بدعوة من الرئيس التنفيذي لبنك نزوى خالد الكايد
د. عدنان أحمد يوسف: إعادة صوغ نظرية وممارسات الصيرفة الإسلامية
والتمويل الإسلامي في أوقات الوضع الطبيعي الجديد

تحدث رئيس جمعية مصارف البحرين عدنان أحمد يوسف، بدعوة من الرئيس التنفيذي لبنك نزوى، خالد الكايد، وبدعم من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI). فقال: «أنا واثق من أن الخدمات المصرفية الإسلامية في سلطنة عُمان الشقيقة ستشهد المزيد من التوسع والإزدهار في الفترة المقبلة، بسبب زيادة قبول العملاء لها وقدرتها على تقديم خدمات ومنتجات ذات قيمة مضافة عالية».
وشرح يوسف «منذ بداية صناعة التمويل الإسلامي في السبعينيات من القرن الماضي، كان هناك نمو مطّرد في الطلب على المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وبلغ إجمالي أصول الصناعة المصرفية الإسلامية 2.5 تريليون دولار على مستوى العالم في العام 2019. ولكن نظراً إلى التحديات التي تفرضها جائحة COVID-19 والتقلب في أسعار النفط وبيئة الإقتصاد الكلي غير المؤكدة، تُواجه صناعة التمويل الإسلامي تحدياً غير مسبوق خلال السنوات المقبلة».
وتابع يوسف: «في حين أنه من المعروف أن جائحة COVID-19 سيكون لها تداعيات في جميع الأسواق المالية، فإن التأثيرات المحتملة على سوق التمويل الإسلامي سوف تكون أكثر وقد تحدث تأثيراً أعمق. ويرجع ذلك أساساً إلى حقيقة أن الأزمة الحالية تؤثر بشكل كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) كذلك الأفراد ذوي الدخل المنخفض. وبالمقارنة مع الخدمات المصرفية التقليدية، فإن التمويل الإسلامي لديه تعرّضات أكبر بكثير للشركات الصغيرة والمتوسطة، والتمويل الأصغر، والإقراض للأفراد، مما يُعرّضهم لمخاطر أكبر جرّاء تخلف العملاء عن السداد أو زيادة المطالبات.
ومع ذلك، فقد أثبت التمويل الإسلامي قدرته على الصمود نظراً إلى طبيعة هياكل منتجاته وخدماته. وتمكّنت البنوك الإسلامية من إظهار هذه المرونة في التغلّب على تداعيات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 بأقل الخسائر الممكنة. والسبب في ذلك يعود إلى أن البنوك الإسلامية تقدم خدمات قائمة على المشاركة في المخاطرة، وتحظر تنفيذ المعاملات غير الأخلاقية وعالية المخاطر والمشتقات المالية.
كما يشجع النظام المصرفي الإسلامي الشفافية بين المؤسسات وعملائها. بالإضافة إلى ذلك، يتم ربط جميع التدفقات النقدية بالأصول الحقيقية في الإقتصاد، وهذا يعني أنه من الصعب جداً إنشاء مستويات غير عالية من المديونية، من دون أن تكون مدعومة بأصول حقيقية، في حين أن الخدمات المصرفية التقليدية يُمكن أن تُنشئ مستويات عالية من الديون، من دون غطاء من الأصول الحقيقية. وقد عملت هذه المبادئ على تجنيب مؤسسات التمويل الإسلامي مخاطر الإفلاس التي واجهتها العديد من البنوك التقليدية خلال الأزمة الماضية».
وقال يوسف: «نحن نؤمن بأن نظرية التمويل الإسلامي تمتلك العديد من المنطلقات والأدوات التي تمكن العمل المصرفي الإسلامي من مواجهة تداعيات الأزمة الجديدة، كما تُمكنها من تكييف صيغ المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية لتحقيق نفس الغرض.
وفي العام 2005، عندما ترأست فريق التمويل التابع لمجموعة العشرين، والذي كان يهدف إلى وضع مقترحات لتطوير دور التمويل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كان أحد المقترحات الأساسية التي خرجنا بها هو الإقرار بدور التمويل الإسلامي أو التشاركي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد أقرت قمة العشرين هذا الهدف، مما عزز من الإنطلاقة العالمية للتمويل الإسلامي بكونه يقدم معالجات وحلولاً ناجحة للتحديات التي يواجهها تحقيق هذه الأهداف. وها نحن اليوم نضع التمويل الإسلامي في موضع التحدي لنرى مدى قدرته على المساهمة في برامج التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، وفي تحقيق التنمية المستدامة».
