نظّمه إتحاد المصارف العربية برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي
الورقة الإصلاحية لإتحاد المصارف العربية للإصلاح الإقتصادي في لبنان
إستمرارية عمل المصارف إستعادة الثقة وحماية المودعين
وجّه إتحاد المصارف العربية رسالة جديدة إلى مجتمع المصارف وعالم المال والأعمال، مفادها أن بيروت ستبقى عاصمة لبنان الحضاري، درّة الشرق في المنطقة العربية وحوض المتوسط والعالم، وملتقى أصحاب الخبرات والمتخصّصين من خلال تنظيم «منتدى بيروت الإقتصادي 2022»، بعنوان: «التجارب العربية في الإصلاح الإقتصادي وصولاً إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي»، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، والذي يدلُّ عبر محاوره ومداخلاته على أهمية التجارب العربية في عملية الإصلاح الإقتصادي، إضافة إلى إثارته أزمة المودعين في المصارف اللبنانية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، وركائز خطة الإصلاح الحكومية ونقدها، والآثار الإقتصادية والإجتماعية حيال سياسات الإصلاح في لبنان. علماً أن إتحاد المصارف العربية قدَّم ورقة حول الإصلاحات الإقتصادية في لبنان، عارضاً العوائق والتحديات التي تعترض سبيل الإصلاحات المرجوة.
جاء إفتتاح «منتدى بيروت الإقتصادي 2022»، برعاية وحضور دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، كما حضر نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، والوزراء: الصناعة جورج بوشكيان، والإتصالات جوني قرم، والإقتصاد، أمين سلام، والمهجّرين، عصام شرف الدين، والسياحة، وليد نصار، وعدد من النواب والسفراء، والشخصيات الرسمية، والإقتصادية.
وشارك في كلمات الإفتتاح، إلى الرئيس ميقاتي، رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، ورئيس لجنة الإستثمار في إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، والأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام حسن فتوح، ورئيس الهيئات الإقتصادية في لبنان محمد شقير، في حضور أعضاء مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية.
ميقاتي
وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي: «إن الواقع الإقتصادي اللبناني المرّ، وفداحة الأزمة المالية التي يعيشها الوطن والضغوطات الإجتماعية الراسخة، عوامل تقف شاهداً على ضرورة وأهمية وضع إستراتيجية ومشروع متكامل لتبنّي إصلاحات بنيوية تؤمّن التعافي والنهوض الإقتصادي والإجتماعي في البلدان التي تعاني إختلالات إقتصادية جمّة بما فيها بلدان منطقتنا العربية».
وأضاف الرئيس ميقاتي: «إن هكذا مسار يُساهم في إعادة النمو، كما توازن المؤشرات الماكرو-إقتصادية، وهما من القواعد الأساسية في إطلاق حركة الإستثمارات وتوفير فرص العمل وإستعادة الثقة. هذا المسار يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي ومؤازرته عبر الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يقوم بدور محوري في هذا السياق، لمواكبة عملية الإصلاح والخروج الآمن من الأزمات المستفحلة».
وقال ميقاتي: «إننا على قناعة أنه لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعانيها لبنان من دون إقرار الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، بما يؤمّن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان، إن من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة في ما بعد، والتي لن تمدّ يد المساعدة، إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد. كما أن إبرام الإتفاق سوف يُمكّن أيضاً من وضع البلاد على سكّة النمو الإقتصادي الإيجابي، وأن يحدّ من الضغوط الإجتماعية والإقتصادية التي تعانيها الأُسر اللبنانية بشكل عام»، مؤكداً أنه «في ظل النزف الحاصل في الموجودات من النقد الأجنبي، رغم تراجعه بشكل لافت في الفترة الاخيرة، سنبقى ملتزمين من ناحيتنا، إستكمال ك ل ما هو ضروري من أجل إعادة لبنان، إلى خارطة الإتزان المالي والنقدي في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، وإلى ضبط العجز في الموازنة وصولاً إلى إستدامة الدين العام. إن هذا النهج يتعزّز عبر إنجاح المباحثات مع الصندوق والتي نعتبرها فرصة مهمة وأساسية للبنان واللبنانيين».
