محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د. أحمد بن عبد الكريم الخليفي:
المملكة في مجموعة العشرين تعمل على مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
«رؤية المملكة 2030»: تعزيز الشمول المالي في التنمية الاقتصادية
منح إتحاد المصارف العربية، في ختام حفل إفتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2019 بعنوان «إنعكاسات التقلبات السياسية على مسار العمل المصرفي» والذي نظمه الإتحاد في العاصمة المصرية القاهرة، معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د. أحمد بن عبد الكريم الخليفي، جائزة «الرؤية القيادية لعام 2019»، وهي من أرقى الجوائز التي يقدمها الإتحاد إلى قيادات المؤسسات العربية والدولية، وتتطلب إجماع مجلس إدارة الإتحاد (المؤلف من 20 دولة عربية)، وذلك تقديراً لجهوده الشخصية المتميِّزة في تحقيق قيمة مضافة إلى السياسات المالية والنقدية، ودفع مسيرة العمل المصرفي العربي.
في هذا السياق، حاورت مجلة «إتحاد المصارف العربية»، معالي المحافظ د. الخليفي حول آخر التطورات المصرفية والمالية في المملكة، فأكد «أن مؤسسة النقد تدرك أهمية الشمول المالي في التنمية الإقتصادية للمملكة، ودوره الفاعل في تحقيق الخطط والبرامج الواردة في «رؤية المملكة 2030». وشدَّد على «أن المؤسسة تسعى دائماً إلى تبنِّي أفضل الممارسات والمعايير الدولية في التعليمات التي تصدرها للقطاع البنكي، وتتضمن جهود المؤسسة مواكبة المعايير الدولية وتطبيقها في وقت مناسب، والتنسيق مع البنوك للنظر في أي تحديات تواجهها».
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي للعام الجاري (آفاق الإقتصاد العالمي، أكتوبر/ تشرين الأول 2019) فإن الإتجاه الرئيسي لأداء الإقتصاد السعودي خلال العام 2019 يشير إلى أن القطاع غير النفطي هو الذي سيقود النمو في العام الجاري، مع وجود تراجع ملحوظ في الناتج الحقيقي للقطاع النفطي كنتيجة لمتغيرات أسواق النفط».
وبعدما لفت المحافظ د. الخليفي إلى «أن مؤسسة النقد تعمل على تطوير جانب التقنية المالية من خلال تنفيذ مبادرات عدة ضمن برنامج تطوير القطاع المالي»، قال «إن المملكة قامت بتغييرات جوهرية في نظام مكافحة غسل الأموال ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الخاص بها لجعل إطارها القانوني منسقاً مع توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف)، إضافة إلى ذلك إنضمت المملكة إلى المجموعة كعضو مراقب في العام 2015، مما ترتب عليه أن يتم تقييم المملكة خلال (3) سنوات. وهذا أدى إلى وجود تحد رئيس يتمثل في قصر الفترة الزمنية للإستعداد لتحقيق متطلبات العضوية. كما واجهت المملكة تحديات إضافية تتعلق بالمتطلبات الجديدة على الدول وخصوصاً ما يتعلق بتقييم مخاطر غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب على المستوى الوطني، والتي تعتبر تجربة حديثة».
وختم المحافظ د. الخليفي مشيداً بدور إتحاد المصارف العربية، قائلاً: «لا شك في أن الإتحاد مارس دوراً مهماً خلال العقود الثلاثة الماضية في تعزيز التعاون المصرفي والمالي بين الدول الأعضاء. كما حقق إنجازاً واضحاً في بناء القدرة على مجابهة الأزمات والإستقرار المالي، والتثقيف في تطبيق المعايير والمبادىء الدولية للعمل المصرفي الفاعل، كما أن له إنجازات يشكر عليها في متابعة التطورات المصرفية في الدول الأعضاء».