وأوضح يوسف «في المدى القصير، يُمكننا القول إن الزكاة يُمكن أن تُسهم بدور أساسي في برامج التعافي الإقتصادي على المستوى الوطني. إن قدرة الزكاة على تحقيق المنفعة الفورية للمتضررين هو أسلوب مناسب تماماً للإستجابة للأزمات. وتقدم الزكاة لكل من الأشخاص والمجتمعات الضعيفة إقتصادياً، وهو مجال يحظى بإهتمام متزايد في أوقات الوباء. لذلك، أدعو المؤسسات المالية الإسلامية إلى إطلاق مبادرات جماعية بالتعاون مع الشركات الكبرى والأشخاص المحسنين لتوجيه أموال الزكاة لدعم برامج التعافي في دولها.
أما على المدى المتوسط، فإن تمويل التجارة وشراء المعدات الصحية والأدوية والغذاء، كذلك تمويل المعدات والموارد ومصادر الرزق الأخرى تُعتبر آلية رئيسية يُمكن للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من خلالها دعم التعافي الإقتصادي والإجتماعي. وهي كانت بالفعل تركز على هذه الجوانب، والمطلوب هو تعزيز هذه التمويلات والتوسع فيها».
أضاف يوسف: «من أجل التعافي والصمود على المدى الطويل، يُمكن أن يكون للأوقاف مساهمة كبيرة رئيسية في برامج التعافي. من خلال الوقف، يتم تخصيص الأصول المالية أو غير المالية مثل الأراضي أو المباني بشكل دائم للأغراض الإجتماعية. ويُمكن أن يكون هذا وسيلة مهمة لأصحاب المصلحة للمساهمة في البنية التحتية الإجتماعية التي تخدم أهداف التنمية المستدامة والتعافي على المدى الطويل. وسوف يؤدي COVID-19 إلى تغيير الديناميكيات التي تقوم عليها الصناعة المصرفية الإسلامية. ولقد خلقت تدابير الصحة العامة الحاجة لدى الشركات إلى تغيير مسار عملها ونماذج أعمالها والنظرة العامة للمستقبل من الناحيتين النظرية والتطبيقية.
وفي ما يلي مناقشات موجزة للجوانب الرئيسية المتوقع أن تشهد تغييرات أو تطورات، والتي يتطلب عناية خاصة بها من أجل ضمان إستدامة التمويل الإسلامي في فترة ما بعد الجائحة والتي يجب أن يأخذها قادة التمويل الإسلامي في الإعتبار:
- إلى جانب الآثار الإقتصادية المباشرة، يخلق فيروس كورونا فرصاً جديدة من خلال إجبار صناعة التمويل الإسلامي على التكيُّف مع ظروف السوق سريعة التطور وتسريع وتيرة الإتجاهات الناشئة في الإستثمار المسؤول إجتماعياً والإستدامة والرقمنة للتخفيف من تأثير تفشي الجائحة. وأُولى المهام المطروحة عليها هي مواصلة تطوير العنصر البشري والكفاءات البشرية والمهارات القيادية بما يواكب الإحتياجات الجديدة.
- على خلفية جائحة COVID-19، ستستمر التكنولوجيا المالية في لعب دور مهم في تطوير الصناعة في السنوات المقبلة من خلال تحسين الوصول إلى الخدمات المالية والتمويل الإجتماعي الإسلامي.
- هناك تحديات أخرى يجب أن تواجهها البنوك الإسلامية من أجل تعزيز النمو. لا يزال التمويل الإسلامي يفتقر إلى مجموعة عالمية من المعايير المقبولة من قبل جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الصكوك. عندما تصبح الصكوك قابلة للمقارنة بالأدوات التقليدية، من منظور التكلفة والجهد، يُعتقد أن الصكوك سوف تجد مكاناً أكثر بروزاً في النظام المالي العالمي.
- من المجالات المهمة الأخرى هي الإستدامة في القطاع المصرفي الإسلامي، حيث إن هناك قلقاً متزايداً على الصعيد الدولي من أن المصارف يجب أن تساهم في أهداف التنمية المستدامة الطويلة الأجل.
- في سياق التنمية، هناك العديد من الفجوات التمويلية التي تحدث في المجتمع، تُراوح من تمويل تطوير البنية التحتية إلى تمكين المشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة. لا يمكن تمويل أجندة التمويل فقط من الأموال الحكومية، ولكن يجب أيضاً دعمها بتمويل مبتكر من جميع الأطراف بما في ذلك القطاع الخاص.
