الإمتثال لإتفاقيات بازل في المصارف العربية يُخفّف من المخاطر

Download

الإمتثال لإتفاقيات بازل في المصارف العربية يُخفّف من المخاطر

موضوع الغلاف
ملف خاص 2022

الإمتثال لإتفاقيات بازل في المصارف العربية يُخفّف من المخاطر

ويدعم النمو ويُحدّ من الفقر ويُحقق الإستقرار المالي عالمياً

يضع رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية محمد الجرّاح الصباح في رأس أولوياته المصرفية والمالية العربية، الإمتثال للمعايير التنظيمية المالية الدولية، والتي تشكل أهمية بالغة للتخفيف من المخاطر.

كتب محمد الجراح الصباح في هذا السياق:

«إن الإمتثال للمعايير المشار إليها، يُخفف من المخاطر ويدعم النمو الإقتصادي، ويحد من الفقر، ويُحقق الإستقرار المالي على الصعيد العالمي.

وقد شهدت العقود الأخيرة تطوير معايير تنظيمية مالية دولية جديدة هي بمثابة معايير مرجعية للنظام المالي والمصرفي في مختلف الدول، وهي تُسهل التعاون بين المراقبين الماليين في مختلف الدول، وتؤمّن تكافؤ الأنظمة المالية والمصرفية على الصعيد العالمي.

إن تطوير الانظمة المصرفية الدولية من قبل مجموعة صغيرة من المنظمين الماليين في الإقتصادات المتقدمة، له آثار إيجابية وسلبية. كما وأن إعتماد المعايير الدولية في الأسواق في البلدان النامية، ولا سيما البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى يؤدي إلى تكاليف ومخاطر كبيرة. ومع ذلك، فإن الإمتثال للمعايير الدولية بات من الضروريات، ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف في شأن السمعة والمنافسة، كما وأن في ظل العولمة لا يُمكن للمنظمين تجاهل المعايير الدولية ببساطة، حتى لو كانت غير مناسبة لبيئتهم التنظيمية.

وعليه يجدر تكييف المعايير الدولية بمرونة وتصميمها بما يتوافق مع إحتياجات الدول النامية والناشئة، والإنتقال من السياسات المالية الدولية التي تتبع نهج فرض المعايير إلى التصميم المرن للمعايير المالية التي تتلاءم مع إحتياجات مختلف البلدان، وتدعم تنمية القطاع المالي على الصعيد المحلي والعالمي.

لقد وضعت لجنة بازل للرقابة المصرفية معايير تنظيمية دولية مهمة نظراً إلى نطاقها وتفاصيلها الواسعة ودورها في حث المصارف على زيادة مرونتها في مواجهة المخاطر، وأبرزها المخاطر السيبرانية.

إن توصيات بازل الأخيرة، وُضعت بشكل أساسي للدول المتقدمة، إلا أن العديد من الدول النامية والناشئة تسعى إلى تبنّيها وتكييفها والإمتثال لها. وهناك أيضاً دول أُخرى في طور النظر والتخطيط للإمتثال لمعايير بازل، وذلك إيماناً بأهمية تطبيق معايير بازل وفوائدها على المدى الطويل، إلا أن المعايير الجديدة تحمل في طياتها مخاطر وتحديات جديدة.

إن آثار الإمتثال للمعايير التنظيمية المالية الدولية، مثل معايير باز لتختلف بين البلدان الناشئة والنامية، والبلدان المتقدمة، مما يشير إلى الحاجة إلى نهج مختلف للتنظيم المصرفي في البلدان الناشئة والنامية للتمكن من تطبيق الإمتثال لبازل وذلك لأسباب عدة: هي شدة التباين في إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، والتعرض لتقلّبات إقتصادية ومالية عالية، وقلّة تطور الأنظمة المالية، وتوافر محدود لبيانات السوق، والشفافية المحدودة، وضعف القدرات وأطر الحوكمة، والقيود المؤسسية العامة.

لقد تم تصميم معايير بازل لمعالجة المخاطر المالية الناشئة عن البنوك الكبيرة والمعقدة، والتي تقوم بالعمليات الدولية، في حين أن الدول الأعضاء للجنة بازل هي الملزمة فقط من حيث المبدأ بتبني وتنفيذ معايير بازل، فإن العديد من الدول غير الأعضاء تتجه نحو تنفيذها.

وتشير الأدلة المتاحة إلى أنه رغم الحاجة الملحة لتعزيز وتطوير الأطر التنظيمية في المصارف العربية، إلاّ أنه من غير الواضح على الإطلاق أن معايير بازل هي النهج الأكثر فاعلية.

