أكد بنك قطر الوطني مواصلة بنك اليابان جهوده لمعالجة الانكماش المتجذر، والتي تعتبر تاريخيا في طليعة التجارب الثورية في مجال السياسة النقدية، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي بتشديد السياسة النقدية بسرعة للسيطرة على التضخم، يحافظ بنك اليابان على مزيج من السياسات الميسرة للغاية. وهذا يشمل أسعار الفائدة السلبية، وشراء الأصول على نطاق واسع، وتدابير التحكم في منحنى العائد التي تبقي الأسعار طويلة الأجل عند مستويات منخفضة.
وحلل بنك قطر الوطني في التقرير الأسبوعي سياسة بنك اليابان الميسرة بينما يقوم أغلب نظرائه من البنوك المركزية بـ “تشديد” سياساتهم النقدية، مرجعا ذلك إلى ثلاث حقائق، أولها انخفاض قيمة الين الياباني بسرعة قياسية مقابل الدولار الأمريكي، مما أثار المخاوف من التضخم المستورد وعدم الاستقرار المالي.
وأشار التقرير إلى التحركات الحادة للين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفضت قيمة العملة اليابانية بنسبة 43 بالمائة منذ ذروتها الأخيرة في أوائل عام 2021.
ويرجع الانخفاض القوي في قيمة الين الياباني بشكل أساسي إلى الاختلاف الواضح بين سياسة بنك اليابان وسياسات البنوك المركزية الكبرى الأخرى. ويؤدي هذا الاختلاف في السياسات إلى تدفقات كبيرة لرؤوس الأموال من اليابان إلى الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة، وهو ما يضع ضغوطا على قيمة الين الياباني.
وتابع “يحدث هذا نتيجة لقيام المستثمرين اليابانيين بالبحث عن عوائد أعلى معدلة حسب المخاطر في الخارج. وفي حين أن عائدات السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات تعتبر بالكاد إيجابية، أي أعلى بقليل من 25 نقطة أساس، فإن عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات تزيد عن 400 نقطة أساس”.
الحقيقة الثانية التي أشار إليها التقرير تمثلت في استمرار التضخم في اليابان في الارتفاع، حيث سجل في أكتوبر 2022 أعلى معدل في 8 سنوات، متجاوزا النسبة المستهدفة من قبل بنك اليابان للشهر السابع على التوالي، وقد يتسارع التضخم بشكل أكبر على خلفية ارتفاع تكاليف الاستيراد بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الين الياباني، وتصاعد التضخم في الخارج، وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وبالتالي، يتساءل المحللون الآن عما إذا كانت اليابان قد تتخلص من فخ الانكماش الذي دام طويلا والمتمثل في انخفاض معدلات النمو والتضخم وارتفاع مستويات المديونية.
وفيما يتعلق بالحقيقة الثالثة أشار التقرير إلى التغييرات المجدولة القادمة داخل فريق القيادة العليا لبنك اليابان، وقد تسرع النقاش حول السياسات الجديدة، حيث من المقرر أن تنتهي فترة ولاية كل من محافظ ومجلس إدارة بنك اليابان في غضون ستة أشهر، مما قد يؤدي إلى “تغيير في التوجهات القديمة”.
ويعد هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان الحالي الذي يحظى باحترام كبير، أحد المهندسين الرئيسيين لما يسمى بسياسة “آبينوميكس”، وهو نهج السياسة الاقتصادية الخاص برئيس الوزراء السابق شينزو آبي، والذي يهدف إلى إنعاش الاقتصاد الياباني من خلال اتخاذ تدابير صارمة للغاية. لذلك، غالبا ما يرتبط كورودا باستمرار سياسة “آبينوميكس” بعد آبي، وهو نهج يناصر السياسات والمواقف “المهادنة”.
وقال التقرير، إنه بشكل عام، قد يؤدي أي انخفاض كبير في قيمة الين الياباني، وتجاوز التضخم للمعدل المستهدف، والتغييرات المجدولة في القيادة، إلى تشجيع بنك اليابان على الابتعاد عن السياسات الميسرة للغاية.
واستنتج التقرير وجود مجال محدود لإجراء تغييرات رئيسية على سياسات بنك اليابان، فقد أعرب فوميو كيشيدا رئيس الوزراء الياباني، حتى الآن عن استعداده لدعم استمرار العمل بسياسة “آبينوميكس” الاقتصادية.. علاوة على ذلك، وبالنظر وراء الأرقام الرئيسية، يبدو أن الارتفاع الأخير في الأسعار في اليابان أقل ثباتا مما هو عليه في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ولا تزال العديد من مكونات سلة تضخم أسعار المستهلكين اليابانية تشير إلى تراجع ضغوط الأسعار.