رئيس الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي محمد بن عبيد المزروعي:
مسيرة 46 عاماً في الإستثمار الزراعي في الدول العربية
الهيئة العربية تُطلق مبادرة لتغطية العجز في السلع الغذائية الأساسية بالوطن العربي
الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي، هي مؤسسة مالية عربية مستقلة تخضع للإتفاقية الدولية الخاصة بإنشائها. تأسست في العام 1976، وذلك رغبة من الدول العربية لدفع عجلة التنمية الزراعية بالإستفادة من الإمكانيات الزراعية غير المستغلة التي يزخر بها الوطن العربي، ويتكوّن مجلس مساهميها من 21 دولة عربية. وحديثاً إنضمّت دولة ليبيا إلى عضوية الهيئة العربية في العام 2014.
يقول رئيس الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي محمد بن عبيد المزروعي «إن مشكلة الأمن الغذائي العربي لن تُحل إلا من خلال تضافر وتكامل جهود كل الدول العربية والمؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية ومراكز البحث العلمي لاتخاذ خطوات عملية للاستفادة من الإمكانيات المتوافرة بالدول العربية في تنفيذ مشروعات استراتيجية لتغطية العجز في السلع الغذائية الأساسية لتفادي التأثيرات السلبية للإضطرابات العالمية وانعكاساتها على قوت المواطن العربي وعلى الوضع الإقتصادي ولتخفيف حدَّة الضغوط المالية على الدول العربية»، والهيئة مقرُّها الرئيسي في الخرطوم.
في ما يلي الحوار مع رئيس الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي محمد بن عبيد المزروعي الذي خصَّ به مجلة «إتحاد المصارف العربية»:
* هل يُمكن أن تُحدثونا عن أهداف الهيئة؟
– تهدف الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي إلى توفير أكبر قدر من المواد الغذائية الأساسية في الدول العربية، من خلال الإستثمار في كافة مجالات القطاع الزراعي والخدمات المرتبطة به. كما تعمل على تعظيم العائد على إستثماراتها في هذا المجال، وإستغلال مواردها الذاتية في تنويع الإيرادات. كذلك فإن من أهداف الهيئة العربية تعزيز مفاهيم الإبتكار والحوكمة في بيئة العمل، وتوفير أفضل الخدمات المساندة (الإدارية والفنية) بكفاءة وفاعلية.
* ما هي مساهمة الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي في الدول العربية لتحقيق الإنتاج الزراعي السليم؟
– إكتسبت الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي خلال مسيرتها على مدى 46 عاماً خبرات واسعة في مجال الإستثمار الزراعي في الدول العربية. وقد ركزت جُلّ جهودها على الإستغلال الأمثل للموارد والإمكانيّات الزراعية التي يزخر بها الوطن العربي، كما عملت على الإستفادة القصوى من تنوع الموارد الزراعية في الدول العربية، وخلق تكامل بين قطاعي الإنتاج النباتي والتصنيع الغذائي لإستكمال الحلقات الإنتاجية، وبين نشاطها الإستثماري والتنموي لتعزيز التنمية الإقتصادية، كما راعت في إستثماراتها التوزيع الجغرافي لمشاريعها الزراعية وذلك وفقاً للميزة النسبية لتوفر الموارد والمناخ الإستثماري المناسب.
وتماشياً مع نظامها الأساسي، فإن الهيئة العربية، تعمل على أسس تجارية في تنفيذ مشروعاتها، مما مكّنها من الدخول في شراكات مع القطاعين العام والخاص، ومعظم إستثماراتها مع القطاع الخاص. وقد بلغ عدد الشركات والمشروعات التي تساهم فيها الهيئة العربية في نهاية العام 2021 نحو 53 شركة ومشروعاً، وبإجمالي قيمة إستثمارات نحو 662 مليون دولار تمثل نسبة 91 % من رأس المال المدفوع والبالغ نحو 731 مليون دولار. تختص هذه الشركات والمشروعات بإنتاج السلع الأساسية في الفجوة الغذائية العربية (كالحبوب، السكر، الألبان، الزيوت النباتية، اللحوم والبقوليات). وتقدم مجموعة كبيرة من الخدمات المرتبطة بالنشاط الزراعي، وتُراعي الهيئة العربية في تنفيذ المشروعات، إستخدام أحدث التقنيات وأفضل الاساليب الإنتاجية، مما جعلها مشروعات رائدة ونموذجية، تواكب التطور في القطاع الزراعي، وتستجيب منتجاتها إلى نظم السلامة الغذائية.
