المخاطرة» سبب رئيس لاستحقاق الربح في المنهج الإسلامي

Download

المخاطرة» سبب رئيس لاستحقاق الربح في المنهج الإسلامي

Arabic News
(الدستور)-25/10/2022

يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من النظم الاقتصادية بالعديد من المميزات، إذ يعمل على استغلال الموارد الاقتصادية لإنتاج الأفضل، وتوزيع الناتج الاقتصادي بين المشتركين في العملية الإنتاجية في ظل أحكام وضوابط الشريعة الإسلامية التي تعمل على تيسير المعاملات المالية وضبطها بالقواعد الشرعية لحفظ المال وكبح النزاعات بين جميع الأطراف، إضافة إلى تقليب الأموال واستثمارها من خلال مناهج سليمة ومنضبطة من خلال العمل وركوب المخاطر.

وقد استلزم تطور الحياة الاقتصادية ظهور المصارف التي تقوم بدور الوساطة المالية بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز التمويلي، بحيث أصبحت هذه المصارف ضمن البنية الأساسية للنظام الاقتصادي العام، كذلك منها المصارف الإسلامية التي تحتكم إلى قواعد الشريعة الإسلامية في أنشطتها واستثماراتها؛ فهي تقوم على الجمع بين الادخار والاستثمار بالمشاركة في الربح والخسارة، مما يجعلها عرضة لمخاطر عديدة تحتاج إلى التحكم في هذه المخاطر اعتماداً على أساليب وأدوات للوصول الى أفضل النتائج لتحقيق الكفاءة في استخدام موارد المصرف.

وقد نشرت « الاقتصاد الاسلامي « ملخصا لرسالة دكتوراه فى العلوم الاقتصادية – تخصص مالية – كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير من اعداد الطالبة : ساتة دلال، وعرض وتحليل : د. كوثرالأبجي.

وتنشرها «الدستور» لأهمية الموضوع :

* أهمية الصناعة المالية الإسلامية:

وتهدف الدراسة إلى تحقيق ما يلي:

– التعرف على قواعد المعاملات المالية الإسلامية والضوابط المنظمة لنشاطها.

– إبراز طبيعة العلاقة التي تربط بين أصحاب ودائع الاستثمار بالبنوك الإسلامية وطبيعة المخاطر التي يتحملونها طبقاً لعقود حسابات الاستثمار المشترك.

– إبراز طبيعة العلاقة التي تربط العملاء المستثمرون بالبنوك الإسلامية وطبيعة المخاطر التي يتحملونها طبقاً للعقود التي تحكم صيغ التمويل الإسلامي.

– تحديد الآثار المختلفة لتطبيق مفهوم المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي على عمل البنوك الإسلامية وانعكاساتها على نموها وتطورها وتنافسيتها.

– قياس تأثير المخاطرة على كفاءة استخدام الأموال في المصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية.

وقد تناولت الدراسة تحقيق هدف البحث من خلال أربعة فصول كالآتي:

الفصل الأول: المخاطرة في الفكر الاقتصادي الإسلامي: ويتكون من مبحثين، الأول يتناول مفهوم المخاطرة بين الفكر الاقتصادي الإسلامي والفكر الاقتصادي التقليدي، حيث استعرضت الباحثة أهم أركان المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي. أما المبحث الثاني فقد تناول تطبيقات المخاطرة في التمويل الإسلامي من حيث صور المخاطرة في المبادلات المالية، المخاطرة في المضاربات والمشاركات، ودور المخاطرة في توزيع العوائد في الاقتصاد الإسلامي وأثرها في التوزيع والكفاءة التخصيصية.

وتوصلت الباحثة من خلال الفصل الأول إلى النتائج الآتية:

1- تعد المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي تردد نتائج الاستثمار بين الربح والخسارة وفق قاعدة «الغنم بالغرم»، فهي سبب استحقاق الربح للمستثمر، فلا يجوز اكتساب العائد دون تحمل المخاطرة، إذ تعد المخاطرة عاملاً ملازماً للعملية الاستثمارية وليست مستقلة عنها.