كما ويفرض تنفيذ بازل 2 و 3 تحديات خاصة على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وذلك بسبب: تفاوت في تطور البنية التحتية المالية، وضعف التوافق مع تهديدات الإستقرار المالي، وقيود الموارد البشرية والمالية، وتفاقم عدم تناسق المعلومات، وتدهور تكوين الإئتمان.

إن إتفاقيات بازل (1، و2، و3، و4) التي تضعها لجنة بازل للرقابة المصرفية تهدف إلى تنظيم القطاع المصرفي، ووضع المعايير العالمية الأساسية للتنظيم التحوطي للبنوك. وقد تم إصدار أول إتفاقية بازل في العام 1988 حيث ركزت على كفاية رأس المال للمؤسسات المالية، وتصنيف مخاطر كفاية رأس المال.

أما إتفاقية بازل الثانية فركزت على ثلاثة مجالات رئيسية، تٌعرف بالركائز الثلاث لإتفاقية بازل: الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، والمراجعة الرقابية لكفاية رأس المال والتقييم الداخلي، والإستخدام الفعال للإفصاح كأداة لتعزيزانضباط السوق وتشجيع الممارسات المصرفية السليمة.

وعقب الأزمة المالية في العام 2008، قررت لجنة بازل للرقابة المصرفية تحديث وتعزيز إتفاقات بازل. وإعتبرت لجنة بازل للرقابة المصرفية، أن سوء إدارة المخاطر، وعدم كفاية رأس المال، وإرتفاع المديونية من أبرز أسباب الإنهيار المالي.

وقد تم الإتفاق على بازل 3 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 التي على البنوك أن يكون لديها حد أدنى من حقوق الملكية المشتركة وحد أدنى من نسبة السيولة.

وتتضمن إتفاقية بازل الرابعة تغيّرات في معايير متطلبات رأس مال البنوك، ومن المقرر تنفيذها في يناير/ كانون الثاني 2023. وتسعى لجنة بازل إلى تحسين إطار مخاطر السوق العالمي وذلك بزيادة المستوى العامل لمتطلبات رأس المال، مع التركيز بشكل خاص على أدوات التداول المعرّضة لمخاطر الإئتمان بما في ذلك الأوراق المالية.

ولا بد من الاشارة إلى إرشادات لجنة بازل للرقابة المصرفية لتعزيز المرونة السيبرانية، ومن أهمها التنظيم والإشراف، والإستجابة للحوادث السيبرانية والتعافي منها، وترشيد التعامل مع الأطراف الثالثة، وترتيبات تبادل المعلومات، ومقاييس المرونة السيبرانية.

وعليه فان توصيات إتحاد المصارف العربية لتطبيق بازل تستند إلى مبادئ عدة هي: تقليل الآثار غير المباشرة السلبية إلى أدنى حد، والتناسب في تطبيق المعايير، والتوازن في تحقيق الإستقرار المالي والتنمية المالية، وتنفيذ العناصر الرئيسية للإصلاح التنظيمي العالمي من خلال بناء إطار إحترازي فعال، وتكييف المعايير الدولية مع مراعاة تطور وحجم المؤسسات المالية، وأهمية العمليات المالية المختلفة، ومدى دقة المعلومات المتاحة وقدرة المشرفين عليها.

في ما يلي توصيات إتحاد المصارف العربية لمختلف الأطراف المعنية:

توصيات لواضعي المعايير الدولية وللجنة بازل:

يدعو إتحاد المصارف العربية إلى تبسيط المعايير الدولية والتناسب في تصميمها ووضع إرشادات موحدة حول كيفية التعامل مع تنفيذها بشكل منهجي، وقيام المؤسسات المالية الدولية بتقديم المشورة المتسقة في ما يتعلق بتنفيذ بازل.

كما يوصي الإتحاد لجنة بازل بتصميم معايير بازل وفق إحتياجات المصارف العربية، وبناءً على مشورة البنوك المركزية العربية، وفتح المجال للمزيد من المدخلات ذات المغزى من ممثلي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وتوضيح الشروط المتناسبة لمكوّنات بازل.

