الجواهري: هدفنا الإنتقال من إقتصاد يتَّسم بقيمة مضافة ضعيفة إلى إقتصاد متنوِّع وتنافسي

Download

الجواهري: هدفنا الإنتقال من إقتصاد يتَّسم بقيمة مضافة ضعيفة إلى إقتصاد متنوِّع وتنافسي

موضوع الغلاف
العدد 492 - تشرين الثاني/نوفمبر 2021

والي بنك المغرب  الدكتور عبد اللطيف الجواهري

في حديث لمجلة «إتحاد المصارف العربية»:

* هدفنا الإنتقال من إقتصاد يتَّسم بقيمة مضافة ضعيفة وإنتاجية منخفضة إلى إقتصاد

متنوِّع وتنافسي يرتكز على المقاولات القادرة على الإبتكار والصمود

* للنهوض بالنمو الإقتصادي بشكل أكبر من خلال رفع عدد الفاعلين

وتنويع آليات تمويل الإقتصاد في السياسات النقدية والبنكية

* بنك المغرب يتتبَّع تطوُّرات التحوُّل الرقمي بإهتمام كبير ولدينا لجنة خاصة

بالعملات الرقمية للبنوك المركزية بغية تحديد وتحليل المزايا والمخاطر المرتبطة بها

من النادر أن يخلو محفل إقتصادي دولي أو إقليمي من حضوره الواثق ومشاركاته الدقيقة والعميقة والإصلاحية، والي بنك المغرب الدكتور عبد اللطيف الجواهري واجه كغيره من قيادات المصارف المركزية إن العربية أو الدولية تحديات جسيمة ترافقت مع انتشار وباء كورونا وانعكاس ذلك على العجلة الإقتصادية والتنموية في البلاد، وأنيط بالبنوك المركزية عموماً وضع حلول كادت تكون سحرية أحياناً بسبب عبء المشكلة وآثارها البعيدة في الإقتصاد والتنمية الإجتماعية.

وهو وإن كان قد اختير ضمن أفضل 10 محافظي بنوك مركزية للعام 2021 إلا أن المحافل الإقتصادية لم تخلُ مرة من مشاركاته الفعَّالة التي لطالما عكست إلتزامه المتفاني في عمليات الإصلاح الإقتصادي وما ارتبط بها من تحديات، ولعل أهمها بلا شك برنامج الحماية الإجتماعية وإدخال نظام التأمين الصحي الشامل الذي تم الإعلان عنه في تموز/يوليو وهو ما مكَّن المملكة المغربية من تحقيق قفزة هائلة، ليس فقط من حيث جودة الحياة والتنمية البشرية ولكن أيضاً في القدرة التنافسية والنمو.

 ولعل شعار والي بنك المغرب الدكتور الجواهري القائم على تحويل الأزمات إلى فرص حقيقية قد مكَّنه من تكريس ذلك تنفيذياً وإعطاء زخم جديد للإقتصاد ووضعه في مسار تنموي قوي ومستدام وشامل، وقد كاشف الأكاديمي المخضرم إبان خطابه الأخير أمام ملك المغرب محمد السادس أن تعديل المنظومة التعليمية هو من أهم الإصلاحات التي يتوجب تسريع إنجازها لإعداد اليد العاملة ونخب المستقبل وهو أولوية مطلقة.

ولم تغب التحديات الدولية عن التزامات بنك المغرب الذي مضى في وضع إجراءات التحوُّل الأخضر للقطاع المالي وتعزيز فرص التزامه بذلك، وبناء عليه فقد أطلق الدكتور الجواهري مجموعة إجراءات هي الأولى من نوعها على المستوى المالي لجهة قرب إصدار مبادئ توجيهية للقطاع البنكي لإجراء إختبارات أوضاع الضغط ورفع التقارير عن المخاطر المتعلِّقة بالمناخ، بما في ذلك المتعلِّقة بفروع البنوك المغربية على مستوى القارة الأفريقية، وإجراء تقييمات لتعرُّض القطاع البنكي للمخاطر المالية المتعلِّقة بالمناخ للإستعداد للعقبات المحتملة.

