التحوُّل الرقمي في المنطقة العربية تعتمده كافة المؤسسات الساعية
إلى التطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمستفيدين
يُعرّف التحول الرقمي بأنه عملية إنتقال القطاعات الحكومية أو الشركات إلى نموذج عمل يعتمد على التقنيات الرقمية في إبتكار المنتجات والخدمات، وتوفير قنوات جديدة من العائدات التي تزيد من قيمة منتجاتها. وأصبح التحوّل الرقمي من الضروريات بالنسبة إلى كافة المؤسسات التي تسعى إلى التطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمستفيدين، وهو لا يعني فقط تطبيق التكنولوجيا داخل المؤسسة، بل هو برنامج شامل للمؤسسة ولطريقة عملها داخلياً بشكل رئيسي وخارجياً أيضاً. ويعود ذلك إلى التطور المتسارع في إستخدام وسائل وأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سواء كانت متعلقة بالمعاملات مع القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو الأفراد.
واقع التحول الرقمي في المنطقة العربية
يُعتبر الإنترنت أساس التحول الرقمي، بحيث أن كل العمليات الرقمية تتم عبر شبكة الإنترنت، غير أن قدرة الإستفادة من الإنترنت تختلف من دولة الى أخرى. وتُعتبر سرعة الإنترنت أكبر عائق أمام التحول الرقمي، حيث إن غالبية الدول العربية تعاني ضعف سرعة الإنترنت، ما يُعوّق نجاح هذه الدول في تحويل عملياتها إلى الشكل الإلكتروني. وتُعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق إختلافاً من حيث مستوى التطور الرقمي، حيث تقود دول مجلس التعاون الخليجي المنطقة في العديد من مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وبمستويات متقدمة للغاية يُمكن مقارنتها بمستويات البلدان المتقدمة، فيما البلدان العربية الأخرى الأقل نمواً تُكابد في تطوير التنمية الرقمية. ويعود ذلك إلى المعوقات الهيكلية، ومنها العوامل الإقتصادية والإجتماعية والصراعات الجارية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كعدد السكان والكثافة السكانية وإمكانية الوصول إلى الموارد والجغرافيا.
وبحسب الإتحاد الدولي للإتصالات، شهدت المنطقة العربية نمواً مستمراً ولكن بطيئاً في معظم مجالات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والبنية التحتية والوصول والإستخدام، حيث إرتفعت نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت من 47.2 % في العام 2017 إلى 54.6 % في نهاية العام 2019، مع إرتفاع عدد الأسر التي لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت في المنزل من 51.8 % في العام 2017 إلى 58.9 % في نهاية العام 2019.
وضمن هذا السياق، أشار موقع Internet Word Stats (وهو موقع عالمي يعرض أحدث مستخدمي الإنترنت في العالم وإحصاءات السكان وبيانات وأبحاث السوق عبر الإنترنت) إلى تبوء قطر المرتبة الأولى من حيث نسبة عدد مستخدمي الإنترنت الذي بلغ 104.3 %، تليها الإمارات بنسبة 100.9 %، فالكويت 98.3 %، فالبحرين 97.7 %، فالسعودية 90.1 %، فالأردن 84.7 %، فليبيا 84.2 %، فلبنان 81.9 %، فسلطنة عُمان 76.8 %، فالمغرب 68.5 %، فتونس 68.4 %، ففلسطين 64.8 %، فالعراق 59.6 %، فالجزائر 57 %، فمصر 52.5 %، فسوريا 46.5 %، فالسودان 29.2 %، فاليمن 25.9 %، فموريتانيا 20.3 %، فالصومال 12.8 %.
وبحسب تقرير صدر في العام 2021 عن الإتحاد الدولي للإتصالات بعنوان «الإتجاهات الرقمية في المنطقة العربية»، بلغت الفجوة الرقمية نحو 350 مليون شخص في المنطقة العربية في العام 2019، وهم الذين لا يزالون غير قادرين على الإتصال بالإنترنت. وبحسب التقرير، فإن 47.3 % من النساء و61.3 % من الرجال كانوا يستخدمون الإنترنت خلال العام 2019. ومن بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 عاماً و24 عاماً، إستخدم 67.2 % منهم الإنترنت في العام 2019، أي أقل بقليل من المتوسط العالمي البالغ 69 %.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن تطبيقات التواصل الإجتماعي هي أكثر التطبيقات إستخداماً في منطقة الدول العربية، ولا سيما مكالمات الصوت والفيديو وتطبيقات التجارة الإلكترونية. في المقابل، لا تزال إستخدامات تطبيقات التجارة الإلكترونية محدودة، كما تُستعمل خدمات الحكومة الإلكترونية والخدمات المالية على نطاق محدود جداً، حيث يُشكل تدني القدرة على تحمل تكاليف خدمات الإنترنت في العديد من البلدان العربية عاملاً رئيسياً في هذا الأمر.
