خسائر أوروبا جرَّاء الحرب الروسية – الأوكرانية

Download

خسائر أوروبا جرَّاء الحرب الروسية – الأوكرانية

موضوع الغلاف
العدد 497 - نيسان/أبريل 2022

خسائر أوروبا جرَّاء الحرب الروسية – الأوكرانية  أكثر من 800  مليار يورو

شكلت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على الإقتصاد العالمي، ولا سيما الإقتصاد الأوروبي، صدمة لدول القارة الاوروبية، التي بدأت منذ العام الحالي ببذل جهود مكثفة لإزالة تداعيات فيروس كورونا على إقتصاداتها، والتي دامت لنحو أكثر من سنتين. ويبدو أن هذه الصدمة سيكون لها مفاعيل باهظة لجهة كلفة معالجتها، والتي يُتوقع أن تتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي في الإتحاد الأوروبي في العام 2022 (المقدّر بنحو 175 مليار يورو) على ما يتوقع الخبراء الإقتصاديون.

إذاً، تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية كبيرة، لأنها عمّقت الفجوة بين العرض والطلب في إقتصادات الدول الاوروبية، بسبب إرتفاع أسعار الطاقة، في الوقت الذي لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي التوفيق بين مكافحة التضخم، ودعم النشاط الإقتصادي، لكن الخبراء لا يزالون يعتقدون أن الإقتصاد العالمي سينمو هذا العام، رغم الحرب الدائرة، حيث تأثيرها سيكون ملموساً في جميع أنحاء العالم، وتعتمد درجة الضرر بشكل حاسم على المدة التي ستستغرقها الحرب.

إقتصادات كبيرة باتت  تحت الضغط

وهبة: الخسائر الأكبر التي لن تتحملها الاقتصادات

الأوروبية تتعلق بإمدادات الطاقة

كل ما سبق يجعل من المشروع  البحث عن مدى تأثير هذه  الحرب على الإقتصاد العالمي، وهل من الطبيعي أن تتأثر إقتصادات كبيرة في القارة الاوروبية (فرنسا/بريطانيا) بالحرب الروسية – الاوكرانية إلى هذه الدرجة؟

يجيب الخبير الإقتصادي الدكتور محمد وهبه، (أستاذ في الجامعة اللبنانية) مجلة «إتحاد المصارف العربية» قائلاً: «لقد أثرت الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي بدأت في شباط/ فبراير 2022 على مجمل القطاعات الإقتصادية والإجتماعية والغذائية، وسلاسل التوريد في العالم، حيث بنتيجتها إرتفعت مجمل الأسعار وخفّضت القدرة الشرائية للأسر»، لافتاً إلى أنه «بدأت التوقعات لنسب النمو الإقتصادي تتغيّر في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وأوكرانيا، والإقتصاد العالمي أصلاً كان يعاني التضخم، مما دفع بمنظمة التجارة العالمية في نهاية آذار/مارس 2022 إلى تخفيض توقعاتها للنمو بمقدار النصف تقريباً، من 4.7 % إلى 2.5 %، بسبب تأثير الحرب والسياسات الغربية المرتبطة بهذه الحرب، رغم أن أوكرانيا وروسيا تشكلان ما لا يزيد عن 2.5 % من صادرات التجارة العالمية».

 ويشير د. وهبه إلى أن «التجارة أصبحت أداة أساسية للضغط عبر ما يُسمّى العقوبات، فنتيجة العقوبات على روسيا التي تنتج 10 % من الطاقة العالمية، منها 17 % من الغاز الطبيعي، بدأت المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا برفع الفوائد. لكن أوروبا تتردد في إستهداف قطاع الطاقة الروسية لمعاقبة موسكو، وهو الذي كشف مدى هشاشة إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية»، لافتاً إلى أن «ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي الروسي، بعدما قرّرت إغلاق محطات الطاقة النووية والفحم في السنوات الأخيرة، الأمر الذي لم يؤد سوى إلى زيادة حاجة أوروبا للطاقة، وتالياً الإعتماد على الغاز الروسي».

التأثر طبيعي

ويرى د. وهبه أنه «من الطبيعي أن تتأثر إقتصادات القارة الأوروبية، وإن بنِسَب متفاوتة، بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، ولعلَّ الخسارة الأكبر، والتي لن تتحمّلها الإقتصادات الأوروبية، هي خسارة إمدادات النفط».