2- يتوافق مفهوم المخاطرة في الفكر الاقتصادي الغربي مع مفهومها في الاقتصاد الإسلامي، إذ تمثل تحدياً لكل منهما، فأي نمو اقتصادي لا يتم إلا بركوب المخاطر، وغياب المخاطرة يضعف الكفاءة الاقتصادية.

3- مفهوم المخاطرة في الفكر الوضعي يعبر عن الأخطار التي تؤدي إلى حدوث الخسارة فقط، على عكس المخاطرة في المنهج الإسلامي التي تعتبر جزءاً مهماً من النشاط الاقتصادي، ودافعاً للعمل الاستثماري باعتبارها سبب لاستحقاق الربح.

4- تنبني المخاطرة المشروعة على التلازم المنطقي بالعدل بين العمل والجزاء، بين الحقوق والالتزامات، وبين المغنم والمغرم.

5- يعتبر علماء الاقتصاد الإسلامي المخاطرة أحد عوامل الإنتاج، إذ إن لها دور بارز في زيادة العائد الذي يجب توزيعه على جميع الأطراف على أساس مخاطرة كل طرف تطبيقاً لقاعدة «الغنم بالغرم» وتحقيقاً للعدل والمساواة.

الفصل الثاني: المصارف الإسلامية ومخاطر استخدامات أموالها: ويتكون من مبحثين؛ يتناول الأول ماهية المصارف الإسلامية ونظام عملها، مصادر الأموال الداخلية والخارجية والأخرى، واستخدامات أموالها وهي: صيغ التمويل بالمشاركة وصيغ التمويل التجاري. أما المبحث الثاني فيتناول: مخاطر استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية، وتتعلق بمخاطر التمويل المصرفية ومخاطر التمويل الإسلامي.

وقد توصلت الباحثة في نهاية الفصل الثاني إلى النتائج الآتية:

1- تتميز المصارف الإسلامية بأنها تقوم على مبادئ وأسس وخصائص تهدف إلى غرس القيم الإسلامية وتطبيقها في مجال المعاملات.

2- المشاركة هي المنطلق الأساس في جانبي الأصول والخصوم بالاعتماد على قاعدتي «الغنم بالغرم» و»الخراج بالضمان» سواء في استقطاب الأموال أو منح التمويل باستخدام الصيغ القائمة على المشاركة وتحمل المخاطرة.

3- تتعرض المصارف إلى العديد من المخاطر الناتجة عن قيامها بوظيفة الوساطة المالية الخاصة بها كالمخاطر المالية والمخاطر غير المالية، كما تتعرض إلى مخاطر أخرى تتعلق بطبيعة عملها، إضافة الى مخاطر صيغ التمويل الخاصة باستثماراتها المتنوعة.

الفصل الثالث: إدارة المخاطر والكفاءة الاستخدامية في المصارف الإسلامية: ويتكون من ثلاثة مباحث، يتناول المبحث الأول إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، ويتناول المبحث الثاني الكفاءة الاستخدامية في المصارف الإسلامية، أما المبحث الثالث فيتناول المخاطرة ومدى قدرتها على ترقية الكفاءة الاستخدامية في المصارف الإسلامية.

وفي نهاية الفصل الثالث توصلت الباحثة إلى ما يأتي:

1- تمثل وظيفة إدارة المخاطر أهمية بالغة في المصارف الإسلامية، حيث تشتمل على عدة مراحل للتعامل مع المخاطر، إضافة إلى الاستعانة بالأدوات التقنية والإحصائية للاستفادة من إبداعات الهندسة المالية للوصول الى الحد الأدنى من المخاطر المقبولة.

2- يمكن للمصارف الإسلامية الاسترشاد بمعايير «بازل» التي تُعنى بحساب المخاطر وضبطها، وكذلك مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يوفر الإطار المناسب للتعامل مع المخاطر التي تواجه المصارف الإسلامية.

3- يتم قياس الكفاءة الإستخدامية في المصارف الإسلامية باستخدام النسب المالية للربحية وتقييمها باستخدام نموذج Camels، وباستخدام الطرق الكمية التي ترتبط دالة الإنتاج.