في ما يلي الحوار كاملاً مع معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د. أحمد بن عبد الكريم الخليفي:
* تعمل مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» على رفع مستوى الشمول المالي في المملكة كأحد أهدافها الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها، وذلك من خلال إتاحة وصول الأفراد والمنشآت إلى الخدمات والمنتجات المالية المرخصة وإدماجهم في النظام المالي الرسمي وضمان حماية العملاء والإشراف على عدالة التعاملات وشفافيتها بين الأطراف المتعاملة. ويُعد الشمول المالي وسيلة فاعلة لتعزيز إستقرار الأنظمة المالية وتعميقها وتنوعها ودعم فرص تحقيق التنمية المستدامة. وتُولي «ساما» أهمية كبرى لتعزيز الشمول المالي في المملكة بما يتوافق مع «رؤية المملكة 2030» وبرامجها التنفيذية.
– تُعد المصارف محرِّكاً أساسياً لتعزيز الشمول المالي في المملكة من خلال الخدمات والمنتجات المقدمة عبر فروعها المنتشرة، أو المتاحة عبر قنواتها ومنصاتها الإلكترونية، وهذا ما تم عكسه في استراتيجية المؤسسة للشمول المالي التي تسعى إلى تعزيز انتشار الخدمات المصرفية ومعدلات امتلاك الحسابات البنكية لدى سكان المملكة ورفع مستوى الادخار.
وتدرك مؤسسة النقد أهمية الشمول المالي في التنمية الاقتصادية للمملكة، ودوره الفاعل في تحقيق الخطط والبرامج الواردة في رؤية المملكة «2030»، التي تهدف إلى النهوض بالاقتصاد الوطني وتقوية النظام المالي واستقراره. ولهذا تقوم المؤسسة بشكل حثيث بتنفيذ مبادرات وإجراءات مستمرة لتعزيز الشمول المالي، بما في ذلك التعاون مع القطاعين العام والخاص لتعزيز الجهود المشتركة وتفعيلها على نطاق أوسع. ومن أبرز الإجراءات المتخذة مؤخراً لتعزيز الشمول المالي في المملكة تدشين مبادرة تقديم الخدمات المصرفية عبر الوكلاء «Agent Banking» لزيادة مستوى الحصول على الخدمات المالية في المناطق القروية والنائية وتنويع قنوات الوصول إلى الخدمات المالية، وكذلك السماح بتقديم خدمة فتح الحسابات البنكية للأفراد عن بعد، وخدمة تحديث بيانات إعرف عميلك عَن بُعد، إضافة لتطوير نظم المدفوعات وخدماتها ومنتجاتها المختلفة، وتشجيع الابتكار في حلول المدفوعات لإتاحة وصول كافة شرائح المجتمع إلى الخدمات المالية.
كما قامت المؤسسة بإطلاق بيئة تجريبية تنظيمية (Sandbox) لفهم وتقييم أثر التقنيات الجديدة في سوق الخدمات المالية في المملكة، بما يسمح للشركات المحلية والعالمية التي ترغب في اختبار الحلول الرقمية الجديدة بالدخول في بيئة فعلية بغية إطلاقها في المملكة مستقبلاً، مما يساهم في توسيع نطاق انتشار الخدمات المالية.
*ما هي استراتيجية عمل مؤسسة النقد العربي السعودي في ترسيخ المعايير المصرفية الدولية في المملكة العربية السعودية؟ وما هي أبرز التحديات التي تعمل عليها «ساما» في المرحلة المقبلة في هذا الإطار؟
– كون المملكة إحدى دول مجموعة العشرين، فإن المؤسسة عضو في اللجان ومجموعات العمل الدولية التي يتم خلالها مناقشة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك حماية واستقرار القطاع المالي والإشراف عليه، ولذلك تسعى المؤسسة دائماً إلى تبنِّي أفضل الممارسات والمعايير الدولية في التعليمات التي تصدرها للقطاع البنكي، وتتضمن جهود المؤسسة مواكبة المعايير الدولية وتطبيقها بوقت مناسب، والتنسيق مع البنوك والمصارف للنظر في أي تحديات تواجهها، ومتابعة الالتزام بشكل مستمر لتحديد أي فجوات في التطبيق لتتم معالجتها. كما تم إجراء تقييم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ولجنة بازل للإشراف البنكي على تعليمات المؤسسة للبنوك وأثبتت أنها ملتزمة بشكل كبير بالمعايير الدولية ويتم العمل أيضاً على تطبيق التوصيات الناتجة عن تلك التقييمات. ومن الجوانب التي تولي لها المؤسسة أهمية كبيرة هو ألا تشكِّل المعايير والتعليمات التي تصدرها عائقاً في نمو القطاع البنكي والاقتصاد ككل. ونظراً للتطورات التقنية الحاصلة في القطاع المالي، فإن أحد الجوانب التي يتم التركيز عليها هي مواكبة تلك التطورات مع دراسة المخاطر التي قد تصاحبها وبحث كيفية إدارة تلك المخاطر بما يحافظ على متانة القطاع المالي في المملكة. ومن التحديات تطوير الأدوات الرقابية والإشرافية على تلك التقنيات الحديثة وتنمية الخبرات والكفاءات البشرية في هذه الجوانب، سواء في المؤسسة أو في القطاعات التي تشرف عليها.