تتوزع إستثمارات الهيئة العربية الحالية على أربعة قطاعات رئيسة وهي قطاع التصنيع الزراعي 49.70 %، قطاع الإنتاج الحيواني 24.53 %، قطاع الإنتاج النباتي 22.24 % وقطاع الخدمات الزراعية 3.53 %.
كما تُولي الهيئة العربية إهتماماً خاصاً بقطاع صغار المزارعين في الوطن العربي، وذلك لدورهم المحوري في تعزيز الأمن الغذائي العربي ومساهمتهم بنسبة تفوق 80 % من الناتج الزراعي المحلي. لذا عملت الهيئة العربية على إستحداث برامج وآليات لتطوير هذا القطاع ومعالجة التحديات التي تواجهه، حيث بادرت بإستحداث نموذج تمويل عيني لصغار المزارعين كبديل للتمويل النقدي المباشر، والذي يشمل حزمة زراعية متكاملة تشترط تنظيم المزارعين في جمعيات أو تنظيمات تعاونية. ومن ثم يتم تمويل كافة العمليات الزراعية ومدخلات الإنتاج وتقديم مختلف صور الدعم الفني بإشراف مباشر من الهيئة العربية على كافة العمليات الإنتاجية، كما عملت على توعية المزارعين بأهمية التأمين الزراعي وربطهم بشركات التأمين الزراعي. وقد ساهمت هذه التجربة في تحقيق نتائج باهرة وطفرات كبيرة في الإنتاجية بنسب فاقت الـ 160 %، وزيادة سنوية في عدد المستفيدين والمساحات المزروعة حتى بلغ عددهم نحو 432 ألف مستفيد في نهاية العام 2021. ولتعميم الإستفادة من هذه التجربة وتوسيع قاعدة المشاركة في هذا البرنامج، عملت الهيئة العربية على نشر التجربة والترويج لها وإستطاعت بذلك تعبئة موارد مالية إضافية من البنوك المحلية لدعم هذا القطاع.
* تُولي الدول العربية أهمية قصوى لإنتاج السلع الغذائية الأساسية بهدف تقليل حجم الفجوة الغذائية، لكن هذه الفجوة لا تزال قائمة ولا سيما في البلدان الأكثر فقراً، هل يُمكن شرح الأسباب؟
– يُعتبر العجز الغذائي في السلع الأساسية (الحبوب، السكر، الألبان، الزيوت النباتية، اللحوم والبقوليات)، من التحديات الرئيسة في الدول العربية منذ أربعة عقود ونيّف. فعلى الرغم من توافر الموارد الطبيعية من الأراضي والمياه، وكذلك توافر الموارد البشرية والإمكانيّات المالية على المستوى القومي، إلاّ أن الزراعة العربية لم تُحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية.
وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط القيمة الإجمالية للعجز في السلع الغذائية الأساسية للدول العربية ما بين 2018 و2019 يُقدّر بنحو 42 مليار دولار سنوياً. ويُتوقع تفاقم قيمة العجز الغذائي نتيجة إرتفاع معدلات النمو السكاني ونقص إمدادات سلاسل الغذاء كإحدى تداعيات الأزمات خلال السنوات الأخيرة ودخول العالم في موجة من التضخم أدت إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية.
