العولمة لم تمت .. التكامل العالمي تدفعه قوى جديدة

Download

العولمة لم تمت .. التكامل العالمي تدفعه قوى جديدة

International News
(الإقتصادية)-10/05/2022

شهد العالم أحداثا مهمة متتالية، بداية من الأزمة المالية العالمية مرورا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، ثم حربا تجارية وجائحة لم تغادر حتى الآن، وأخيرا الحرب في أوكرانيا، وهي فقط أحدث حدث يثير موجة من المزاعم بأن العولمة ماتت.
يقول الدكتور وانج هوي ياو، مدير مركز أبحاث الصين والعولمة إنه منذ بدء التدخل العسكري الروسي، قرر الجميع ابتداء من كتاب الأعمدة بالصحف إلى نجوم “وول ستريت” مثل لورانس فينك، رئيس مؤسسة بلاك روك، وهوارد ماركس الشريك المؤسس لمجموعة أوكتري كابيتال، أن عهد التجارة العالمية والروابط المالية الموسعة قد انتهى، ومع ذلك لا تتواءم مثل هذه المزاعم مع الواقع العملي، الذي يراه كثير منا، خاصة في آسيا.
ويضيف هوي ياو في مقال رأي تحليلي نشرته وكالة “بلومبيرج” للأنباء أنه على العكس، يبدو أن “عالمنا أصبح أكثر ترابطا وتواصلا. ففي العام الماضي، سجلت التجارة العالمية 28.5 تريليون دولار، بزيادة سنوية بلغت 25 في المائة وبارتفاع 13 في المائة عن 2019، قبل حدوث الجائحة. ورغم كل ما قيل عن فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين، زاد حجم التجارة بين الدولتين أكثر من 20 في المائة العام الماضي، ليبلغ حجم التجارة بينهما 687.2 مليار دولار”.
وحتى رغم الحرب التي تشهدها أوكرانيا، من المتوقع أن تسجل التجارة العالمية ارتفاعا في 2022، على الرغم من أن ذلك سيكون بوتيرة أبطأ.
ويرى هوي ياو أن الاستثمارات عبر الحدود فاقت مستويات ما قبل الجائحة العام الماضي، حيث بلغت 1.65 تريليون دولار. وأصبحت الصين، بوجه خاص، أكثر اندماجا في الاقتصاد العالمي عن ذي قبل. ففي 2021، ارتفعت تدفقاتها بنسبة الثلث لتسجل 334 مليار دولار وهو أعلى رقم يتم تسجيله حتى الآن، وفي الربع الأول من هذا العام، زادت بأكثر من 25 في المائة عن الفترة نفسها في العام السابق.
وقد كان معدل تعافي قطاع السفر أبطأ، وانخفض حجم التجارة الدولية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي العالمي منذ بلوغه ذروته في 2008. وفي الوقت نفسه، تشهد العولمة تطورا وازديادا.
ويقول هوي ياو، الذي يقوم بأدوار استشارية متعددة من بينها منصب مستشار لمجلس الدولة الصيني، إن “الحركة العالمية الشهرية لمرور البيانات زادت أثناء الجائحة، ومن المتوقع أن تصل إلى 780 إكسابايت بحلول 2026. ونحن الآن غارقون في مجال عالمي للصور والأفكار أكثر من أي وقت مضى”.
وهناك مليارات الأشخاص يشاهدون ما وصفته صحيفة “نيويوركر” بـ”أول حرب تيك توك” تتم عبر صور الأقمار الاصطناعية والبث المباشر الحي من المدنيين والعسكريين. فقد استفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من تكنولوجيات العولمة الرقمية، واجتذب العالم بمقاطع الفيديو السيلفي، وخاطب عديدا من برلمانات العالم عن طريق منصة الزوم، وهو أمر كان من الصعب تصوره قبل الجائحة.