وقال ميقاتي: «بعدما توصّلنا إلى إتفاق على صعيد الموظفين مع صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل 2022، يبرز التحدّي الأكبر في إستكمال مختلف السلطات اللبنانية إقرار القوانين والإجراءات الواردة في هذا الإتفاق، من أجل إبرام الإتفاق النهائي مع مجلس إدارة الصندوق. إن هذا الإتفاق يفتح الباب نحو الحصول على التسهيلات المرجوّة المباشرة ويُحفّز كذلك الدول والجهات المانحة».
ميقاتي: لا مخرج للأزمة الإقتصادية في لبنان
من دون الإتفاق مع صندوق النقد الدولي
أضاف ميقاتي: «تمحورت هذه المتطلبات (Prior Actions) حول نقاط أساسية كالتالي: إقرار الحكومة لخطة التعافي من أجل تأمين معالجة كافة التشوّهات المالية والنقدية والإقتصادية، وهي أُقرّت في مجلس الوزراء، وإقرار مجلس النواب قانون تعديل السريّة المصرفية، وهو تطور أساسي في سبيل تحسين الشفافية والحوكمة وقواعد الإمتثال، ومصادقة مجلس النواب على قانون موازنة العام 2022 لإعادة إرساء الإنتظام المالي، علماً أن البرلمان أقرّ، وإن متأخراً، مشروع الموازنة أخيراً وأصبح نافذاً اليوم، وإنجاز الحكومة لمشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي بإنتظار إقراره في مجلس النواب لكي يستعيد القطاع المصرفي عافيته، وهذه تُشكل الخطوة المحورية المنتظرة لما تحمله من تحديات في ظلّ الخسائر الجمّة في القطاع المالي، وإنجاز الحكومة لمشروع قانون إعادة التوازن للقطاع المالي تمهيداً لإقراره من مجلس النواب، والعمل مع مجلس النواب لإقرار مشروع القانون الذي أرسلته الحكومة الذي يضع ضوابط رسمية على التحاويل المصرفية، على أمل أن تتكثّف الجهود من أجل إقراره في وقت قريب».
وتابع ميقاتي: «إن لبنان أرزة خالدة، ومهما عصفت فيه المحن والمصاعب، يبقى يختزن الكثير من الطاقات والقدرات والقيم والموارد البشرية والميزات الجغرافية، ما يُمكّنه من إستعادة عافيته ومكانته في وقت يطول ويقصر وفق قدرة مجتمعه السياسي على أخذ العبر من الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا الإنهيار، وإعادة الحوكمة وإنتظام العمل الديموقراطي السليم، ومحاربة الفساد السياسي والإداري عبر تطبيق الدستور بروحيته ومندرجاته، وإعادة صوغ مفهوم ومستويات إعتماد التوافق في الممارسة للديموقراطية، وتفعيل مؤسسات الدولة وحمايتها من النفوذ السياسي، وإعتماد وتطبيق مجموعة الإصلاحات المنوه عنها والواردة في معظم التوصيات والمباحثات التي جرت مؤخراً مع الجهات الدولية من دون تردد».
وقال ميقاتي: «إن القطاع المصرفي اللبناني، والذي عرف سنوات حميدة على فترة طويلة من الزمن، يعاني راهناً أزمة قاسية وخطيرة، بحيث ينبغي تضافر جهود كل السلطات السياسية والنقدية والمصرفية من أجل إحتواء الإختلالات القائمة والنهوض بالقطاع نحو التعافي والخروج من كبوته الحالية».
أضاف ميقاتي: «إن القطاع المصرفي شكّل العمود الفقري للإقتصاد اللبناني على مدى العقود الثلاثة الماضية، وذلك قبل إندلاع الأزمة المالية الأخيرة. فقد ساهم القطاع المصرفي بشكل فعّال في تكوين الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي الدخل الفردي والذي بلغ 8 آلاف دولار قبيل الأزمة الأخيرة، ما وضع لبنان بين البلدان المتوسطة الدخل عالمياً (Middle Income Nations)، ووفّر القطاع المصرفي ما نسبته 60 % من الإحتياجات التمويلية للقطاع العام، و50 % من تمويل التجارة الخارجية، بالإضافة إلى تمويل القطاع الخاص بمحفظة تسليفات إلى الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت عتبة الـ100 %، فضلاً عن توظيفه نحو 26,000 موظف من ذوي المهارات العالية، يُشكّلون مدماك الطبقة الوسطى في لبنان».
