التحوُّل الرقمي يقود إلى نموّ قطاع الخدمات المصرفية
يكثر التداول في مصطلح «التحول الرقمي المصرفي»، على نطاق عربي واسع في السنوات الأخيرة، بعد أن خطت المصارف العالمية خطوات متقدمة في هذا المجال، وخصوصاً في البلدان العربية التي تتهيأ لإنجاز مشاريع إقتصادية وعمرانية وإستثمارية ضخمة، فيكون التحوّل الرقمي المصرفي فيها جزءاً مكمّلاً لهذه التطورات الإقتصادية. ومن البديهي القول، إن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، هي من الدول العربية الأكثر إجتهاداً في إنجاز هذا التحوّل، وقد أصبح هدفاً أساسياً في برامج حكوماتها ومصارفها على السواء.
تكمن أهمية التحوّل الرقمي، في أنه يقود إلى النموّ في قطاع الخدمات المصرفية، لما يُحقّقه من تجربة مميّزة وفريدة للعملاء، من حيث التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة، للإرتقاء بالعمليات التشغيلية وتطوير الخدمة المقدمة، والإنجاز السريع للمعاملات، بحيث يُمكِّن العميل من الوصول الى الخدمات، والمنتجات البنكية في أيّ وقت وأي مكان. وقد تنوّعت الخدمات التي تُقدّمها المنصّات الرقمية للبنوك في مجالات عدة، من خدمة فتح الحساب، وطلب تمويل، وإصدار بطاقة السحب الآلي، وإتمام عمليات الدفع والشراء، وتسديد الفواتير وتحويل الأموال، عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، وتحديث البيانات الخاصة بالعميل، وغيرها من الخدمات البنكية الأُخرى.
كما أن الأجيال الشابة تتّجه نحو إستخدام التكنولوجيا الرقمية، وقد أصبحنا في عصر السرعة والإنجاز الذي يتطلّب الحصول على الخدمات، والحلول، أينما كانت ومتى شاءت بمنتهى السهولة، وبمستويات أعلى من السرعة والكفاءة والأمان والحماية المعلوماتية.
في ظل هذه التطورات، سواء من قبل المؤسسات المصرفية أو العملاء أنفسهم، فإن التطلُّعات تتّجه نحو المزيد من الدمج، في الخدمات المصرفية الرقمية لتتكامل مع حياة العملاء، كي تُشكل دعامة من دعائم النمو المستقبلي، لما ينطوي عليه ذلك من قيم مضافة لكافة الأطراف المعنية، ولما يُسهم به في خلق نماذج عمل، وخدمات أكثر تطوراً وتقدماً، تُعزّز من رفعة القطاعات المصرفية وتحسّن من الإقتصادات.
يُشار إلى أن من أهداف العمل المصرفي الإلكتروني، تعزيز حصة المصارف التقليدية في السوق المصرفية، حيث تعمل على تخفيض نفقاتها، وتقديم المعلومات اللازمة والخدمات التي يؤديها البنك، عبر موقع شبكة الإنترنت وتمكُّن العملاء من الحصول على خدماتهم المصرفية وغير المصرفية، في أي وقت.
تحوُّلات مالية كبيرة
الخبير المصرفي عادل أفيوني
السياسات المالية المتقدّمة التي تتبعها الدول العربية
ستخلق ثورة تكنولوجية مالية فعلية
كل هذه المعايير المصرفية الجديدة التي دخلت على القطاع المصرفي العربي، عبر التحوُّل الرقمي المصرفي، يشرحها وزير الدولة لشؤون الإستثمار والتكنولوجيا (سابقاً) والخبير المصرفي عادل أفيوني لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، قائلاً: «لقد أطلقت المصارف العربية عملية التحوّل الرقمي منذ سنوات، وبعضُها حقّق نقلة نوعية في الخدمات المصرفية. كما أن بعض المصارف العربية، قام بتأسيس مصارف رقمية متخصصة ومستقلة».
يُضيف أفيوني: «لقد إستفادت المصارف العربية وخصوصاً في دول الخليج، من دعم ملحوظ من السلطات التي سخّرت موارد وجهوداً، لتشجيع قيام صناعة رقمية في مجال الخدمات المالية، ولإستقطاب الطاقات العالمية في هذا المجال، وأطلقت برامج وسياسات عصرية ورائدة، تُشجع الثورة التكنولوجية في مجال الخدمات المالية»، مشيراً إلى أنه «في هذا الإطار، تلعب المراكز المالية مثل مركز دبي المالي العالمي DIFC، ومركز أبو ظبي للأسواق العالمية ADGM دوراً محورياً. فهذه المراكز إتّبعت في السنوات الأخيرة، سياسات عصريّة، وأقرّت رُزمة من الحوافز لإستقطاب صناعة التقنيات المالية وإحتضانها، وتسريعها وتشجيعها، لمصلحة رواد الأعمال والشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا المالية Fintech من كل أنحاء العالم».
