قالت دراسة حديثة لمعهد الدراسات المصرفية بعنوان «الشمول المالي ومحو الأمية المالية في الكويت»، حصلت القبس على نسخة منها إن مصطلح «الشمول المالي» يشير إلى مدى حصول سكان دولة ما واستخدامهم للخدمات المصرفية، بأسعار في المتناول، مثل الإيداعات، الاقتراض، وإرسال وتلقي التحويلات المالية كالدفعات والرواتب.
وأوضحت أن مستويات الشمول المالي في الكويت تتساوى مع المستويات السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتسبق المتوسط العالمي في هذا المجال، لكنها تقبع خلف المستويات السائدة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ذات الدخل المرتفع. فعلى سبيل المثال، ووفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2014، يمتلك %72.9 من سكان الكويت حسابات مصرفية خاصة، مقابل المتوسط البالغ %74.5 في دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء الكويت)، و%94 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع، و%62 على مستوى العالم. وحتى يتسنى رفع مستوى الشمول المالي في الكويت، يتطلب الأمر الوصول إلى المزيد من النساء، إضافة إلى الشرائح التي تحظى بقدر أقل من التعليم ضمن سكان الكويت.
ومقارنةً بدول مجلس التعاون الخليجي، ووفقاً لبيانات عام 2014، تتمتع الكويت بأداء قوي فيما يتعلق بالشمول المالي للنساء. ورغم ذلك، يمتلك 79.3% من الرجال في الكويت حسابات مصرفية، بينما تمتلك %64 من النساء حسابات مصرفية، أي إن الفجوة تبلغ %15.3، بينما تبلغ الفجوة بين النوعين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع %0.5.
التحصيل العلمي
ويبدو أن التحصيل العلمي يمثل أحد العوامل الأقوى في تحديد مدى الشمول المالي في الكويت، مقارنةً بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات 2014 إلى أن %47.7 من المقيمين في الكويت من الحاصلين على تعليم ابتدائي فقط يمتلكون حسابات مصرفية، مقابل %75.6 من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، أي إن الفجوة تبلغ %27.9. وتشير بيانات الدراسة المسحية التي أجراها معهد الدراسات المصرفية إلى أن تدني مستويات الخدمة لدى المقيمين الحاصلين على قدر أقل من التعليم قد يكون مرتبطاً بتدني الخدمة نسبياً لدى المقيمين من غير المواطنين.
وأوضحت الدراسة المسحية العالمية للمعرفة المالية التي أجرتها وكالة «ستاندرد آند بورز» أنه رغم ارتفاع مستوى المعرفة المالية في الكويت مقارنةً بكل من البحرين والسعودية والإمارات، فإن المستوى العام لإدراك المفاهيم المالية الأساسية لا يزال متدنياً. وقد عبرت العديد من البنوك عن رغبتها في العمل سوياً بهدف تعزيز الجهود الرامية إلى رفع مستويات المعرفة المالية. ونرى – في هذا الصدد – أنه يمكن لبنك الكويت المركزي أو معهد الدراسات المصرفية العمل على تنسيق تلك الجهود.
وأوضحت بيانات البنك الدولي أن %31.5 من المقيمين في الكويت ربما ليست لديهم القدرة على الوصول إلى الأموال في حالات الطوارئ، مقارنةً بنسبة %24.8 في باقي دول مجلس التعاون الخليجي، و%15.6 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع. وبالمثل، يقبل %25.5 فقط من سكان الكويت على التوفير لدى المؤسسات المالية، مقابل %51.6 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع. وقد تستلزم التحديات الديموغرافية في المستقبل تحمل الكويتيين لقدر أكبر من المسؤولية المالية، أي تخفيض حجم الاقتراض ورفع مستوى الادخار للتقاعد. ويُعتبر رفع مستويات المعرفة المالية جزءاً أساسياً في الاستعداد لمواجهة تلك التغيرات. تجدر الإشارة إلى أنه رغم تساوي الاقتراض من مؤسسات مالية مع سنغافورة، يميل سكان الكويت إلى اقتراض مبالغ كبيرة من مصادر غير مصرفية.
