقع أن يُسهم بـ 12 تريليون دولار في حلول العام 2030. فالإتجاه العالمي هو لإيجاد إقتصاد أكثر إنسجاما مع البيئة، وخصوصاً بعد التداعيات التي تركتها جائحة كورونا عليه، لذلك فإن كثيراً من الخبراء يعتقدون «أن الوقت قد حان لأن يتبوأ الاقتصاد الأخضر، مكانة أكثر بروزاً في قيادة الإقتصاد العالمي، مع ضرورة وضع خطط دولية متكاملة لدفع الإستثمارات في هذا المجال، وضرورة تعزيز الإستثمارات في الشركات والقطاعات التي تعمل بنشاط على دعم المسؤوليات البيئية».

صحيح أن الإستثمارات المتعلقة بالإقتصاد الأخضر، باتت تنتشر في مختلف دول العالم ومنها الدول العربية، وتستقطب العديد من الإستثمارات التي تخلق وظائف في قطاعات نوعية مختلفة، إلا أن الإقتصاد الأخضر يحتاج دعماً ومساندة من الحكومات، بهدف دعم وتحفيز الإستثمارات والإنتاج وتقديم خدمات خضراء، والمساهمة الفاعلة بالنمو الإقتصادي بشكل عام، وتوفير فرص عمل جديدة في قطاعات حيوية، وقد سجلت أكثر من دولة عربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة نشاطاً بارزاً في هذا المضمار، حيث يتم العمل على ترسيخ مفهوم بناء إقتصاد حديث متنوع مع تنمية بيئية، ولا يقف الأمر عند حدود الربحية على أهميتها،

وإنما عبر تحمل المسؤولية الإجتماعية تجاه البيئة والدفاع عنها.

الأرقام تتحدث

 بلغة الأرقام، يقارب حجم الإقتصاد العالمي الآن خمسة أضعاف ما كان عليه قبل نصف قرن فقط، وأدى هذا النمو السريع إلى تحقيق فوائد عديدة للإنسانية، أبرزها إرتفاع مستوى المعيشة لكثير من سكان الأرض، لكن وفقاً لبعض الدراسات، فإن ما يقدر بنحو 60 % من النظم البيئية العالمية تشهد تدهوراً ملحوظاً، إضافة إلى مخاوف واقعية بأن كثيراً من الموارد الرئيسة قد لا تكون متاحة في العقود المقبلة، نتيجة الإستهلاك المفرط حالياً لها.

في المقابل، يبلغ حجم الإقتصاد الأخضر في العالم حالياً نحو ثمانية تريليونات دولار، وفي حلول العام 2030 سيصل إلى 12 تريليون دولار، موفراً فرص عمل مرتبطة به لنحو 380 مليون شخص، كما أن هناك 3000 شركة عالمية لديها إرتباط به، وتمثل حصة الإيرادات التي يجنونها من السلع والخدمات الخضراء قيمة سوقية تبلغ أربعة تريليونات دولار أو نحو 6 % من الإقتصاد العالمي. وتشير التقديرات المتاحة إلى أن القطاع نما بقوة بين عامي 2009 و2018 بمعدل نمو سنوي يقدر بـ 8 %، متجاوزاً بكثير الإرتفاع في إجمالي الناتج المحلي العالمي الذي إرتفع خلال الفترة نفسها بنحو 2.6 %.

وتشير أرقام منظمة العمل الدولية إلى أن الإقتصاد الأخضر يُمكنه توفير حوالي 24 مليون فرصة عمل في العالم في حلول العام 2034، وتؤكد المؤسسات الدولية المعنية بالبيئة أنه بدأ يقود العالم نحو إستثمارات نوعية بمئات المليارات من الدولارات.

وبحسب تعريف الخبراء، فإن الإقتصاد الأخضر هو إقتصاد مستدام يحافظ على البيئة وعناصرها المختلفة، ويضمن العدالة الإجتماعية، ويحد من الفقر والبطالة، فيما يُعرف عالمياً بأنه إقتصاد يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة، من دون أن يؤدي ذلك إلى التدهور البيئي. علماً أنه لا يزال هناك صراع أو تنافس بين النهج التقليدي للإقتصاد، والإقتصاد الأخضر، والمفاهيم الحديثة عندما يتعلق الأمر بالإستثمار والأرباح التي ستعود من دعم وتعزيز هذا النمط الإقتصادي.

