لا تزال المنطقة العربية في أدنى المستويات عالمياً، لجهة الشمول المالي الذي يُعتبر عاملاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحسين المعيشة وتمكين المرأة، ولتمويل المشروعات الصغيرة والحد من الفقر وتوفير فرص العمل وتعزيز النمو.
ولذلك ولغيره من الأسباب نجد أن المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي ازداد فيها الفقر منذ العام 2010.
في ما يلي دراسة أعدّتها إدارة الدراسات والبحوث في الأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية، حول واقع الشمول المالي في المنطقة العربية.
مفهوم الشمول المالي
الشمول المالي مفهوم يهدف إلى تعميم المنتجات والخدمات المالية والمصرفية على العدد الأكبر من الأفراد، والمؤسسات، خصوصاً فئات المجتمع المهمَّشة من ذوي الدخل المحدود، وذلك من خلال القنوات الرسمية وابتكار خدمات مالية ملائمة وبتكاليف منافسة وعادلة، لتفادي لجوء تلك الفئات إلى القنوات والوسائل غير الرسمية مرتفعة التكاليف والتي لا تخضع للرقابة والإشراف. والشمول المالي لا يتحقق من دون التثقيف المالي، فالمستهلك الواعي يُعتبر أكثر إدراكاً للمخاطر والمكاسب المرتبطة بالمنتجات المالية وأكثر وعياً لحقوقه وواجباته.
يستلزم الشمول المالي تقديم مجموعة شاملة من الخدمات المالية تتضمن الحسابات المصرفية، والمدخرات، وقروض قصيرة وطويلة الأجل، والتأجير التمويلي، والرهون العقارية، والتأمين والرواتب، والمدفوعات، والتحويلات المالية المحلية والدولية، وخطط التقاعد، بالإضافة إلى حماية المستهلك مالياً.
وتجدر الإشارة إلى أن تعميم الخدمات المالية وتوسيع المشاركة في النظام المالي الرسمي يمثل عاملاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحسين مستوى المعيشة، وتمكين المرأة، وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحد من الفقر وعدم المساواة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز النمو الاقتصادي، ودمج الإقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي.
الشمول المالي حول العالم
على الصعيد العالمي، تم إحراز تقدم كبير في توسيع نطاق الشمول المالي، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يمتلكون حساباً في مؤسسة مالية بنحو 700 مليون شخص بين عامي 2011 و 2014. ففي العام 2014، امتلك 62% من سكان العالم البالغين حساباً مصرفياً، مقابل 51% عام 2011.
لكن حتى يومنا هذا، لا يحصل حوالي 2.5 مليار نسمة أو 38% من البالغين في العالم على خدمات مالية رسمية، ولا يتعامل نحو 75% من الفقراء مع المصارف بسبب ارتفاع التكاليف، وبُعد المسافات، والمتطلبات المرهقة لفتح حساب مالي. بالإضافة إلى ذلك، هناك فجوة واسعة في ملكية الحسابات المصرفية بين الذكور والإناث تبلغ 7% عالمياً. والجدير بالذكر أن النساء يشكلن 55% من البالغين الذين لا يتعاملون مع البنوك، ويشكل البالغون في أفقر 40% من الأسر في العالم 50% من الأشخاص البالغين الذين لا يتعاملون مع البنوك. (المصدر: البنك الدولي، 2014).
الشمول المالي في المنطقة العربية
وفقاً لصندوق النقد الدولي، لا تزال المنطقة العربية تسجل أحد أدنى المستويات في العالم في ما يخصّ الشمول المالي، حيث إن 18% فقط من السكان في المنطقة امتلكوا حسابات مع مؤسسات مالية عام 2014، مقارنة مع
43% في البلدان النامية، و24% في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتنخفض هذه النسبة الى 13% عند النساء. كما تشير أرقام مؤشر تعميم الخدمات المالية العالمي 2014 إلى أن المنطقة العربية، بإستثناء دول الخليج الست، تسجل أعلى نسبة من البالغين المستبعدين من الخدمات المالية، حيث إن 80% من السكان أو ما يعادل نحو 200 مليون نسمة ليس لديهم حساب مصرفي. وبحسب صندوق النقد العربي، إن الدول العربية باستثناء دول الخليج، هي الأكثر حرماناً من الخدمات والمنتجات المالية على مستوى العالم، حيث لم تتجاوز نسبة الشمول المالي في المتوسط العربي 21%-29% عام 2016، وامتلك نحو 30% فقط من السكان البالغين معرفة مالية مناسبة، وهذه النسبة أقل من المتوسط العالمي البالغ 34%. وفي حين تصل الفجوة في نسب الوعي المالي بين الرجال والنساء 5% في العالم، ترتفع إلى 8% على مستوى الدول العربية. وتشير الإحصاءات إلى أن 93% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً في المنطقة العربية لا يمتلكون حسابات مصرفية في أية مؤسسة مالية رسمية، وهو أدنى معدل في العالم.