الشمول المالي من حيث النوع والدخل والعمر
يأتي أداء الكويت أفضل من حيث المساواة بين النوعين، مقارنةً بمتوسط دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى وجه الخصوص، يُعتبر أداء الكويت أقوى من حيث الاقتراض من مؤسسة مالية، حيث يسود قدر أكبر من المساواة بين النوعين في هذه الفئة، مقارنةً بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع. وبالنسبة لاحتفاظ الشخص بحساب مصرفي وحصوله على بطاقة صرف آلي باسمه، ورغم أدائها الجيد، فإن الكويت لا تزال تقبع خلف مستوى المساواة بين النوعين المسجل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل الأعلى.
رغم تقدم الكويت على المتوسط العالمي، فإنها تقبع خلف دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وإن كان بمقدار ضئيل، في ما يتعلق بالتوازن النسبي بين الأغنى والأفقر في كل من تلك الدول. وينعكس ذلك بشكل أكبر في امتلاك حساب لدى مؤسسة مالية.
وربما تجدر الإشارة على وجه التحديد إلى أداء سنغافورة، حيث إن التفاوت بين الأغنى والأفقر أقل مما هو عليه الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع، وليس ذلك فحسب، بل إنه في حالة واحدة، وهي الاقتراض من مؤسسة مالية، تُعتبر الشريحة الأفقر والبالغة نسبتها %40 أكثر نشاطاً من الشريحة الأغنى البالغة نسبتها %60. وفي بعض الأحيان هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، حيث إن الشرائح الأفقر في المجتمع، على الأقل من الناحية النظرية، هي التي يُفترض أن تحتاج إلى الائتمان للقيام بالمشتريات، خاصة السلع المعمرة المرتفعة الثمن، مثل السيارات أو الأجهزة الكهربائية (مثل الثلاجات والفريزرات وغيرها). ومع افتراض ثبات جميع العوامل الأخرى، فلا يمكن الحصول إلا على هذه المخرجات نظراً إلى أن الشرائح الأفقر في المجتمع لا تزال تحصل على دخل كبير، مما يجعل تلك الشرائح عملاء موثوقين لدى البنوك. وفي المقابل، يستلزم ذلك نظاماً متقدماً لدرجات الائتمان وإدارة المخاطر، وذلك للتأكد من إمكان السداد.
ويمتلك %63 من الشباب البالغين في الكويت حساباً مصرفياً، مقارنةً بنسبة %84 من الشباب البالغين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع.
وقد يُعزى ذلك إلى العديد من الأسباب الثقافية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، فإن الدرجات الائتمانية الأقل بشكل ملحوظ قد تعكس المستوى الأقل نسبياً من المعرفة المالية لدى سكان الكويت من الشباب، مقارنةً بأقرانهم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذات الدخل المرتفع وسنغافورة.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن أداء الكويت يُعتبر الأفضل من الجميع في ما يتعلق باقتراض الشباب البالغين من المؤسسات المالية. وينبغي أن يكون ذلك موضع ترحيب من معظم الجوانب، رغم ما يثيره ذلك من قضايا تتعلق بالمستويات العامة للاقتراض الشخصي في الكويت.
الكويتيون مقابل غير الكويتيين
وكما أشرنا، فإن أوجه التفاوت في الشمول المالي على أساس التحصيل العلمي قد تكون مرتبطةً بوضع الإقامة، أي ما إذا كان الفرد مواطناً كويتياً أم لا. ورغم حصولنا على ردود من مجموعة فرعية من البنوك، فإن دراستنا المسحية توفر أدلةً سردية لتأييد هذه الافتراضات. وعلى وجه الخصوص، تشير العينة التي قمنا بجمعها إلى أن عدد الحسابات المصرفية التي تخص مقيمين في الكويت من غير المواطنين، تزيد بمقدار 1.65 مرة عن عدد الحسابات المصرفية التي تخص مواطنين كويتيين، إلا أنه وفقاً للإدارة المركزية للإحصاء لعام 2011، هناك عدد من المقيمين غير الكويتيين يبلغ ضعف عدد المواطنين الكويتيين.