تجربة الإسكوا

كل ما سبق، يدفع إلى البحث عن فوائد الإقتصاد الأخضر الذي تسعى العديد من الدول الأجنبية والعربية إلى التحول نحوه، وكيف يتم العمل على توسيع أُطره عالمياً وعربياً، ومن خلال دعم مؤسسات الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، يشرح الدكتور رامي سابيلا، مسؤول إقتصادي أول في قسم سياسات الغذاء والبيئة، ضمن مجموعة تغيّر المناخ وإستدامة الموارد الطبيعية في لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، قائلاً: إن «الحديث عن الإقتصاد الأخضر يتطلب مقارنته بالإقتصاد التقليدي أو الاقتصاد البُني، الذي يتكل بصورة أساسية على الوقود الأحفوري، وبأبسط مفاهيمه، فإن الإقتصاد الأخضر يهدف إلى خفض إنبعاثات الغازات الدفيئة، ورفع كفاءة المصادر الطبيعية التي هي في الأصل نادرة في  بلادنا العربية،  وجمع وإدماج الفئات الإجتماعية المهمّشة والمتضرّرة من تدهور البيئة»، مشيراً إلى أنه بتعبير آخر، «الإقتصاد الأخضر هو الأنشطة الإقتصادية التي يُستخدم فيها الموارد الطبيعية في الدول العربية لإنتاج السلع والخدمات وإستهلاكها في الوقت الحاضر، أو على المدى الطويل من أجل زيادة رفاهية المواطنين».

سابيلا:  الإقتصاد الأخضر ليس بديلاً من

التنمية المستدامة  وإنما هو مكمّل لها

ويرى سابيلا أنه «من المهم جداً التأكيد على المدى الطويل، أن الإقتصاد الأخضر هو إقتصاد مبني على توفير الرفاهية للأجيال المقبلة، ومن المهم جداً أن يتم أخذها في الإعتبار، لأن الأهداف الأساسية للإقتصاد الأخضر هي تقليل المخاطر التي تتعرّض لها البيئة، نتيجة مجموعة من النظم الأيكولوجية، مثل تنقية الهواء والماء.. لذلك فلجنة الإسكوا تعمل مع الدول الأعضاء من أجل التحول إلى إقتصاد أخضر»، شارحاً أن «الإقتصاد الأخضر ليس بديلاً عن التنمية المستدامة، وإنما هو مكمّل لها، والفوائد كثيرة ومنها مشكلة الإجهاز المائي العالي في معظم الدول العربية. فهناك دول الخليج التي تملك مصادر مائية شحيحة من المياه العذبة المخصصة للإستعمال البشري والزراعة، وهناك دول الشرق الأوسط مثل الأردن، حيث المصادر المائية شحيحة مقارنة بعدد السكان وعدد اللاجئين السوريين على أراضيها، ودور الإقتصاد الأخضر هو زيادة كفاءة الري في الزراعة، مما يُساعد على توفير المياه وتحويلها نحو حاجات أخرى».

يضيف سابيلا: «المثال الآخر، هو إنتاج الطاقة، حيث إن معظم الدول العربية تدعم إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري، وهذا يُشكل إجهاداً للميزانيات العامة، والإقتصاد الأخضر يُمكن أن يُنتج طاقة متجددة تُوفر على الدول إجهاد ميزانياتها العامة، وطاقة نظيفة لا تؤثر على البيئة»، لافتاً إلى أن «حرق الفحم والوقود الأحفوري ينعكس سلباً على البيئة نتيجة الإنبعاثات التي يُسبّبها في الهواء، وعدم إستخدام هذه الطاقة والتحول نحو الإقتصاد الأخضر يُخفّض الفاتورة الصحية للدول، بالإضافة إلى خلق إستثمارات تستند على الطاقة المتجددة».