تجدر الإشارة إلى الفروقات الواسعة بين الدول العربية في ما يخص الشمول المالي، ففي العام 2014، على سبيل المثال كانت نسبة ملكية الحسابات مرتفعة بشكل ملحوظ في الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت بحوالي 83%، و82%، و73%، على التوالي. في المقابل، سجّل الشمول المالي نسباً منخفضة في اليمن، والصومال، والعراق بحوالي 6%، و8%، و11%، على التوالي. لذلك، تُقسم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تشمل دول مجلس التعاون الخليجي الست وهي دول ذات معدلات شمول مالي مرتفعة، حيث تفوق نسبة ملكية الحسابات في هذه الدول المعدل العالمي البالغ 62%. المجموعة الثانية تشمل كلاً من لبنان والأردن وفلسطين ودول المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس)، وهي دول ذات معدلات شمول مالي متوسطة تتراوح بين 24%-62%. وتتضمن المجموعة الثالثة كلاً من مصر والعراق واليمن والسودان وجيبوتي وموريتانيا والصومال، وهي دول ذات معدلات شمول مالي أقل من 24%، وهو متوسط دول إفريقيا جنوب الصحراء.
تشكل فئة الشباب نسبة عالية من المجتمعات العربية، لكنها تواجه عوائق رئيسية تحول دون استفادتهم من الخدمات المالية والمصرفية. فمن المتعارف عليه أن المؤشر المعتمد لقياس نسبة الشمول المالي هو ملكية الحسابات في مؤسسات مالية رسمية كنسبة من البالغين فوق سن الـ15 عاماً. ولكن تجدر الإشارة إلى أن غالبية الشباب في الدول العربية لا يتمتعون بإستقلالية مالية قبل عمر الـ25، كما أن الشباب دون سن الثامنة عشرة لا يمكنهم فتح حسابات مصرفية خاصة بهم وإدارتها، الأمر الذي يفسّر تدني معدلات الشمول المالي في معظم الدول العربية بإستثناء دول الخليج. يُظهر الجدول رقم 2 إرتفاع مؤشر ملكية الحسابات في الدول العربية بشكل ملحوظ عندما يُحسب كنسبة من البالغين فوق سن الـ25 عاماً.
دول ذات معدلات شمول مالي مرتفعة:
جهود دول مجلس التعاون الخليجي
إن دول مجلس التعاون الخليجي من الدول السبّاقة عربياً وعالمياً في تطبيق مفهوم الشمول المالي، حيث تتميز الخدمات المالية والمصرفية في دول الخليج بإنتشارها وتطورها واستخدامها أحدث التقنيات لتقديم كافة الخدمات عبر الهاتف المحمول والإنترنت. فدولة الإمارات، على سبيل المثال، كانت من أوائل الدول التي سعت لتحقيق مفهوم الشمول المالي من خلال نظام حماية الأجور الذي أقره المصرف المركزي، والسماح لشركات الصرافة بتقديم خدمات للفئات التي لا يمكنها التعامل مع المصارف. كما أن تطبيق نظام المدفوعات الرقمية والمحافظ الإلكترونية يفتح الباب لشمول فئات أكثر ضمن النظام المالي نظراً لسهولة الدخول وقلة التكاليف. كما أصدرت كل من السعودية والإمارات بطاقات مسبقة الدفع للفئات غير المشمولة مالياً ضمن نظام حماية الأجور.