* خفض صندوق النقد الدولي، (في تقرير نُشر في 15 أيلول/سبتمبر 2019) بشكل حاد توقعاته للنمو في السعودية وإيران، أكبر إقتصادين في الشرق الأوسط، على خلفية العقوبات الأميركية والتوترات الإقليمية وتراجع أسعار النفط. ما هي توقعاتكم حيال قرار خفض الفائدة في البنوك السعودية وإنعكاسها على التضخم في المملكة؟ وكيف يُمكن أن تسير المملكة نحو إقتصاد إنتاجي لا يرتبط بالنفط؟
– بناءً على آخر تحديث لتوقعات صندوق النقد الدولي للعام الجاري (آفاق الاقتصاد العالمي، تشرين الأول/ أكتوبر 2019)، فإن الاتجاه الرئيسي لأداء الاقتصاد السعودي خلال عام 2019 يشير إلى أن القطاع غير النفطي هو الذي سيقود النمو في عام 2019، مع وجود تراجع ملحوظ في الناتج الحقيقي للقطاع النفطي كنتيجة لمتغيرات أسواق النفط. مع ضرورة الإشارة إلى الرؤية الإيجابية لتوقعات الصندوق في ما يخص الاقتصاد السعودي لعام 2020، وذلك للنتائج الإيجابية المتوقعة للإصلاحات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد والمتمثلة في «رؤية المملكة 2030». أما في ما يخص خفض معدلات الفائدة، فالمؤمل أن تسهم إيجابياً في أداء الاقتصاد بشكل عام خلال عام 2019 وذلك من خلال مساهمتها في تحفيز بيئة الاستثمار المحلي.
يُعد بناء قطاع خاص غير نفطي قوي وفاعل من أهم أهداف «رؤية 2030» وذلك لأهميته في تخفيف أثر الصدمات الاقتصادية الناجمة من التذبذبات المتوقعة في أسواق النفط، حيث من الملاحظ أن برامج «رؤية المملكة 2030» تحرص في مجملها على استمرار تقديم ومراجعة الحزم التحفيزية، وذلك لضمان استمرار نمو القطاع الخاص. وشهد عام 2019 تحديداً زيادة في مستويات الإنفاق العام، حيث تشير البيانات إلى نمو الإنفاق الرأسمالي خلال التسعة أشهر الأولى بنحو 10 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. كذلك الاستمرار في عام 2019 بتطبيق عدد من المبادرات المعززة للاستهلاك الخاص. كما شهد عام 2019 إطلاق عدد من المشاريع الاستراتيجية، والتي يتوقع أن تساهم بدور فاعل ورئيس في دفع عجلة النمو في السنوات المقبلة من خلال خلق فرص استثمارية جديدة للقطاع الخاص.
*ما هو دور «ساما» في دعم التنمية الإقتصادية وتحفيز الاستثمار الأجنبي في المملكة العربية السعودية؟ وكيف إنعكس طرح الإكتتاب في أرامكو في السوق المالية السعودية؟
– تسعى مؤسسة النقد دوماً إلى دعم التنمية الاقتصادية من خلال عدة مجالات، منها تحفيز الاستثمارات الأجنبية في المملكة. فقد قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بمساهمات عديدة ومهمة بهدف تحفيز الاستثمار الأجنبي محلياً بجميع أنواعه، بما يساهم في تنويع مصادر وعوائد الاقتصاد المحلي مما يعزز دعم التنمية الاقتصادية. ومن هذه المساهمات تعزيز الاستثمار الأجنبي في القطاع البنكي.