ويعتبر سابيلا أن «من إيجابيات الإقتصاد الأخضر هو إحياء إستثمارات مباشرة لأنشطة مثل الإستثمار في الزراعة العضوية وإدارة النفايات، مما يُوفر فرص عمل، ومن الفوائد غير المباشرة إقتصادياً هو فتح مجال التعاون بين القطاع الخاص وإدارات الدولة من أجل تبادل المنفعة (شراء الطاقة مثلاً من القطاع الخاص)، والمشاركة في العدالة الإجتماعية من خلال تنمية السياحة الريفية التي تساعد على تفعيل النشاطات التجارية في المجتمعات المحلية، مما يُبعد التصحّر، ويُثبت السكان المحليين في  أرضهم».

إستراتيجية الاسكوا للإقتصاد الأخضر

ماذا عن إستراتيجية لجنة الاسكوا لتشجيع التحول نحو الإقتصاد الأخضر؟ يجيب سابيلا: «الإسكوا» تعمل من خلال خطة عمل 2030 وأهداف التنمية المستدامة والشاملة، والإدماج الإجتماعي والمحافظة على البيئة، لذلك تُعقد شراكات عربية وإقليمية لتحقيق هذه الإستراتيجية مثل شراكاتنا مع منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية»، شارحاً أنه «تفصيلياً، ترتكز هذه الإستراتيجية على 3 خطوات أساسية، الخطوة الأولى هي تقييم الواقع الحالي، ومدى التقدم في الإقتصاد الأخضر للدول الأعضاء على المستويين الوطني والاقليمي العربي، والخطوة الثانية هي الإطلاع على الخطط الإستراتيجية لهذه الدول وأهدافها، في ما يتعلق بالتحوّل للإقتصاد الأخضر، والخطوة الثالثة هي العمل مع الدول الأعضاء من خلال تقديم الدعم سواء الإستراتيجي أو المشاركة في التخطيط من أجل تخطي العقبات والوصول إلى أهدافها الوطنية».

ويُوضح سابيلا «أن «الإسكوا» تُقدم البيانات والمعلومات الإحصائية، وتُحلِّلها لسدّ التقصير في المعلومات لدى الدول الأعضاء، سواء في ما يتعلق بالطاقة أو المياه أو الإستهلاك المستدام، كما أننا نُساعد الدول في صوغ السياسات والتشريعات، من خلال الخبرات التي تكتسبها «الإسكوا» على مستوى عالمي،  ونعمل على تعميم الخبرات التكنولوجية الناجحة، وحالياً نعمل على برنامج تعميم التكنولوجيا الخضراء من أجل زيادة وتعزيز القطاع الزراعي في الوطن العربي»، لافتاً إلى أن «من نشاطات «الإسكوا»  من أجل التقدم السريع نحو الإقتصاد الأخضر، هو تعزيز الخبرات من خلال التدريب على مستوى الوزارات، وإدارات الدولة والبرلمانات وتعزيز الشراكات بين الدول الأعضاء، لتبادل الخبرات، وأيضاً على مستوى الوطني أي بين القطاعين العام والخاص».

والسؤال الذي يُطرح هنا، هل هناك عوائق تحول دون تنفيذ هذه الإستراتيجية، وخصوصاً في ظل الأزمات الإقتصادية التي تعانيها أكثر من دولة عربية؟ يجيب سابيلا: «صحيح أن الوضع الإقتصادي صعب في العديد من الدول العربية، إلاّ أن جميع الدول الأعضاء في «الإسكوا»، ترغب في التوجه نحو الإقتصاد الأخضر. لكن القدرة تتفاوت من دولة إلى أُخرى، وجميعها قدم التعهدات للقيام بإجراءات تُخفف من تداعيات التغيّر المناخي الناتج عن إنبعاث الغازات الدفيئة، وإستخدام الوقود الأحفوري. وكل عام تقدم هذه الدول لـ «الأسكوا» تقريراً عن إنجازاتها لتحقيق هذا الهدف»، شارحاً أن «القدرة موجودة بتفاوت بين الدول الأعضاء، وهناك دول لديها القدرة على توليد الطاقة الصديقة للبيئة، مثلاً الأردن والدول الخليجية لديهما القدرات المالية على إجراءات صديقة للبيئة. وهناك دول تملك القدرة على إنجاز إحصاءات متقدمة».

