دور جديد للأدوات المالية في ظل الازمة في لبنان
ما تأثير ها على الشمول المالي وعمليات غسل الأموال؟
لم تترك الأزمة المالية والنقدية التي تضرب لبنان منذ تشرين الأول/ أوكتوبر 2019 أيّ أداة أو تفصيل مالي، إلا وتركت أثرها البالغ عليه، ومن هذه الأدوات، البطاقات الإئتمانية وبطاقات السحب من الصرّاف الآلي، إذ أحالت الأزمة النقدية بطاقات الإئتمان إلى التقاعد «المبكر» بسبب تراجع توافر الدولار في الأسواق إلى حد كبير، ما عدا تلك التي يتم «تغذيتها» مسبقاً بالدولار «الكاش» في لبنان، ليُصار إلى إستخدامها خارج الحدود، أما بطاقات السحب الآلي بالليرة اللبنانية، فقد زاد عددها بسبب الأزمة المالية أولاً، وإجراءات كورونا ثانياً، التي فرضت على المصارف الإقفال، وعدم الإختلاط، لتكون المحصّلة أن الأزمة المالية العاصفة التي تضرب لبنان، غيّرت خريطة إستعمال البطاقات الإئتمانية، لتتناسب مع متطلباتها، وتالياً أدت إلى تراجع مرتبة لبنان على صعيد التطور المصرفي.
د. غبريل: دور جديد للبطاقات
أزمة السيولة غيرت خريطة إستعمال البطاقات الإئتمانية
بسبب المشاكل المالية والنقدية في لبنان
إذاً، دور جديد بات للأدوات المالية والبطاقات في ظل الأزمة المالية، مع الحفاظ على مكانتها كأحدى الادوات المالية المستعملة، وهذا ما يُشير إليه الخبير الإقتصادي الدكتور نسيب غبريل لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية»، إذ يشرح أن «بطاقات الدفع الصادرة في لبنان بلغت مليونين و754 ألف بطاقة في آخر آذار/مارس 2021، وهذا شكَّل تراجعاً بنحو 80 ألف بطاقة مقارنة بالعام 2020 وبتراجع 260 ألف بطاقة عن آذار/مارس 2020 ، بينما في آذار/مارس 2020 إرتفعت هذه البطاقات إلى 177450 بطاقة عن العام 2019»، مشيراً إلى «أن 90 % من هذه البطاقات هي لمقيمين في لبنان، كما شكلت بطاقات الدفع مع المقيمين نحو 64 % من المجموع، والبطاقات المدفوعة سلفاً نحو 19 % والبطاقات الإئتمانية 11,4 % (للمقيمين).
أما البطاقات المدفوعة مسبّقاً، فقد إرتفع عددها إلى نحو 30 ألف و650 بطاقة (المقيمين) بين آذار/مارس 2020 وآذار/مارس 2021، بينما البطاقات الإئتمانية مع المقيمين تراجعت إلى 174000 بطاقة أي 36 % في الفترة نفسها».
ويضيف د. غبريل: «هذا الأمر حصل، لأن مع بداية الأزمة، وزيادة القيود على السحوبات بات المودعون يطلبون بطاقات سحب (ATM) وبطاقات دفع بالليرة اللبنانية، مقابل وقف إستخدام البطاقات الإئتمانية بالدولار والعملات الاجنبية، وهذه الخدمة شبه متوقفة في لبنان إلاّ من خلال تغطيتها بـ «الكاش» وfresh dollars ليُصار إلى تغطيته في المصارف الخارجية، وهذا سببه أزمة السيولة في الإقتصاد اللبناني، التي غيّرت خريطة إستعمال البطاقات الإئتمانية بسبب الأزمة المالية والنقدية في لبنان».
ويوضح د. غبريل أنه «حين يكون هناك أزمة سيولة ووقف التعامل ببطاقات الإئتمان بالعملات الأجنبية، وهذا يعكس الأزمة وتداعياتها قاسية على المصارف، من دون أن يكون هناك علاقة بين تغطية هذه البطاقات وfresh dollars تمهيداً لإستعمالها في الخارج وبين عمليات تبييض الأموال. فهذه البطاقات توقف العمل فيها بسبب الأزمة، في حين أن بطاقات سحب الأموال (ATM) وبطاقات الدفع بالليرة، زاد عددها في بداية الازمة، كي تُوفر على الناس إستخدام السيولة بالليرة اللبنانية».