وفي مقابلة خاصة مع مجلة «إتحاد المصارف العربية» قال والي بنك المغرب عبد اللطيف جواهري « إن التطبيق الناجح لسياسات الشمول المالي يقتضي تعزيز التعاون بين الفاعلين في القطاعين العام والخاص حول الرؤية عينها، والقيام بتحديد واضح ومشترك للأولويات والأهداف. وقد قام بنك المغرب إيماناً منه بأهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص ودورها وتأثيرها، بإعتماد هذا المبدأ في مختلف مشاريع الشمول المالي من أجل ضمان بلوغها لأهدافها ونجاحها».

وأشار والي بنك المغرب إلى «إنطلاق برنامج للدعم والتمويل، بمبادرة من بنك المغرب ووزارة الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وصندوق الحسن الثاني للتنمية الإقتصادية والاجتماعية، وبشراكة مع القطاع البنكي الخاص الممثل من طرف التجمع المهني لبنوك المغرب، ويتمحور هذا البرنامج حول تسهيل الولوج إلى القروض البنكية لفائدة أكبر عدد ممكن من الشباب المؤهلين، أصحاب المشاريع والمنتمين لمختلف الفئات الإجتماعية، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في الأنشطة الموجهة للتصدير، ولا سيما نحو إفريقيا، وتمكينها من إستخلاص جزء من القيمة المضافة لفائدة الإقتصاد الوطني، وتيسير الولوج إلى الخدمات البنكية، وفرص الإدماج المهني والإقتصادي لكافة المواطنين بشكل عام وللعاملين في القطاع غير المهيكل بشكل خاص».

 وقال والي بنك المغرب « يهدف محور التحوُّل الإقتصادي الذي حدده النموذج التنموي الجديد، بتكليف من جلالة الملك محمد السادس، إلى« الإنتقال من إقتصاد يتسم بقيمة مضافة ضعيفة وإنتاجية منخفضة، مع أنشطة ريعية ومحمية، إلى اقتصاد متنوع وتنافسي، يرتكز على نسيج كثيف من المقاولات القادرة على الإبتكار والصمود.

وفي ما يلي الحديث الذي أجرته رجاء كموني، مديرة إدارة مجلة اتحاد المصارف العربية، مع والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري

*ما هي تفاصيل المشاريع المتعلقة بالشمول المالي، وما هي النتائج المتوقعة منها؟

– إن التطبيق الناجح لسياسات الشمول المالي يقتضي تعزيز التعاون بين الفاعلين في القطاعين العام والخاص حول الرؤية عينها، والقيام بتحديد واضح ومشترك للأولويات والأهداف. ووعياً منه بأهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص ودورها وتأثيرها، قام بنك المغرب بإعتماد هذا المبدأ في مختلف مشاريع الشمول المالي من أجل ضمان بلوغها لأهدافها ونجاحها. وفي هذا الإطار، نذكر« مشروع إنطلاقة» الذي أُعطيت إنطلاقته في يناير/كانون الثاني 2019  تطبيقاً للتوجهات الوطنية الواردة في الخطاب الملكي في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019  والهادف إلى تشجيع العمل المقاولاتي في المغرب من خلال ضمان إلتزام أقوى للقطاع البنكي. ويتعلق الأمر ببرنامج للدعم والتمويل، أُعطيت إنطلاقته بمبادرة من كل من بنك المغرب ووزارة الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وصندوق الحسن الثاني للتنمية الإقتصادية والاجتماعية، وذلك بشراكة مع القطاع البنكي الخاص الممثل من طرف التجمع المهني لبنوك المغرب.

ويتمحور هذا البرنامج حول المحاور الثلاثة التالية:

1- تسهيل الولوج إلى القروض البنكية لفائدة أكبر عدد ممكن من الشباب المؤهلين، أصحاب المشاريع والمنتمين لمختلف الفئات الإجتماعية.

2- دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في الأنشطة الموجهة للتصدير، لا سيما نحو إفريقيا، وتمكينها من إستخلاص جزء من القيمة المضافة لفائدة الإقتصاد الوطني.