يضيف سابيلا: «ليس هناك منافسة لناحية النمو على مستوى إقتصادي وإجتماعي وبيئي، وبين التوجه إلى الإقتصادات الخضراء، بل هناك تكامل بين هذين الهدفين، الإقتصاد مبني على مفهوم الإستثمار وإستثماراتنا الحالية في الدول العربية موجودة، لكنها تصبُّ في الإقتصاد التقليدي، والسؤال هو هل نحن بحاجة إلى التوقف عن الإنتاج  والتوجه نحو الإقتصاد الأخضر؟ الجواب هو أننا بحاجة إلى تحويل إستثماراتنا من إستثمارات بنية إلى إستثمارات خضراء، وهي ستعود بأرباح بيئية وإقتصادية وإجتماعية ومادية».

 ويُشدِّد سابيلا على أنه «ليس هناك خاصية المنافسة، بين التوجه نحو الإقتصاد الأخضر، والعمل على الحلول للأوضاع الحالية، ومن المشاكل العربية هي الحروب وتداعياتها على الإقتصاد (اللجوء مثلاً) والتواصل مع الدول التي تعاني هذه المشاكل من أجل ترسيخ مفهوم الإقتصاد الأخضر هو أمر شائك»، معتبراً أنه «إذا تدخل القطاعان العام والخاص في آن واحد، من خلال إيجاد الحلول لهذه المشاكل، يُمكن الوصول إلى النتائج المرجوة، وخلق فرص عمل بإيجاد المشاريع المعينة بالتوافق مع القطاع».

ويختم سابيلا: «من المشاكل الأخرى التي تواجه الإقتصاد الأخضر، هو قلّة وعي القطاع الخاص لأهميته وفائدته الربحية. علماً أن الإقتصاد الأخضر يفتح الباب أمام إستثمارات عديدة وأرباح عالية».

معلوف: التحول إلى الإقتصاد الأخضر عالمياً

كان خجولاً ومسايراً لإقتصاد السوق

من جهته يشرح حبيب معلوف، الكاتب والصحافي، وأستاذ الفلسفة البيئية والإعلام البيئي المتخصص لمجلة «إتحاد المصارف العربية» الخطوات التي حققها الإقتصاد الأخضر خلال السنوات الماضية، والمعوقات التي إعترضته بعد تبنّيه والسير به عالمياً، فيقول: «إن الإقتصاد الأخضر مفهوم إبتدعته الامم المتحدة للبيئة في العام 2008، وجاء هذا المفهوم من أجل التخفيف من الأضرار التي تسبّبت بها الأنظمة الإقتصادية المسيطرة»، لافتاً إلى أن «هذا المفهوم  لم يكن كافياً لوقف التدهور البيئي المستمر الذي سبّبته الأنظمة الإقتصادية تاريخياً، إن لناحية ضرب التنوع البيولوجي في العالم، وإنقراض الكثير من الأنواع أو لناحية تغيّر المناخ الذي تجاوز كل شيء وبات يُطيح بكل مكتسبات التنمية والإقتصاد التقليدي»، معتبراً أن «نتائج هذا التدهور ستكون مدمِّرة ولا سيما بعد إرتفاع درجة حرارة الارض، وبعد إزدياد حرائق الغابات، وحصول مظاهر مناخية متطرفة مثل التساقطات الكثيرة في أوقات قصيرة، والتي تتسبّب بفيضانات هائلة، ومثل ذوبان الجليد الذي سيؤدي إلى إرتفاع منسوب مياه البحار، وغرق الكثير من الجزر وشواطئ مدن العالم. وهذه الظواهر ستُطيح عاجلاً أم آجلاً بكل مكتسبات التنمية وإقتصاد السوق القائم على المنافسة وزيادة الإنتاج والإستهلاك».

