الحرب الروسية – الأوكرانية تُهدّد الأمن الغذائي العربي
والمطلوب الإستثمار في مشاريع زراعية مشتركة في ظل فوائض مالية ضخمة
لا شك في أنه مع إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وفرض عقوبات متزايدة وشديدة من قبل الدول الغربية على روسيا، وإحتمال توقف صادرات هاتين الدولتين إلى الخارج، ومنها صادرات الحبوب، تتزايد المخاوف من تداعيات تلك الأزمة على الأمن الغذائي في الدول العربية تحديداً، بسبب إعتماد عدد كبير منها، وبشكل كبير جداً، على واردات الحبوب من كل من أوكرانيا وروسيا.
وبحسب دراسة أعدّها إتحاد المصارف العربية، فإن الدول العربية تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، حيث إن الدول العربية قد إستوردت نحو 13,165 ألف طن من القمح من روسيا (بتكلفة 2,847 مليون دولار) ونحو 7,598 ألف طن من أوكرانيا (بتكلفة 1,527 مليون دولار) في العام 2020. وقد شكَّلت واردات القمح الروسي إلى الدول العربية نسبة 35.3 % من مجمل صادرات روسيا من القمح، في حين شكَّلت واردات القمح الأوكراني إلى الدول العربية نسبة 42.1 % من مجمل صادرات أوكرانيا من القمح.
وعليه، فقد بلغت مجمل واردات القمح الى الدول العربية نحو 20,763 ألف طن في العام 2020، مثّلت نحو 10.8 % من مجمل صادرات القمح العالمية، ما يدل على الإعتماد الكبير للدول العربية على هذه السلعة من جهة، وأهمية السوق العربية بالنسبة إلى القمح من جهة أخرى.
وقد إستوردت الدول العربية نحو 130 ألف طن من الذرة من روسيا (بتكلفة نحو 24 مليون دولار) ونحو 5,740 ألف طن من أوكرانيا (بتكلفة 991 مليون دولار) في العام 2020. وقد شكَّلت واردات الذرة الروسية الى الدول العربية نسبة 5.7 % من مجمل صادرات روسيا من الذرة، في حين شكَّلت واردات الذرة الأوكرانية إلى الدول العربية نسبة 20.5 % من مجمل صادرات أوكرانيا من الذرة.
وعليه، فقد بلغت مجمل واردات الذرة الى الدول العربية نحو 5,870 ألف طن في العام 2020، مثلت نحو 19.4 % من مجمل صادرات الذرة العالمية، ما يدل أيضاً على الإعتماد الكبير للدول العربية على هذه السلعة من جهة، وأهمية السوق العربية بالنسبة إلى الذرة من جهة أخرى.
وتُظهر هذه الأزمة حاجة الدول العربية إلى السعي نحو تعزيز الأمن الغذائي ذاتياً، عبر الإستثمار في مشاريع زراعية عربية مشتركة، وذلك في ظل وجود فوائض مالية ضخمة وأراض شاسعة قابلة للزراعة على إمتداد الوطن العربي.
في المحصِّلة، يا للأسف، إن التبعية الغذائية العربية للسوق الخارجية متحقِّقة، إذ إن الإنتاجية العربية من الغذاء لا ترتقي إلى حدِّ الإكتفاء لأبناء البلدان العربية، وأن السياسات الحكومية المالية والتشجيعية لا تزال دون المستوى المطلوب، وأن الأمن الغذائي العربي بعيد المنال، وأن جهود التنمية الزراعية العربية غير قادرة على النهوض بالزراعة العربية والإنتقال بها إلى مستوى الطموحات العربية، وأن أسباب التبعية تتجمَّع حولها أسباب داخلية عربية وأسباب خارجية تكمن في الدول المتحكِّمة بأسواق الغذاء العالمية، فيما الأمن الغذائي العربي يتأثر سلباً بمقدار حاجة الوطن العربي من الغذاء المستورد خارجياً، وأن مشكلة الغذاء العربي تُعدُّ علامة دالة على فشل السياسات الإقتصادية التنموية العربية، بدليل إشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا الدولتين الرئيسيتين لتصدير القمح وغيره إلى البلدان العربية، فيما الأخيرة تقع ضحية التبعية وعدم القدرة على تحقيق التنمية المستدامة ذاتياً.