3- تيسير الولوج إلى الخدمات البنكية، وإلى فرص الإدماج المهني والإقتصادي لكافة المواطنين بشكل عام وللعاملين في القطاع غير المهيكل بشكل خاص.

ويمثل بذلك هذا البرنامج إطاراً تحفيزياً ومندمجاً، يرتكز على آليات للضمان والتمويل والإستثمار والمواكبة التقنية لفائدة الساكنة المستهدفة. وعلى المنوال عينه، يمثل النظام الوطني للأداء النقال (الهاتف) عبر أحد المشاريع الرائدة لبنك المغرب والمرتكز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

بالفعل، ومن أجل تشجيع إستخدام الأداءات الإلكترونية وتقليص تداول النقود وتطوير الشمول المالي، أطلق بنك المغرب بالتعاون مع الوكالة الوطنية لتقنين الإتصالات والبنوك ومؤسسات الأداء وفاعلي الإتصالات، مشروعاً لتطوير نظام وطني للأداء النقال، يكون منتشراً على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة.

ويتمثل الهدف المنشود من المشروع هذا في تعزيز فرص إستفادة الساكنة من هذه الخدمات رغم بعدها الجغرافي أو ضعف مداخيلها، والمساهمة بالتالي في تحسين ظروف عيشها.

ولتسريع إعتماد هذه الوسيلة الجديدة للأداء من طرف المستخدمين، وضع بنك المغرب عدة إجراءات، لا سيما في إطار أزمة «كوفيد-19»، تمثلت في تخفيف شروط فتح حسابات الأداء وإعتماد تحفيزات ضريبية لفائدة تجار القرب المستعملين للأداء النقال وتعزيز إلغاء الطابع المادي لمساعدات الدولة،  ولا سيما المساعدات الدراسية إبتداء من 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020. بدورهم، إتفق الفاعلون في قطاع الأداء النقال على وضع تسعيرة جذابة لتطوير الإستخدامات وتشجيع اللجوء للأداء الهاتف عبر النقال. ويتجلى أحد الأركان الرئيسية الأخرى للشمول المالي والمندرج ضمن التوجهات الإستراتيجية لبنك المغرب بالشراكة مع القطاعين العمومي والخاص في التثقيف المالي. في هذا الصدد، تهدف المؤسسة المغربية للثقافة المالية المحدثة في العام 2013 بمبادرة من بنك المغرب إلى تحديد وتطبيق إستراتيجية وطنية للثقافة المالية تتضافر فيها جهود الفاعلين في القطاعين العام والخاص، وتستثمر الخبرات والتجارب المكتسبة لدى المنظمات الدولية.

في هذا الإطار، تقوم المؤسسة بوضع برامج للتثقيف المالي وتنسق مع كافة الأطراف ذات الصلة من أجل تنزيل الأنشطة الواردة فيها وتتبع مدى فعاليتها. وتقوم بتصميم ووضع رهن الإشارة محتويات بيداغوجية للثقافة المالية لفائدة فاعلين في القطاعين العام والخاص.

ويتمثل آخر مشروع قيد الإنجاز، والذي عبأ المؤسسة كما الفاعلين  في القطاع الخاص (البنوك، ومؤسسات الأداء والمجتمع المدني)  في مبادرة Greenback ، التي تم إطلاقها بالتعاون بين بنك المغرب والبنك الدولي في العام 2019. وتهدف إلى تشجيع إستعمال الخدمات المالية الرسمية لدى المستفيدين من تحويلات الأموال.

