الركود التضخمي
عدنان أحمد يوسف
رئيس إتحاد المصارف العربية سابقاً
رئيس جمعية مصارف البحرين
لقد سبق لنا وفي مناسبات عديدة، ومنذ مطلع العام 2020 بعد إندلاع جائحة كورونا، إن حذّرنا من أن العالم سوف يشهد صعوبات جمّة في الإنتاج وسلاسل الإمداد، وعدم إستقرار الأوضاع الإقتصادية نتيجة توقف أو تعطل العديد من الأنشطة الإقتصادية وما ينجم عنها من تراجع النمو الاقتصادي يتزامن معه أيضاً إرتفاع في الأسعار.
وقبل أيام عدة، أصدر إتحاد المصارف العربية دراسة قيّمة حول الركود التضخمي، أشار فيها إلى التضخّم الكبير الذي تشهده أسواق المواد الأولية والسلع على حدّ سواء، وهو الأعلى منذ أربعة عقود، لكن إرتفعت وتيرته مع الحرب الروسية الأوكرانية. ويتزامن هذا التضخم مع ركود اقتصادي، ما أدى إلى نشوء حالة من عدم اليقين من المرحلة المقبلة، مع تخوف مواجهة حالة من «الركود التضخمي»، التي بإمكانها التسبّب بضرر فادح لأقوى الاقتصادات العالمية، في حال إمتدادها لفترة طويلة. وفي ظل ذلك، تشير توقعات البنك الدولي الصادرة في يونيو/حزيران الماضي، عن تخفيض كبير في توقعات الآفاق المستقبلية للإقتصادات حول العالم، إذ يُتوقع أن يتباطأ النمو العالمي ليصل إلى 2.9% في العام 2022 نزولا من 5.7% في العام 2021.
ويعود هذا التخفيض الكبير إلى الإرتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب الإضطرابات الحاصلة في سلاسل القيم والإمداد، وحركة التجارة الدولية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وما نجم عنها من عقوبات واسعة على روسيا والتدابير التي يجري تنفيذها حالياً من قبل البنوك المركزية حول العالم بهدف كبح التضخم.
ويُقارن الإقتصاديون العالميون بين الظروف الإقتصادية الحالية، وتلك التي سادت خلال السبعينيات من القرن الماضي التي شهدت ركوداً تضخمياً. وبحسب البنك الدولي، فقد تطلّب التعافي من الركود التضخمي في تلك الفترة زيادات حادة في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، الأمر الذي لعب دوراً بارزاً في إطلاق سلسلة من الأزمات المالية في الأسواق الناشئة والإقتصادات النامية. وتحديداً، يُشبه الوضع الحالي فترة السبعينيات من القرن الماضي في ثلاثة جوانب رئيسية: 1) الإضطرابات المستمرة في جانب العرض والتي تغذي التضخم، وهي كانت مسبوقة بفترة طويلة من السياسة النقدية التيسيرية للغاية في الإقتصادات المتقدمة الرئيسية، و2) إحتمالات إضعاف النمو، و3) نقاط الضعف التي تُواجهها الأسواق الناشئة والإقتصادات النامية في ما يخص تشديد السياسة النقدية التي ستكون ضرورية لكبح التضخم.
من جهة أخرى، يُشير البنك الدولي إلى إختلاف الوضع الحالي عن أزمة السبعينيات في أبعاد متعددة منها: 1) الدولار قوي اليوم، وهو ما يُناقض بشكل حاد ضعفه الشديد في السبعينيات، 2) نسبة الزيادات المسجلة في أسعار السلع الأساسية هي أقل اليوم عمّا كانت عليه آنذاك، 3) الميزانيات العمومية للمؤسسات المالية الكبرى قوية بشكل عام، و4) وهو المهم، فعلى العكس من سبعينيات القرن الماضي، لدى البنوك المركزية في الإقتصادات المتقدمة والعديد من الإقتصادات النامية الآن تفويضات واضحة لإستقرار الأسعار، كما أنها أثبتت قدرتها على تحقيق أهداف التضخم الخاصة بها على مدى العقود الثالثة الماضية.
ويتوقع كل من البنك وصندوق النقد الدوليين، أن ينخفض معدّل التضخم العالمي العام المقبل، لكن من المرجّح أن يظل أعلى من معدّلات التضخم المستهدفة في العديد من الإقتصادات حول العالم. وإذا ظل التضخّم مرتفعاً، فإن تكرار القرارات التي تم إتخاذها خلال فترة الركود التضخمي السابق يُمكن أن يتحوّل إلى إنكماش عالمي حاد، يُضاف إلى الأزمات المالية الحالية التي تُواجهه بعض الأسواق الناشئة والإقتصادات النامية. وعليه، يتطلب تخفيض مخاطر الركود التضخمي، إتخاذ تدابير قاسية من جانب واضعي السياسات حول العالم.
لذلك، فأننا نتفق مع توصيات البنك الدولي حول ضرورة إستقرار أسعار النفط عند مستويات مقبولة للمصدّرين والمستوردين، علاوة على مجابهة الإرتفاع الكبير في أسعار الغذاء وتعزيز إمداد السلع الأولية الرئيسية للغذاء والطاقة. كذلك تبرز أهمية دعم شبكات الأمان الإجتماعي. وقد لاحظنا بالفعل قيام عدد من الدول الخليجية والعربية بخطوات على هذا الصعيد. كما يتوجّب تجنّب فرض القيود على الصادرات والواردات التي تتسبّب في تضخيم زيادات الأسعار. كما تبرز أهمية تكثيف الجهود الدولية لتخفيف أعباء الدين، فقد كانت المخاطر المتعلقة بالديون قاسية على البلدان منخفضة الدخل حتى في الفترة التي سبقت جائحة كورونا. ومع إمتداد مستويات المديونية المرتفعة إلى البلدان متوسطة الدخل، ستتنامى المخاطر التي تواجه الإقتصاد العالمي في ظل غياب جهود التخفيف السريع والشامل والكبير لأعباء الدين.