الاستثمار في التحول الرقمي في الدول العربية
مع تفشي جائحة فيروس كورونا في بداية العام 2020 حول العالم والتي أبطأت العجلة الإقتصادية، واجهت الشركات تداعيات الجائحة وما صاحبها من عمليات إغلاق كلي أو جزئي، بتبني ثقافة العمل عن بُعد. وعليه، أصبح التحول الرقمي من الضروريات بالنسبة إلى كافة المؤسسات والمنظمات التي تسعى إلى إستمرار عملها وتسهيل وصول منتجاتها وخدماتها للعملاء.
ومع التوجهات العالمية نحو تطبيق الرقمنة، إزداد الإهتمام والإنفاق على البنية التحتية التكنولوجية وتحديداً الذكاء الإصطناعي كجزء من جهود التحول الرقمي، حيث حجم الإنفاق العالمي على الذكاء الإصطناعي في العام 2020 أكثر من 50 مليار دولار.
وتوقعت دراسة صادرة عن مؤسسة International Data Consultants (وهي مؤسسة عالمية تُعتبر المزود العالمي الأول لمعلومات السوق والخدمات الإستشارية والفعاليات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأسواق تكنولوجيا المستهلك) أن يستمر الإنفاق على الذكاء الإصطناعي في النمو خلال السنوات المقبلة ليصل إلى 110 مليارات دولار في العام 2024. وقدرت المؤسسة أن يبلغ معدل النمو السنوي للإنفاق العالمي على الذكاء الإصطناعي خلال 2024-2019 نحو 20 %.
أما في ما يخص إنترنت الأشياء (Internet of things)، فمن المتوقع أن تصل عائدات الإستثمار في هذه التكنولوجيا إلى 13 تريليون دولار في حلول العام 2025، حيث تجاوز عدد الأجهزة المرتبطة بإنترنت الأشياء ستة مليارات جهاز، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 27 مليار جهاز في العام 2025. وبحسب International Data Consultants من المتوقع أن يصل إنفاق الصين وحدها على إنترنت الأشياء نحو 300 مليار دولار في حلول عام 2024.
أما على الصعيد العربي، فقد أطلقت شركة Tortoise Media (وهي مؤسسة بريطانية تُعد كموقع إخباري ومجلة تختص بإصدار الأبحاث وتحليل البيانات)، بيانات لقياس وترتيب البلدان حسب الذكاء الاصطناعي في نهاية العام 2020، حيث أظهر مؤشرTortoise Intelligence الذي يقيس أكثر من 143 مقياساً لمستوى الإستثمار والإبتكار وتنفيذ تقنيات الذكاء الإصطناعي عبر معايير عدة كقوة البنية التحتية والبيئة التشغيلية والأبحاث والتطوير وغيرها، أن المملكة العربية السعودية إحتلت المركز الأول عربياً، والمركز 22 عالمياً، فيما حلّت الإمارات في المركز الثاني عربياً والـ36 عالمياً، تلتها قطر في المركز الثالث عربياً والـ42 عالمياً، فيما دخلت القائمة كل من البحرين التي إحتلت المركز الـ50 عالمياً، وتونس المرتبة الـ53 والمغرب المرتبة 57 ومصر المرتبة 58.
وتُعتبر السعودية من الدول العربية الرائدة في مجال إستخدام الذكاء الصناعي، حيث تُعد أحد العوامل الأساسية في تحقيق رؤية 2030. وتشير التوقعات إلى أن السعودية ستستثمر أكثر من 75 مليار ريال في الذكاء الصناعي حتى العام 2030، كما يتم العمل على تأسيس أكثر من 300 شركة ناشئة فيها لإستثمار وتنمية وتطوير الذكاء الصناعي بصفته مكوناً لإقتصاد بديل، من خلال هذه الشركات الناشئة. كما تتجه سوق إنترنت الأشياء في السعودية إلى النمو لنحو 11.6 مليار ريال في العام 2023 بحسب هيئة الإتصالات وتقنية المعلومات السعودية.
وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة أيضاً في الإستخدام المسؤول لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي وتطبيقاته، حيث إن البرنامج الوطني للذكاء الصناعي الذي وضعته الدولة ضمن إستراتيجية الوطنية للذكاء الصناعي 2031 سيُؤمن دعماً للإقتصاد الوطني بحوالي 182 مليار دولار، وتوفير حكومي بحوالي 3 مليارات دولار، وزيادة في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 96 مليار دولار.
وبحسب تقرير لمؤسسة الأبحاث والإستشارات التكنولوجية العالمية، سوف يرتفع حجم الإنفاق على تقنيات وحلول إنترنت الأشياء في الإمارات في حلول العام 2023 الى نحو 5.14 مليارات درهم. وبحسب تقرير صادر عن جنرال إلكتريك بعنوان «مقياس جنرال إلكتريك للابتكار العالمي 2020»، تم تصنيف دولة الإمارات كدولة عالمية رائدة في تأسيس بيئة مؤاتية للإبتكار، وحصلت على تصنيف رائد في الإبتكار بنسبة 25 %، متفوقة على الولايات المتحدة الأميركية (نسبة 22 %)، واليابان (16 %)، والصين (14 %).
الربط بين الإقتصاد والبيئة الرقمية (ecosystem) في العالم
ينبثق الإقتصاد الرقمي عن الربط بين الاقتصاد والبيئة الرقمية، لتشكل نظاماً إقتصادياً جديداً مختلفاً عن الأنظمة الإقتصادية السابقة مع إرتكازه على أفكار ونظريات متطورة. فهو إقتصاد قائم على المعلومات والإحصاءات والخوارزميات التي يحصل عليها من مصادر رقمية، وتكون أحياناً من شبكة الإنترنت. يُواجه الإقتصاد الرقمي تحديات متنوعة، وترتكز على صعوبة قبوله والتأقلم مع التغيُّرات المرافقة له، وإفتقار بعض الدول إلى الأساسيات الداعمة والموارد اللازمة لتوفير جميع ركائزه، من تقنيات وأجهزة وشبكات اتصالات فائقة السرعة، بالإضافة إلى غياب ثقة الكثير من الناس بالعمليات الإقتصادية المالية والتجارية الإلكترونية، لإعتيادهم على إجرائها بطرق تقليدية وعدم إمتلاك بعضهم مهارات إستخدام الأجهزة الذكية والمتطورة. كما أن إرتفاع تكاليف تزويد خدمات الإنترنت في الدول الفقيرة والنامية يُعوّق عمل الإقتصاد الرقمي، ويجعل إمكانية الإستفادة منه محدودة.
تتركز جغرافية الاقتصاد الرقمي بدرجة عالية في الولايات المتحدة والصين، حيث على سبيل المثال، تُسجل الولايات المتحدة 75 % من جميع براءات الإختراع المتعلقة بتقنيات البلوكشين حول العالم، و50 % من الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء و75 % من سوق الحوسبة السحابية.
أما في ما يتعلق بالمنصات الرقمية العالمية، فبحسب تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان «العمالة العالمية والتوقعات الاجتماعية لعام 2021»، فإن 96 % من الإستثمارات في المنصات الرقمية تتركز في آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا. وتتركز 70 % من الإيرادات في الولايات المتحدة والصين، حيث تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بـ 68 %، تليها الصين بنسبة 22 %، وأوروبا بنسبة 3.6 % وأفريقيا بنسبة 1.3 %.
وإحتلت الولايات المتحدة صدارة الدول في الإقتصاد الرقمي، حيث بلغ حجم التجارة الإلكترونية حوالي 35 % من الناتج المحلي الإجمالي للإقتصاد الأميركي، بينما إحتلت الصين المركز الثاني بنسبة 34.8 % من ناتجها المحلي الإجمالي.
أما عربياً، فقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية نحو 20 مليار دولار في نهاية العام 2020 في دول مجلس التعاون الخليجي، وشكلت كل من الإمارات، السعودية ومصر 80 % من سوق البيع والشراء عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من جهة أخرى، وبحسب تقرير قيمة مؤشر الإقتصاد الرقمي للدول العربية، إحتلت الإمارات العربية المتحدة صدارة الدول العربية بقيمة مؤشر بلغ 70.6، كما إستحوذت دول الخليج على المراتب الأولى في المنطقة العربية. فإحتلت المراكز من 1 إلى 5 كل من الإمارات العربية المتحدة، السعودية، البحرين، سلطنة عُمان، وقطر توالياً، حيث تُعدّ من الدول الجاذبة للإستثمار الدولي وتُماثل الدول المتقدمة رقمياً. كما تتميز دول الخليج بقدرتها على التكيّف بسرعة وإمتلاكها مرونة كبيرة في سرعة التحول نحو المدن الذكية والتطبيقات التكنولوجية الحديثة وسهولة تحقيق شمولية رقمية ومالية أوسع.