وفي قطر، تم تشكيل لجنة الإستراتيجية الوطنية للشمول والتثقيف المالي عام 2015، والتي وضعت خطة عمل وآلية لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية على عدة مراحل تتضمن إجراء دراسة للوضع الحالي، وتحديد الفجوات والإحتياجات، ومدى شمولية الخدمات والمنتجات المالية. وتعمل اللجنة على تعزيز وحماية حقوق مستهلكي الخدمات المالية، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على الإدخار والإستثمار بطريقة سليمة.
وضمن هذا الإطار، تشمل إستراتيجية مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أربعة محاور هي تطوير نظام الشبكة السعودية للمدفوعات وتقديم بطاقات مسبقة الدفع،
ووضع خطة تطويرية لنظام سداد، وتطوير نظام التحويلات المالية للمدفوعات منخفضة القيمة لجذب وإدخال شريحة من المجتمع في القطاع المصرفي وإستفادتها من الخدمات المصرفية. وتأتي الإستراتيجية في إطار سعي ساما كمشرّع ومنظّم للقطاع المالي إلى تعزيز مبادرات وخطط الشمول المالي من خلال إدراج مبادئ حماية العملاء والشمول المالي ضمن تشريعاتها بهدف حصول كل شرائح المجتمع على الخدمات والمنتجات المالية الملائمة بتكاليف مناسبة وعادلة وشفافة.
دول ذات معدلات شمول مالي متوسطة:
أهم المستجدات والمبادرات
قام كل من المغرب والأردن خلال العامين الماضيين بإجراء مسح جديد لقياس مستوى الشمول المالي. وأظهرت النتائج أن نسبة الشمول المالي في المغرب تُقدر بنحو 61% من السكان، وهي من بين أعلى النسب العربية إلى جانب دول الخليج. وبالنسبة لواقع الشمول المالي في الأردن، أظهرت أحدث دراسة أُجريت بتكليف من البنك المركزي الأردني، أن حوالي 62% من البالغين ضمن الفئة العمرية 18-80 سنة لديهم حساب مصرفي، وهي نسبة مقاربة للمتوسط العالمي إلا أنها أقل من الدول المتقدمة التي تصل النسبة فيها إلى 80%-90%. وبالنسبة للحصول على التمويل، بيّنت نتائج الدراسة أن نسبة الأفراد المقترضين من المصارف ومؤسسات التمويل الأصغر تبلغ حوالي 17%، وتبلغ حصة الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 7.3% من القروض المصرفية، وهي نسبة متواضعة مقارنة بمتوسط الإقتصادات المتقدمة والذي يبلغ حوالي 20%-25%. (المصدر: تقرير الإستقرار النقدي، 2015).
وبالنسبة للجهود الرامية إلى توسيع وتعزيز الشمول المالي، أعلن كل من المغرب والأردن وفلسطين ولبنان خلال العام 2016 عن خطط لإنشاء قاعدة تحليلية لإستراتيجية جديدة لتعميم الخدمات المالية، تركّز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومدفوعات السداد الرقمية، والنساء.
فبهدف تعزيز الشمول المالي من خلال مساعدة المرأة العربية للحصول على إستقلالها المالي والإقتصادي وتمكينها من الوصول إلى رؤوس الأموال وتأسيس مشاريعها الخاصة، قام مصرف لبنان بإعداد دراسة تحت عنوان «الشمول المالي وتمكين المرأة إقتصادياً»، وضعت عدداً من التوصيات على صعيد المصارف المركزية تهدف إلى تحسين إندماج المرأة مالياً.
وقد تبنّى البنك المركزي الأردني سياسة خاصة لتعزيز الشمول المالي ترتكز على المحاور التالية:
تحسين الوصول إلى التمويل، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال قروض البنك الدولي، قروض الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، والبرنامج الداخلي الموجه لقطاعات الصناعة والسياحة والطاقة المتجددة والزراعة.
توفير البنية التحتية اللازمة لتعزيز الشمول المالي من خلال:
تطوير وإعادة هيكلة نظم الدفع والتسويات.
وضع إستراتيجية نظم مدفوعات تجزئة شاملة تمكّن من الانتقال من بيئة دفع ورقية إلى بيئة إلكترونية، مما يعزز الشمول المالي.
العمل على تطوير برنامج تثقيفي وطني شامل، ووضع آلية واضحة وشفافة للعمولات وآليات فض النزاعات وحل المشاكل وخدمة العملاء.