يضيف معلوف: «إن الإقتصاد الأخضر جاء كمفهوم منقذ لكل هذه التحوّلات العالمية، ولكنه أراد أن يحافظ على مبدأين أساسيين، لم يستطع تجاوزهما، الأول هو إقتصاد السوق، فهو لم يطلب التراجع عن إقتصاد السوق القائم على المنافسة، بل أراد أن يزيد إلى التكنولوجيات الموجودة تكنولوجيات خضراء»، مشيراً إلى أن «هذه المساحة التي إفتتحها منذ العام 2008  وحتى آخر تقرير الذي صدر عن القمة الـ 26 لبحث التغيّر المناخي في غلاسكو، أظهر أن نسبة التحول نحو الإقتصاد الأخضر لا تتجاوز نسبة الـ 2 % أو 3 % مقارنة بالإقتصاد التقليدي، وإستخدام الطاقات المتجددة لا يزال أقل من إستخدام الطاقة المعتمدة على الفحم الحجري أو النفط أو الوقود الأحفوري، ومن ناحية إستخدام السيارات الكهربائية، هناك حتى الآن 14 مليون سيارة كهربائية، مقارنة بمليار و400 مليون سيارة تقليدية تعمل على الوقود الأحفوري»، ويرى أن «هذه الأرقام  تعني أننا في بداية هذا الموضوع، كما أن إعتماد التكنولوجيا الخضراء يحتاج إلى أتربة نادرة لصناعة الألواح الشمسية، ومراوح الهواء لتوليد الطاقة الكهربائية، وصناعة البطاريات للسيارات، وتزداد أسعارها بشكل كبير عندما بدأ الإعتماد عليها، ويُمكن أن تزداد أسعارها أضعافاً، بمعنى أن هذا الإقتصاد الأخضر سيكون مكلفاً، وسيصطدم بهذه العوائق الجوهرية، وهي عدم القدرة على منافسة الوقود الأحفوري. وهذا يعني تأخير الدول في الإنتقال إلى الإقتصاد الأخضر طالما هو يعتمد على مبدأ إقتصاد السوق، وفكرة الرفاهية التي تم إختراعها من قبل النظام الإقتصادي الحرّ الذي يشجع الإنتاج والإستهلاك لكي يبقى يعمل».

ويرى معلوف أن «التحوّل إلى الإقتصاد الأخضر كان خجولاً ومسايراً لإقتصاد السوق، والآن تبنّاه العالم لأنه شكلي، في محاولة لتغطية المشكلة الحقيقية التي يتسبّبها الإقتصاد التقليدي، والدليل هو إعتراف العالم أجمع في غلاسكو بأن التغيّرات المناخية باتت أمراً واقعاً، ولا يُمكن تجاوزها أو إيقافها. ولهذا تم القرار بوقف إستعمال الفحم الحجري والوقود الأحفوري للمرة الأولى».

إهتمام عالمي متزايد

في الميزان الإقتصادي، يتزايد الإهتمام العالمي بالإقتصاد الأخضر لإعتبارات عدة بيئية ومادية، وهذا ما يُوافق عليه الخبير الإقتصادي الدكتور محمد وهبه، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، لافتا لمجلة «إتحاد المصارف العربية» إلى أن هذا الإهتمام «بإعتبار أن الإقتصاد الأخضر هدفه تعزيز النمو الإقتصادي والتنمية، مع ضمان إستمرارية المصادر الطبيعية في توفير الموارد والخدمات البيئية التي نحتاجها، لذلك فإن التنمية الخضراء، هي إستراتيجية الحفاظ على النمو الإقتصادي، وخلق فرص العمل اللازمة للحدّ من الفقر في مواجهة القيود المتزايدة على الموارد وأزمة التغيّر المناخي»، لافتاً إلى أن  «الإقتصادات التقليدية أغفلت الجانب البيئي، والذي أدّى إلى تلوث البيئة متمثلاً بالتغيّرات المناخية والإحتباس الحراري، وتوسع طبقة الأوزون، فضلاً عن الجفاف والتصحر التي إزدادت حدّتها مع زيادة إستغلال تلك الموارد والضغوط السكانية، حتى أصبح إستمرار النمو الإقتصادي تحديّاً لوجود الإنسان».