أما الدول العربية التي إحتلت المراكز من 6 الى 12، فهي تلك التي تتميز بإمتلاكها بنية تحتية ومعرفية كافية للإنطلاق نحو التحول، وتضم كلاً من الكويت، مصر، الأردن، لبنان، المغرب، تونس، والجزائر توالياً. أما الدول التي تحتاج الى تنشيط رقمي ومزيد من الإستثمارات لزيادة قدرات بنيتها التحتية الرقمية فهي: العراق، سوريا، موريتانيا، اليمن، السودان، جيبوتي، فلسطين، جزر القمر، ليبيا، والصومال.
واقع التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية والتحديات التي تواجهها
تُعتبر مواكبة التطور السريع للتكنولوجيا المالية حاجة ملحة لجميع إقتصادات العالم، فهو قطاع سريع النمو يتيح تحقيق عائدات إستثمارية قوية ويدعم مسار التنمية الاقتصادية، كما تُوفر شركات التكنولوجيا حلولاً جديدة يستطيع القطاع المالي توظيفها لتحسين كفاءة وفعالية عملياته التشغيلية.
تساهم التكنولوجيا المالية في تحقيق الاستقرار المالي وتلعب دوراً جوهرياً في صوغ مستقبل المعاملات والخدمات المالية. بلغت الإستثمارات العالمية في هذا المجال في نهاية العام 2019 حوالي 34.5 مليار دولار، وإستحوذت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أقل من 1 % من ذلك الإستثمار العالمي. وتكمن أهمية هذه التكنولوجيا في تبنيها من قبل المصارف المركزية ومؤسسات النقد والجهات التنظيمية والتي تُعرف بإسم Sandbox، حيث تعمل على خلق بيئة تجريبية وتنظيمية حاضنة لهذه التكنولوجيا كي تصبح في إطار قانوني ورسمي. أما الهدف من تشريعها فهو كونها تتيح للشركات التقنية والمالية المحلية والدولية إختبار حلول رقمية جديدة تلبي رغبات الشركات والأفراد.
على صعيد الدول العربية، برزت الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا المالية على الساحة المالية، حيث بدأ التنافس بين المصارف التقليدية والمؤسسات المالية التقليدية مع هذه الشركات الصاعدة والتي إستطاعت أن تجذب الكثير من الأفراد والشركات، الأمر الذي إضطر العديد من المصارف والشركات المالية للبدء بعمليات شراء أو اندماج مع هذه الشركات. كما بدأ بعض المصارف بالإعتماد على هذه التكنولوجيا كركيزة في عملياتها الجديدة بخاصة بعد تفشي جائحة كورونا.
وتحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الأولى بين الدول العربية بنسبة 43 % من الشركات التي تستخدم التكنولوجيا المالية، وتحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى في عدد شركات التكنولوجيا المالية. وتعمل كل من السعودية والإمارات والبحرين حالياً على قوانين تنظيمية متعلقة بالتكنولوجيا المالية، حيث على سبيل المثال أطلق البنك المركزي السعودي في العام 2018 مبادرة أطلق عليها إسم التكنولوجيا المالية «Fintech السعودية» بهدف دعم وتعزيز التكنولوجيا المالية تماشياً مع «رؤية 2030».
كما تشهد المنطقة العربية نمو مشاريع في مجال التكنولوجيا المالية، حيث أطلق مصرف البحرين المركزي في نهاية العام 2020 منصة «FinHub 973»، وهي أول منصة إفتراضية من نوعها للتكنولوجيا المالية في المنطقة. كما قدّمت حكومة دبي إلى الشركات الناشئة الإقليمية والعالمية مسرِّعات غنية وبيئة حاضنة حيوية مثل «مسرِّعة دبي للمدن الذكية»، ومسرِّعات «دبي المستقبل»، فضلاً عن مسرِّعة «Fintech Hive» التابعة لمركز دبي المالي العالمي.