توصيات للمصارف العربية في مسيرتها للإمتثال للمعايير التنظيمية الدولية ولإتفاقيات بازل:

  • وضع الإستراتيجيات: تحتاج المصارف العربية إلى وضع إستراتيجيات لإستيفاء المعايير الدولية مع مراعاة تطور وحجم المؤسسات المالية العربية، وأهمية العمليات المالية المختلفة في الأسواق المالية العربية، ودقة المعلومات المتاحة ودرجة الرقابة عليها.
  • تطوير إطار تنظيمي: على المصارف العربية تطوير إطار تنظيمي يُعزّز مرونة القطاع المالي والمصرفي العربي، من دون تكبّد تكاليف إمتثال غير متناسبة.
  • تعزيز المرونة السيبرانية: على البنوك والحكومات في جميع أنحاء العالم القيام بدور حاسم لبناء ثقافة المرونة السيبرانية، وتدريب وتعليم الكوادر البشرية عليها. وعلى جميع المصارف العربية رفع المرونة السيبرانية إمتثالاً لإرشادات بازل، مما يُساعد في الصمود في وجه الهجمات السيبرانية وضمان الإستدامة والنمو والإزدهار، والمضي في مسيرة التحول الرقمي بأمان، وإستمرارية العمل رغم الهجمات السيبرانية التي باتت توازي حجم الحروب العالمية الكبرى والكوارث والجائحات.

  • إجراء البحوث: على البنوك المركزية العربية والمصارف العربية التعاون والمشاركة في إجراء البحوث حول تداعيات إطار تنفيذ بازل وتعزيز إستقرار النظام المالي.
  • وضع إطار تنفيذ بازل في المصارف العربية: تجدر الإشارة إلى أن البلدان الناشئة والنامية في مراحل مختلفة من تنفيذ معايير بازل وفقاً لهيكل أسواقها المالية وأنظمتها، ومواردها المالية والبشرية، وقدراتها المؤسسية. ولا تختلف أولويات التنفيذ في البلدان الناشئة والنامية بشكل كبير عن تلك الموجودة في البلدان المتقدمة.

ويُمكن تحديد أولويات تنفيذ بازل كالآتي:

  • تعديل الإطار التنظيمي، وتعزيز الإشراف القائم على المخاطر، وإصلاح القطاع المصرفي، وإنشاء قواعد قوية لرأس المال والسيولة، ووضع نهج تدريجي خاص بكل بلد يعتمد على تطور المؤسسات المالية وحجمها، وإتساع نطاق العمليات المالية، ودقة المعلومات الإحترازية المتاحة، والقدرات الإشرافية.
  • التعلّم من التطبيقات الناجحة لبازل في الدول العربية: يُمكن التعلم من تجربة مصر التي أعادت هيكلة قطاعها المصرفي وأنظمتها، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية لتمهيد الطريق لتنفيذ معايير بازل.

علماً أن ركائز خطة إعادة الهيكلة في مصر تشمل خصخصة وتوحيد القطاع المصرفي، ومعالجة القروض المتعثّرة، وإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة، وترقية وظيفة الإشراف المصرفي في البنك المركزي، وتسهيل الأعمال الصغيرة، وتمويل المشروعات المتوسطة الحجم. وقد إعتمد البنك المركزي المصري إستراتيجية تستند إلى مبدأين أساسيين لتنفيذ بازل، هما البساطة والتواصل. وتم تنظيم مشروع التنفيذ حول أربع مراحل: وضع الإستراتيجية، وتدريب الكوادر البشرية، والتنسيق مع البنوك، وضبط الأنظمة والإعداد الداخلي للبنوك. ويقوم البنك المركزي المصري حالياً بتطبيق بازل 3.

  • الإستثمار في تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات لتطبيق بازل: إن جودة البيانات هي التحدي الأكبر للإمتثال لبازل، مما يستوجب الإستثمار في تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات التي تُساعد في إنتاج بيانات متسقة ودقيقة بناءً على نماذج متعددة وحسابات الوقت الفعلي.

ويجب أن تكون البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات قوية بما يكفي للتعامل مع سلامة البيانات وقابلية الإستخدام والإمتثال، وتحتاج أيضاً إلى أن تكون مرنة بدرجة كافية للتمكن من تطوير أنظمة إعداد التقاريرالمالية ووضع المقاييس.

ويُمكن أن يُحقق الإستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات فوائد إيجابية للبنوك تساعد في تحليلات البيانات. علماً أن إستيفاء متطلبات إعداد تقارير السيولة وفق بازل، يستلزم حجم إستثمار كبير في تكنولوجيا المعلومات للتمكن من جمع المعلومات حول التدفقات النقدية عبر البنك (الموجودات والمطلوبات). ويتوجب على المصارف بناء قدرات لقياس مخاطر السيولة في الوقت الفعلي».