وهبه:  إعتماد الإقتصاد الأخضر

يُساهم إلى حد كبير في مواجهة الفقر

يضيف وهبه: «في المقابل، يُمكن بنظرنا أن يتكامل الإقتصاد الأخضر مع الإقتصاد التقليدي، مع دمجه بنظرية الإقتصاد المتاح في أي قطر وبلد، فإن النمط التنموي تبعاً لنظرية الإقتصاد المتاح، لا بد وأن ينبع من داخل الوطن، بالإعتماد على المقومات الداخلية المتاحة، حيث لا تكون التنمية جسماً دخيلاً يجب زرعه في المفهوم الإجتماعي العام، ويُمكن الحصول عليه بكلفة منافسة، يُضاف إلى ذلك تعزيز إنتاج وإستخدام الطاقة المتجددة، وغير الملوثة».

ويوضح وهبه أنه «كوسيلة لتحفيز تجديد وتطوير السياسات الوطنية، والتعاون الدولي ودعم التنمية المستدامة، فإن الإقتصاد الأخضر يقوم على دعائم أربع رئيسية لا يُمكن للمستثمر الأخضر إغفال أي منها في أي مرحلة من مراحل إستثماره وهي/ الوعي المجتمعي/ الجدوى الإقتصادية/ البيئة التنظيمية والتشريعية /الإستدامة البيئية»، مشيراً إلى أن «هذه المراحل هي منهج إستراتيجي غائبة في مكوناتها عن معظم الدول قيد النمو، وتحتاج الى فترة بناء ثقافة مجتمعية، قد تكون صعبة المنال في ظروف إقتصادية صعبة وفي إطار جائحة «كوفيد – 19» ومتحوراته، التي طالت العديد من البنى الإقتصادية وأّثرت على الوجهات التنموية في العديد من الدول».

 ويشرح وهبه الفوائد التي يمكن للإقتصاد الأخضر أن يُوفرها للدول مقارنة بالإقتصاد التقليدي بالقول: «إن إستنزاف مصادر الطاقة بصورة عشوائية، أثّر بشكل سلبي على مناخات الأرض، ولم يعد بنظرنا الإقتصاد الأخضر ترفاً، بل واقعاً ملموساً بتداعيات خطرة، ليس فقط في مستوى تحقيق الأهداف الإنمائية، بل وعلى مستوى إمكانية الفرص المتاحة لتسعة مليارات من البشر في حلول العام 2050»، مشدِّداً على أن «إعتماد الإقتصاد الأخضر يُساهم إلى حد كبير في مواجهة الفقر وبناء قرن 21 مستداماً، ولا سيما أن هذا النموذج يُناسب كافة أنواع الإقتصادات، سواء كانت إقتصادات تديرها الدولة أو تحكمها آليات السوق».

ويرى وهبه أنه «تبعاً لدراسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فقد تبين أن الإنتقال إلى الإقتصاد الأخضر له مبرّراته الإجتماعية والإقتصادية السليمة. وأن مزايا تحويل إقتصادات العالم إلى خضراء ملموسة ومعتبرة، وأن الوسائل متاحة لكلٍ من الحكومات والقطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن معظم إستراتيجيات التنمية الإقتصادية التي تعتمد في نظريتها على إقتصاد السوق ساهمت بالتكديس السريع لرؤوس الأموال المادية، والمالية والبشرية، لكن على حساب تناقص رأس المال الطبيعي وتدهوره»، موضحاً أنه  «كان لهذا النمط من التنمية والنمو تأثيرات قاتلة على رفاهية الأجيال الحالية، ولا يزال يفرض تحدياتٍ ومخاطر هائلة أمام الأجيال التالية؛ وذلك عن طريق إهداره لمخزون العالم من الثروة الطبيعية، وعلى سبيل المثال فقد تجاوز إجمالي الدعم الإنتاجي والسعري للوقود الأحفوري، 650 مليار دولار في العام 2008. وقد أثّر هذا المستوى المرتفع من الدعم سلباً على التحول لإستخدام الطاقة المتجددة».