وتُعدّ هذه المسرّعات بمثابة منصة تجمع المؤسسات المالية والهيئات الحكومية وشركات التكنولوجيا ورواد الأعمال. وفي مصر، أطلق البنك المركزي المصري في العام 2019 إستراتيجيته المتكاملة للنهوض بمنظومة التكنولوجيا المالية والإبتكار، والتي تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التكنولوجيا المالية. كما إستحدث البنك المركزي المصري صندوق دعم ابتكارات التكنولوجيا المالية، والذي سيتم إنشاؤه من خلال بعض المصارف التجارية.
من جهة أخرى، تواجه التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية صعوبات وتحديات، فرغم العمل المستمر لتطوير الأطر التنظيمية للخدمات المالية الرقمية ووضع قوانين لها، لا تزال توجد فجوات تنظيمية تُعوّق نمو قطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية بشكل عام.
كما لا يزال الدعم المؤسسي والحكومي محدوداً، ويقتصر على عدد قليل من الدول العربية التي قامت بإنشاء حاضنات ومسرّعات أعمال للمساعدة على زيادة الشركات الناشئة أو إنشاء مختبرات للتكنولوجيا المالية. في المقابل، تمثل مشكلة الثقة ومستويات الوعي المالي قيوداً كبيرة أمام الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث يتطلب إستخدام التكنولوجيا المالية كخدمات للدفع توافر الثقة عند الجمهور. يُضاف إلى ذلك مشكلة الترويج لهذا النوع من الخدمات ومشكلة المستوى التعليمي. بالإضافة إلى أنه تسود مشكلة الخطر الإلكتروني، فالهجمات الإلكترونية قد تؤدي إلى إضطرابات في التشغيل وتكبّد الخسائر المالية والمخاطر النظامية، والتي قد تصبح من القيود المعوّقة ما لم يتم العمل على تقوية أطر الأمن المعلوماتي.
واقع العملات الرقمية
تجاوزت القيمة السوقية للعملات الرقمية المشفرة مستوى تريليوني دولار خلال إبريل/نيسان 2021 وبلغت القيمة السوقية لعملة بيتكوين وحدها نحو تريليون دولار، لتستحوذ على أكثر من 56.2 % من إجمالي قيمة العملات الإفتراضية في العالم.
كما حازت العملات الرقمية على إهتمام واسع مع إرتفاع قيمتها وإتساع دائرة إستخدامها بشكل كبير، ولكن ظلت المواقف الحكومية جامدة تجاهها، بل وقامت بعض البلدان بفرض حظر تام على شراء وإمتلاك والمتاجرة بهذه العملات، ومن بينها ثلاث دول عربية هي الجزائر وقطر ومصر. ففي العام 2018، حظّرت الجزائر إستخدام العملات المشفرة. أما في قطر، فقد حذرت دائرة الإشراف والرقابة على المؤسسات المالية في البنك المركزي في العام 2018 المصارف من التعامل مع «البيتكوين» أو إستبدالها بعملة أخرى، أو فتح حساب للتعامل معها أو إرسال أو تسلم أي تحويلات مالية لغرض شراء أو بيع هذه العملة. كما أعلن البنك المركزي المصري في القانون الصادر في العام 2020، عن فرض عقوبات رادعة تصل إلى الحبس والغرامات الكبيرة على المتعاملين بالعُملات المشفرة أو الإتجار فيها أو الترويج لها، أو تشغيل منصات لتداولها.
العملات الرقمية هي عبارة عن عملات افتراضية غير ملموسة، ولا يمكن لأي شخص إمتلاكها والتعامل معها، إلاّ من خلال أجهزة الكومبيوتر، أو الهاتف الذكي أو المحافظ الإلكترونية المتصلة بشبكة الإنترنت.
ويوجد نوعان رئيسيان من العملات الرقمية: النوع الأول وهي العملات المركزية، ولها مسؤول أو مستودع مركزي، وعادة ما يكون هو المُصدر لها، والنوع الثاني وهي العملات اللامركزية، ولا يوجد لها أي مسؤول أو مستودع مركزي تابع لجهة خارجية، وتعتمد غالباً على شبكات البلوكشين (مثل عمليتيّ البيتكوين والليتكوين). وتتمتع العملات الرقمية بالعديد من الميزات التي تجعلها متفوقة على العملات التقليدية، ومنها أنها تتيح المعاملات الفورية وتسمح بنقل الملكية بلا حدود، بالإضافة الى إمكانية إستخدام هذا النوع من العملات لشراء السلع والخدمات.