التمويل الأخضر يستحدث مليون فرصة عمل في الخليج
ويُمكن أن يكون له أثر إقتصادي وإجتماعي عميق
تُسهم الهياكل والآليات الداعمة للتمويل الأخضر، في تمكين الحكومات الخليجية من تحقيق مساهمة تراكمية في الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة تصل إلى تريليوني دولار، وتوفير أكثر من مليون فرصة عمل، فضلاً عن توجيه الإستثمارات الأجنبية المباشرة نحو القطاعات المستدامة، وفقاً للتقرير الصادر مؤخراً عن شركة «إستراتيجي والشرق الأوسط»، وهي جزء من شبكة شركات «بي دبليو سي». علماً أن جميع الدول الخليجية، قد بدأت بالفعل بمباشرة برامجها الطموحة لتحقيق الإستدامة، ولكن لا يزال على صـنّـاع السياسات، إتخاذ تدابير حاسمة غير معهودة للفوز بالحصة الأكبر من سباق التنمية الإقتصادية.
وفي هذا السياق، يعرض التقرير الصادر بعنوان «التمويل الأخضر: فرصة ثمينة تُضاهي تريليوني دولار»، التوصيات الموجهة للحكومات، بالتركيز على أربع أولويات، وهي: سنّ السياسات التي تُعزز الإستدامة البيئية في جميع القطاعات، وإنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء، وتعزيز الأسواق المالية، وتطوير آليات موحدة وشفافة لإعداد تقارير الأداء البيئي.
وفي السياق عينه، علّق أورليان فينسنت الشريك في «إستراتيجي & الشرق الأوسط»، قائلاً: «يُوجه المستثمرون في جميع أنحاء العالم، رؤوس الأموال نحو الإستثمار في المشاريع التي تُركز على تعزيز الممارسات البيئية والإجتماعية والحوكمة الرشيدة».
وقد خلصت الدراسة التحليلية، إلى أن الإستثمارات الخضراء الموجهة نحو ستة قطاعات رئيسة في منطقة الخليج، يُمكن أن يكون لها أثر إجتماعي وإقتصادي عميق، يكفل إستحداث أكثر من مليون فرصة عمل عالية المهارة، وتحفيز الإستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات عالية الإستدامة.
وفي صدد الحديث عن طبيعة مصادر الطاقة المتجددة المتوفرة في المنطقة، وفرص التمويل المتاحة، علّق أنطوني يمين المدير الأول في «إستراتيجي & الشرق الأوسط»، قائلاً: «تتميز دول الخليج بتسجيلها أعلى معدلات تعرض لأشعة الشمس على مستوى العالم، حيث تُنتج الألواح الشمسية الكهروضوئية في دولة خليجية واحدة، ضعف إنتاجها في ألمانيا، أو غيرها من الدول الأوروبية، التي تتميّز بمناخ مماثل – بمعدلات تشغيل بالحمل الكامل، تُراوح ما بين 1750 و1930 ساعة سنوياً».
ويُمكننا كذلك تحديد الفرص الواضحة في مجال الهيدروجين الأخضر، نظراً إلى سهولة الوصول إلى التقنيات الإنتاجية ذات الصلة، بما يُحدّ من العقبات والحواجز التي تحول دون دخول هذا المجال.
وأردف يمين قائلاً: «إستناداً إلى الدراسة التحليلية للعرض والطلب على مستوى العالم، يُمكن للدول المصدرة أن تستحوذ على حصة من السوق تُعادل 200 مليون طن من الهيدروجين الأخضر في حلول العام 2050، بقيمة تصل إلى 300 مليار دولار سنوياً. وبالتالي، يُسهم سوق تصدير الهيدروجين الأخضر كذلك، في إستحداث 400 ألف فرصة عمل في مجال العمليات التشغيلية والصيانة».