فما زالت المؤسسة منفتحة حيال تلقي طلبات الترخيص لفروع البنوك الأجنبية، حيث قامت بنشر متطلبات الترخيص لفروع البنوك الأجنبية في المملكة على موقع المؤسسة الالكتروني في آب/أغسطس 2017 وإصدار التحديث الثاني لها في كانون الثاني/يناير 2019. والتي نرى أنها تساهم في استقطاب البنوك الأجنبية وافتتاح فروع لها داخل المملكة، حيث تلقت المؤسسة رغبة عدد من البنوك الأجنبية والعالمية لافتتاح فروع لها ومزاولة أعمالها المصرفية في المملكة. علماً أنه تم الترخيص مؤخراً لعدد (4) بنوك أجنبية (بنك أبو ظبي الأول، المصرف العراقي للتجارة، بنك ستاندرد اند تشارد، بنك كرديت سويس) لافتتاح فروع لها في المملكة لمزاولة الأعمال المصرفية.
كما تمّ السماح لفروع البنوك الأجنبية العاملة في المملكة بالتوسع بافتتاح فروع إضافية لها كبنك الإمارات دبي الوطني وبنك الكويت الوطني.
كذلك سعت المؤسسة لتطوير قطاع الصرافة من خلال عدد من الدراسات كان من ضمنها دراسة الآثار والمنافع من دخول المستثمر الأجنبي إلى قطاع الصرافة. وبناء على تلك الدراسات تعمل المؤسسة حالياً على تطوير تشريعات الصرافة من خلال مشروع نظام المدفوعات وخدماته.
*يُقال إن بيانات استهلاك القطاع الخاص، وتكوين رأس المال الثابت والإقراض، تُعزز التوقعات بإرتفاع معدلات النمو في المملكة العربية السعودية. ما هي معدلات النمو في المملكة في نهاية العام الجاري؟ وما هي العوامل المستجدة التي أثرت إيجاباً على النمو؟ وما هي القطاعات الأكثر نمواً؟
– يمثل الاستهلاك الخاص ما نسبته 34 في المئة من إجمالي الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي (متوسط آخر ثلاث سنوات). وفي ما يخص معدلات النمو؛ يلاحظ ارتفاع الاستهلاك الخاص خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 4.4 في المئة مقارنة بالعام السابق. وقد يُعزى هذا النمو إلى عدد من العوامل والمبادرات الداعمة للاستهلاك الخاص وتحفيز جانب الطلب الكلي للإقتصاد، كحساب المواطن، وبدل غلاء المعيشة، والعلاوة السنوية التي يُقدّر مجموعها بنحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي للقطاع غير النفطي. كما يُلاحظ ارتفاع عدد من المؤشرات المرتبطة بالاستهلاك الخاص حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، منها عمليات نقاط البيع والتي ارتفعت بنسبة 21 في المئة.
وفي ما يخص إجمالي تكوين رأس المال الثابت، والذي يمثل ما نسبته 22.8 في المئة من إجمالي الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي، فقد ارتفع خلال النصف الأول من عام 2019 بنسبة 6.9 في المئة على أساس سنوي.
وتُشير بيانات القروض العقارية حتى الربع الثالث من العام الحالي إلى ارتفاع القروض العقارية المقدمة للأفراد (من شركات التمويل والمصارف) بنسبة 32.2 في المئة مقارنة بالعام السابق، حيث ساهمت استراتيجية الإسكان في زيادة نسبة اقتراض الأفراد، وساهم ذلك في ارتفاع نمو نشاط البناء والتشييد خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 3.0 في المئة مقارنة بالنصف الأول من العام السابق.