كما ترمي إلى تقليص تكاليف التحويلات وتحسين فعالية أسواق تحويلات الأموال ولا سيما من خلال إعداد إجراءات للتثقيف المالي ولحماية المستهلك. أيضاً، يجدر التذكير بأنه من أجل تقوية التعاون في مجال الشمول المالي، تم تطوير الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي وفق إطار تشاركي، وهي تمثل بذلك ثمرة عملية تشاورية وتفكيرية واسعة بالشراكة مع مختلف الأطراف المعنية العامة والخاصة. هكذا، تم تحديد رؤية وطموحات وطنية وبلورتها في خارطة طريق تفصيلية، يتم تتبع تنفيذها بواسطة آلية خاصة للتسيير والتنسيق، وتشمل هذه الآلية أجهزة للحوكمة تترأسها وزارة الإقتصاد والمالية، وإصلاح الإدارة وبنك المغرب، وتضم الوزارات الأعضاء، والجهات المكلفة بتقنين القطاع المالي، والجمعيات المهنية للمؤسسات المالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب. ويتمثل الهدف المنشود في تقليص الفوارق من حيث الولوج إلى الخدمات المالية الرسمية وإستعمالها وتشجيع الشمول المالي بصفته محفزاً للتنمية الإجتماعية والإقتصادية.

*يتقدم المغرب بخطى حثيثة نحو تحسين الظروف الإقتصادية للبلاد في أعقاب أزمة «كوفيد- 19» التي أضرت بالإقتصاد العالمي، في مايو/ أيار 2021  أعلن المغرب في هذا الصدد، توصيات تتعلق بنموذج جديد للتنمية الإقتصادية، وتم تحديد العام 2035 كأفق لتحقيق مجموعة من الأهداف الإقتصادية والإجتماعية. ما هو الأفق المالي والنقدي الذي تتوقعونه لمواجهة البطالة، ولا سيما من حيث الشمول المالي والنهوض بالشركات الصغيرة والمتوسطة؟

– عقب إلقاء جلالة الملك محمد السادس، خطاباً في 31 يوليو/تموز 2019 لمناسبة عيد العرش، كلف في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لجنة خاصة لوضع نموذج تنموي جديد إستناداً إلى جرد طموح ومنظور جديد، يستجيب لحاجات المواطنين. وقد قدمت اللجنة المذكورة تقريرها في 25  مايو/ أيار 2021 حيث تضمّن التقرير تشخيصاً عاماً، وحدد إنشغالات وتطلعات المواطنين والفاعلين، وقدم مقترحات حلول مشتركة وما من شأنه أن يكون رافعة للتغيير، فضلاً عن طرحه لنموذج جديد يأخذ في الإعتبار عواقب أزمة «كوفيد–19».

في هذا السياق، يهدف محور التحوُّل الإقتصادي الذي حدَّده النموذج التنموي الجديد إلى الإنتقال من إقتصاد يتسم بقيمة مضافة ضعيفة وإنتاجية منخفضة، مع أنشطة ريعية ومحمية، إلى اقتصاد متنوع وتنافسي، يرتكز على نسيج كثيف من المقاولات القادرة على الإبتكار والصمود. ومن شأن هذا التحوُّل الإقتصادي توليد نمو أكثر وخلق مناصب شغل ذات جودة، من أجل تعزيز خلق القيمة وضمان إدماج الساكنة النشيطة، وخصوصاً النساء والشباب، في سوق الشغل .

نتيجة لذلك، يشكل تعزيز المقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة في إطار إقتصادي كلي يهدف إلى خدمة النمو، إحدى الأولويات الإستراتيجية لهذا النموذج. فالمغرب يتمتع من دون شك، ببيئة ماكرو-إقتصادية ونظام مالي مستقرين، ينبغي المحافظة عليهما. غير أنه من الضروري تحسين هذا الإطار من أجل النهوض بالنمو الإقتصادي بشكل أكبر، وذلك من خلال جملة من الإجراءات، بما فيها رفع عدد الفاعلين وتنويع آليات تمويل الإقتصاد في السياسات النقدية والبنكية .

إدراكا منها بالإشكاليات التي تواجه المقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة في ما يتعلق بالحصول على التمويل، والتي تحوُّل دون تحقيق هذه المقاولات لكامل إمكاناتها، تضمنت الإستراتيجية الوطنية للشمول المالي ضمن ركائزها الأساسية إحداث أدوات تهدف إلى تسهيل تمويل المقاولات الصغيرة جداً، كذلك المقاولات الناشئة. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أننا الآن في صدد وضع آليات تمويل جديدة ولا سيما بالمقاولات الصغيرة جداً من خلال أسواق الرساميل (التمويل الجماعي، وصناديق التسنيد، وغيرها).

