16 دولة عربية بدأت خطواتها نحو الإقتصاد الرقمي
فهل سيقف «كوفيد -19» عائقا أمام تقدمها؟
لم تُقتصر أهمية التحول الرقمي في البلاد العربية الذي بدأ في السنوات الماضية على خلق تنوع في القطاعات الإنتاجية، وعدم الإتكال على مصدر دخل واحد لتغذية الخزائن العامة لهذه الدول ولا سيما الدول الخليجية التي إعتمدت لفترة طويلة على عائدات النفط كمصدر أساسي لدخلها القومي، بل إن هذا التحول أسهم في الحد من تداعيات إنتشار وباء كورونا أو Covid-19 على إقتصاداتها خلال العام الماضي، وشكّل منفذاً يُمكن الرهان عليه مستقبلاً في ظل الحاجة إلى تنويع الإقتصادات العربية، والتخفيف من حدة تأثرها بالصدمات في الأسواق العالمية للنفط، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية والتنافسية وزيادة مستويات مرونة هذه الإقتصادات، وقدرتها على تحقيق نقلة نوعية ومتسارعة في الأداء الإقتصادي، لتوفير المزيد من الوظائف للأجيال الشابة المتزايدة التي تلتحق بسوق العمل سنوياً.
إذاً، تزامن إنتشار فيروس كورونا مع تطورات في الإقتصاد الرقمي (القطاعين العام والخاص) في العديد من الدول العربية تماشياً مع التطورات الرقمية المتسارعة التي يشهدها الإقتصاد العالمي، لذلك من المشروعية البحث عن مدى تطور الإقتصاد الرقمي في الدول العربية، في ظل إنتشار كورونا، وعمّا إذا كان عائقاً أم محفزاً للتطور، وعن إمكانات هذه الدول لجهة إمتلاكها بنية تحتية قادرة على تحمل هذا الكمّ من الرقمنة والمخاطر المتأتية على هذا الموضوع، وإنعكاس هذا التحول على التنوع الإقتصادي فيها. كما من المفيد إلقاء الضوء على خدمة الإقتصاد الرقمي للشمول المالي ومخاطره على المصارف التقليدية.
التحوُّل الرقمي في الدول العربية بدأ منذ 2003
في لغة الارقام أظهرت دراسة لصندوق النقد العربي صدرت في العام 2020، أن دولاً عربية عدة بدأت تخطط لدخول الاقتصاد الرقمي منذ مطلع الألفية الثالثة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حيث وضعت خطة تم تنفيذها على مرحلتين، الأولى بدأت في الأعوام 2006-2010 والمرحلة الثانية في 2012-2016، وتبعها العديد من الدول العربية هي: الأردن 2019/ الإمارات 2019-2020 /البحرين 2020-2022 /تونس 2020/ السودان 2016-2020 / سوريا 2009 (الأوضاع الامنية حالت دون إكمالها)/ العراق تبنّى الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني/ عُمان تبنّت إستراتيجية التحول الرقمي منذ العام 2003 / فلسطين في العام 2019 / قطر في العام 2020/ جزر القمر تبدأ الإستراتيجية بين عامي 2028-2030 / لبنان أقرّ إستراتيجية التحول الرقمي 2018 / مصر في العام 2019 / المغرب في العام 2020 / الصومال 2019-2024.
خطوات واعدة
كل ما سبق، يعني أن العديد من الدول العربية سجلت خطوات واعدة على صعيد الولوج إلى عصر الاقتصاد الرقمي، فهل يُمكن أن يُشكل Covid-19 عائقاً أمام إكمال مسيرتها أم العكس؟
أفيوني: الدول العربية كانت جاهزة لمواجهة تداعيات 19-covid
وباشرت مبكراً في التحول الرقمي
ما أدى إلى نمو ملموس في الإقتصاد الرقمي
في هذا الاطار، يشرح وزير الدولة لشؤون الإستثمار والتكنولوجيا في لبنان، سابقاً، والخبير الإقتصادي عادل أفيوني لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «خلال فترة إنتشار فيروس Covid-19 حصل تسريع لنمو الإقتصاد الرقمي في الدول العربية كافة، ولا سيما في الدول التي إعتمدت التحول الرقمي بشكل مبكر في القطاع العام، وبإشراف من القيادات في هذه الدول، بحيث صار هناك مشاريع متقدمة جداً، وكانت جاهزة لمواجهة مثل هذه التحديات، وعلى الاخص المملكة العربية السعودية، والامارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ومعظم دول الخليج»، لافتا إلى أن «هذا التسريع أدى إلى تحول خدمات اقطاع العام إلى خدمات رقمية، وساهم في خلق حكومات رقمية تلبي حاجات المواطنين والمؤسسات، وهذا ما كان له مفعول إيجابي جداً على خلق فرص عمل، وإستقطاب شركات ومشاريع إلى هذه الدول، وتُرجمت عملياً خلال فترة Covid بنمو في هذه المجالات، نظراً إلى حاجة المواطنين لها. وفي الخلاصة، نعم الدول العربية كانت جاهزة لمواجهة تداعيات Covid وباشرت مبكراً في التحول الرقمي، وإستطاعت تلبية الخدمات الادارية لمواطنيها عن بُعد، وما هذا ما أدى إلى نمو ملموس في الإقتصاد الرقمي».