- يجب أن تتبنى البنوك الإسلامية إستراتيجيات حكيمة في بناء المخصصات، مع إدراك أنه في ظل وقف برامج الدعم الحكومية، من المحتمل ظهور المزيد من حالات فشل الأعمال وحالات التخلُّف عن السداد الفردية.
- يجب أن تُخطط البنوك الإسلامية للإسراع في وتيرة الرقمنة، والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول على وجه الخصوص، مع مراعاة الحاجة على الأقل لمواكبة المنافسين. بالنسبة إلى بعض البنوك، قد يعني هذا شراء التكنولوجيا، وقد تكون هناك عمليات الإستحواذ أو التحالفات مع شركات التكنولوجيا. وعلى الصيرفة الإسلامية أن تواكب هذه التطورات من خلال رقمنة المنتجات التي تقدمها والعقود التي تتعامل معها.
- يجب على البنوك الإسلامية إعادة النظر في إدارة المخاطر التشغيلية والتخطيط للطوارئ في ضوء تجربة الوباء. ومع ذلك، يجب أن تدرك هذه البنوك وهي تخطط لسيناريوهات المستقبل أنه من غير الضروري أن تكون الأزمات المستقبلية متطابقة مع الأزمات الحالية.
- تحتاج البنوك الإسلامية إلى تبني الإتجاه نحو التمويل القائم على توليد القيمة المضافة للمجتمع والإقتصاد، وأن تعد وتنفذ إستراتيجياتها أعمالها الأساسية القائمة على القيم المسؤولة إجتماعياً، ولا سيما في مجالات مثل التنمية المستدامة.
- تحتاج السلطات إلى النظر في تطوير التمويل الإسلامي ضمن ولاياتها القضائية من حيث النظام الإيكولوجي، ويجب أن تأخذ الإستراتيجيات في الإعتبار كيف ومتى يجب أن يتطور كل جانب من جوانب النظام البيئي.
- في الولايات القضائية التي لا توجد فيها إستراتيجية لتطوير التمويل الإسلامي، يجب على المؤسسات الإسلامية أن تجتمع معاً لإقتراح مبادرات إستراتيجية بمساعدة الهيئات الدولية ذات الصلة، عند الإقتضاء.
- ينبغي أن تستند إستراتيجيات الأعمال الجديدة إلى المعايير الدولية، وينبغي تشجيع الجهات الرقابية المحلية على أن تصبح الصناعة المصرفية الإسلامية في بلدانها أعضاء فاعلين في المؤسسات الدولية.
- بالنسبة إلى الآثار والأولويات المحتملة للجهات الرقابية والتنظيمية للبنوك الإسلامية إستجابة لتداعيات الوباء COVID-19، فإن عليها التركيز على الجوانب التالية:
– ضمان الشفافية الإشرافية والوضوح في التدخلات التنظيمية وتكافؤ الفرص أمام البنوك الإسلامية.
– إيجاد التوازن الدقيق بين متطلبات رأس المال التنظيمي والنمو الإقتصادي.
– إدارة جودة أصول البنوك الإسلامية ومعالجة التمويلات المتعثرة.
– التعامل بحكمة مع أزمة السيولة وتقديم دعم للسيولة متوافق مع أحكام الشريعة وتسهيلات إقراض الملاذ الأخير.
– تقديم الدعم الرقابي لإصدار الصكوك السيادية للعجز المالي.
– تقييم إختبار الضغط وجودة الإئتمان.
– مراجعة شبكات الأمان المالي وأنظمة الإفلاس للمصارف الإسلامية.
وأخيرا، فإن على قيادات الصناعة المصرفية الإسلامية، أن تعي جيداً دروس أزمة الوباء. فهذه الأزمة أعادت تسليط الضوء وبقوة على نظرية التمويل الإسلامي، كما سلَّطت الضوء على ممارسات التمويل الإسلامي، اللذين يُركزان على تمويل الإقتصاد الحقيقي وإعمار الأرض. ففي أوقات الأزمات، المجتمعات التي شيّدت بنى تحتية وخدماتية قوية للأمن الإجتماعي والغذائي والصحي والتعليمي، هي التي تمكنت بشكل أفضل من مواجهة تداعيات الوباء. على الصناعة المصرفية الإسلامية أن تنطلق من الأسس عينها التي إنطلقت منها في تطوير منتجات وصيغ تمويل وإستثمار إسلامية أو تطويع القائم منها بما يرتقي إلى حقيقة أن الواقع الجديد الذي خلَّفته أزمة الوباء سوف يستمر معنا لسنوات عديدة وطويلة مقبلة، وقد يُصبح جزءاً إعتيادياً من حياتنا الجديدة».