حمود: الفصل بين الدولار الداخلي والدولار الخارجي
لبنان في ظل الازمة الحاصلة تحت المجهر لأن هناك
خطورة كبيرة أن تتحول السوق النقدية إلى سوق تبييض أموال
من جهته، يتناول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ملف الأدوات المالية، بما تشمل بطاقات السحب والبطاقات الإئتمانية من زاوية أخرى، ويشرح لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية»، أن «البطاقات الإئتمانية كان هدفها تاريخياً إستبدال عمليات الدفع نقداً بالدفع الإئتماني، وقد تم توسع مجالاتها لتشمل credit card وdebit card وcharge card بهدف جعل عملية حمل النقود «الكاش» أقل، وهذا يعني أن طبع أوراق العملة أقل، بالإضافة إلى أن الدفع الإئتماني أكثر فائدة للإقتصاد».
ويضيف حمود: «في لبنان المسألة مختلفة، إذ لم ينكفئ الدفع الإئتماني عبر البطاقات، لأن المصارف تأخذ رخصة من شركات البطاقات الإلكترونية (ماستر كارد وفيزا)، وتنضم إلى شبكتها عبر «السيرفر» – server الخاص بها عالمياً، مما يُمكّن العميل من الدفع عبر البطاقة في كل أنحاء العالم. ويقوم المصرف الذي منحه البطاقة بتغطية هذا الرصيد»، شارحاً أن «الخلاف الذي حصل في لبنان هو أن المصارف التي تُعطي بطاقات لمودعيها يُمكّنها الدفع بدولار خارجي، في الوقت الذي تقوم المصارف بتقييد حركة الدولار الداخلي، مع الإبقاء على حركة الدولار الخارجي، لذلك يُمكن لبطاقة (credit card) أن تبقى مستمرة، إذا تم تأمين الدفع بالدولار الخارجي، لذلك قامت المصارف بالإتفاق مع شركات البطاقات بالسماح للمودع بإستعمال البطاقات داخلياً (وفقاً للدولار الداخلي)، لكن خارجياً لا يُمكنها إستعمالها إلا بمبالغ ضئيلة جداً، وفي حال أراد المودع زيادة المبلغ عليه تغطيته مسبقاً بـ «الكاش».
ويرى أن «المشكلة الأساسية في بطاقات الدفع، هي الفصل ما بين الدولار الداخلي والدولار الخارجي، في تسديد وإستعمال البطاقات الإئتمانية، ما أدى إلى تقليص حجم إستعمالها بالعملة الاجنبية، مما أدى إلى تراجعنا مصرفياً، بدل أن نتقدم في أدوات الدفع».
وهل هناك علاقة بين تراجع إستخدام هذه الأدوات المصرفية على عمليات تبييض الاموال؟ يجيب حمود: «لا علاقة لعدم إستعمال هذه البطاقات بزيادة عمليات تبييض الأموال، لأنه يُمكن القيام بعمليات تبييض الأموال عبر إستعمال هذه البطاقات، في حال قبلت المصارف اللبنانية بتغذية هذه البطاقات بالدولار «الكاش» داخلياً، لإستعمالها خارجياً، من دون معرفة مصدر هذه الدولارات، وهذا يُشكل باباً أوسع لتبييض الأموال».
ويرى حمود أن «المشكلة ليس في إستعمال البطاقات الإئتمانية يُمكن محاربة تبييض الأموال، بل بمعرفة كيفية تسديد المبالغ التي تحتويها هذه البطاقات لتبييض الأموال، من دون معرفة مصدر الاموال الموضوعة وهذا تبييض بأعلى درجاته»، مشدِّداً على أن «لبنان في ظل الأزمة الحاصلة، لا شك في أنه تحت المجهر، لأن هناك خطورة كبيرة أن تتحول السوق النقدية إلى سوق تبييض أموال، والسؤال هل هناك شركات لبطاقات إئتمانية في لبنان، يُمكنها أن تُحول «الكاش» في لبنان إلى دولار خارجي، عندها تُصبح الأمور مفتوحة؟».