يضيف الوزير السابق أفيوني: «على صعيد القطاع الخاص، فإن دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، بنت سياسات إستقطاب الشركات الناشئة من الخارج، ومنحهم البيئة الحاضنة والتسهيلات، وإستقطاب رواد الاعمال، وإعطاءهم تسهيلات للإستثمار والنمو، وهذه السياسات بدأت في هذه الدول منذ فترة، وأثمرت نمواً ملحوظا في هذه الشركات في الفترة الاخيرة، نظراً إلى إزدياد الطلب على هذه الشركات والحاجة لها نتيجة Covid»، مشيراً إلى «أن الدول العربية التي باشرت مبكراً في التحول الرقمي سواء في القطاعين العام أو الخاص، كانت جاهزة لمواجهة Covid، وإستفادت من هذا الإستعداد بتسجيل نمو ملحوظ بالإقتصاد والخدمات الرقمية، وتأسيس الشركات ونموها في هذا القطاع».
ويشدد أفيوني على «أن معظم الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والامارات وقطر والكويت والبحرين، يُركز على عملية تنوع الإقتصاد، وعدم الإتكال على قطاع النفط بشكل خاص، ولذلك ما شهدناه من نمو في الإقتصاد الرقمي، وإنعكاساته هي خطوة أساسية لتحقيق هذا التنوع في بنية الإقتصاد في هذه الدول، والجهوزية أتاح لها الإستفادة من الظروف الخاصة التي خلقها Covid في سوق العمل، لزيادة حصة الإقتصاد الرقمي في حجم النمو، وتالياً تؤدي إلى تطوير بنية الإقتصاد نحو إقتصاد متنوع أكثر».
التحوُّل الرقمي والشمول المالي
والسؤال الذي يُطرح هنا، هل إستفاد القطاع المصرفي من التحول الرقمي، ولا سيما على صعيد تطبيق الشمول المالي؟ يجيب أفيوني قائلاً: «إن جزءاً مهماً من الإقتصاد الرقمي هو الخدمات المالية الرقمية أو قطاع التكنولوجيا المالية Fintech، حيث هناك مصارف رقمية، وخدمات الدفع والتحويل تصبح رقمية، وهذه الخدمات جزء من الشركات الناشئة في هذا القطاع، وهي تنافس المصارف، وتأخذ من دورها، وتساهم في الشمولية المالية، لأنها تستقطب كثيراً من العملاء الذين لا يتعاملون مع المصارف، ولا يملكون حسابات مصرفية، ولا شك في أن هناك تحولاً مهماً جداً في القطاع المصرفي، عبر نشوء شركات التكنولوجيا المالية Fintech، والخدمات المالية الرقمية، ومنافستها للمصارف في إستقطاب العملاء وتقديم الخدمات».
يضيف أفيوني: «هناك ردات فعل من المصارف، وهي تُحاول بناء خدمات رقمية فعالة ومتطورة داخل المصارف، وتأسيس مصارف رقمية تابعة لها، لتقديم هذا الخيار لعملائها والمحافظة على السوق، والحد من المنافسة مع الخدمات المالية الرقمية».
في المقابل يشدد أفيوني على «أن الهيئات الرقابية والمصارف المركزية، تُراقب هذا التحول عن كثب، لأن التطور في الخدمات المالية الرقمية، وظهور المصارف الرقمية والشركات التي تتعامل بالخدمات المالية الرقمية Fintech، يجب أن يلتزم معايير الرقابة عينها التي تسري على الخدمات والعمليات المالية، والتي تقوم بها المصارف التقليدية».
ويختم أفيوني: «إن الهدف من هذه الرقابة، لكي لا يكون التطور المالي الرقمي على حساب المعايير، التي من الضروري إتباعها في القطاع المالي والمصرفي، وتحديداً حيال عملية مراقبة تبييض الأموال أي تحويل الأموال بطريقة شفافة».
الرقمنة والخدمات المصرفية في الدول العربية
بردى: تلعب وحدة التحول الرقمي في إتحاد المصارف العربية
دوراً ريادياً في صوغ المستقبل الرقمي للقطاع المالي العربي
يتناول المستشار الرئيس ورئيس وحدة التحول الرقمي للقطاع في إتحاد المصارف العربية المهندس سليمان بردى تأثير إنتشار Covid-19 على التحول الرقمي في الدول العربية من زاوية القطاع المالي، ومساهمة إتحاد المصارف العربية في هذا التحول ، إذ يشرح لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «مع إنتشار الفيروس، زادت القناعة على مستوى العالم ككل والدول العربية، بأن التوجه والإنتقال إلى الإقتصاد الرقمي، بات حتمياً وملزماً، وشكّل فرصة كبيرة للقطاع الصحي، لأن يربطه بالقطاعات الاخرى، كما تأثرت الزراعة إيجاباً بهذا التحول»، لافتاً إلى أنه «على صعيد القطاع المالي في الدول العربية، فإن التحول الرقمي مسار بدأ بالفعل لدى عدد من المصارف في الدول العربية، ولكن بوتيرة تختلف من بلد إلى آخر، وبين المصارف الأعضاء ضمن البلد الواحد، بحسب توافر الإمكانات، وضمن الحدود التي تتيحها الحكومات والمصارف المركزية».