4- العمل المصرفي الإسلامي يقوم على مبدأ المشاركة وتقاسم الخسارة بين المودعين والمستثمرين، مما يؤدي إلى رفع كفاءة جذب الودائع من خلال حمايتها بالطرق الشرعية، إضافة إلى رفع كفاءة الاستثمار من خلال تقاسم المخاطر بين أطراف العملية الاستثمارية.

الفصل الرابع: تأثير المخاطرة على مؤشرات الكفاءة الاستخدامية في المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية: ويتكون من مبحثين؛ الأول يتناول تقييم مخاطر الودائع في المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية، وتقييم المخاطرة في استخدامات الأموال بين كل من المصارف الإسلامية والتقليدية. أما المبحث الثاني فيتناول تقييم الكفاءة الاستخدامية في المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية من حيث كفاءة رأس المال، قياس جودة الأصول، تقييم إدارة السيولة، وتقييم الربحية عن طريق تطور العائد على حقوق الملكية والعائد على الأصول لكل من القطاعين.

وتوصلت الباحثة في هذا الفصل إلى ما يأتي:

1- تمثل المخاطرة تردد العملية الاستثمارية بين الربح والخسارة وفق قاعدة «الغنم بالغرم» لذلك فإن المخاطرة تلازم الاستثمار في النشاط المصرفي الإسلامي القائم على نظام المشاركة في جانبي الأصول والخصوم بما يؤدي إلى توزيع المخاطر بين المودعين والبنك الإسلامي وبينه وبين المستثمرين.

2- أوضحت الدراسة التطبيقية على مجموعتين من المصارف الإسلامية والتقليدية أن المصارف الإسلامية اعتمدت على صيغ التمويل بهامش ربح معلوم في صيغ البيوع والإجارات لتقليل المخاطر، بينما سجل التمويل التشاركي وفق المضاربات والمشاركات أدنى النسب لتقليل المخاطر لحدها الأدنى.

* النتائج العامة للدراسة :

أولاً : تدفع المخاطرة الاقتصاد نحو النمو والريادة، فالمنتجات الجديدة والإبداعات المختلفة تؤدي بالاقتصاد إلى بلوغ القمة وتميزه عن الاقتصادات الأخرى.

ثانياً : المخاطرة سبب رئيس لاستحقاق الربح في المنهج الإسلامي، فلا يجوز اكتساب العائد دون تحمل مخاطر.

ثالثاً : تلازم الغُنم والغُرم معاً من شروط المخاطرة لأنه يجسد معنى العدل، مما يجعله شرطاً ومعياراً تقاس به درجة تحقق المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي.

رابعاً : نظام المشاركة البديل الرئيس لنظام الفائدة بالجمع بين عمليتي الادخار والاستثمار، ويتشارك جميع الأطراف في المخاطرة مما يحقق أقصى درجات الكفاءة في تخصيص واستخدام الموارد المتاحة.

خامساً : تعمل المصارف الإسلامية على الربط الدائم بين الدائرة الحقيقية والدائرة النقدية من خلال حصولها على الودائع وتوفيرها للتمويل وفق مبدأ المشاركة في الربح والخسارة باعتماد صيغ المضاربات والمشاركات والبيوع والإجارة بما يربط التمويل بالاقتصاد الحقيقي.

سادساً : أثبتت المصارف الإسلامية كفاءتها واستقرارها مقارنة بنظيرتها التقليدية خلال فترة الأزمة مما أدى الى كسب ثقة العملاء والمؤسسات المالية الدولية بها، مما انعكس على حجم الودائع بصفة عامة بالارتفاع.

سابعاً : رغم اعتماد المصارف الإسلامية على قاعدة المضاربة الشرعية في استقطاب الودائع الاستثمارية وما يتحمله المودعون من مخاطرة مقارنة بأصحاب الودائع لأجل في المصارف التقليدية، إلا أنها سجلت نسباً جيدة فاقت ولو بمعدلات ضعيفة في أغلب فترة الدراسة تلك المسجلة في المصارف التقليدية.

ثامناً : تعد الوديعة الاستثمارية منتجاً مصرفياً ذو أهمية بالغة في تفتيت المخاطر وتوزيعها بشكل عادل بين أطراف العملية الاستثمارية؛ المودعون والبنك والمستثمرون؛ بحيث يتم توزيعها بين الأطراف الثلاثة حسب قواعد المعاملات الإسلامية بما يوفر آلية ناجحة في امتصاص المخاطر خاصة بين الادخار والاستثمار، مما يؤدي الى تقليل حدة الأزمات المالية والاقتصادية.