وتابع ميقاتي: «إن القطاع المصرفي ليس بمنأى عن محيطه، إذ عندما تردّت الأوضاع الإقتصادية العامة وزادت المخاطر السياسية في البلد، كان لا بد أن تتأثر الظروف المالية والنقدية سلباً، ويكون لها إنعكاس مباشر على الشروط التشغيلية للقطاع المصرفي اللبناني»، مشيراً إلى أن «الأزمة الراهنة والتي يعانيها القطاع المصرفي منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019، هي أزمة قطاعية (systemic crisis)، تعود جذورها إلى أوضاع إقتصادية غير منتظمة، وإلى مالية عامة واهنة في ظلّ تعرّض ملحوظ لميزانيات المصارف لمخاطر القطاع العام»، لافتاً إلى أن «عمق الأزمة التي يمر بها الإقتصاد اللبناني وتشعُّبها يستوجبان قرارات شجاعة وقوانين إصلاحية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ليُصبح في وضع سليم بعد عقود من السياسات الإقتصادية والمالية الخاطئة أو غير المتوازنة. هذا ما ورد في صلب مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي على مستوى الإطار التنظيمي، حيث برزت أهمية تمتين القطاع المصرفي بجهود إعادة الهيكلة لتعزيز وضعيته المالية وحوكمته، وقدرته على مواجهة الضغوط في سبيل إعادة دوره المميز في الإقتصاد اللبناني».
وختم ميقاتي مذكّراً «أن هناك خيارين متاحين راهناً، الخيار الأول الذي يجب تجنّبه بكل الطرق يتمثّل بسيناريو المراوحة والجمود واللاإصلاح، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى «الليلرة» المطلقة، في حين أن الخيار الثاني يقوم على إعادة هيكلة منتظمة وفق برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي بغية أن يكون المفتاح للتصحيح الضروري للوضع المالي عموماً. فالخروج من المأزق يجب أن يكون عن طريق حلّ عام وتسوية عامة تنطوي قبل كل شيء على إنتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وتشكيل حكومة جديدة والإسراع في عجلة الإصلاحات المنشودة، وإبرام إتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وتالياً الحصول على المساعدات الدولية الموعودة، وذلك في سبيل إحتواء المخاطر الكامنة حالياً كشرط مسبق لأي نهوض إقتصادي مرجو على المدى المتوسط والطويل».
الشيخ محمد الجراح الصباح رئيس بنك الكويت الدولي،
رئيس لجنة الإستثمار في إتحاد المصارف العربية
لم تترك الكويت مناسبة يحتاج فيها لبنان الحبيب إلى الدعم
والمؤازرة إلاَّ وكنّا من أوائل الداعمين
وقال رئيس بنك الكويت الدولي، رئيس لجنة الإستثمار في إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح «إننا في الكويت، لم نترك مناسبة يحتاج فيها لبنان الحبيب إلى الدعم والمؤازرة، إلا وكنّا من أوائل الداعمين، وخصوصاً اليوم، فإنّ حضور الكويت يهدف إلى دعم مسار التعافي والإصلاح الإقتصادي، والمساهمة في دفع مسيرة الإستقرار والنمو. وإننا من هذا المنطلق، سنعمل بكل طاقاتنا، كلجنة إستثمار في إتحاد المصارف العربية إلى تشجيع وتحفيز عودة الإستثمارات إلى لبنان، الذي يزخر بالإمكانات والمشاريع المنتجة، التي تخرج لبنان من النفق، وتعيده إلى خارطة الدول المزدهرة، وتجدّد الثقة بإقتصاده وبقطاعه المصرفي».