كما أن الفاعلين معبَّأون من أجل وضع تدابير دعم المقاولات الصغيرة جداً والمقاولات الناشئة، ولا سيما من خلال الإصلاحات التي تهم مكتب الإئتمان وسجلات التأمين، والحوافز الضريبية، وتيسير الإطار القانوني للشركات المساهمة المبسطة.

علاوة على ذلك، يمثل التمويل الأصغر رافعة إستراتيجية لفائدة المقاولات الأصغر والمقاولات الصغيرة جداً. وفي هذا السياق، إعتمد قانون التمويل الأصغر بهدف إنعاش القطاع وتشجيع تطوير عروض تستجيب لحاجيات الساكنة المستهدفة.

*لقد قمتم بإطلاق مشاريع تتعلق بالتمويل الأخضر والتحوُّل الرقمي، ما هي حيثيات هذه المشاريع؟ وما هي النتائج التي تطمحون إلى تحقيقها من خلال ذلك؟

– يُعد التمويل الأخضر والمستدام ضرورياً لمواكبة الإنتقال إلى إقتصاد محايد الكربون وصديق للبيئة. وقد أبانت أزمة كوفيد عن ذلك بشكل واضح. ومن موقعه، بصفته بنكاً مركزياً وسلطة تنظيمية للقطاع المالي، يُدرك بنك المغرب دوره في تعزيز هذا التمويل الأخضر، نظراً إلى التحديات الناجمة عن التغيُّر المناخي والحفاظ على البيئة وذلك بغية تحقيق صمود الإقتصاد والإستقرار المالي.  وتجدر الإشارة إلى أنه لمناسبة الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغيُّر المناخ (COP22) ، المنعقد في مدينة مراكش في العام 2016، أشرف البنك بشراكة مع الفاعلين المعنيين على إعداد خارطة طريق مخصصة للقطاع المالي بهدف مواءمة هذا الأخير مع أهداف التنمية المستدامة. وقد جرى وضع إطار تنظيمي لإصدار السندات الخضراء، كما وضعت البنوك مع مانحين دوليين منتجات تمويل مخصصة لمشاريع التمويل الأخضر .

أيضا، قام البنك المركزي بحملات تحسيسية عدة  لدى القطاع البنكي قبل إصدار تعليمة تنظيمية تحدد إنتظاراته في ما يتعلق بأخذ التحديات المناخية والبيئية بالإعتبار عند تدبير المخاطر ذات الطبيعة المناخية والبيئية. ومن خلال هذه التعليمة، يتوخى البنك تشجيع الفاعلين على إدراج التحديات المناخية والبيئية ضمن إستراتيجياتهم التنموية والعروض التي يقدمونها من المنتجات والخدمات في مجال التمويل، وتوظيف الأموال وتدبير الأصول بما في ذلك عن طريق شبكاتها المتواجدة عبر القارة الإفريقية.

ويهدف البنك أيضاً من ورائها إلى إرسال إشارة قوية إلى الفاعلين في السوق من أجل تحفيز الجهود الوطنية في مجال التنمية المستدامة والدفع نحو الإنخراط في إلتزامات مالية جديدة ترمي إلى الإنتقال نحو الإقتصاد الأخضر. ومع دخول هذا النص القانوني الجديد حيّز التطبيق، ينخرط بنك المغرب في مقاربة بنّاءة مع الفاعلين في القطاع من أجل مواكبة البنوك في إدماج الإعتبارات المناخية ضمن إنشغالاتهم وتجاوز الصعوبات المرتبطة بالشكوك حول إفراز العوامل المناخية لتأثيرات اقتصادية ومالية كذلك عدم كفاية منهجيات التحليل والمعطيات.

