الملاحقات القضائيّة للمصارف تُهدّد العلاقة مع المصارف المراسلة

Download

الملاحقات القضائيّة للمصارف تُهدّد العلاقة مع المصارف المراسلة

Arabic News
(الديار)-20/02/2023

تُشكّل الملاحقات القضائية للمصارف اللبنانية السبب الرئيسي لإضراب القطاع المصرفي. فالبيان الأول لـ «جمعية المصارف» الذي صدر قبيل بدء الإضراب، كان واضحا: «سبب الإضراب هو الحكم الصادر ضد فرنسبنك، والذي سحب من الشيك المصرفي صفة وسيلة دفع رسمية، كما وملاحقة قيمين على سبعة مصارف لبنانية بتهم تبييض أموال، وهي أمور غير مقبولة بالنسبة للقطاع المصرفي، وبالتالي أعلنت الإضراب المفتوح مع الإبقاء على خدمة الصراف الآلي وخدمة الاستيراد».

عمليًا، أثبت هذا الإضراب أن المصارف، ورغم الأزمة التي تعيشها وفقدانها لثقة عملاءها، لا تزال ضرورية في عمل الماكينة الاقتصادية، وذلك على مستوى دفع الأجور، وعلى صعيد الاستيراد عبر فتح الاعتمادات. وهذان النشاطان لم يشملهما إضراب المصارف، وبالتالي لا تزال المصارف تؤمّن هذه الخدمات.

لكن تطورات سلبية على صعيد الملفات القضائية، قد تُعدّل من هذا الأمر، وليس بالضرورة من باب الإقفال التام الذي هدّدت به المصارف سابقًا، ولكن من باب المصارف المراسلة. فالمصارف المراسلة تأخذ بعين الاعتبار مخاطر البلد المعني، ومخاطر المصارف والتي – أي المخاطر – تؤدي دورًا رئيسيًا في قرارات التعامل مع المصارف المحلية أم لا، حيث تقوم المصارف المراسلة باحتساب نسبة الأرباح من التعامل مع المصارف المحلّية، نسبة إلى المخاطر، ومنها المخاطر القانونية.

وبالتالي، وفي حال وجود دعوى ضدّ المصارف المحلّية بتهمة «تبييض الأموال»، فمن المحتمل أن تعمد هذه المصارف إلى التوقف عن التعامل مع المصارف المحلية وإقفال حساباتها بالكامل. في هذه الحال، فإن خدمة فتح الاستيراد التي تقدّمها المصارف اللبنانية ستتوقّف تلقائيًا، وهو ما يضع المواطن اللبناني تحت خطر عدم توافر المحروقات والأدوية والمواد الغذائية، مع ما يحمل ذلك من مخاطر على المواطن اللبناني وانقطاع السلع الأساسية عنه.

النتيجة الحتمية، وضع لبنان تحت وصاية دولية، حيث تقوم دولة أخرى (مثلًا فرنسا) بتأدية دور الـوصي المالي الدولي على لبنان. وهنا يترتب الكثير من التأخير في عمليات الاستيراد، نتيجة كثرة اللاعبين الاقتصاديين في سلسلة القرار، حيث سيخضع كل طلب استيراد إلى التدقيق والمراقبة.

بالطبع،هذا الأمر سيدفع التجّار إلى احتكار السلع والبضائع ورفع الأسعار بشكل جنوني، بحجّة عدم القدرة على الاستيراد. والأصعب في الأمر أن تدويل قضية المرفأ، سيكون لها مفعول على كلفة تأمين السفن والطائرات الاتية إلى لبنان (أكثر مما هي عليه الآن)، مما يعني رفع الأسعار أكثر.