ويضيف د. وهبه: «إن روسيا تمدّ القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي بنسبة 37 %، ومن الطبيعي أن تتأثر كافة القطاعات»، معدّداً إياها بالقول: «كقطاعات الإنتاج التي تستخدم مستلزمات تشغيل من روسيا، مثل صناعة الطائرات، والصناعات الخشبية، وصناعة الكهرباء، وكل الصناعات التي تستخدم النفط والغاز الروسيَّين والفحم الروسي والنحاس والألومنيوم، وخصوصاً في دول، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، وغيرها من الدول التي لن تستطيع تدبير بدائل سريعة عن الواردات الروسية».

ويتابع د. وهبه: «من القطاعات المتأثرة بالحرب هي القطاع الزراعي، الذي يستخدم مستلزمات إنتاج آتية من روسيا، مثل سماد البوتاسيوم، والحبوب والزيوت وزيت دوار الشمس، بالإضافة إلى قطاع النقل الجوي، جرّاء إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الرحلات الآتية من روسيا، وتلك الأوروبية التي تستخدم الأجواء الروسية، والتي قدّرتها بعض المصادر الإقتصادية، في 19/3/2022، بنحو 37.0 مليون دولار أسبوعياً، أي بنحو 150 مليون دولار في الشهر الواحد».

الإستثمارات ستتأثر أيضاً

يلفت د. وهبة إلى أن «الحرب أثّرت أيضاً على القطاع المالي، والإستثمارات المالية الروسية في دول الإتحاد الأوروبي، والإستثمارات الأوروبية في الإقتصاد الروسي، والتي شملها الحظر والمقاطعة، مما أدّى إلى إنهيار أسعار تلك الأصول المالية، سواء بالنسبة إلى روسيا، أو الشركات والمؤسسات المالية الأوروبية المالكة لتلك الإستثمارات، وقيمتها بحدود 100 مليار يورو، منذ بداية الأزمة في 24/2/2022، حتى مرور الشهر الأول من الحرب في أوكرانيا»، مشيراً إلى أن «قطاعات الخدمات، كلُّها معرَّضة للخسارة والإنهيار، وتقارب قيمتها  200 مليار يورو، وبصورة عامة، فإن التقدير المبدئي للخسائر الأوروبية، طوال فترة الحرب التي من المرجح أن تستمر بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، تُرواح بين 500 و800 مليار يورو، وإذا أضفنا وقف إمدادات الغاز الروسي، فإن الرقم قد يتضاعف إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار».

دور جائحة كورونا

والسؤال الذي يُطرح هنا، هل هذا التأثر بسبب إرتفاع أسعار النفط عالمياً فقط، أو أن هذه الإقتصادات لم تتعاف بعد من تداعيات جائحة كورونا عليها؟

 يجيب د. وهبة: «رغم أن فرنسا سجّلت بعد التعافي من أزمة كورونا، نمواً إقتصادياً بلغ 7 % خلال العام 2021، وإنخفض فيها معدل البطالة إلى 7 %، وهو رقم قياسي، وكان إقتصاد أميركا وفرنسا أفضل إقتصادين أداءً في العالم بعد كورونا، لكن لا يُمكن القول إن العالم كان قد تخطّى كلياً آثار الجائحة».

 ويُوضح د. وهبه أن «الأزمة الأوكرانية أعادت خلط أوراق النمو من جديد. وكانت قد كشفت الجائحة عن تصدّعات في الترابط الإقتصادي بين دول العالم، وتبعتها إرتدادات الحرب في أوكرانيا التي أدّت إلى أزمة كبيرة في الإمدادات الغذائية وأسواق السلع الأساسية»، ويُشير إلى أنه «مع إندلاع الحرب في أوكرانيا، شعر المستهلكون بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال إرتفاع أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية، جرّاء فرض عقوبات إقتصادية قاسية على روسيا»، لافتاً إلى أنه «بالإضافة إلى الإنعكاسات السلبية على كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، فسوف تخسر دول الاتحاد الأوروبي صادراتها إلى روسيا، والتي بلغت قبل بداية الأزمة الأوكرانية نحو 200 مليار دولار، وفي ظلّ تباطؤ معدلات النمو، فإنّ أزمة إرتفاع تكاليف المعيشة ستتفاقم».