*المملكة سبَّاقة حيال التطور التكنولوجي، ما هو واقع الخدمات المالية الإلكترونية وحجم إنتشارها في المملكة. علماً أن مسألة العملات الرقمية هي قيد الدرس لتحديد أهميتها وآلياتها؟
– تعمل المؤسسة على تطوير جانب التقنية المالية من خلال تنفيذ عدة مبادرات ضمن برنامج تطوير القطاع المالي. حيث تهدف مبادرة فتح الخدمات المالية لأنواع جديدة من الجهات الفاعلة إلى تمكين هذه الجهات من دخول السوق لتعزيز تطوير منظومة الابتكار في الخدمات المالية. وصممت مؤسسة النقد مؤخراً بيئة تجريبية تشريعية لفهم وتقييم أثر التقنيات الجديدة في سوق الخدمات المالية في المملكة، وللمساعدة على تحويلها إلى مركز مالي يتسم بالذكاء التقني، بما يسمح للشركات المحلية والعالمية التي ترغب في اختبار الحلول الرقمية الجديدة بالدخول في بيئة فعلية بغية إطلاقها في المملكة مستقبلاً.
وفي هذا السياق، تمّ التصريح لعدد أربع عشرة شركة متخصصة في مجال التقنية المالية بمثابة دفعة جديدة للعمل في البيئة التجريبية التنظيمية (Sandbox) الخاصة بسوق الخدمات والمنتجات المالية المبتكرة في المملكة، لتنضم بذلك إلى قائمة الشركات المصرّح لها سابقاً والبالغ عددها سبع شركات ليصبح العدد الحالي إحدى وعشرون شركة. كما تعمل المؤسسة على تطوير نظام المدفوعات وخدماتها في المملكة، حيث يهدف المشروع إلى وضع إطار تنظيمي للبنية التحتية للمدفوعات لمواكبة التطورات في مجال المدفوعات ورفع مستوى فاعلية ومرونة التعاملات المالية، وتعزيز الابتكار في الخدمات المالية وفقاً للمعايير الدولية، وبما يضمن استقرار القطاع المالي وعدالة التعاملات فيه.
ويأتي تعزيز «الخدمات المالية الالكترونية» في المملكة انسجاماً مع «رؤية المملكة 2030» وتحقيقاً لمبادرة التوجه نحو مجتمع غير نقدي، ولمستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي في مجال دعم ريادة الأعمال وتعزيز تقنية الخدمات المالية، حيث بلغ إجمالي عدد العمليات عبر «المحافظ الإلكترونية» في السعودية أكثر من 21 مليون عملية، بقيمة إجمالية تزيد على مليار ونصف ريال تقريباً، وأضاف المستخدمون ما يقارب 2.5 مليون بطاقة بنكية إلى «المحافظ الإلكترونية». تهدف المحافظ الالكترونية إلى توفير طرق دفع ميسرة وآمنة، وتنويع قنوات الدفع الإلكتروني للمتاجر المتوسطة والصغيرة والمساعدة على انتشارها، وتقليل الاعتماد على التعاملات بالنقد في الاقتصاد المحلي. وتعددت أنواع «المحافظ الإلكترونية» في المملكة بفعل ازدهار قطاع التقنية المالية والمدفوعات الرقمية، حيث أطلقت خلال العامين الماضيين عدة محافظ تعمل عبر الهواتف الذكية، مثل تطبيق «مدى Pay» و«محفظة Apple Pay» وتطبيق «STC Pay» وتطبيق «هللة» وتطبيق «بيان Pay».