هذا الأمر يخلق مخاوف من فوضى معيشية كبيرة، تعزّزها الأحداث الأمنية من هجوم على المصارف وإقفال الطرقات وعمليات السطو المتكاثرة، بالإضافة إلى دعوات من قبل بعض الدول الخليجية (بدأت مع دولة الكويت) تطلب فيها من رعاياها مغادرة لبنان، مع زيادة الاحتمالات بفلتان أمني على شكل سطو مسلح بالدرجة الأولى. أضف إلى هذه العوامل التصعيد في موقف «جمعية المصارف» التي شددّت في بيان لها: «…ان الاخبار التي يتم تداولها عن قبول جمعية المصارف فك الإضراب يوم الغد هي اخبار مغلوطة ولا اساس لها من الصحة، وهي مستمرة فيإضرابها حتى اعلانها خلاف ذلك».

هذه الفوضى تزامنت مع الحديث عن انقسام في «جمعية المصارف»، حيث تشير المعلومات الى أن تسليم بعض المصارف للمعلومات التي طلبتها مدّعية عام جبل لبنان، هي نتاج تواطؤ من قبل هذه المصارف مع القضاء ، وهو ما نفته هذه المصارف في بيانٍ لها. كما تشير المعلومات إلى أن هناك مطالب من قبل «جمعية المصارف» الممتعضة من المصارف التي سلّمت معلوماتها للقضاء بالاستقالة من الجمعية.

في هذا الوقت، تعيش الليرة على وتيرة التطورات السياسية والأمنية والقضائية، فقد عاود الدولار ارتفاعه في السوق السوداء، متخطّيًا عتبة الثمانين ألف ليرة لبنانية، وهو ما سيرفع الأسعار، واعدًا المواطنين بأسبوع ملتهب معيشيًا.

الاجتماع المنوي عقده اليوم في السراي الحكومي، ويضمّ إلى رئيس حكومة تصريف الاعمال، المجلس المركزي لمصرف لبنان، يعد بأخذ قرارات تذهب باتجاه خفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء. لكن محدودية القرارات تجعل من ضخ الدولارات ودفع ضرائب التجار نقدًا بالليرة، الخيارات شبه الوحيدة نقديًا وماليًا. ولكن بالطبع، هناك إجراءات أمنية وعسكرية لها مفعول كبير، على مثال ملاحقة المهرّبين الذين أصبحوا معروفين بالأسماء من قبل الأجهزة الأمنية. لكن هذه الإجراءات الأمنية والعسكرية صعبة المنال، في ظل الظروف الحالية. فهل تدفع الأوضاع الحالية إلى أخذ مثل هذه القرارات؟ وحده الوقت كفيل بالردّ على هذا السؤال!

هذا التخّبط على صعيد القرار السياسي، يتحمّل تداعياته المواطن اللبناني الذي يعاني الأمرّين كل يوم مع أسعار، لا يمكن القول عنها إلا ما قاله وزير الاقتصاد والتجارة إلى أصحاب «السوبرماركات» «أنتو صرلكن سنتين عم تسرقوا العالم»، مضيفًا: «اصحاب السوبرماركات عملوا أرباحا طائلة، عملوا أرباحا بالدعم».

وبالفعل، الأسعار غير مبرّرة لا من ناحية السعر بالدولار الأميركي، ولا من ناحية السعر بالليرة اللبنانية. الجدير ذكره أن مدير عام الاقتصاد محمد أبو حيدر، كان قد تقدّم بإخبار لدى النيابة العامة المالية ضد نقيب أصحاب «السوبرماركات» ونقيب مستوردي المواد الغذائية، متهمًا إياهما بالتباطؤ في خفض الأسعار، بالتزامن مع انخفاض سعر الدولار تجاه الليرة اللبنانية. في المحصلة، إن الفوضى التي يعيشها لبنان دفع وسيدفع ثمنها المواطن اللبناني، الذي أصبح رهينة دولار سوق سوداء، تتلاعب في حياته اليومية وبلقمة عيشه وبطبابته وتعليمه. فهل فقدت الدولة السيطرة على الوضع؟