وتابع الصباح: «إنّ لبنان وشعبه لديه مكانة الصديق والأخ لدى دولة الكويت وشعبها. لذا نتمنى أن يفتح هذا المنتدى باباً واسعاً، لإستعادة هذا البلد الحبيب لبنان، ثقة المجتمع العربي، والإطمئنان على مساره السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وأن يُحافظ على المناخ الإستثماري فيه، من خلال الإصلاحات المطلوبة، ونتمنى على الحكومة اللبنانية والجهات المعنية، وضع خطة تضمن إستعادة أموال المودعين العرب حفاظاً على الثقة بلبنان وقطاعه المصرفي، والتي حتى لم تتأثر ودائعهم أبداً طوال الأحداث اللبنانية، حيث حافظ القطاع المصرفي اللبناني على صلابته وقوّته ومتانته، لذلك نتطلّع بأمل كبير إلى المحافظة على القطاع المصرفي اللبناني وإستمرار العمل فيه، مؤكداً التعاون الأخوي التاريخي بين الشعبين اللبناني والكويتي. ونحن على موعد يومي 8 و 9 مارس/ أذار 2023 مع المؤتمر المصرفي العربي السنوي، الذي ستستضيفه المملكة العربية السعودية في الرياض، بالتعاون مع البنك المركزي السعودي».
الدكتور جوزف طربيه رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
بعض الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي تُعتبر بديهية كقانون «الكابيتال كونترول» منذ العام 2020
من جهته، قال رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه: «لقد ساهم صندوق النقد الدولي خلال السنة المالية 2022 في تخفيف آثار الأزمة الإقتصادية العالمية عن طريق إقراض الإقتصادات المأزومة، حيث تمّت الموافقة على صرف أكثر من 219 مليار دولار في هيئة قروض إلى 92 بلداً، وساهم الإقراض من صندوق النقد الدولي، والتوزيع التاريخي لمخصصات حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار في توفير السيولة للبلدان التي تعاني ضيق السيولة بعد جائحة كورونا. كما تم توزيع وحدات حقوق السحب الخاصة على كل البلدان الأعضاء، منها 275 مليار دولار من نصيب إقتصادات الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية».
وأشار د. طربيه إلى «أهمية الدور الذي يلعبه الصندوق على صعيد الإقتصاد العالمي، والذي تُرافقه أعمال تحقق من سلامة إقتصادات البلدان وتقديم المشورة الفنية لها بما يساعد هذه البلدان التي تنفذ برامج إصلاحية مع الصندوق على الولوج إلى مؤسسات التمويل الدولية الأخرى، كذلك إلى أسواق المال».
وتابع د. طربيه: «في العالم العربي، تُواصل دول عربية عدة، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإعتماد إصلاحات إقتصادية والحصول على قروض ميسّرة لإجتياز صعوباتها المالية، وتعبيد الطريق للحصول على تمويلات أخرى من جهات خارجية تربط تحرُّكها بالحصول على ثقة الصندوق. وتأتي في عداد هذه الدول مصر، تونس، الأردن، السودان ولبنان. وتعاني هذه الدول أزمات إقتصادية عميقة تُرافقها إحتياجات تمويل ملحّة، يجب أن ترافقها إصلاحات نقدية ومالية وضريبية، وإعادة هيكلة القطاع العام وضبط الإنفاق ولجم التضخم. وقد جاءت تداعيات جائحة كورونا وإندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، والركود الذي أصاب الإقتصادات العالمية إلى مضاعفة حدّة الأزمة في البلدان العربية المذكورة، بحيث بدت الحاجة إلى تنفيذ برامج مع صندوق النقد أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ويأتي لبنان اليوم في مقدمة الدول التي تسعى إلى تنفيذ برنامج تمويل من الصندوق، تُرافقه إصلاحات إقتصادية نأى عنها في السابق».
وقال د. طربيه: «لم تكن مسيرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي سهلة، واليوم ستُصبح أصعب مع وقوع لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي والإشتباك الدستوري الحاصل حول إستمرار صلاحية المجلس النيابي في التشريع في ظل تحوله إلى هيئة إنتخابية يُقتصر نشاطها على إنتخاب رئيس للجمهورية، ليكتمل عقد السلطات الدستورية، تُضاف دقة المواضيع المطروحة على المجلس النيابي للتشريع في شأنها والتي تتضمّن بنوداً لا سابق لها في لبنان، كشطب الودائع وتصفير الرساميل للمصارف، ووضع قيود على حركة الرساميل، وإجراء مراجعة على النظام الضريبي».
