الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية
الدكتور عبدالإله بلعتيق:
نُمثل المظلة الرسمية للصناعة المالية الإسلامية على مستوى العالم والمصارف الإسلامية أكثر إستقراراً خلال الأزمات المالية
الإستبيان العالمي للمصرفيين الإسلاميين يرصد تفاؤل البنوك الإسلامية لنمو القطاع في السنوات المقبلة ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي
شهدت الصناعة المالية الإسلامية نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة حيث إرتفعت أصولها بنسبة تزيد عن 10 % على مدار السنوات الأربع الماضية، رغم تداعيات الجائحة والظروف الإقتصادية العالمية المعاكسة.
ويقول الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عبدالإله بلعتيق في حديث خص به مجلة «إتحاد المصارف العربية»: «يُعدُّ القطاع المصرفي الإسلامي أحد أهم مكونات الصناعة المالية الإسلامية، بإجمالي أصول أكثر من 70 %. وخلال السنوات الماضية، تطور القطاع المصرفي الإسلامي بشكل ملحوظ حيث شهد إهتماماً متزايداً من مختلف الأسواق، ولا سيما في البلدان العربية والمسلمة مثل دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا»، مشيراً إلى «أن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يُمثل المظلة الرسمية للصناعة المالية الإسلامية على مستوى العالم، فيما المصارف الإسلامية تُعد عموماً أكثر إستقراراً خلال الأزمات المالية».
في ما يلي نص الحوار مع الدكتور عبد الإله بلعتيق:
* أين هو موقع المصارف الإسلامية في الوقت الحالي من القطاع المالي العربي والدولي وتصنيفاته؟
– لا شك في أن المصارف الإسلامية تُعتبر نشطة للغاية في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي بعض الدول العربية الأخرى مثل السودان والأردن ومصر، حيث تلعب دوراً مهماً في القطاع المصرفي، وتشكل نسبة مهمة من حصتها السوقية. ولا تزال المصارف الإسلامية في البلدان العربية الأخرى مثل المغرب وفلسطين وغيرها في نمو مستمر. ونرى العديد من هذه البلدان في طور تنفيذ إستراتيجيات دولية لتعزيز نمو القطاع المصرفي الإسلامي في أسواقها، وذلك للإستفادة من الفرص التي يقدمها هذا القطاع في النمو الإقتصادي والإستدامة. وقد رصد الإستبيان العالمي للمصرفيين الإسلاميين الذي يصدره المجلس العام بشكل سنوي، مدى تفاؤل البنوك الإسلامية لنمو القطاع في السنوات المقبلة، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أشار 90 % من المشاركين من هذه المنطقة إلى أنهم متفائلون للغاية بمستقبل الصناعة المالية الإسلامية في منطقتهم لعام 2023.
وفي الآونة الأخيرة، شهد القطاع المصرفي الإسلامي تطورات عديدة في مجال الإستثمار في التكنولوجيا الحديثة، ومواكبة التطورات العالمية، والإبتكار في المنتجات لتوفير خدمات تنافسية، والتي نجحت في جذب شريحة كبيرة من العملاء والمستثمرين، نظراً إلى توافق مبادئ الصيرفة الإسلامية مع المبادئ الأخلاقية والمسؤولة.
* لماذا ينبري البعض للتقليل من دور المصارف الإسلامية، وإعتبار أنها قد لا تكون بمصاف المصارف التجارية التقليدية؟
– لقد أصبح العملاء اليوم على دراية أكثر بأساسيات التمويل الإسلامي ومبادئه الأخلاقية، والتي باتت تجذب إهتمام العملاء والمستثمرين الذين يبحثون عن فرص تمويلية مسؤولة ومستدامة تتماشى مع مبادئهم الأخلاقية. ويشهد القطاع المصرفي الإسلامي في الوقت الراهن تطورات ملحوظة، حيث تتزايد الجهود المبذولة من قبل المصارف الإسلامية لمواكبة التطورات في الصناعة وتوفير خدمات مصرفية تنافسية، مما عزّز من قدرتها التنافسية في الأسواق المحلية والدولية.
* أين هي المصارف الإسلامية من مسائل غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمعايير الدولية؟
– تُعد قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب من أهم المخاطر التي تواجه القطاع المالي اليوم، لا سيما في ضوء التطورات التكنولوجية الحديثة. وقد عقد المجلس العام مؤخراً ندوة إفتراضية حول هذا الموضوع بالتحديد، وخلال الندوة تمت مناقشة أحدث الممارسات في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتطورات التنظيمية ذات الصلة والإعتبارات الإستراتيجية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار من قبل المؤسسات المالية الإسلامية للتصدّي لهذه المخاطر. إضافة إلى ذلك، أجرى المجلس العام دراسة في بداية العام لتقييم ممارسات المصارف الإسلامية في هذا المجال، حيث أظهرت الدراسة، التي شارك فيها أكثر من 100 مدير تنفيذي للمصارف الإسلامية من 30 بلداً حول العالم، أن المصارف الإسلامية على دراية وإلتزام المعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال تطبيق إجراءات صارمة للتحقق من العملاء، وتتبع المعاملات المشبوهة لضمان توافق أعمالها مع هذه المعايير. وسيتم نشر نتائج هذه الدراسة في موجز يصدر قريباً.
* هل تعتقدون أن المصارف الإسلامية حققت – ولا تزال تحقق – إنتاجية أكبر خلال جائحة كورونا وتداعياتها (المالية والإقتصادية) كذلك خلال الأزمات المالية العالمية ولماذا؟
– تُعد المصارف الإسلامية بشكل عام أكثر إستقراراً خلال الأزمات المالية، وذلك بسبب إرتباطها الوثيق بالإقتصاد الحقيقي ومبادئها القائمة على مشاركة المخاطر، مما يُقلل من أثر الممارسات المالية غير المسؤولة على أعمالها، كما حدث في الأزمة المالية العالمية في العام 2008. ومن ناحية أخرى، فإن جائحة كورونا التي إجتاحت العالم في أوائل العام 2020 أدت إلى أزمة صحية عالمية أثّرت على الإقتصادات العالمية والقطاعات ككل. وقد تأثرت البنوك الإسلامية والتقليدية على حد سواء بتداعيات الجائحة، إذ إرتفعت المخاطر وتضرّر الأداء المالي. ومع ذلك، فإن الدراسات تُظهر أن المصارف الإسلامية كانت أكثر مرونة ضد الجائحة وتداعياتها، حيث تمكنت من الإستمرار في النمو وتخفيف آثار الجائحة على الإقتصاد بإستخدام الحلول الإسلامية مثل الصكوك. ولهذا السبب، نُجري حالياً دراسة حول هذا الموضوع بالتحديد، لفهم أداء المصارف الإسلامية خلال الأزمات وتقديم الحلول المحتملة لإكتساب المرونة ضد مختلف أنواع الأزمات، بما في ذلك الأزمات الخارجة عن نطاق القطاع المالي كجائحة كورونا.
* ما هو المعيار الذي يتم على أساسه تقييم عمل المصرف الإسلامي أو القطاع المالي الإسلامي حيال معايير القطاع المالي الدولي ومتطلباته؟
– هناك عدد من المعايير والمؤشرات التي يُمكن من خلالها تقييم أداء المصارف الإسلامية والقطاع المالي الإسلامي، بما في ذلك جودة الأصول، وكفاءة العمليات، ومستوى رأس المال، والسيولة، والنمو، والربحية، فضلاً عن مدى الإلتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بالحوكمة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها.
ومن ناحية المؤشرات المالية، شهدت المصارف الإسلامية نمواً عالمياً في حجم الأصول وزيادة في الربحية خلال السنة الماضية، بمعدلات سيولة قوية، والتي تعكس التعافي إلى حد كبير من تداعيات الجائحة. ولكن، لا يزال هناك فوارق بين البلدان والمناطق في مستوى التعافي، حيث لا يزال البعض يواجه تحديات عدة بسبب العوامل الإقتصادية والسياسية في بلدانهم. ومع ذلك، أشار الإستبيان العالمي للمصرفيين الإسلاميين للمجلس العام للعام الحالي، إلى مدى تفاؤل المصرفيين الإسلاميين لمستقبل الصناعة في السنوات المقبلة وتدني مستوى المخاوف والمخاطر التي يواجهونها، مما يعكس نظرة مشرقة وإيجابية لنمو وتطور الصناعة.
وإثر المستجدات العالمية الأخيرة، شهدنا إهتماماً متزايداً بالإعتبارات البيئية والإجتماعية، حيث دأب واضعو السياسات وأصحاب المصالح في سنّ معايير ومتطلبات محددة للمؤسسات المالية بهدف دمج هذه الإعتبارات مع الممارسات العملية، حيث تتوافق مبادئ الشريعة الإسلامية مع الإعتبارات البيئية والإجتماعية، وتتمحور حول مفهوم «المصلحة» الذي يهدف إلى تحقيق المنفعة العامة للمجتمع والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. وبالتالي، فإن ممارسات المصارف الإسلامية تعمل على تعزيز الحلول المالية الأخلاقية والمستدامة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والتي تركز على إستدامة البيئة والعدالة الإجتماعية. وقد باتت هذه أحد أهم العوامل التي يُمكن من خلالها تقييم دور الصيرفة الإسلامية، والتي أدت إلى توجُه عدد كبير من العملاء والمستثمرين إلى التعامل مع المصارف الإسلامية لإيجاد حلول تمويلية تتماشى مع مبادئهم الأخلاقية.
