المصارف والإقتصادات العربية تواجه تحديات الإمتثال
وتعزيز العلاقات مع المصارف المراسلة
رغم كل الأحداث التي تشهدها المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، إستطاعت الأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية في العاصمة بيروت، من خلال جهودها ومثابرة فريق عملها كخلية نحل، أن تتفوق في إنجاح الترتيبات والإجراءات اللازمة لإحتضان حدث مصرفي عربي – دولي مهم تحت عنوان: «تحديـات الإمتثـال وتعزيـز العلاقـات مع المصـارف المراسلة» والذي نظمه الإتحاد ليومين، في أواخر أيار/ مايو 2021، في بيروت، بمشاركة 19 دولة وهي: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وسلطنة عمان، ومصر، والأردن، ولبنان، وليبيا، والسودان، وتونس، واليمن، والعراق، وفلسطين، وكندا، وكولومبيا، واليونان، وإيطاليا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
وقد شكل هذا الحدث منصة مهمة للنقاش والتباحث بين المصارف العربية والهيئات الرقابية، حول أهم التطورات على الساحتين المحلية والإقليمية، في ما يتعلق بتحديات الإمتثال، وخصوصاً هواجس ومتطلبات المصارف المراسلة، بالإضافة إلى كيفية توافق وتلبية توقعات السلطات الرقابية والمصارف المراسلة الأميركية، مع تسارع بروز ظاهرة تجنّب المخاطر (De-Risking) من جديد.
في هذا السياق، لاحظنا أن ثمة إصراراً عربياً ودولياً على الحضور إلى بيروت، والمشاركة في هذا المنتدى، وهو تأكيد جديد على الإهتمام بدعم لبنان وبيروت كعاصمة المؤتمرات العربية، وهي لا تزال في قلب كل مَن أحبها وزارها، لتؤكد مرة جديدة، دورها الريادي في عالم المال والأعمال بعيداً عن السياسة وتشعباتها، وأنها ستبقى قلب المنطقة العربية ولؤلؤة المتوسط.
لا شك في أنه في ظل المخاوف حيال تراجع ثقة المصارف المراسلة، لناحية إجراءات الإمتثال ومكافحة الجرائم المالية التي تنفذها المصارف الوطنية والهيئات الرقابية، وإحتمال تعرّض بعض المصارف العربية لقطع العلاقات مع بعض المصارف المراسلة، كان إصرار إتحاد المصارف العربية على تنظيم هذا المنتدى الذي يأتي للإضاءة على المتطلبات الجديدة للمصارف المراسلة الدولية، والتحديات القائمة في مجال مكافحة الجرائم المالية، والمخاطر السيبرانية الناجمة عن العمل عن بُعد، والتوسع في إستخدام التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بمخاطر السمعة.
إن الضغوط التشريعية والتنظيمية الدولية أدت خلال الأعوام الماضية إلى نشوء ظاهرة تجنّب المخاطر (De-risking) بحيث أدّت إلى قطع العديد من المصارف المراسلة الدولية، العلاقات كلياً مع دول أو مناطق أو مصارف، سواء بالإستناد إلى إعتبارات الإمتثال وهواجس حول مخاطر غسل أموال وتمويل إرهاب، أو لإعتبارات متعلقة بالتكلفة والعائد المرتبطة بتقديم خدمات المصارف المراسلة.
وأدت هذه الإجراءات إلى حرمان قطاعات جغرافية وإقتصادية وإجتماعية كبيرة من الخدمات المالية. وتشير بعض الدلالات إلى إحتمال عودة ظاهرة تجنّب المخاطر وقطع علاقات المصارف المراسلة، نتيجة هواجس المصارف الدولية من عدم تمكن المصارف المحلية من تلبية متطلبات الإمتثال الجديدة، وعدم تمكن الهيئات الرقابية الوطنية من القيام بشكل دوري بعمليات الكشف والتدقيق داخل المصارف لضرورات التباعد الإجتماعي، وتقليل الإختلاط في ظل إنتشار جائحة كورونا، وتالياً تنفيذ جزء من هذه العمليات والإجراءات عن بُعد، ما قد يؤدي إلى تحديات إضافية في عمليات الرقابة والتدقيق.
من هنا تعمد المصارف المراسلة الدولية إلى إلغاء أو تجميد علاقاتها مع دول أو مصارف نتيجة تصاعد الهواجس من عدم قدرة المصارف (كذلك الجهات الرقابية والتنظيمية) على تلبية متطلباتها.
في المحصلة، أهمية ما يعنينا في الجانب العربي، حيال العلاقات المصرفية العربية مع المصارف المراسلة، هو ألاّ يحصل التراجع في هذا التعامل من الجانبين الأميركي والأوروبي، لأنه إن حصل، فإنه ينعكس سلباً على صورة القطاع المصرفي العربي أمام المحافل الدولية، وخصوصاً أن مصارفنا العربية تتبع أعلى المعايير العالمية، وتُثابر في سبيل تقدمها ونوعيتها إلى جانب المصارف في أوروبا وأميركا.