ورغم الجهود المبذولة لسد الفجوة الغذائية العربية، فإن الفجوة لا تزال كبيرة بسبب قلّة الإنتاج الزراعي والذي يُعزى إلى عدد من الأسباب أهمها:
1- ضعف التمويل المتاح للقطاع الزراعي وقلة الإستثمارات الموجهة لهذا القطاع مقارنة بالقطاعات الإنتاجية الاخرى، ومردُّ ذلك إلى ما يتسم به هذا القطاع من مخاطر عالية. لذا فإن غالبية الإستثمارات فيه، ولفترات طويلة، تتم من قبل الدول والبنوك الزراعية الوطنية والمؤسسات المالية العربية المشتركة المتخصصة كالهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي والتي لا يتعدى رأسمالها المدفوع 2 % من قيمة العجز الغذائي.
2- ضعف التكامل والتنسيق بين السياسات التنموية في البلدان العربية، ولا سيما في الميدان الزراعي، وعدم الإستفادة من الميزات النسبية لتوزيع الموارد الزراعية في الدول العربية لتنمية التجارة البينية العربية.
3- قلة مساحة الأراضي المستغلة والإعتماد على النظم التقليدية في الزراعة، وعدم الكفاءة في إستخدام التقنيات الزراعية الحديثة ووسائل الري، مما يؤدي إلى ضعف إنتاجية وأداء وفعالية القطاع الزراعي، إضافة إلى زيادة كمية الفاقد في العمليات الإنتاجية المختلفة.
4- عدم استكمال البُنى التحتية الأساسية اللازمة للتنمية الزراعية من طرق وخزانات وسدود مائية وشبكات ري وصرف واستصلاح لأراضي زراعية جديدة وعدم إنشاء صوامع للتخزين ومراكز للتسويق.
-5 ضعف آليات الإستثمار وعدم تطوير التشريعات المرتبطة به لتشجيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية الزراعية، حيث تتطلب الزراعة الحديثة إستثمارات رأسمالية وخبرات معرفية كثيفة.
6- المعوقات التشريعية والقانونية والتنظيمية وقصورها على معالجة الموضوعات الأساسية والتي تهم المستثمرين من القطاع الخاص، ولا سيما في ما يتعلق بضمان الملكية وتحويل الأموال وحالات الإحتكار والمنافسة والملكية الفكرية، وإجراءات التصفية وحل المنازعات والتي تحتاج إلى فترات طويلة وإجراءات معقدة وتكلفة عالية.
7- يُضاف إلى ذلك، التأثيرات السلبية للتغيُّرات المناخية، على نمو الإنتاج الزراعي في المنطقة العربية والعالم، من حيث إنخفاض معدلات الامطار أو إرتفاع درجات الحرارة والإزدياد الواضح في تكرار دورات الجفاف.
* مما تقدَّم، فإن الهيئة العربية تتمتع بإدارة إحترافية وتلتزم الحوكمة والشفافية في أعمالها، وتعتمد أفضل الممارسات الإدارية، ما هي برأيكم الشروط التي يجب أن تلتزمها البلدان العربية لتحقيق التنمية في المجال الزراعي وصولاً إلى الإكتفاء الغذائي؟
– لا شك في أن البلدان العربية تُولي إهتماماً كبيراً للتنمية الزراعية، وتسعى إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي لشعوبها، ذلك لأن الأمن الغذائي يلعب دوراً مهمّاً ومؤثراً في الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي، وخصوصاً في ظل الضغوط المتزايدة التي يُواجهها العالم أجمع نتيجة تنامي أعداد السكان والتغيُّرات المناخية. وفي ظل هذه الأوضاع، لا بد من تضافر الجهود لإحداث أثر إيجابي ومبتكر للتغلب على تحديات الأمن الغذائي وتحسين أنظمتنا الزراعية والغذائية، والتي تتطلب توافر الظروف المناسبة لتحقيق التنمية الزراعية الشاملة وتحقيق الأمن الغذائي العربي. لعلّ من أهمها:
1- توحيد الجهود لتعزيز القدرات العربية من خلال التكامل والتنسيق بين السياسات التنموية والزراعية في البلدان العربية لتنفيذ مشروعات زراعية عربية مشتركة.