ويرى أفيوني أن «هذه السياسات المتقدّمة العصرية، تخلق ثورة تكنولوجية مالية فعلية في هذه الدول، وتُغذّي المصارف والمؤسسات المالية المحلية، بأحدث التقنيات المالية الحديثة، وتُحفّز عملية التحوّل الرقمي في القطاع المالي»، معتبراً أن «لهذه الفورة التكنولوجية تأثيرها على الإقتصادات المحلية في الخليج، على نحو كبير، على المدى القصير والطويل، وتفعيل المعاملات المصرفية وتبسيطها، بفضل التكنولوجيا الحديثة التي تُسهّل ممارسة الأعمال، وتستقطب الشركات بما فيها العالمية منها، وتُسرّع النمو الإقتصادي وتُحفّز الحركة الإقتصادية».
ويشدّد أفيوني على أن «هذه الخطوة تُساهم من خلال هذه الفورة، في تنويع الإقتصادات الخليجية، وتأسيس صناعة جديدة في مجال التكنولوجيا المالية، محورها المراكز المالية في الخليج، لكن دورها وأسواقها عالمية. وهذا يخلق قطاعاً جديداً في مقدّمة التحوُّل الرقمي، ويخلق فرص عمل ونمو، ويُحوّل الدول المعنية إلى مراكز رائدة، في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي».
رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل:
التطور المصرفي الرقمي إتجاهٌ عالمي وعلى الدول مجاراته سواء أكانت مأزومة أم لا
من جهته، يُوضح رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «التحوُّل الرقمي هو تقديم الخدمات المصرفية عبر الوسائل الإلكترونية، بدل أن تكون مباشرة، سواء من خلال الهواتف الذكية أو الكومبيوتر»، مشيراً إلى أن «هناك تطوراً لافتاً في هذه الخدمة لدى المصارف الخليجية، وهناك محاولات من مصارف عربية أخرى لتقديم هذه الخدمة لعملائها، وفي لبنان هذه الخدمات كانت موجودة ولكن بشكل محدود».
ويُضيف غبريل: «هناك تنافس بين المصارف لمجاراة الخدمات التي تُقدمها مؤسسات مصرفية موجودة إلكترونياً، من دون أن تتكبّد تكلفة إنشاء فروع وتعيين موظفين. فهذه المؤسسات بعدد قليل من الموظفين، يُمكنها الإستثمار في البورصات، وتحويل الإموال إلكترونياً، وتشتري سندات، وهذه المواصفات تُناسب الجيل الجديد الذي يطلب سرعة ومرونة في التعامل، وهذا الجيل تحديداً، يتّجه نحو هذا النوع من المؤسسات لإنجاز معاملاته المصرفية».
ويُشدّد غبريل على أن «المصارف التقليدية تتّجه نحو الخدمات المصرفية الرقمية، لمنافسة هذه المؤسسات والمنصّات التي برزت مؤخراً، وهي مرشحة للإزدياد. علماً أن ترسّيخ الخدمات المصرفية رقمياً، لا يعني بأن الخدمات المصرفية التقليدية سيتم إلغاؤها، لكنها تزيد على هذه الخدمات التقليدية خدمات رقمية، لسهولة إتمامها إلكترونياً، وتوفير مصاريف تشغيلية، ومنافسة مؤسسات تؤمّن خدمات مالية رقمية»، معتبراً أن «هذه الخدمات تُفعّل التنافسية، وتُجاري الإتجاه المصرفي العالمي، (ليس في الدول العربية وحدها)، نحو الخدمات المالية والمصرفية رقمياً وإلكترونياً، وتالياً يدفع الدول إلى تأمين البنى التحتية الإلكترونية والقانونية، التي تسمح بتقديم هذه الخدمة للزبائن وبكلفة مقبولة».
ويختم غبريل: «إن ما سبق، يُعتبر تطوراً عالمياً، وعلى الدول مجاراته سواء كانت مأزومة أم لا. وصحيح أن الدول المأزومة تُواجه تحدّيات أكبر، لكن هذا لا يعني، أن عليها أن تنتظر الإنتهاء من أزمتها، كي تُواكب التطورات».
ضوابط ورقابة
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة:
لتشريعات وضوابط لحماية العملاء من تسرّع بعض المؤسسات المصرفية المالية
يضع الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة، الدول العربية في مصاف الدول العالمية الساعية إلى التطور المصرفي على كل الصعد، ولا سيما منها الخدمات الرقمية، ويلفت لمجلة «إتحاد المصارف العربية» إلى أن «الإندماج سريعاً في التطورات المصرفية العالمية الحاصلة، يجب أن تُواكبها تشريعات وأدوات رقابية، تسمح بحماية العملاء من الوقوع فريسة لدى بعض المؤسسات المصرفية والمالية، والتي تقوم بمخاطر كبيرة قد تؤدي إلى الإفلاس».
ويشدد د. حبيقة على «أن الضوابط يجب أن تكون تشريعات قانونية، وأجهزة رقابية وأدوات تنفيذية، لم تكتمل بعد في الدول العربية، لمنع المخاطرة بأموال المودعين، والتعلّم من التجارب الخطرة التي تحصل في العالم».
ويختم د. حبيقة قائلاً: «إن الدول المتعثّرة إقتصادياً، والحريصة في الوقت عينه على التحوّل الرقمي المصرفي، تسعى إلى جذب إستثمارات مالية إليها، وهي خطوة ذكية وضرورية، تساعدها على الخروج من أزماتها بشكل أسرع».