* كيف تتعامل المصارف الإسلامية مع الشمول المالي ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر كحاضر رئيسي في إقتصادات الدول النامية؟
– ترتكز المالية الإسلامية على عدد من المبادئ الأساسية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الإقتصاد الحقيقي لنمو المجتمعات. وتعمل المصارف الإسلامية على تحقيق الشمول المالي والرفاه الإجتماعي من خلال توفير منتجات مالية متنوعة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية، تساعد على توسيع نطاق الخدمات المالية للفئات المهمّشة في المجتمع ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتمويل الأصغر. بالإضافة إلى ذلك، تتبنّى المصارف الإسلامية الحلول القائمة على التكنولوجيا بشكل متزايد لتوفير الخدمات المصرفية الإسلامية بتكلفة أقل لهذه الفئات، مما يساعد في تعزيز الشمول المالي، وخصوصاً في البلدان النامية التي تواجه صعوبات في تمويل ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر.
* ما هي إستراتيجيات المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية CIBAFI في دعم أداء وإنتاجية المصارف الإسلامية عموماً؟
– يمثل المجلس العام المظلة الرسمية للصناعة المالية الإسلامية على مستوى العالم، ويهدف إلى دعم وتطوير الصناعة وحمايتها، ودعم التعاون بين أعضاء المجلس العام والمؤسسات المالية الأخرى ذات الإهتمام والأهداف المشتركة. وتستند مبادرات المجلس العام على الأهداف الإستراتيجية التالية 1) دعم القيمة المضافة للصيرفة الإسلامية والسياسات والنظم الرقابية، 2) دمج الإبتكار والإستدامة، 3) إصدار البحوث والمنشورات ذات الصلة بالتمويل الإسلامي، 4) التطوير المهني والتي تندرج تحت الخطة الإستراتيجية للفترة 2022 – 2025.
وتهدف إستراتيجية المجلس العام إلى دعم نمو وتطور المصارف الإسلامية من خلال:
– تعزيز التعاون والتنسيق بين المصارف الإسلامية والجهات المنظمة والجهات المعنية الأخرى.
– رصد وتحليل الإتجاهات الإقتصادية والتنظيمية والتكنولوجية الرئيسية المؤثرة على القطاع المالي الإسلامي.
– تشجيع ممارسات الإبتكار والإستدامة في الصناعة المالية الإسلامية.
– توفير التدريب والتعليم والتطوير المهني للعاملين في القطاع.
ويعمل المجلس العام على تعزيز دمج الإستدامة والرقمنة ضمن ممارسات المؤسسات المالية الإسلامية وأنشطتها التجارية من خلال تطوير أدلة عملية تساعد على توجيه المؤسسات المالية الإسلامية في هذه المجالات، وذلك تحت إطار مجموعتي عمل المجلس العام حول الإبتكار والتكنولوجيا والإستدامة. وقد أصدر المجلس العام مؤخراً دليل الإستدامة بهدف توجيه المؤسسات المالية الإسلامية في تبنّي وتنفيذ الممارسات المستدامة، ونعمل حالياً على تطوير عدد من المشاريع، بما في ذلك تطوير نموذج لقياس نسبة إنبعاث الكربون في الأعمال المصرفية الإسلامية.
كما ويصدر المجلس العام بحوثاً ومنشورات دورية لزيادة الوعي حول القضايا الناشئة والتطورات العالمية ذات الأهمية لصناعة التمويل الإسلامي. ويشمل ذلك الإستبيان العالمي للمصرفيين الإسلاميين الذي يرصد وجهات نظر المصرفيين الإسلاميين سنوياً تجاه مختلف القضايا الرئيسية والناشئة في الصناعة المالية الإسلامية بما في ذلك الإستدامة والتكنولوجيا المالية والتحول الرقمي. كما يُصدر المجلس العام الموجز الدوري الذي يركز على أبرز القضايا الناشئة بما في ذلك الإستدامة وتغيُّر المناخ والخدمات المصرفية المفتوحة والأمن السيبراني، وتم مؤخراً إصدار موجز العملات الرقمية للبنوك المركزية. إضافة إلى ذلك، يعمل المجلس العام حالياً على تحضير تقرير مشترك بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية ومبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة بهدف رصد التوجهات والممارسات الحالية المتعلقة بإدارة مخاطر المناخ في القطاع المصرفي الإسلامي، مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن خلال هذا التقرير، سيتم توفير إرشادات للمؤسسات المالية وواضعي المعايير لدمج الممارسات المتعلقة بالتغيُّر المناخي في مؤسساتهم وبلدانهم.