وأعلن د. طربيه أنه «لم يكن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الخيار المرغوب في لبنان في أي يوم، لإعتبارات عدّة تتمحور حول الحذر من الصندوق لأسباب متعددة، إلى أن حصل الإنهيار المالي وتوقف لبنان عن دفع ديونه السيادية الخارجية، وخروجه من أسواق المال العالمية وتعذّر عودته إليها دون إتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما أنه لا يُمكن أن نفنّد هنا الصعوبات التي يُواجهها تحرّك الصندوق في لبنان ووصفاته التقليدية أو المستحدثة سواء كان منها في إلغاء السرّية المصرفية، وطلب إعتماد قانون الكابيتال كونترول، وتوحيد وتحرير سعر الصرف، وضبط عجز الموازنة العامة، وشطب الودائع وإعادة هيكلة المصارف وتصفير رساميلها. وتُشكك جهات عديدة في لبنان في الكثير من صوابية بعض المعالجات والطروحات القاسية التي تضمّنتها خطة الصندوق».
وأشار د. طربيه إلى أن «بعض الإصلاحات المطلوبة من الصندوق تُعتبر بديهية، وكان يُفترض حصولها بدون مداخلة من الصندوق كقانون الكابيتال كونترول الواجب حصوله عند بدء إندلاع الأزمة في العام 2020، أو إصلاح نظام الضرائب، أو ترشيد الإنفاق، أو خفض حجم القطاع العام، أو تجنُّب العجز في الموازنة العامة، أو مكافحة الفساد، أو تحرير سعر الصرف». وقال: «لقد وقّعت الحكومة اللبنانية إتفاقاً أولياً على مستوى الموظفين مع الصندوق، وتتطلب معظم بنود الإتفاق إقرارها بقوانين في المجلس النيابي، وهذا ما حصل حتى الآن بالنسبة إلى موضوع تعديل قانون السرية المصرفية، وإصدار قانون الموازنة العامة لعام 2022، وما يجري مناقشته اليوم في المجلس النيابي بالنسبة إلى موضوع الكابيتال كونترول المطلوب من الصندوق إقراره، والذي تجري مقاربته بتردد، لأنه يضع قيوداً على تحويل الرساميل في بلد طالما تغنّى بالحريات الإقتصادية، وفي مقدمها حرية حركة الرساميل ضمن نظامه المصرفي».
أضاف د. طربيه: «تدل مناقشات المجلس النيابي الحالية على وجود مواقف رافضة من معظم الكتل النيابية لما تضمّنته خطة التعافي من شطب للودائع، حيث تبدو معظم الإتجاهات النيابية لصالح الحفاظ على ودائع المودعين، صغارهم كذلك كبارهم، وبينهم مؤسسات مصرفية عربية ومستثمرون ومودعون عرب أودعوا أموالاً لهم منذ عشرات السنين في المصارف اللبنانية، كذلك الأمر حيال المودعين اللبنانيين من مقيمين ومغتربين».
وتابع د. طربيه «إن سردية صندوق النقد الدولي لجهة إعتبار ديون الدولة خسائر، وإعفائها من إلتزاماتها المالية تجاه البنك المركزي، وشطب عشرات المليارات من الدولارات من الديون، ستُترجم في النهاية شطباً للودائع، وهو ما يبدو مرفوضاً حتى الآن من المجلس النيابي، حيث يُطلق الكثير من النواب شعارات معاكسة تماماً لذلك، تلاقي تأييداً لدى جمعيات المودعين على مختلف إنتماءاتهم، لعلّ أبلغها المناداة بـ «قدسية الودائع». لكن ليس واضحاً حتى الآن، كيف ستُترجم هذه الشعارات على الصعيد العملي. كما أن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي وضعت حكومته لبنان على طريق الإصلاح، تماشياً مع مطالب الصندوق، أبلغ المجلس النيابي بسعيه لمعالجة هذه الفجوة في خطة التعافي التي تلحظ شطب الودائع».