ويُقدم د. وهبه مثلاً في هذا السياق قائلاً: «في ألمانيا، بلغ معدل التضخم عشية الأزمة الأوكرانية 5.2 %،  وفي بريطانيا 4.2 %. بيد أنه بعد الأزمة، وإذا إستمرت شهوراً عدة مقبلة، ومع الإجراءات الروسية المضادة والمتوقَّعة، فنحن إزاء معدلات للتضخم قد تزيد على 15 % في كثير من دول الإتحاد الأوروبي»، لافتاً إلى أنه «تبيَّن من أحدث الإحصاءات الروسية، أن دول الإتحاد الأوروبي إستوردت من الغاز الروسي خلال شهر واحد، بعد الحرب في أوكرانيا، ما يُساوي 10 مليارات يورو منذ 24/2/2022 حتى 20/3/2022، وإستوردت أيضاً من النفط بنحو 5 مليارات يورو، ومن الفحم ما يساوي 450 مليون يورو».

ويُشدّد د. وهبه على أن «الخسارة الأكبر، والتي لن تتحمّلها الإقتصادات الأوروبية، وإن بنِسَب متفاوتة بين دولة وأخرى، هي خسارة إمدادات الطاقة، التي تزيد على خمسة ملايين برميل يومياً، من النفط ومنتجاته»، مشيراً إلى أنه «حتى البحث عن بدائل بوجود التردُّد في تمويل النقص لدى بعض الدول المنتجة الكبرى، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومن قبلهما فنزويلا وإيران ، فإن ذلك سيؤدي إلى إرتفاع غير مسبوق في أسعار تلك المنتجات التي تمسُّ العصب الحساس للمواطنين في هذه الدول الأوروبية، ومنها سوف ينتقل الإرتفاع إلى قطاع النقل على نحو يؤدي إلى زيادة أسعار هائلة وواسعة في كل مستلزمات المعيشة. ويُقدَّر حجم هذه الخسارة على إقتصاد المواطنين في أوروبا بأكثر من 200 مليار يورو خلال الشهور الثلاثة الأولى، الممتدة من بداية الحرب إلى نهاية أيار/مايو 2022، وربما يتضاعف الرقم في حال إستمرّت الأزمة والعمليات الحربية ستةَ شهور».

 ويرى د. وهبه أن «الحرب الروسية – الأوكرانية ستفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، وستعيد صوغاً جديداً للمسرحين الجيوسياسيي والجيوإستراتيجي الدولي، ولأعوام طويلة مقبلة، وقد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلاّ أن هناك بالفعل علامات واضحة، على أن الحرب سيكون لها إنعكاسات جوهرية»، معتبراً أن «أهمها إعتماد روسيا لنظام SPFS بعد خروجها من نظام SWIFT المالي والذي بالإضافة إلى أنه قد يُساهم في حصول بطء شديد في عمليات الإستيراد عالمياً، فهو سيُساهم في المزيد من إرتفاع أسعار السلع في أوروبا التي يُتوقع أن ترتفع فيها معدّلات التضخم إلى أرقام قياسية، ولكن والأهم، قد تُعيد هيكلة النظام المالي الدولي، والنظام المالي العالمي بأكمله».

الحرب ليست حدثاً عابراً

قطب: الحرب الأوكرانية عوّقت التعافي وأوقعت أوروبا

في أزمة لا تقل فداحة عن جائحة كورونا

في الميزان الإقتصادي لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على دول أوروبا، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور مروان قطب لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «الحرب الروسية على أوكرانيا ليست حدثاً عابراً محصورة آثاره بدولتين، بل هي حرب لها بُعد إقليمي، ومنذ بدايتها كان الهدف منها هو حياد أوكرانيا، وعدم إنضمامها إلى حلف «الناتو» الذي يضم  دولاً غربية والولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن «الهجوم الروسي على أوكرانيا، أدى إلى أن كل الدول الغربية والأُوروبية تتجنَّد لمساعدة أوكرانيا بطريقة مدروسة، من دون أن تتورّط  مباشرة في الحرب، وتالياً هذه الحرب هي حدث عالمي، آثاره ليست محصورة بدولتين، إنما بالإقليم الأُوروبي والعالم، وكان له تأثير على الإقتصاد العالمي».

يضيف د. قطب: «هذه الحرب، سبّبت تضخماً كبيراً وإرتفاعاً في الأسعار، لأن روسيا، والتي هي الدولة المصدّرة الأُولى للغاز في العالم، وثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم، فُرضت عقوبات عليها، مما أدى إلى إرتفاع أسعار النفط (سعر البرميل الواحد) من 90 دولاراً إلى 140 دولاراً، وحالياً يبلغ سعره 108 دولارات، كما أن إرتفاع الغاز سيؤدي إلى إرتفاع الأسعار كافة، نتيجة إرتفاع أسعار كلفة النقل والانتاج».

ويوضح د. قطب أن «روسيا وأوكرانيا تمدّان العالم بـ 25 % من القمح العالمي، والحرب أدت إلى إرتفاع أسعاره، وهذا الأمر يُهدد الأمن الغذائي العالمي، وهناك دول لا تملك مخزوناً كافياً، وأمنها الغذائي مهدّد، كما أن روسيا وأوكرانيا تُنتج الأعلاف للدواجن والماشية، مما أدى إلى إرتفاع أسعار اللحوم. بمعنى آخر حصل تضخم عالمي، وهذا يعود إلى طبيعة الإقتصاد الأُوكراني والروسي»، مشدِّداً على أن «أوروبا تأثرت بالحرب بصورة كبيرة، لأنها تحصل على 40 % من إمدادات الطاقة من روسيا، وهناك دول مثل ألمانيا تستورد أكثر من 60 % من إمدادات الطاقة  التي تحتاجها من روسيا، كما أن دول تشيك وليتفيا يستوردان 95 % من حاجاتهما للطاقة من روسيا، وهذا يعني أن الإعتماد كبير عليها، كما أن روسيا لم تتوقف عن مد أوروبا بالغاز والنفط، لأنها بدورها تحتاج إلى هذا المردود المالي من أوروبا (700 مليون دولار من أوروبا) أي أن المصالح مشتركة بينهما».

ويرى د. قطب أن «كل هذه العوامل، جعلت الآثار للحرب الروسية على أوروبا شديدة جداً، وفي ما خص آثار كورونا على أوروبا، حيث تعرّضت لخسائر في الإنتاج وتراجع إقتصادي، نتيجة هذه الجائحة، وعرقلة سلاسل الإمداد وإنكماش النمو»، مشيراً إلى أن «هذه الآثار تراجعت في بداية العام الحالي إلى أن حصل رفع القيود عن المجتمعات الاوروبية والعالمية، وإعتماد خطط تعافي للتعويض عن الخسائر التي ألمّت بها بسبب كورونا، لكن الحرب الأوكرانية عوّقت خطوط التعافي الأُوروبية، وأوقعت أوروبا في أزمة  جديدة لا تقل فداحة عن أزمة كورونا».

ويعتبر د. قطب أن «القارة الأوروبية لديها مشاكل إقتصادية بنيوية، فهي تخلّت عن دورها كمصنّع للعالم، لمصلحة الصين ودول شرق آسيا، وباتت مختصّة بصناعات «الهاي تاك» – High Tech (تكنولوجيا حديثة عالية التقنية)»، مشيراً إلى أن القارة الأوروبية «تُعاني مشكلة الأمن المتعلق بالطاقة، لأنها تعتمد بشكل أساسي على إستيراد الغاز من روسيا، وهي لا يُمكنها التخلّي عن ذلك، وألمانيا مثلاً التي أوقفت المفاعلات النووية لديها، لإعتبارات بيئية، وُجدت في مأزق، ولا بُدّ من حلّ أمن الطاقة في أوروبا، وهذا سيُؤثر بصورة كبيرة جداً على روسيا، ومن بين الأفكار، اللجوء إلى النفط الإيراني والغاز القطري، وهذا سيكون له تأثير على روسيا، وتكاليف باهظة على أوروبا».

ويختم د. قطب قائلاً: «إن إستمرار الحرب، سيستنزف الإقتصاد الأوروبي، وسيُكبّده خسائر وأعباء، ومنها الدعم لإعادة إعمار أوكرانيا، لأن هناك مسؤولية أخلاقية على أوروبا، كونها الداعمة لها سياسياً، وهذا التأثير سيمتد إلى روسيا أيضاً، وهذا يعني أن الحرب سيكون لها تأثير سلبي على كل الأطراف».

 باسمة عطوي