من هذا المنطلق، أعطى بنك المغرب بدعم من البنك الدولي الإنطلاقة لورشتين مهيكلتين تهدفان إلى وضع خارطة للمخاطر المالية المناخية، وإعداد دراسة تحليلية لنقاط الضعف لدى البنوك إزاء تغيُّر المناخ. من ناحية أخرى، يعمل البنك المركزي على تسريع نمو التمويلات البنكية الخضراء بدعم من بنوك التنمية، وذلك من خلال جعل تقوية قدرات الفاعلين البنكيين والعروض البنكية المرتبطة بالمالية البنكية الخضراء على رأس برنامج عملها للسنة المقبلة.

وفي إطار التنسيق الإقليمي والدولي، إنخرط البنك في العام 2018 في الشبكة الدولية للمشرفين والبنوك المركزية من أجل نظام مالي أخضر، ويشارك في أشغال الشبكة من خلال مجموعات عمل مختلفة. كما يساهم في مجموعة العمل التابعة لتحالف الشمول المالي  AFI  حول المالية الخضراء الشاملة. وتهدف هذه المساهمات إلى إستثمار الخبرات لدى النظراء وتحفيز الأنشطة التي يقوم بها في مجال المالية الخضراء وتدبير المخاطر المناخية والبيئية.

على صعيد التحوُّل الرقمي، يستأثر موضوع العملة الرقمية للبنك المركزي بإهتمام متزايد من البنوك المركزية والمؤسسات الدولية نظراً إلى وعيها بالتحديات المرتبطة بالأصول المشفرة والعملات الرقمية والمخاطر التي قد تمثلها الشركات الرقمية الكبرى GAFAM حيال إستقرار النظام المالي. وبالفعل، أظهر إستقصاء لبنك التسويات الدولي نشر في يناير/كانون الثاني2021 ، وشمل 65 بنكاً مركزياً، أن 86 % من البنوك المركزية تجري دراسات مستفيضة حول الإمكانات الواعدة للعملات الرقمية للبنوك المركزية، وأن 60 % منها أعطت الإنطلاقة لتجارب في هذا المجال، مقابل 42 %  في العام 2019، وأن 14 % شرعوا في مشاريع رائدة.

وقد قام بنك المغرب بتتبع هذه التطورات بإهتمام كبير، قبل إحداث لجنة خاصة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية مطلع العام 2021 من أجل تحديد وتحليل المزايا والمخاطر المرتبطة بها، مع مراعاة الأهداف المرتبطة بتعزيز الشمول المالي على وجه الخصوص، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، والحد من إستخدام النقد، ومواكبة الإبتكار التكنولوجي في مجال الأداءات وتجنب أي تأخير في هذا المجال .

في هذا السياق، قمنا بتصور رؤية شاملة مع إعداد خارطة طريق تتناول الموضوع من أبعاده المختلفة. وسيتم تنفيذ الأشغال المرتبطة بها بتنسيق وثيق مع كل الفاعلين المعنيين في هذا المجال، ولا سيما القطاعات الحكومية المعنية والبرلمان والقطاع المالي والهيئة المعنية بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والمؤسسة المكلفة بأمن أنظمة المعلومات والسلطات التنظيمية الأخرى .

وتأخذ خارطة الطريق المواكبة لهذه الرؤية في الإعتبار مختلف الإصلاحات التي باشرها البنك بهدف تحسين وسائل الدفع الإلكترونية وتقليل إستعمال النقد. ويُتوقع أن تسمح هذه الخارطة بتحديد الخيارات التي يتعين أخذها بالإعتبار والقرارات الإستراتيجية للبنك في هذا المجال، علاوة على الإطار التنظيمي المناسب القادر على ضمان الإمتثال للآليات المعتمدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وحماية البيانات الخاصة والإعتبارات المرتبطة بالسرية التي من الواجب الحفاظ عليها.

علاوة على ذلك، ستركز اللجنة الخاصة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية أيضاً على التدابير الممكنة في ما يتعلق بالأصول المشفرة مع الحرص طوال مراحل هذا المشروع على التنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين المعنيين، ولا سيما السلطة المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال والقطاع المالي والهيئة المسؤولة عن حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والسلطات القضائية.