تطوير أنظمة الإستعلام الائتماني، ونظام المدفوعات الوطني، ومنظومة ضمان القروض لتوفير الضمانات اللازمة للشركات الصغيرة والمتوسطة القائمة والناشئة من خلال الشركة الأردنية لضمان القروض.
ج. نشر الثقافة المالية والمصرفية (محو الأمية المالية)من خلال إطلاق مشروع لنشر وتعميق الثقافة المالية بهدف تعزيز الإستقرار المالي والإقتصادي والإجتماعي. فاعتباراً من العام الدراسي 2015-2016 تم البدء بالبرنامج الرئيسي بتمويل من المصارف في الاردن وذلك بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسة انجاز، وقد تم البدء بتدريس منهاج الصف السابع وسيتم البدء بتدريس منهاج الصف الثامن والحادي عشر اعتباراً من العام الدراسي 2016-2017.
د. توسيع نطاق رقابة البنك المركزي لتغطي شركات التمويل الأصغر.
هـ. حماية المستهلك المالي من خلال تعليمات التعامل مع العملاء بعدالة وشفافية واستحداث قسم «حماية المستهلك المالي» ضمن دائرة الرقابة على القطاع المصرفي.
واتخذت سلطة النقد الفلسطينية الإجراءات التالية لتعزيز الشمول المالي:
خلق بيئة قانونية وتنظيمية لحماية حقوق مستهلكي الخدمات المالية.
إنشاء دائرة انضباط السوق.
تطوير وتحديث أنظمة مكتب معلومات الإئتمان ونظام الشيكات المعادة.
افتتاح قاعتين لإستقبال استفسارات وشكاوى العملاء.
إصدار التعليمات الهادفة لحماية حقوق المستهلك (الرسوم والعمولات، الإقراض المسؤول، الإفصاح ومعالجة الشكاوى، وإطلاق المنتجات والخدمات الجديدة).
تشجيع العملاء على استخدام الصيرفة الإلكترونية بشكل مجاني (بطاقات الدفع والائتمان، الخدمات المصرفية الإلكترونية، والإنترنت البنكي).
ب. وضع استراتيجية وطنية للشمول المالي.
توقيع مذكـرة تفاهـم مـع هيئـة سـوق رأس المـال الفلسـطينية لقيادة الجهـود لبنـاء استـراتيجية وطنيـة للشمول المالـي فـي فلسـطين وبمشـاركة الأطراف ذات العلاقة.
إنشاء لجان عمل (المنتجات، IT، المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التوعية، بناء القدرات المالية) لإعداد الإستراتيجية الوطنية بالشراكة مع الجهات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص.
تعزيز الشمول المالي للمرأة الفلسطينية، حيثُ تم إنجاز المسح الميداني لتحديد المشاكل التي تحول دون شمول المرأة الفلسطينية مالياً والجهات المسؤولة عن معالجة تلك المشاكل والمعيقات والفترة الزمنية المطلوبة لذلك.
ج. نشر التوعية المالية والمصرفية.
عقد وإطلاق العديد من ورشات العمل وحملات التوعية المالية والمصرفية لمختلف قطاعات وشرائح المجتمع، والتي استهدفت طلاب المدارس والجامعات والقضاة وموظفي المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية.
د. تطوير وإطلاق نظام الربط الجغرافي GIS.
رسم استراتيجيات خاصة بالترخيص والتفرّع المصرفي والصيرفي بناءً على مؤشرات الشمول المالي.
توجيه وتشجيع (المصارف، شركات الإقراض المتخصصة، شركات الصرافة) للتفرع في المناطق التي تفتقر للخدمات المصرفية والصيرفية.
تعزيز التنافسية والعدالة في توزيع الخدمات المصرفية والصيرفية وتعزيز الشفافية والسرعة في إنجاز المعاملات.
هـ. استراتيجية ترخيص وتفرع المصارف.
حث المصارف على إيصال الخدمات المصرفية المأمونة لكافة أنحاء فلسطين.
توجيه المصارف نحو التفرع في المحافظات التي يتجاوز بها مؤشر الكثافة المصرفية عن 10,000 نسمة.
توجيه المصارف نحو التفرع في المناطق الريفية والنائية وخصوصاً في المناطق التي يزيد عدد سكانها عن 5 آلاف نسمة.
إتحاد المصارف العربية
الأمانة العامة – إدارة الدراسات والبحوث