2- قيام الحكومات العربية بتنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تخدم القطاع الزراعي، وتأهيل وإستصلاح الأراضي غير المستغلة، وتوفير مناخ إستثماري جاذب للإستثمار للإستفادة المثلى من الموارد الطبيعية.
3- وضع إستراتيجيات وطنية للزراعة الرقمية لضمان تقديم خدمات وبيانات مجدية للمستثمرين والمزارعين والتعاون مع بقية الدول والمراكز البحثية لإنشاء نظام لتبادل المعارف والمعلومات الزراعية.
4- توظيف نتائج الأبحاث العلمية لرفع إنتاجية المحاصيل ودعم برامج التطوير التقني والإرشادي والإبتكارات القائمة على التكنولوجيا والزراعة الذكية.
5- تطوير السياسات الزراعية لدعم الإستثمار الزراعي، وبرامج دعم صغار المزارعين، وتحسين مستويات إنتاجيتهم بتحقيق الشمول المالي وتفعيل السياسات التسويقية والتجارية والرقابية.
6- إنشاء منطقة تجارة زراعية عربية حرة يتم فيها إعفاء كافة المنتجات الغذائية من الرسوم وتسهيل التجارة البينية لزيادة علاقات التبادل التجاري.
* في ظل الأوضاع الحالية بعد جائحة كورونا والنزاع الروسي – الأوكراني وتأثيراته على أوضاع الأمن الغذائي العربي. ما هي تصورات الهيئة لمعالجة أوضاع الأمن الغذائي العربي؟
– يشهد العالم العربي مرحلة حرجة، تتمثل في تفاقم حجم العجز الغذائي، وتنامي الطلب على المنتجات الغذائية، نتيجة إرتفاع معدلات النمو السكاني، ونقص إمدادات سلاسل الغذاء كإحدى تداعيات جائحة كورونا وبروز موجة جديدة من التضخم، بسبب تأثيرات الوضع في أوكرانيا. كل ذلك أدى إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية في ظل إعتماد معظم الدول العربية على المصادر الأجنبية لتغطية إحتياجاتها الغذائية مما يُعرّضها للمخاطر التي تهدد أمنها الإقتصادي والسياسي.
إدراكاً لهذه الأوضاع الحرجة، فقد بادرت الهيئة العربية بإعداد دراسة إستباقية لتغطية العجز في السلع الغذائية الأساسية: الحبوب، السكر، الألبان، الزيوت النباتية، اللحوم والبقوليات، والتي تضمنت تحديد الموارد المطلوبة من الأراضي الزراعية والمياه والتكاليف الإستثمارية والقوى العاملة البشرية، كما شملت الدراسة المشروعات الزراعية الإستراتيجية في الدول المستهدفة لتغطية العجز في هذه السلع الأساسية وفق جدول زمني محدد، كذلك توسعة للبرنامج الريادي الذي نفذته الهيئة العربية لقطاع صغار المزارعين. وقد لاقت مبادرة الهيئة العربية لتغطية العجز في السلع الغذائية الأساسية ترحيباً وإشادة ودعماً من عدد من الدول والجهات المعنية. وتهدف هذه المبادرة إلى زيادة الإستثمار في المجال الزراعي من خلال الإستغلال الأمثل للمزايا النسبية لتوزيعات الموارد الطبيعية في الدول العربية، والتركيز على إنتاج أكبر قدر من المحاصيل الأساسية وفق التقديرات التالية: القمح بنحو 25 مليون طن، السكر بنحو 8 ملايين طن، الزيوت النباتية بنحو 6 ملايين طن، اللحوم بنحو 4 ملايين طن، الألبان بنحو 7 ملايين طن، الشعير بنحو 7 ملايين طن، الأرز بنحو 6 ملايين طن، والذرة بنحو 23 مليون طن.