وتابع يمين: «سعياً لتحديد المزايا الكمية للإستثمار الأخضر، من حيث التنويع والنمو الإقتصادي، درسنا ستة قطاعات رئيسة غير نفطية في منطقة الخليج، وهي الكهرباء والمياه والبناء والتنقل والغذاء وإدارة النفايات. ونتوقع أن تصل المساهمة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي لهذه القطاعات، إلى تريليوني دولار حتى العام 2030، ومع التوسع في هذه القطاعات، نتوقع إستحداث أكثر من مليون فرصة عمل إضافية في حلول العام 2050، وهذه فرصة ثمينة، يُمكن للحكومات الخليجية إغتنامها، من خلال تنفيذ أربع خطوات إستراتيجية».
تعزيز الإستدامة البيئية
يتعيّن على الحكومات أن تعمل على سنّ السياسات التي تُعزّز من الإستدامة البيئية في جميع القطاعات، بما يشمل إستحداث الحوافز وآليات السوق والمعايير الضرورية.
يُشار إلى أن آليات السوق، مثل: فرض الرسوم على إنبعاثات الكربون وإستخدام البلاستيك والمواد الأخرى الضارة للبيئة، تُشكّل تكلفة حقيقية على الأنشطة التي تزاولها الشركات أو القطاعات.
ويُمكن للحوافز المقدمة لإستخدام مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، أن تُعزّز من تبني مبادئ الإستدامة البيئية. ومن جهة أخرى، ينبغي على الحكومات أيضاً، إجراء التحديثات المستمرة للمعايير التنظيمية للإنبعاثات، وإعادة التدوير وأكواد البناء، لضمان مواكبة الإقتصاد للتقدم والتطور المحرز في مجال الإبتكار والتكنولوجيا.
إنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء
يتعيّن على كل حكومة خليجية، إنشاء صندوق ثروة سيادية أخضر، يتمتع بالمصداقية، والقدرات اللازمة للتعامل مع المستثمرين الدوليين وإستقطابهم. ولا ينبغي أن تكون هذه الصناديق مُقيدة بالعقلية الموروثة في المنطقة، في ما يتعلق بالإستدامة، والتي تتعامل معها على أنها عبء مكلف، وليس فرصة ينبغي إغتنامها.
ويُسهم إنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء، في تحقيق ميزات كبيرة لجميع الأطراف المعنية، بما يشمل القطاع العام، والمستثمرين والمطورين وعامة الناس.
تعزيز الأسواق المالية
يتعيّن على الحكومات الخليجية، الإستمرار في تحقيق الانفتاح، وتعزيز الأسواق المالية في المنطقة، بما يسمح للمستثمرين بالتخارج بسهولة من الإستثمارات الناجحة، ومساعدتهم في الوصول إلى الصناديق الخليجية – مثل تلك التي يمتلكها الأفراد والأسر من أصحاب الثروات الكبيرة.
كما يُمكن للحكومات، إتخاذ العديد من التدابير لبناء الأسواق المالية المحلية، ومنها زيادة عدد الفرص الإستثمارية الجذابة والمستدامة، عن طريق تخصيص الأصول – إما جزئياً أو كلياً، وهو الخيار المفضل – على مستوى المنطقة، بما يستقطب المستثمرين الدوليين من الأفراد والمؤسسات، وزيادة الطلب على مستوى المستثمرين المحليين من الأفراد، من خلال تحفيز إستثمارات أسواق الأوراق المالية في المنطقة.
آليات موحدة وشفافة
يتعيّن على الحكومات الخليجية، بناء أنظمة تقارير شفافة وموحدة وشاملة. وتُعتبر آليات القياس والتقارير الشفافة، تحدياً كبيراً لمبادرات الإستدامة في جميع أنحاء العالم. فرغم حاجة المستثمرين للحصول على معلومات أكثر كماً ونوعاً، إلّا أن الشركات غير مُلزمة بالكشف عن مبادراتها في مجال الإستدامة البيئية والإجتماعية والحوكمة الرشيدة، وحتى في حال كشفها عن هذه المعلومات، فإنها غالباً ما تتبنى معايير مجزّأة، ما يُصعّب ضمان الموضوعية في إجراء المقارنات. ومن جهة أخرى، يظهر تحدٍ آخر، مصدره الإفتقار إلى موثوقية البيانات، والتحقق من مدى صحتها، وذلك نظراً إلى إجراء التقييمات وإعداد التقارير ذاتياً.