التمويل الإجتماعي الإسلامي لدعم جهود التعافي
وإعادة البناء بعد جائحة «كوفيد- 19»
فيما لا يزال العالم يتخبط في مواجهة جائحة «كوفيد- 19»، أطلقت الأمم المتحدة، بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، مبادرةً لدعم جهود تمويل التعافي بشكلٍ أفضل. ففي ظلّ الأزمة العالمية الصحية والإقتصادية التي أوقعت الملايين في براثن الفقر المدقع، يُقدّم التمويل الإجتماعي الإسلامي إمكانية توفير الدعم العاجل للتخفيف من حدّة الفقر، ودفع عجلة التعافي الإقتصادي والإستجابة للجائحة وتعزيز التنمية المستدامة.
وفي كلمة افتتاحية خلال حفل الإطلاق، أكدت أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، «أن التضامن مع المحتاجين يعني إستكشاف سبل إستخدام التمويل الإجتماعي الإسلامي لتعزيز الإستجابة للجائحة من خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة «كوفيد- 19» (ACT-Accelerator) ومرفق «كوفاكس» (COVAX facility)، ومبادرات ووسائل أخرى لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والتشخيصات والعلاجات».
ووفقاً لأحدث التوقعات الإقتصادية التي أصدرتها الأمم المتحدة، لا يزال التعافي الإقتصادي معرّضاً للخطر، رغم التقدّم الطفيف الذي تم تسجيله مقارنة بأرقام عام 2020، وذلك بسبب إرتفاع أعداد الإصابات بالوباء وتأخر الوصول إلى اللقاحات في البلدان ذات الدخل المنخفض وتفاقم عدم المساواة، وجميعها عوامل تعوق التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة، التي هي خطة العالم لتحقيق مستقبل أفضل للجميع في حلول العام 2030.
ومن خلال آلية «كوفاكس»، وهي آلية الإنصاف في اللقاح الوحيدة في العالم بقيادة منظمة الصحة العالمية وتحالف «غافي» للقاحات (Gavi) والإئتلاف المعني بإبتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة (CEPI)، بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وصل إلى ما يزيد عن 120 دولة مشاركة 60 مليوناً من لقاحات «كوفيد- 19» إلى اليوم، في جهد غير مسبوق عبر التاريخ لنشر اللقاح. إلا أن آلية «كوفاكس» لا تزال بحاجة إلى 2.8 مليار دولار لتحقيق هدفها المتمثل في إنهاء المرحلة الحادة للجائحة في حلول نهاية العام.
وتشمل المبادرة التي تمّ إطلاقها «الحوار الدولي حول دور التمويل الإجتماعي الإسلامي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، الذي سيُشكل منصةً لمناقشات حاسمة بين العديد من الأطراف، منها قادة العالم والمؤسسات الإسلامية، حول دور التمويل الإجتماعي الإسلامي.
وشدّد الدكتور بندر بن محمد حمزة حجار، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، على أهمية الحوار الدولي حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي، قائلاً: «في حين باتت هشاشة الأنظمة الإجتماعية والإقتصادية واضحة للعالم أجمع، وخصوصاً في زمن الجائحة، تُوفر أدوات التمويل الإجتماعي الإسلامي فرصةً للصمود وبناء المِنعة التي تشتد الحاجة إليها. فإني على ثقة أن الزكاة والصدقة والوقف والتمويل الإسلامي الأصغر، أدوات تتيح إعتماد نهجٍ تنمويّ أكثر مرونة وشمولاً، ينطلق من القاعدة الشعبية، وإني أتطلع إلى العمل مع شركائنا في الأمم المتحدة لتعميم هذه الأدوات لتلبية الإحتياجات الملحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
وأكد الدكتور حجار «تأييد البنك الكامل لأهمية الإستفادة من التمويل الإجتماعي للتخفيف من آثار الجائحة المتفشية، بما في ذلك لإنتاج لقاحات «كوفيد- 19» لخدمة البلدان النامية وأقل البلدان نموّاً».
ويُعتبر التمويل الإجتماعي الإسلامي آلية تمويل أساسية، تستخدم أدوات تقليدية مثل الزكاة (التي تبلغ المساهمات السنوية في إطارها حوالي 300 مليار دولار)، والصدقة، والوقف (ومنه الصناديق الإستئمانية)، كذلك أدوات التمويل الأصغر كالقرض الحسن. وتستند جميعها إلى قيم الإيمان والشمولية لتعزيز الثقة المجتمعية والتعاون والتضامن في مكافحة الفقر والجوع، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
وأكدت الدكتورة رولا دشتي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، «أن التمويل الإجتماعي الإسلامي الذي يقوم على مبادئ الإنصاف والعدالة، سيدعم السعي للتغلّب على القيود المالية ونقص التمويل وانعدام المساواة في التمويل، ويفتح آفاقًا جديدة لتحفيز النشاط الإقتصادي وتعزيز الرفاهية الإجتماعية وتحقيق الإدماج المالي والإزدهار المشترك».
وتابعت دشتي: «بإستخدام أدوات الثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك سلاسل الكتل (blockchain) وتكنولوجيا الخدمات المالية (fintech) والذكاء الإصطناعي، يُمكننا إدارة الزكاة والأوقاف والتمويل الأصغر الإسلامي على نحو أفضل»، داعية إلى «الإستفادة من الحوار الدولي للبحث في إمكانية إنشاء صندوق إقليمي للزكاة والوقف والصدقة لدعم تدخلات الإغاثة الفورية، وجهود القضاء على الفقر على المدى الطويل، وحماية الفئات الأكثر عرضةً للخطر».
وبدوره، صرّح الدكتور أحمد بن محمد المريخي، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أن «إطلاق هذا الحوار خلال شهر رمضان الكريم يُسلّط الضوء على أهمية مساعدة المحتاجين. فعلينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نتعاضد ونتعاون لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتخفيف من آثار الجائحة».
وسيتخلّل الحوار الدولي سلسلة ندوات افتراضية تمتد حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، يستضيفها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث. وستجمع الندوات بين مؤسسات التمويل الاجتماعي الإسلامي والعلماء والخبراء والأنظمة الإنسانية والإنمائية الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين لتعميق الفهم للتمويل الاجتماعي الإسلامي والتعريف بمنصات ومبادرات الأمم المتحدة الحالية.
وتشمل النتائج المتوقعة للحوار الدولي أيضاً تقريراً عن سبل الإستفادة من التمويل الإجتماعي الإسلامي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وقاعدة معرفية ودورات للتعلم الإلكتروني حول هذا الموضوع يتم تنفيذها في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث؛ وخارطة طريق وتوصيات عمليّة في شأن سبل المضي قدماً والمساهمة في مبادرة تمويل التنمية في عصر جائحة «كوفيد- 19» وما بعده.
من جهته، أكّد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، أن «هذه الشراكة بين الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية، ستساعد في تحقيق إمكانات التمويل الاجتماعي الإسلامي لدعم جهود العمل الإنساني، والتقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة في هذا الزمن الصعب».