ويتساءل هوي ياو: لماذا إذن ما زال كثير من الخبراء يعتقدون أن العولمة تحتضر؟ ويجيب بأنه يبدو من ناحية أنهم يركزون على مجموعة معينة من الأفكار الليبرالية الجديدة، التي تتركز في الولايات المتحدة بشأن العولمة التي سادت بعد الحرب الباردة. وهناك اعتقاد أساسي هو ما يصفه كاتب العمود في نيويورك تايمز ديفيد بروكس بـ”تقارب العولمة”- والفكرة هي أنه كلما أصبحت الدول أكثر عولمة وتطورا، أصبحت “مثلنا في الغرب”.
والواقع أنه، وفقا لما ذكره الباحثون هيثر بيري، وماورو جولين، وارون هيندي في دراسة استشهد بها بروكس، فإنه “طوال نصف القرن الماضي، لم تتطور الدول الوطنية في النظام العالمي بشكل كبير لتصبح أقرب أو أكثر مماثلة كل منها للأخرى، وفق عدد من الأبعاد”. فالعولمة لم تؤد إلى إضفاء الطابع الأمريكي على الدول. وعلى العكس، أصبحت العولمة أقل أمريكية، بل أقل عالمية.
فبينما كانت الولايات المتحدة على رأس التجارة العالمية قبل 2000، أصبح الآن ثلثا الدول يتاجرون مع الصين، ومنذ أن أدار ترمب ظهره لاتفاق التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ ومنظمة التجارة العالمية، انتقل ثقل التحرر التجاري الدولي إلى الصين. وبالنسبة للمالية العالمية، فإنه على الرغم من أن الدولار ما زال هو الأعلى منزلة، فإن نصيبه من احتياطي العملات العالمية انخفض من 70 في المائة عام 2000 إلى 59 في المائة في 2020. كما أن العقوبات تعجل بجهود روسيا وغيرها من الدول لإيجاد بدائل للدولار الأمريكي ونظام سويفت المصرفي للتعامل بين البنوك.
وفي المجال الثقافي، تواجه ثقافة البوب الأمريكية منافسة متزايدة من بدائل لها مثل بوليوود، كيه- بوب، والأوبرا التركية. وفي العام الماضي، كان العرض الأكثر شعبية على شبكة نيتفليكس كوريا جنوبيا، بينما كان التطبيق الأكثر تنزيلا “تيك توك” وأكبر متاجر الموضة “شين” صينيين. وهكذا، فإنه على الرغم من أن التدفقات العالمية مستمرة في الزيادة، فإنها أقل نسبيا حاجة للوساطة من جانب واشنطن، وول ستريت، وهوليوود.
وفي أنحاء العالم تهتم الحكومات بكيفية إمكانية تهديد العولمة للأمن القومي، ومصالح المواطنين، والبيئة، ولتخفيف هذه المخاطر وجعل العولمة أكثر قبولا، يتحول كثيرون الآن من سياسات التحرر على غرار ما تتبعه واشنطن إلى نهج أكثر عملية بالنسبة لـ”العولمة التي يمكن التحكم فيها”.
ويعد الاتحاد الأوروبي رائدا في هذا الصدد، حيث يتبنى قواعد جديدة بالنسبة للتدفقات عبر الحدود مثل لائحة حماية البيانات العامة والضريبة المقبلة لتعديل الحدود الخاصة بالكربون، ويمكن القول إنه حتى الولايات المتحدة تدفع الآن لاتخاذ إجراءات أكثر وقائية لإدارة التدفقات عبر الحدود، مثل وضع حد أدنى عالمي لمعدل ضريبة الشركات على الشركات متعددة الجنسيات.
ويقول هوي ياو إن “هذا يبشر بنهج أكثر تحكما بالنسبة للعولمة يأخد في الحسبان المرونة طويلة الأمد والحقائق السياسية. لقد دخلنا مرحلة من التكامل العالمي، الذي تدفعه قوى جديدة، تكامل سيكون أكثر تنوعا وأكثر قابلية للتحكم فيه مما كان سائدا من قبل”.