الشيخ صالح عبدالله كامل رائد الصيرفة الإسلامية عربياً ودولياً

Download

الشيخ صالح عبدالله كامل رائد الصيرفة الإسلامية عربياً ودولياً

موضوع الغلاف
ملف خاص

صاحب مقولة «إذا لم تُضف على الدنيا شيئاً فأنت فيها زائل»

و«العمل الوظيفي الروتيني يقتل الإبداع الإنساني»

حدثُ وفاة رجل الأعمال السعودي، المحسن الشيخ صالح عبد الله كامل، البالغ من العمر 79 عاماً، في 18 مايو/ أيار 2020، في جدة، المملكة العربية السعودية، شكّل نهاية حقبة أحد الرواد الثلاثة لحركة التمويل الإسلامي العالمي المعاصرة.

إنه الشيخ صالح عبد الله كامل، صاحب مقولة «إذا لم تُضف على الدنيا شيئاً فأنت فيها زائل»، وهو رائد الصيرفة الإسلامية عربياً ودولياً، ومؤسس ورئيس مجموعة البركة المصرفية. وقد تميّز منذ بدايات الشباب بحبّه للعمل المصرفي الإسلامي، كما حبّه للخير ومساعدة «ضعفاء الأرض» وعدم تسليمه بالعمل الوظيفي الروتيني «الذي يقتل الإبداع الإنساني والطموح الذي لا حد له» بحسب ما كان يقول في كل مناسبة.

كما كان يوصي الشيخ صالح بـ «أن يبدأ الإنسان حياته المهنية بالمحاولات الصغيرة كي يتحمل الخسارة، ومن ثم يبدأ بتكبير عمله كي يستطيع أن يتحمل القاعدة الشرعية: «الغنم بالغرم»، بمعنى أنه بمقدار ما تغنم، فإنه بمقدار ما عليك في الوقت عينه أن تتحمل الخسارة».

بصفته مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة دلة البركة، كان رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل يهتم بالخدمات المصرفية الإسلامية، والتمويل، والتكافل، وخدمات الأشغال العامة، والنقل، والبنية التحتية، والدواجن، والتشغيل والصيانة، والصناعة والإعلام. ومثلما كان معروفاً بعاطفته الفيّاضة تجاه الفقراء، كان شغوفًا بتطبيق النظام الإسلامي للوساطة المالية على أساس القيم الأخلاقية الإسلامية في تحريم الربا وممارسة الغرر (عدم الإفشاء والسرية في العقد)، والميسر (القمار وتكهنات مصاحبة) لأنه، كما كان يلاحظ ذات مرة أنه «من مساعيّ المخلصة بأن أكون متديّناً وخائفاً الله، وأن أكون جاداً في عملي، وعدم خداع الآخرين».

الشيخ صالح كامل مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز

الشيخ صالح كامل مع خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبداللع بن عبدالعزيز

كان يفخر الشيخ صالح عبد الله كامل بروايته التي كان يُكررها على مسامع المتخصصين في الشؤون المصرفية والمالية الإسلامية، حول نظرية والدته البسيطة حيال المصارف التقليدية.. إذ كان يقول: «منذ منتصف الستينيات في القرن الماضي، بدأ إهتمامي بموضوع تحريم الربا، حيث كانت والدتي تُنهيني عن التعامل مع المصارف، بإعتبار أن أموالها من الربا. من هنا نشأت فكرة المصارف الإسلامية ولا سيما بعدما إستفتيت الشيخ الشعراوي الذي قال لي ذات مرة: «مَن يتكل على الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من غير أن يحتسب»، حيث عرض عليّ طريقة «المضاربة الشرعية». فذهبتُ إلى مدير البنك الذي أتعامل معه حيث شرحتُ له معنى «المضاربة الشرعية» وصرنا نعمل معاً بهذه الطريقة الشرعية..».

الجمعية العمومية لمجموعة البركة المصرفية عام 2017

يروي الشيخ صالح كامل أنه «في تلك الأثناء كان الأمير محمد الفيصل والشيخ سعيد لوتاه يفكران التفكير عينه، فإلتقينا معاً وتم تأسيس بنك دبي الإسلامي، وبنك فيصل السوداني وبنك فيصل المصري، ومن ثم أسستُ بنوك البركة، وصرتُ أهتم بالإقتصاد الإسلامي. فكنا نُنظم ندوة البركة للإقتصاد الإسلامي، فكانت مرجعية للفقه الإسلامي بالمعاملات. ولو طبقنا الأشياء المطلوبة منا في الإسلام، كما لو طُبقت الزكاة بمنظار إقتصادي، فهي أفضل خطة إقتصادية في العالم لا يمكن لعقل بشري أن يضع مثلها».