وأكد د. طربيه «إن صندوق النقد الدولي، لا بد له أن يتعامل مع هذه الحقيقة النيابية المبنية على وجود موانع دستورية وقانونية وسياسية، تمنع على الدولة شطب الودائع. كما أنه يجب عدم الإستخفاف بالآثار الإقتصادية والإجتماعية للشطب، كذلك إنعكاساته على التعافي وعلى إستعادة الثقة بلبنان وبقطاعه المصرفي، وهذا ما يعمل له إتحاد المصارف العربية والمؤسسات العربية الأخرى الناشطة في حقل الإستثمار. لذلك لا بد للدولة اللبنانية من تحمّل مسؤوليتها عن ديونها، وقيادة الحلّ من خلال خطة لإعادة الودائع تدريجاً من دون أي بيع لأصولها، كذلك التفاوض بحسن نية مع دائني اليوروبوندز، تمهيداً لإستعادة الشرعية المالية والعودة إلى الأسواق المالية الدولية. وإن الذين لا يجدون طريقة أخرى للتخلّص من الدين إلا عبر شطبه، يرفضون في الواقع إجراء إصلاح على المالية العامة تُوقف منافذ الهدر وتحسّن الإيرادات، وتضع لبنان على طريق التعافي».
وقال د. طربيه: «يجب ألاّ نغفل أنّ جزءاً مهماً من أزمة لبنان يتطلّب حلاً بالسياسة، وليس بالإقتصاد فقط»، مشيراً إلى «أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي ممر ضروري للبنان للعودة إلى الشرعية المالية الدولية. ويبدو الأمر سائراً في لبنان في هذا الإتجاه، في ضوء مناقشات المجلس النيابي اللبناني الجارية في هذا الخصوص، وما سوف يقرّه من قوانين تحفظ المصالح اللبنانية العليا. وإننا في إتحاد المصارف العربية داعمون لهذه المسيرة».
الدكتور وسام حسن فتوح، الأمين العام لإتحاد المصارف العربية
تعافي الإقتصاد اللبناني ممكن والحلول للخروج
من نفق الأزمة الإقتصادية والمالية متوافرة
وقال الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام حسن فتوح «لفتني ما قاله أمير دولة قطر في إفتتاح مونديال2022 ، ما أجمل أن يضع الناس ما يُفرّقهم جانباً لصالح ما يجمعهم، فأهلاً وسهلاً بالعالم في دوحة الجميع»، وأقتبس من هذا القول الرائع لأقول: «ما أجمل أن يضع اللبنانيون ما يفرِقّهم جانباً لصالح ما يجمعهم، فأهلاً وسهلاً بكم في منتدى إتحاد المصارف العربية في بيروت».
وأشار د. فتوح إلى أن «إتحاد المصارف العربية أصرّ على عقد هذا المنتدى، في مكانه وزمانه، لنؤكد بأن بيروت لا تزال مدينة محبّبة لدى الإخوة العرب، وأنها نابضة بالحياة دائماً وأبداً وإذا عانت من كبوة، فإنها تنهض من جديد، بأفضل مما كانت عليه، هذا ما أثبته لنا التاريخ، وهذا ما نؤكده اليوم».
وقال د. فتوح: «ثلاثة أعوام، واللبنانيون يُعانون ثلاثية كورونا والأزمة الإقتصادية والأزمة المالية، في ظلّ غياب أي إصلاحات ملموسة. إننا نهدِفُ من هذا اللقاء الكبير، إلى حشد الدعم، والطاقات، والخبرات العربية واللبنانية، لمناقشة أهم هاجس يقلِقُ بال اللبنانيين وبعض الدول العربية، ألا وهو الخطط الإصلاحية، الإقتصادية والمالية والمصرفية، والبدائل المتوافرة، ومسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وما هو مطلوب من صانعي القرار في لبنان في هذا الخصوص».
ورأى فتوح «إن تعافي الإقتصاد ممكن والحلول للخروج من نفق الأزمة الإقتصادية والمالية متوافرة وممكنة»، وقال: «سوف نعرض عليكم في سياق أعمال المنتدى رؤية إتحاد المصارف العربية على أسس علمية وعملية ومنطقية، لكيفية الخروج من هذا المأزق والحفاظ على أموال المودعين، فلا نهوض للبنان وإقتصاده من دون قطاعه المصرفي».
محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية
الهيئات الإقتصادية تعمل المستحيل للحفاظ على ما تبقّى من القدرات
والإمكانات والإستقرار الإجتماعي
وتحدث رئيس الهيئات الإقتصادية محمد شقير قائلاً: «بإسمي وبإسم القطاع الخاص، أُعلن من هذا المنبر عن إستيائنا الشديد من المشهد السياسي في البلاد، فرغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة الإقتصادية التي أكلت الأخضر واليابس، وأصابت المجتمع والإقتصاد والدولة بالصميم، لا نزال عالقين في عنق الزجاجة، ولا نعرف متى الخلاص. أكثر من ثلاث سنوات من الجلسات في مجلس النواب، وقبلها في الحكومة حول خطة التعافي ومشاريع القوانين الإصلاحية المرتبطة بها، ولم نصل إلى نتيجة».
وتابع شقير: «إن هذا الأمر لا يتعلق بقلّة الخبرة والنقص بالمعلومات والمعطيات والحلول، لأن مدة ثلاث سنوات من الدراسة والنقاش والأخذ والرد، هي مدة كافية ليس لإنتاج حلول فحسب، إنما أيضاً كفاية لحصول جميع مَن في مجلس النواب والحكومة على شهادة دكتوراه بعلم المال والإقتصاد. يا للأسف الشديد، مشكلتنا الحقيقية في السياسة وعند بعض القوى السياسية التي تُعطل الحكومات والبرلمانات، وآليات إتخاذ القرارات، وكل الجهود الإصلاحية والإنقاذية»، مؤكداً أنه «في لبنان الوضع مختلف، إذ لدينا ممارسات سياسية متجذّرة، تتمثل بالصراع الأبدي على السلطة، الذي يعتمد كل أنواع ألاعيب الخفّة والنكايات والشعبوية. والنتيجة هو كل هذا الخراب الذي نراه».
وأكد شقير «أن الهيئات الإقتصادية تعمل المستحيل للحفاظ على ما تبقّى من قدرات وإمكانات، كذلك الحفاظ على الإستقرار الإجتماعي»، معلناً «أننا في حوار دائم وإيجابي مع شركائنا في الإنتاج الإتحاد العمالي العام، إنطلاقاً من مسؤولياتنا الإجتماعية، بهدف إعطاء زيادات على الأُجور للعمال والموظفين، وهذه هي المرة الثالثة منذ بداية الأزمة. لكننا في الوقت نفسه، نُحذّر من أن الحل لتآكل المداخيل جرّاء إنهيار الليرة، ليس في زيادة الأجور التي إستعملناها مرّات عدّة، لأن الإستمرار بذلك سيؤدي حتماً إلى الدخول في تضخم مُفرط، سيُطيح بكل ما تبقى من قدرات لدى الدولة والمؤسسات الخاصة والعمال على حد سواء».
وأعلن شقير «أن الحل لهذا الموضوع الأساسي والحساس، هو إقتصادي، عبر قيام الدولة بواجباتها بإقرار وتطبيق خطة إنقاذية إقتصادية ومالية وإصلاحية شاملة، والوصول الى إتفاق مع صندوق النقد الدولي، وحتماً إعادة العلاقات الى طبيعتها مع دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى «أن الهيئات الإقتصادية ومساهمةً منها بإيجاد الحلول، أعدّت خطة تعاف مالي وإقتصادي متوازنة ومنصفة وعادلة وموثوقة، وهي تعتمد المرتكزات والمعايير المحاسبية والمالية والإقتصادية العالمية وطبعاً الشفافية المطلقة، وتضمّنت الخطة آليات فعّالة لسداد الودائع للمودعين، 100 ألف دولار وما دون، وفوق الـ100 ألف دولار. وقد جرى في هذا الإطار، حوار إيجابي مع الرئيس ميقاتي ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حول الخطة، ونعمل سوياً على التقريب بين خطتنا وخطة الحكومة للوصول الى خطة موحدة قبل نهاية العام».
وكان جرى عرض فيلم وثائقي عن مدينة بيروت، ولا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة.