«دافوس» يُحذّر من «ستار حديدي» إقتصادي وأزمة غلاء غير مسبوقة
كبار الشخصيات المشاركة في المنتدى الإقتصادي العالمي
«أوكرانيا، أوكرانيا، ثم أوكرانيا»، هكذا لخص مشارك مخضرم في المنتدى الإقتصادي العالمي محاور الملتقى للعام 2022. «الحرب في أوكرانيا لا تهدد أمن وحدود أوروبا فحسب، بل يلمس العالم تداعياتها المدمرة راهناً، من الخطر المحدق بالأمن الغذائي وتسريع التوجهات الحمائية، إلى بوادر الركود الإقتصادي الذي يُهدد كبرى الإقتصادات».
لقي هذا التحذير صدى واسعاً في المنتدى، إذ اعتبر «مجتمع كبار الإقتصاديين» في دافوس أن العالم «يسير بثبات نحو أسوأ أزمة غذاء في التاريخ الحديث»، وأن حرب أوكرانيا تهدد بتفاقم الجوع العالمي وأزمة غلاء معيشة غير مسبوقة.
كما دق الخبراء في تقريرهم السنوي ناقوس الخطر من قيام «ستار حديدي» إقتصادي وإرتفاع كبير في الأسعار، جرّاء توجه الشركات العالمية لإعادة تحديد سلاسل الإمداد وفق الخطوط الجيوسياسية.
ضيف شرف
لم يكن من المفاجئ تخصيص مؤسس المنتدى، كلاوس شواب، ترحيباً خاصاً بوفد أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، الذي حل ضيف شرف على «دافوس» هذا العام.
وفيّاً لأسلوب «الرئيس الجندي» الذي تميز به منذ أن شنّت روسيا «عمليتها العسكرية الخاصة» في 24 فبراير (شباط) 2022 ضد بلاده، خاطب زيلينسكي جموع «دافوس» مرتدياً زياً أخضر «شبه عسكري» ومحاطاً بأعلام أوكرانيا. وقال متحدثاً من وراء الشاشة: «يمرّ التاريخ بنقطة تحول… هذه هي اللحظة التي يتقرّر فيها ما إذا كانت القوة الغاشمة ستحكم العالم». وتابع: «القوة الغاشمة لا تناقش – إنها تقتل. وهذا ما تفعله روسيا في أوكرانيا اليوم».
فيما عبّر عن إمتنانه للدعم الذي تحظى به بلاده من طرف حلفائها، ناشد زيلينسكي بإرسال المزيد من الأسلحة وفرض عقوبات «قصوى» على موسكو. وقال: «أعتقد أنه ليست هناك عقوبات من هذا النوع على روسيا حتى الآن»، داعياً إلى إستبعاد موسكو تماماً من نظام التجارة الدولي، وحظر نفطها، وفرض عقوبات على جميع مصارفها، ووقف أي تبادل تجاري معها. واعتبر زيلينسكي أن السبيل الوحيد لتفادي صراع جديد في المستقبل هو عبر «معاقبة روسيا بشكل كامل». وقال: «إذا خسر المعتدي كل شيء، فإنه سيفقد الحماس لشن حرب».
وبينما تحركت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا لحظر النفط والغاز الروسيين، تسود إنقسامات في صفوف الإتحاد الأوروبي في شأن فرض إجراءات مماثلة، ولا سيما مع إعتماد دول مثل ألمانيا والمجر بشكل كبير على واردات الغاز الروسية.
وفيما عبّرت وزيرة الإقتصاد الأوكرانية لوليا سفيريدينكو، عن تفهمها لموقف أوروبا وأهمية تقدير التكلفة التي يُمكن أن تترتب عن عقوبات من هذا النوع على إقتصادها، إلاّ أنها ذكرت أن بلادها تعيش «حرباً حقيقية». وتابعت «تريد روسيا تدمير أوكرانيا وتُهدّد العالم بمجاعة، علينا أن نعزل روسيا تماماً عن العالم المتحضر».
الشيخ تميم: الوحدة أساس حل الصراعات
إلى جانب زيلينسكي، حظي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بترحيب خاص من طرف كلاوس شواب. وألقى كلمة سلّط فيها الضوء على الجهود التي تبذلها بلاده لتقريب وجهات النظر، وضرورة تحقيق التوازن بين حماية البيئة والأمن الطاقي، إلى جانب تطلّعات قطر من إستضافة كأس العالم.
وقال الشيخ تميم إنه «يجب علينا أن نوازن بحكمة بين الحاجة إلى الإهتمام بالبيئة، وتوفير أمن الطاقة للعالم في الوقت نفسه»، ما يتطلّب تنسيقاً وتعاوناً مكثفاً بين الحكومات والشركات وأصحاب المصلحة، معتبراً أن «الحرب في أوروبا عمّقت أزمة الطاقة حول العالم»، لافتاً إلى أن بلاده تُطبّق أحدث التكنولوجيا في إستخراج الطاقة للحفاظ على البيئة وتقليل إهدار الغاز.
إلى ذلك، دعا أمير قطر إلى «مراجعة وإصلاح وتعزيز إطار عملنا من أجل السلام»، مضيفاً «نحن بحاجة إلى إرسال رسالة تُعيد الطمأنينة للناس في جميع أنحاء العالم، مفادها أنه: فقط من خلال الوحدة يمكننا التغلب على الصراع الذي يقسمنا».
وفيما لفت الشيخ تميم إلى أن العقود الماضية شهدت تهميش دور الأمم المتحدة، وإنتهاك سيادة حكم القانون في العلاقات الدولية، عدّ الجلوس على طاولة الحوار «أفضل طريقة لحل الخلافات»، مستدلاًّ بما تم إنجازه في أفغانستان، ومؤكداً أن قطر تشجع عودة إيران والمجتمع الدولي للمفاوضات والإتفاق.
وعن الدور الذي لعبته قطر في أعقاب الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، قال الشيخ تميم: «إننا نجحنا في جهود الإجلاء من أفغانستان، لكن لا يزال أمامنا أمور بحاجة إلى الحل هناك»، مشدِّداً على «أننا نعمل مع حلفائنا في مهمات تسهيل السلام والإغاثة الإنسانية ومكافحة الإرهاب».
أما عن المفاوضات القائمة بين الدول الغربية وإيران حول إحياء الاتفاق النووي، قال: «إن الدوحة لا تقوم بدور رسمي للوساطة، وهي تحاول المساعدة وحثّ جميع الأطراف على العودة إلى الاتفاق النووي المبرم في العام 2015.
إلى ذلك، رأى أمير قطر أن العدوان العالمي في تصاعد، وبلغ ذروته في أوكرانيا. وقال إن قطر مستعدة للمساهمة في كل جهد إقليمي ودولي لإيجاد حل سلمي فوري للصراع بين روسيا وأوكرانيا، داعياً القادة إلى تذكر أزمات العالم «المنسية أو المهملة»، وإيلائها القدر عينه من الإهتمام والجهد الذي يبذله العالم لحل أزمة أوكرانيا، «لأن الناس جميعاً يستحقون السلام والأمن والكرامة».
واعتبر أمير قطر، فلسطين جرحاً مفتوحاً منذ إنشاء الأمم المتحدة، «فقد ظلّت هذه العائلات ترزح تحت الإحتلال منذ عقود، بينما لا يلوح أي مخرج في الأفق. وتوقف عند مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، التي قال إنها «حُرمت من جنازة تصون كرامة الموتى»، وإن مقتلها «لا يقل رعباً عن مقتل الصحافيين السبعة في أوكرانيا، والـ18 في فلسطين منذ عام 2000».
وعن تنظيم كأس العالم في قطر، قال الشيخ تميم: «نعمل بكل جهد حتى يتيح هذا الحدث الرياضي الكبير لمنطقتنا بأكملها فرصة لإستضافة العالم. إن الشرق الأوسط يعاني التمييز منذ عقود، معتبراً أن مثل هذا التمييز ينطلق إلى حد كبير من أشخاص لا يعرفوننا، وفي بعض الحالات، يرفضون محاولة التعرف علينا».
عواقب بشرية وخيمة
إلى جانب الدعوات إلى إقرار الأمن والاستقرار، شهد اليوم الأول من أعمال «دافوس» تحذيراً صارماً من العواقب البشرية المدمّرة لتفكك الإقتصاد العالمي.
ودق مجتمع كبار الإقتصاديين التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، ناقوس الخطر جرّاء إنخفاض النشاط الإقتصادي وإرتفاع التضخم وإنخفاض الأجور وزيادة إنعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم في العام 2022.
وتوقع المنتدى أن يُواجه كل من قطاع الأعمال والحكومات خيارات صعبة، قد تقود إلى مزيد من التفكك وتحوّلات غير مسبوقة في سلاسل التوريد، محذراً من أن هذه الأنماط ستخلق أجواءً متقلبة وحالة من عدم اليقين، وتحمل تكاليف بشرية «صادمة».
وحذَّر المنتدى في تقريره حول التوقعات الإقتصادية، من «ستار حديدي» إقتصادي وإرتفاع كبير في الأسعار، مع إعادة الشركات العالمية تحديد سلاسل الإمداد لتتماشى وفق التصدعات الجيوسياسية الجديدة.
وربط خبراء المنتدى تراجع الأمن الغذائي بالحرب في أوكرانيا، متوقعين أن تؤدي هذه الحرب إلى تفاقم الجوع وأزمة غلاء معيشة غير مسبوقة، مع زيادة متوقعة في أسعار القمح تتجاوز 40 % هذا العام، وإرتفاع أسعار الزيوت النباتية والحبوب واللحوم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وتوقع كبار الإقتصاديين أن يكون إنعدام الأمن الغذائي أكثر حدة في أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، محذرين من أنه وفق المسار الحالي، يسير العالم بثبات نحو أسوأ أزمة غذاء في التاريخ الحديث، مصحوبة بضغط إضافي ناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة.
وخلص المنتدى إلى أن الإقتصادات النامية تواجه مقايضة بين مخاطر أزمة الديون من جهة، وتأمين الغذاء والوقود من جهة أخرى، فيما ستستمر الأجور في التراجع في الإقتصادات ذات الدخل المرتفع والمنخفض على حد السواء.