وبشكل عام تتابع مؤسسة النقد العربي السعودي آخر التطورات وخصوصاً التشريعية في الأسواق المالية العالمية والمنظمات الدولية في ما يخص العملات الرقمية والتقنيات المالية ذات العلاقة بالقطاع المالي، كما تقوم المؤسسة حالياً بدراسة عدد من الجوانب ذات العلاقة مع الهيئات التنظيمية في المملكة للوصول إلى تصور واضح للعملة المشفرة والمخاطر المرتبطة بها، والأثر الاقتصادي المتوقع منها، وبالتالي تحديد الإطار التنظيمي المناسب للتعامل معها. وفي هذا الصدد، أطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي بالتعاون مع مصرف الإمارات المركزي مشروع «عابر»، والذي يهدف إلى تجربة إصدار عملة رقمية يتم استخدامها بين المملكة والإمارات في التسويات المالية من خلال تقنيات سلاسل الكتل. ويهدف هذا المشروع إلى فهم ودراسة أبعاد التقنيات الحديثة وجدواها عن كثب من خلال التطبيق الفعلي ومعرفة مدى أثرها على تحسين وخفض تكاليف عمليات التحويل وتقييم المخاطر التقنية وكيفية التعامل معها، إلى جانب تأهيل الكوادر التي ستتعامل مع تقنيات المستقبل، وفهم متطلبات إصدار عملة رقمية تستخدم بين دولتين، بالإضافة إلى إيجاد وسيلة إضافية لنظم التحويلات المركزية في البلدين، وإتاحة المجال أمام البنوك للتعامل مع بعضها البعض بشكل مباشر لتنفيذ التحويلات المالية. كما يهدف المشروع إلى استكشاف أبعاد تقنيات سلاسل الكتل والسجلات الموزعة، ونتوقع أن تعود هذه التجربة الرائدة بالفائدة على الجميع.
*على صعيد انضمام المملكة العربية السعودية إلى مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force، صرحتم مؤخراً «أن المملكة مرت بـ3 تقييمات في الأعوام 2004، 2010، و2018، كما أنه وفي العام 2014 أدركت المجموعة أن هناك جهوداً متميزة نقوم بها، ووصلتنا دعوة للانضمام للمجموعة وأصبحنا عضواً مراقباً في العام 2015، ثم أصبحت المملكة عضواً له كامل العضوية بالإضافة إلى دور المملكة كعضو مؤسس في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام 2004»، هل يمكن شرح التحديات التي واجهتكم كمملكة عربية سعودية لها حضورها الإقليمي والدولي، فضلاً عن العربي وتأثيرها الإقتصادي الذي لا يختلف عليه إثنان؟
– كما تعلمون قامت مجموعة العمل المالي بتحديث توصياتها في عام 2012 حيث تم دمج التوصيات (40+9) لتصبح (49) توصية بما فيها توصيتان جديدتان (الأولى) المتعلقة بتقييم المخاطر و(السابعة) المتعلقة بانتشار التسلح، وكذلك قامت المجموعة بتحديث منهجية التقييم في 2013 التي ركزت على تقييم فاعلية تطبيق الأنظمة واللوائح وليس فقط إصدارها، وتطلب أن يتم مواءمة نظام المكافحة في المملكة مع هذه التحديثات، حيث قامت المملكة بتغييرات جوهرية في نظام مكافحة غسل الأموال ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الخاص بها لجعل إطارها القانوني متسقاً مع توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف). إضافة إلى ذلك، انضمت المملكة إلى المجموعة كعضو مراقب في عام 2015 مما ترتب عليه أن يتم تقييم المملكة خلال (3) سنوات، هذا أدى إلى وجود تحدٍ رئيسي يتمثل في قصر الفترة الزمنية للاستعداد لتحقيق متطلبات العضوية.
كما واجهت المملكة تحديات إضافية تتعلق بالمتطلبات الجديدة على الدول وخاصة ما يتعلق بتقييم مخاطر غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب على المستوى الوطني، والتي تعتبر تجربة حديثة.
ونظراً لوجود إرادة سياسية عليا في المملكة متمثلة بمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – يحفظهما الله – فقد تم تذليل العقبات والصعوبات التي واجهت لجان وفرق العمل العاملة في هذا المجال من خلال موافقة مجلس الوزراء على إصدار الأنظمة واعتماد الأهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والدعم الكامل لتطوير البنية التحتية والأنظمة بما يحقق المصلحة الوطنية في مكافحة الجريمة.
إضافة إلى أن المملكة تقوم بدور ريادي على المستوى الإقليمي بصفتها إحدى دول مجموعة العشرين، فهذا يتطلب من المملكة الاستمرار في تطوير العمل على المستوى المحلي وتعزيز العمل ضمن إطار التعاون الدولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة انتشار التسلح.