ويعتبر وهبه أنه «من الناحية التقنية، يُمكن أن يتضمّن إعادة تصميم أنظمة الإنتاج، إعادة تصميم المنتجات لإطالة عمرها عن طريق جعلها سهلة الإصلاح، ولإستعادة حالتها الأصلية، ولإعادة تصنيعها، وتدويرها، مما يشكل أساساً للتصنيع بالدورة المغلقة»، لافتاً إلى أن «جميع الصناعات المنتمية لقطاع التصنيع تمتلك إمكانات كبيرة لتحسين كفاءة الطاقة، ولكنها تتفاوت في الدرجات طبقاً لتفاوت المتطلبات الإستثمارية لكل منها. وبالنظر إلى المستقبل، نجد أن نتائج النموذج تشير إلى أن الإستثمارات الخضراء في مجال كفاءة الطاقة في العقود الأربعة المقبلة، يُمكن أن تقلل من إستهلاك الطاقة الصناعي إلى النصف تقريباً».

ويوضح وهبه أنه «قد  تم وضع سيناريو إمكانية الإنتقال إلى إقتصاد أخضر بإستثمار 2 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام (والذي يبلغ حاليا نحو 3.1 تريليونات دولار) لغاية العام 2050 للتحول الأخضر للقطاعات الرئيسية التي تشمل الزراعة والمباني والطاقة ومصايد الأسماك والغابات والصناعة والسياحة والنقل وإدارة النفايات والمياه. ولهذا لا بد من إصلاحات للسياسات الدولية والقومية تحفّز مثل هذه الإستثمارات».

في المقابل، يُلقي وهبه الضوء على أبرز العوائق التي تحول دون التحول نحو الإقتصاد الأخضر، فيقول: «أبرز التحديات التي تعوّق عملية التحول نحو الإستهلاك والإنتاج المستدام، والإقتصاد الدائري هي غياب الوعي والرؤية الواضحة للتحوّل نحو إقتصاد دائري على المستوى الوطني والإقليمي، وتعدّد الإستراتيجيات والجهات المعنية التي تتداخل مع إستدامة الإستهلاك والإنتاج، ومحدودية التمويل المتاح، وضعف نقل وتوطين التكنولوجيات الملائمة لخصوصيات المنطقة، وضعف التعاون الإقليمي، وتبادل الخبرات الناجحة بين الدول ومحدودية الشراكات المثمرة بين جميع الفاعلين في المجال، و قصور في جمع وتحليل البيانات والمعلومات من أجل سياسات مبنية على أدلة، وغياب مأسسة البرامج والمشاريع الوطنية والإقليمية المتعلقة بالإقتصاد الدائري، وهي أمور تتطلب إستثماراً طويل الأمد، والعالم لا يملك ترف الوقت في مواجهة التحديات التي تهدد الوجود البشري».

من جهة أخرى، يلفت وهبه إلى أن «العديد من الدول العربية، إهتمت بمقوّمات الإقتصاد الأخضر مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، ومصر، والمغرب، وتونس والجزائر، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، على نحو ما عكسته جملة من الشواهد الدالة مثل إستضافة الإمارات للحوار الإقليمي للتغيُّر المناخي، وتأكيد العاهل السعودي على أن الهدف هو الإعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 50 % في حلول العام 2030، وتعزيز مفهوم الإقتصاد الأخضر في برامج الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي في مصر، وتبلور قنوات إتصال بين الكفاءات المغربية المهاجرة ونظيراتها في الداخل، لتعزيز التنمية المستدامة القائمة على الإقتصاد الأخضر، وضخ الإستثمارات الإيطالية في تونس وبشكل خاص في قطاع الطاقة المتجددة».

 ويختم وهبه: «هناك بعض الدول العربية، ولا سيما المملكة العربية السعودية،  والإمارات، تعمل على تحويل التحديات المناخية إلى فرص مستقبلية للجيل المقبل، وتتجه بعض الدول العربية إلى تعزيز مكانتها في الإقتصاد الأخضر في سياق برامجها للإصلاح الداخلي، وهو ما ينطبق على مصر أيضاً، ولا سيما في ظل إدراك الحكومة تكاليف الإضرار بالبيئة على الإستثمار، فضلاً عن الدور المحوري للسياسات القائمة على تعزيز إقتصاد أكثر إخضراراً، وتفعيل دوره في توفير فرص عمل، الأمر الذي سلّط الضوء عليه تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في مايو/ أيار 2018 بأن 24 مليون فرصة عمل ستخلق في حلول العام 2030 في حال إتباع سياسات خضراء».

باسمة عطوي