كان الشيخ صالح كامل يفخر بأن مجموعة دلة البركة باتت تضم 360 شركة، «حيث كنتُ كل سنة أُركز على قطاع، مثلاً قطاع الخدمات، الصناعة، والأشياء التي لا تتعلق بالحكومة. فنحنُ في دلة شركة قابضة، فطرقنا كل الأمور الحلال ونجحنا بها. فحياتي كلها مبنية على التغيير. فأنا لم أُخلق كي أقوم بالأعمال الروتينية اليومية، بل أن أعمل بطريقة تغييرية ومبتكرة».

وهكذا، باتت مجموعة دلة البركة تضم 360 شركة، وهي مجموعة شركات كبرى تنوعت أعمالها في المجالات العقارية، المصرفية، السياحية، الإستثمارية وغيرها. علماً أن للرجل إسهامات كثيرة وكبيرة في تأسيس العديد من المؤسسات المالية والبنوك منها على سبيل المثال: بنك دبي الإسلامي، بنك فيصل الإسلامي المصري وبنك فيصل الإسلامي السوداني، فضلاً عن بنوك البركة في موريتانيا ولندن، وشركة البركة للإستثمار في لندن، وبيت التمويل السعودي التونسي، وبيت البركة التركي.

وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، أسس الراحل الشيخ صالح بنك البركة كازاخستان وبيت المال المصري السعودي في كازخستان أيضاً، كما أنشأ «مركز صالح عبد الله كامل للإقتصاد الإسلامي» داخل جامعة الأزهر يضم عدداً كبيراً من الخبراء في مجال الإقتصاد الإسلامي.

الشيخ صالح كامل متوسطاً الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري والرئيس التركي رجب طيب اردوغان

 

لم يكتف الراحل الكبير الشيخ صالح بالصيرفة الإسلامية التي إزدهرت في عهده، وباتت منتشرة في كل أصقاع الأرض، بل إنسحبَ فكره وطموحه نحو الإستثمار في مجال الإعلام، وذلك من خلال مؤسسة ART  «راديو وتلفزيون العرب».

وقد ترك رجل الأعمال السعودي الأكثر شهرة في العالم العربي والعالم ككل، بصماته حاضرة في قطاعات متعددة من عالم الأعمال إلى عالم الإعلام، وهو المولع بالتجارة الحرة منذ الصغر «لأن النجاح لا تؤمنه الوظائف الحكومية أو الوظائف المحدودة».

شق طريقه من عائلة متوسطة الحال إلى ملياردير. رحلة شاقة ومتنوعة بدأها منذ أيام الصبا، مبتكراً أعمالاً جديدة وفريدة تبعاً لحاجة السوق، قبل أن يصل إلى بناء إمبراطورية الأعمال المتمثلة بشركة «دلة البركة»، كما سبقت الإشارة.

في الميدان الإعلامي، أسس مع رجل الأعمال السعودي الشيخ وليد الإبراهيم عام 1991 في لندن مركز تلفزيون الشرق الأوسط الذي خرجت عنه قناة MBC وبعدما إنفصل عن القناة، أسس قناة ART التي إستأجر لها إستوديوهات في روما (إيطاليا)، بعد ذلك وتحديداً في عام 1993 أسس قناة «إقرأ» المتخصصة في الدين الإسلامي، كما أسس في الأردن في عام 2001 شركة تتولى الإنتاج والبث التلفزيوني تحت إسم شركة المدينة الإعلامية.

ولأن الأعمال الناجحة كانت تجتذبه، كان الشيخ صالح كامل قد رصد بإهتمام، نجم الـ LBC (في لبنان) الذي سطع باكراً، فكانت شراكته عام 1996 مع رئيس مجلس إدارة الـ LBC بيار الضاهر «بغية ترسيخ الصناعة الإعلامية في الشرق الأوسط».

النظرة الثاقبة لمستقبل التلفزيون بشكل عام، جعلت الشيخ صالح كامل سبّاقاً في طرح فكرة التلفزيون المدفوع منذ سنوات، وكأنه كان يرى «أن الثورة الإعلامية التقليدية لن تدوم». في هذا السياق، قيل عنه إنه «رجل رؤيوي ناجح بتحويل المخاطر إلى فرص»، وقال عن نفسه: إنه «لا يتردد بإتخاذ القرار ولا يتهور بإتخاذ القرار، وأن التطوير يحتاج إلى شيء من المخاطرة».

وقد كان للشيخ صالح كامل مفهومه الخاص للنجاح بقوله: «إعمار الأرض عبادة، وتشغيل الناس أمر مطلوب منا، فصناعة النجاح تعني لي إعمار الأرض وتشغيل الناس».