تاسعاً : سجلت المصارف الإسلامية نجاحاً في توظيف قاعدة المشاركة في جانب الخصوم، إلا أنها عجزت عن توظيف نفس المبدأ في جانب الأصول وقلدت إلى حد ما المصارف التقليدية في اعتماد نمط التمويل بالديون.

عاشراً : يعد التمويل وفق صيغ هامش الربح الذي انتهجته المصارف الإسلامية منهجاً لتقليل المخاطر لأنه يعتمد على مبدأ التمويل بالأصول، مما يخفف نسب الخطر مقارنة بالتمويل القائم على الديون في المصارف التقليدية.

حادي عشر : تميزت معدلات المخاطرة بالانخفاض في المصارف الإسلامية نتيجة غياب صيغ التمويل التشاركي وتوجهها إلى التمويل بصيغ هامش الربح المعلوم والأساليب المتدنية المخاطر، مما يمكنها من تخفيض حجم المخاطر وفق أسلوب حسابها الذي تعتمده اتفاقيات بازل.

ثاني عشر : يفسر ارتفاع معدلات كفاية رأس المال في عينة الدراسة للمصارف الإسلامية عنصرين؛ أولهما: ارتفاع حجم حقوق الملكية وتمتع المصارف في الأنظمة المصرفية بقوة رأسمالية جيدة خاصة المصارف الخليجية، وثانيهما: انخفاض مستويات المخاطرة مقارنة بالمصارف الدولية.

ثالث عشر : يكاد يتشكل معدل كفاية رأس المال في المصارف الإسلامية فقط في الشريحة الأولى والثانية، مما منحها القدرة العالية على التأقلم مع متطلبات بازل الثالثة التي بدأـ تطبيقها من سنة 2013 عكس المصارف التقليدية التي كانت مجبرة في أحيان كثيرة على زيادة الاكتتاب في رأس مالها الأساسي.

رابع عشر : تبرز إشكالية إدارة السيولة لدى المصارف لمحدودية المنتجات المصرفية والمالية التي تعد أصولاً مالية عالية السيولة، والتي يمكن تحويلها بسرعة وبأقل تكلفة إلى سيولة جاهزة مقارنة بالمصارف التقليدية التي يتوفر لديها منتجات متنوعة تحفظ لها عوائد مقبولة وإمكانية كبيرة في التسييل في أي وقت، إضافة الى عدم عمق السوق المالي تجاه المنتجات المالية الإسلامية وبخاصة الصكوك الاستثمارية التي تتميز بمبدأ تقاسم المخاطر.

* توصيات الدراسة :

وتوصي الدراسة بالآتي:

أولاً : ضرورة تخصيص قوانين خاصة واستثنائية تراعي خصوصية وطبيعة نظام المصارف الإسلامية لاختلافها عن التقليدية، حيث تعمل على استقطاب فئة معينة من العملاء وتسعى إلى الدخول في الاستثمارات التي تسهم في تحقيق الكفاءة والتنمية الحقيقية للافتصاد خاصة بعد نجاحها في مواجهة الأزمات المالية.

ثانياً : الاستفادة من تجربة المصارف الإسلامية في كل من ماليزيا والإمارات في مجال توفير الأطر القانونية والتشريعية وتطور العلاقة مع المصارف المركزية.

ثالثاً : تطوير السوق المالية تجاه المنتجات المالية الإسلامية وبخاصة الصكوك الاستثمارية التي تتميز بمبدأ تقاسم المخاطر.

رابعاً : يجب على المصارف الإسلامية تطبيق عقود المشاركات والتوجه نحو الاستثمار الحقيقي من أجل التوزيع العادل للثروة بين جميع عناصر المجتمع واستقرار النظام المالي.

خامساً : يجب على المصارف الإسلامية تطبيق المعادلة الإشرافية لمجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي سيرفع بالتأكيد معدلات كفاية رأس المال لمستويات قياسية ويجعل الفرق بينها وبين المصارف التقليدية معتبراً.