ويُرجع حمود تراجع إستعمال البطاقات الإئتمانية إلى «سببين، الأول هو أن هناك فصلاً ما بين الدولار الداخلي، الذي لم يعد يستعمل في البطاقات الإئتمانية خارج البلاد، والدولار النقدي الذي يُمكّن المودع من إستعمال البطاقات الإئتمانية الخارجية»، مشيراً إلى أن «أي بطاقة يُمكن أن تمنح للمودع في لبنان، هناك مسؤولية مضاعفة من التحقق من عمليات تبييض الأموال من خلال معرفة مصدرها، وإلاّ ستكون سبباً أساسياً بإتهام لبنان بتبييض الأموال».
وهل هناك علاقة بين تراجع دور هذه الأدوات المالية، وبين تحقيق مفهوم الشمول المالي؟ يجيب حمود: «الشمول المالي هو أن يتمكن كل الناس من الدخول إلى القطاع المصرفي، وإجراء كل عملياتهم النقدية عبر المصارف، ولبنان يعاني راهناً، تراجع الشمول المالي، والمصارف لا تفتح حسابات جديدة للمودعين، بل تُريد تقليص هذه الحسابات، وهذا ما يُصيب الشمول المالي بالعمق، ولم نعد قطاعاً مصرفياً متطوراً، حتى نتمكّن من التطرّق إلى الشمول المالي الذي هو ظاهرة من ظواهر تطوير العمل المصرفي، ونحن نعاني راهناً من عملية تخلُّف في العمل المصرفي».
عاكوش: «الكاش» يزيد فرص التزوير وتبييض الأموال
إستعمال «الكاش» يُقلِّل من الرقابة المصرفية
ما يُساهم في زيادة إحتمالات عمليات غسل الاموال وتمويل الإرهاب
أما الخبير الإقتصادي عماد عاكوش فيلفت إلى مفاعيل عدم إستخدام البطاقات الإئتمانية والأدوات المالية من زاوية أخرى، ويقول لـ مجلة «إتحاد المصارف العربية»: «إن عدم إستعمال البطاقات الائتمانية له مفاعيل سلبية، أولها زيادة حجم الكتلة النقدية المتداولة بين الناس، وهذا يؤدي إلى زيادة عمليات المضاربة على العملة الوطنية وعملية التزوير لليرة، لأنه كلّما زاد إستعمال «الكاش»، كلّما زادت إحتمالات اللجوء إلى تزوير العملة».
يضيف عاكوش: «إن إستعمال «الكاش»، يُقلِّل من إمكانية التعقب والرقابة المصرفية، وهذا ما يُساهم في زيادة إحتمالات عمليات غسل الأموال وتبييضها وتمويل الإرهاب، لأنه من الصعب القيام برقابة العمليات النقدية، بينما هذا الأمر متاح للعمليات الإئتمانية، ومن السهل تتبع مصادرها»، مشدداً على أن «المطلوب إعادة الإعتبار للبطاقات الإئتمانية، والتداول فيها مصرفياً من خلال البطاقة التمويلية التي إقترحتها الحكومة مثلاً، ويُمكن إستعمالها لتسديد المدفوعات، وبهذه الطريقة نكون قد ساهمنا في تخفيف حجم الكتلة النقدية في السوق اللبنانية».
ويشير عاكوش إلى أن «إستعمال «الكاش» يُعزز وجود كتل نقدية كبيرة بين أيدي المواطنين، ما يُؤدي إلى زيادة طباعة العملة الوطنية لتلبية حاجات السوق من «الكاش»، وهذا له مفاعيل سلبية على تخفيض حجم الكتلة النقدية، وزيادة التضخم، بالإضافة إلى غياب إستعمال الشيكات المصرفية، وهذا يضع لبنان في مرتبة متراجعة نقدياً، ويُحوّل المصارف إلى مجرد خزنات للمودعين والتجار».