* رفضت دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع مقترحاً يدعو إلى وضع السعودية و4 مناطق أميركية أخرى على قائمة الدول التي لم تظهر تعاوناً في ملف غسل الأموال من وجهة نظر المفوضية. كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن المؤسسات المالية في الولايات المتحدة لن تأخذ قائمة المفوضية الأوروبية في شأن غسيل الأموال عندما تكون دول كبرى عدة تقف فعلياً في موقف معارض لإضافة السعودية على هذه القائمة. ورغم المعارضة القوية من دول أوروبية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، في وقت صوغ القرار، أقدمت المفوضية الأوروبية على وضع السعودية و22 دولة ومنطقة أخرى على لائحتها للدول المقصّرة في مكافحة غسيل الأموال. ماذا يعني إدراج دولة ما وتحديداً السعودية على هذه القائمة؟
– الفاتف هي المجموعة المعنية بإصدار المعايير والسياسات وأفضل الممارسات الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح وتقييم الدول وإصدار التقارير والدراسات في هذه المجالات، وتكاد تكون هي المرجع الدولي الأساسي لوضع معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أن (الفاتف) تعتمد على معايير عالية في الشفافية عند تقييم مستوى الالتزام بالمعايير الصادرة عنها، وهي منشورة على موقع الفاتف، وتستمد صلاحيتها من خلال انضمام الدول إلى المجموعات الدولية والإقليمية، وموافقة الدول على الخضوع لعملية التقييم المتبادل، وزيارة فريق من الخبراء للدول، والاطلاع على الإجراءات المتخذة على أرض الواقع من أجل بناء حكم مبني على الواقع، وهذا لا يتوفر بشكل كبير في معايير المنظمات الإقليمية الأخرى، لذا فإن انضمام المملكة إلى الفاتف يعكس مدى التزام المملكة بالمعايير الدولية وتعاونها مع المنظمات الدولية المعنية، أي أن قرار مجموعة الفاتف يعتبر أوسع من ناحية الشمولية باعتبارها مجموعة عالمية وليست إقليمية. كما تجدر الإشارة أن المفوضية الأوروبية نفسها وعدد (15) دولة من دول الاتحاد الأوروبي أعضاء في مجموعة العمل المالي (الفاتف).
* من المعروف أن إتحاد المصارف العربية يقوم بجهود كبيرة من خلال المؤتمرات والمنتديات والندوات في كل سنة، في البلدان العربية – الأوروبية والأميركية، ولقاءات الحوار التي يعقدها مع المصارف الأوروبية والأميركية في سبيل تقدم المصارف العربية وإثبات سمعتها الطيبة وإتباعها أعلى المعايير الدولية، فضلاً عن رفع شأن المصارف العربية أمام المحافل الدولية. كيف تنظرون إلى الدور الذي يتولاه إتحاد المصارف العربية إقليمياً ودولياً؟
– مما لا شك فيه أن اتحاد المصارف العربية مارس دوراً مهماً خلال العقود الثلاثة الماضية في تعزيز التعاون المصرفي والمالي بين الدول الأعضاء، كما حقق الاتحاد إنجازاً واضحاً في بناء القدرة على مجابهة الأزمات والاستقرار المالي، والتثقيف في تطبيق المعايير والمبادئ الدولية للعمل المصرفي الفاعل، كما أن له إنجازات يشكر عليها في متابعة التطورات المصرفية في الدول الأعضاء، وإثراء المحتوى المصرفي العربي من خلال المؤتمرات السنوية التي تجمع أصحاب الخبرات الإقليمية والعالمية لمناقشة مستجدات القضايا الاقتصادية والمالية، وعلى رأسها قضايا القطاع المصرفي. وقد لمسنا أن الاتحاد يركز على تعزيز نقاط القوة لدى المصارف العربية لتطوير العمل المصرفي والتمويلي، ويسعى إلى طرح المواضيع المهمة لمعالجة النواحي المطلوب تحسينها مع قيامه بتعزيز الدور الذي تقوم به المصارف ومؤسسات التمويل العربية في دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الأثر الإنمائي. أما بالنسبة لدوره الدولي، فيعد خير ممثل لأسرة المصارف العربية في المحافل الدولية.
حاورته: مجلة إتحاد المصارف العربية