ويشدد بردى على «أن الإقتصاد الرقمي هو إقتصاد تجربة العميل، وعليه أسّس إتحاد المصارف العربية المبادرات الداعمة لهذا المفهوم الجديد، بحيث تتبناه المصارف الأعضاء، كي تحافظ على إستمراريتها ونموها عبر تقديم القيمة المتوقعة إلى العملاء المستهدفين، من خلال تجربة عملاء سلسة وتنافسية وبمعايير عالمية»، لافتاً إلى «أن تأسيس وحدة التحول الرقمي للقطاع في إتحاد المصارف العربية ضمن الأمانة العامة، جاء إستجابة لـ Covid وللحد من آثار الجائحة السلبية، وهذه الخطوة تعكس قناعة قياديي القطاع في العالم العربي، حول جدوى التحول، بل ضرورة إنجازه بأعلى مستوى من الكفاءة».
و يشير إلى «أن إتحاد المصارف العربية قام بالتعاون مع ما يزيد عن الـ 15 شركة عالمية رائدة، بتصميم مبادرات لبناء القدرات الرقمية للمؤسسات المالية في العالم العربي، من خلال مذكرات تفاهم تهدف إلى دعم مسيرة التحول للقطاع المصرفي العربي، وإنجازها في أسرع وقت، وبأعلى درجة من الكفاءة».
ويشرح بردى «أن وحدة التحول الرقمي للقطاع التابعة لإتحاد المصارف العربية، تلعب دوراً ريادياً في صوغ المستقبل الرقمي للقطاع المالي، وذلك عبر خلق وتسهيل ديناميكية تعاون، وشراكة تجمع بين كل أصحاب المصلحة، وهي المصارف المركزية، والمؤسسات المالية على إختلاف انواعها، وشركات التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى التأسيس لتحالفات مع القطاعات الأخرى، تعود بالفائدة على الإقتصاد الرقمي العربي ككل، وتُعزز مبدأ الشمول، وتخدم أهداف التنمية المستدامة»، مشيراً إلى «أن هناك مؤشرات واعدة، وعملاً دؤوباً بدأ يثمر في تطوير نماذج مصارف رقمية، والعمل على تطوير بيئة تجريبية مرجعية للعملات الرقمية الوطنية المنظمة، كذلك صوغ النماذج المرجعية للصيرفة المفتوحة Open Banking، وإعداد برامج تدريب عالية التخصصية وضعت قيد التنفيذ وفي تصرف المصارف الأعضاء على إمتداد العالم العربي».
ويضيف بردى: «كذلك قمنا بإطلاق مشروع أول، مُسرّعة أعمال للتكنولوجيا المالية، وتكنولوجيا الإمتثال مدعومة بشكل أساسي من القطاع المصرفي، وذلك لتعزيز الشراكة وتقليص الفجوة كما قمنا بإطلاق أول سوق الكترونية عربية للإبتكار المصرفي، ونتوقع ان تساهم هذه المنصة بتسريع الخطوات عبر الربط المباشر بين جانبي السوق، جانب الطلب المتمثل بالمصارف العربية التي تحتاج إلى إبتكارات وجانب العرض المتمثل بالشركات المبتكرة في مجال الصناعة المصرفية والتكنولوجيا المالية سواء العالمية منها أو الإقليمية».
اما من ناحية التحديات التقنية التي يُمكن أن تقف عائقاً أمام التحول الرقمي في المصارف، يوضح بردى «أن إختلاف قدرات البنية التحتية بين بلد وآخر، يستدعي العمل على إبتكارات تأخذ في الإعتبار هذا الإختلاف والتمايز، ونحن نرى مساحة واسعة للإبتكار مع وجود تلك العقبات.
باسمة عطوي
السعودية على رأس منظمة التعاون الرقمي
- منظمة التعاون الرقمي هي منظمة دولية معنية بتعزيز التعاون في جميع المجالات المدفوعة بالإبتكار، وتسريع نمو الإقتصاد الرقمي، تأسست في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ضمن جهود المملكة العربية السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين في تسريع نمو الإقتصاد الرقمي والتحول الرقمي في العالم.
- تشكلت المنظمة عند إعلان تأسيسها من خمس دول هي: السعودية، البحرين، الأردن، الكويت، وباكستان، وأعلنت المنظمة في 12 أبريل/ نيسان 2021، عن إنضمام كل من نيجيريا وسلطنة عُمان، وإعتبارهما دولتين مؤسستين، إلى جانب الدول الأعضاء الخمس.
- من أهداف المنظمة، تحقيق مستقبل رقمي للجميع، من خلال تمكين المرأة والشباب ورواد الأعمال، وتنمية الإقتصاد الرقمي عبر قفزات تنموية قائمة على الإبتكار.