*د. جمال عبدالرحمن العقاد
بدأت أسواق الأسهم العالمية رحلة استنزاف مكاسب المستثمرين مع قرارات البنوك المركزية العالمية لرفع أسعار الفائدة، في محاولة لمعالجة التضخم الذي يظهر بأن لا شيء يقف أمام تصاعده المتسارع سوى البدء في تطبيق سياسات نقدية متشددة، وبحسب ما تتطلبه عملية كبح جماحه التي لا يعرف أين منتهاها، إلا أن ما سيحصل – إذا ما طالت عملية العلاج – سيستدعي رحلة إضافية نحو تآكل رؤوس أموال الكثير من المستثمرين في الأسواق بعد استنفاد مكاسبهم.
سيكون العالم وبكل تأكيد على موعد مع أرقام نمو جديدة، فالأسواق العالمية لن تكون في نفس وتيرة التعافي التي بدأت منذ فترة، وقد شهد الجميع هبوط مؤشرات أسواق عالميّة عديدة مثل مؤشر داو جونز الصناعي وناسداك وستاندرد آند بورز 500 بمجرد إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في 4 مايو الماضي أنه سيرفع أسعار الفائدة.
ما حصل في مؤشرات أسواق الولايات المتحدة – نتيجة عمليات بيع مكثفة وبدء اللجوء إلى ملاذات آمنة مثل السندات الأمريكية التي ارتفعت عوائدها لمستويات جيدة – انعكس على مؤشرات أسواق أخرى مثل الأسهم الأوروبية ستوكس 600 ولينخفض مؤشره بنسبة تعدت 11%، و مؤشر هانغ سينغ في هونغ كونغ بنسبة قاربت 4%، كما انخفض مؤشر شنغهاي الصيني بنسبة تعدت 2% ونيكي الياباني.
التفاؤل بأداء أفضل للأسواق في المستقبل المنظور مسألة فيها نظر، فهناك إشارات تدل على أن ارتفاعات متكررة في أسعار الفائدة ستحصل خلال الأشهر المقبلة، ومثل هذا السلوك المتشدد من قبل البنوك المركزية سيؤدي إلى انكماش اقتصادي بالرغم من ادعاء هذه البنوك أنه يمكن تجنبه، وهو زعم مازال غير مقنعا علميا أو عمليا، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.
أسباب ما حصل عديدة، و لكن أهمها كانت الحِزم التحفيزية الكَمية التي قُدمت أثناء الجائحة في عامي 2020 و 2021 في الولايات المتحدة، وقد انعكست سلبا على أسواق الأوراق المالية بسبب توظيف جزء منها في الأسواق، مما سبب تضخم في الأسعار، وقد حذر العديد من أساتذة الاقتصاد وكبار المستثمرين وقتها من احتمالية هذا الخطر، بالرغم من المؤشرات الإيجابية لأداء الأسواق، ولتتدخل معدلات الفائدة للاحتياطي الفيدرالي كبديهة في مثل هذه الظروف للوقوف أمام التضخم المتراكم نتيجة ما حصل.
ومع نشوء توترات سياسية حادة بسبب العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والتي يظهر من سلوكياتها بأنها تسير ببطء متعمد، مما يعمق الألم الاقتصادي في الداخل الأوروبي تحديدا، فإن هذا سيكون له أثره على تدهور سلاسل الإمدادات وارتفاع الأسعار للسلع الغذائية والطاقة التي تعاني من محدودية في الإنتاج، وعليه فمؤشرات أسواق الأسهم العالمية المترابطة ربما تكون على موعد مع تقلصات إضافية، مما يحتاج لفترات طويلة نسبيا لكي تستقر نحو التعافي.