ورغم أن ذلك يبدو غير مستقيم من الناحية الإحصائية، نظراً إلى حجم العينة، فإن هذه النتيجة تؤيد وجهة النظر القائلة بأنه حتى يتسنى زيادة الشمول المالي في الكويت، فإن الأمر يستلزم التركيز بشكل أكبر على شمول المقيمين غير الكويتيين. لا محالة أن الشمول المالي والمعرفة المالية هما عنصران مرتبط بعضهما ببعض، حيث إن إدراك أنواع الخدمات التي يقدمها بنك ما يعتبر شرطاً مسبقاً للاستفادة من تلك الخدمات. إلا أن المعرفة المالية هي أكثر من مجرد مسار نحو المستويات الأعلى من الشمول المالي. فعلى أي حال، هناك ملايين المستفيدين من الخدمات المالية (المودعين والمقترضين) الذين يحظون بفهم ضئيل لعملية التمويل. فعلى سبيل المثال، لولا تقدير الآثار المتراكمة لأسعار الفائدة، فإن تزايد الوصول إلى عمليات الاقتراض من البنوك يمكن أن يؤدي إلى قرارات قد تزيد من أعباء المقترضين وتحميلهم المزيد من الديون، الأمر الذي يعرِّض استقرار القطاع المالي إلى مخاطر أعلى. ورغم كتابة العديد من المؤلفات حول دور ممارسات الإقراض العديمة الضمير في الولايات المتحدة، التي أدت إلى الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008، فقد كان هناك قدر ضئيل من المقالات التي كُتبت عن إخفاق الحكومة في توعية المقترضين المرتقبين بالمخاطر والعثرات المرتبطة بعملية الاقتراض.
وجاء أداء الكويت جيداً مقارنةً بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، والعالم. ورغم أن الكويت لا تزال تقبع خلف الدول الكبرى ذات الاقتصاد المتقدم، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن المعرفة المالية في تلك الدول لا تزال تعتبر غير شاملةٍ تماماً.
وبافتراض بقاء العوامل الأخرى كما هي، فإننا نرى أن الجهات الرقابية وجهات صنع السياسة في الكويت ينبغي عليها النظر إلى تلك النتائج باعتبارها الحافز لمضاعفة الجهود الرامية إلى تحسين المعرفة المالية.
ويمثل إدراك المفاهيم المالية الأساسية عنصراً مهماً في عملية اتخاذ القرارات الحكيمة. فعلى سبيل المثال، لا يفهم الكثير من مستخدمي بطاقات الائتمان القصيرة الأجل فهماً تاماً أن سرعة تراكم الفوائد يمكن أن تؤدي إلى تضخيم المبالغ التي في ذمتهم.
بنود ضرورية لتقييم الجدارة الائتمانية لمحدودي الدخل
قالت دراسة معهد الدراسات المصرفية إنه بافتراض أن البنوك التجارية في الكويت ترغب في إقراض العناصر الأكثر فقراً من سكان الكويت، فينبغي عليها العمل جنباً إلى جنب مع الساي-نت (شركة شبكة المعلومات الائتمانية) للتأكد من جمع البيانات حول كل عمليات الاقتراض الرسمية، إضافة إلى احتواء نظام التصنيف الائتماني في جميع أنحاء البلاد أيضاً على بيانات أخرى مثل سداد فواتير الهاتف النقال والمخالفات المرورية واستهلاك الكهرباء والإيجارات. وهذه البنود الأخيرة تُعتبر ضروريةً بشكلٍ خاصٍ لتقييم الجدارة الائتمانية للمجموعات ذات الدخل المحدود.

دراسة لمعهد الدراسات المصرفية حول الشمول المالـي
Arabic News
(القبس)-20/07/2017