ربط أنظمة المدفوعات الخليجية

Download

ربط أنظمة المدفوعات الخليجية

الاخبار والمستجدات
العدد 505 - كانون الأول/ديسمبر 2022

ربط أنظمة المدفوعات الخليجية

وافقت لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي في إجتماعها الذي عقد في المنامة مؤخراً، على التفاصيل الفنية المتعلقة بتأسيس شركة تُعنى ببناء نظام ربط أنظمة المدفوعات في دول مجلس التعاون، وإختيار العاصمة السعودية الرياض مقراً رئيسياً لعملياتها. وسوف تعمل الشركة على تأسيس نظام لتسوية المدفوعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وستكون الشركة مملوكة لمؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية وتعمل على أسس تجارية. ومن شأن هذه الشبكة أن تُحقق بناء نظام لتنقل الأموال مواز لنظام «سويفت»، بحيث تخلق آلية خاصة لحركة الأموال مبنية على قاعدة صلبة عبر البنوك المركزية ومؤسسات النقد بتكلفة أقل وبسرعة أكبر ومن دون أي معوقات.

ويجب أن نُنوّه في البداية، أن هذا الموضوع تناولناه في مقالات وبحوث عدة، ولا سيما بعد الأزمة الإقتصادية العالمية في العام 2008 بعد أن إتضحت الحاجة بصورة جليّة، لوجود نظام عربي لتسوية المدفوعات يدعم مشاريع التكامل الإقتصادي العربي من جهة، ويُسهم في تجنيب الدول العربية الهزّات التي يشهدها النظام المالي العالمي من جهة أخرى. وقد تبنَّينا طرح هذا الموضوع من خلال إتحاد المصارف العربية في العديد من المؤتمرات والإجتماعات عندما كنتُ أترأس مجلس إدارته.

ويُمكن القول، إن تأسيس نظام المدفوعات يُعتبر أحد المستلزمات الضرورية للتهيئة لقيام العملة الموحدة، من خلال إيجاد نظام موحد لتسوية المعاملات المالية، التي تتم بها هذه العملة كما لو كانت تتم في بلد واحد. كما تكمن أهمية ربط أنظمة المدفوعات في تسريع حركة إنتقال التجارة والإستثمارات، بما يخدم تفعيل بنود السوق الخليجية المشتركة في كافة المجالات.

وعادة ما تلجأ الدول التي تُقيم في ما بينها إتفاقيات للتعاون التجاري أو المالي أو الإستثماري أو التكتل الإقتصادي إلى عقد إتفاقيات بينية في ما بينها، بهدف تنظيم مدفوعاتها تجاه بعضها. وتهدف مثل هذه الإتفاقات أو الترتيبات إلى تحديد حقوق الأطراف المعنية وإلتزاماتها، وخصوصاً ما يتعلق منها بتحديد العملة التي سيتم تسديد المدفوعات بها، وسعر صرفها مقابل عملات الأطراف، وموعد الإستحقاق وكيفية السداد، وغيرها من الإجراءات والقواعد التي تضمن حقوق كل طرف، وذلك نظراً إلى إختلاف الأنظمة الإقتصادية والمالية لكل دولة عن الأخرى وشروط خروج العملة، وتأرجح سعر صرفها خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين تاريخ إجراء التبادل التجاري، وتاريخ الدفع أو السداد. وتُحاول بعض الدول أحياناً عقد إتفاقات متبادلة مباشرة في ما بينها، كما حدث لقيام بعض الدول بعقد إتفاقيات مباشرة مع الصين، للسداد المتبادل لقيمة المبادلات التجارية ووفقاً لعملاتها المحلية وفقاً لأسعار محددة سلفاً.

وفي التجربة الأوروبية، فإن توحيد أنظمة المدفوعات يُعتبر إحدى الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي الأوروبي في تنفيذ السياسة النقدية الموحدة لنظام اليورو. فالبنك يستخدم عمليات السوق المفتوحة، حيث تكون هي الأداة الرئيسية للعمليات النقدية في الإتحاد الأوروبي؛ بحيث تُوجه أسعار الفائدة، وتوفِّر السيولة لنظام اليورو. كما تستخدم التسهيلات الدائمة، وهي التسهيلات التي تهدف إلى تحقيق الإستقرار الذاتي لمنطقة اليورو، وتخفيف نقص السيولة أو عدم الإستقرار في أسعار الفائدة، وتُقسَّم هذه التسهيلات إلى تسهيلات مقابل ضمانات سائلة (وتستطيع البنوك من خلالها الحصول على سيولة بصورة فورية)، وتسهيلات الإيداع (وتقوم البنوك من خلالها بإيداع فوائضها في هذه الإيداعات بصورة فورية)، وهذه التسهيلات تلعب دوراً قوياً في الحدّ من تقلبات سعر الفائدة. كما يستخدم المصرف شروط الإحتياطي، وهي مجموعة من الشروط تتحدّد على أساسها نسبة الإحتياطي التي تحتفظ بها البنوك المركزية الأوروبية لدى البنك المركزي الأوروبي؛ وذلك بهدف صنع درجة من الإستقرار في السيولة وأسعار الفائدة. وأخيراً، يستخدم المصرف نظام المدفوعات الأوروبي، وهو نظام المدفوعات الخاص بالبنوك المركزية الأوروبية، ونظام مدفوعات عبر الحدود يربط أسواق النقد المحلية بصورة فورية، بحيث يضمن إستقرار أسعار اليورو، وسعر الفائدة عليه.

إن دول التعاون تملك في الوقت الحاضر أنظمة مدفوعات وطنية، تعمل بأسلوب التسوية الإجمالية الفورية والمباشرة والمعالجة الإلكترونية دون تدخل يدوي. وتعتمد الأنظمة على شبكة «السويفت» ورسائلها القياسية للمصادقة، وتسوية المدفوعات المحلية، وتحويل ملكية الأوراق المالية. كما ترتبط نظم المدفوعات بنظام التقاص المعمول به بالمصارف المركزية، كذلك بنظام تسجيل الأوراق المالية الحكومية وإصدار النقد.

لذلك، يُمكن القول، إن توصل دول مجلس التعاون الخليجي لتأسيس شركة لتولي تسوية المدفوعات البينية، يأتي إستجابة لتحرير عناصر الإستثمار والعمل والإنتاج بين دول التعاون، مما يدفع إلى تنامي حجم التعاون التجاري والمالي في ما بينها، وضمان الإرتقاء بهذه العلاقات في حال تطبيق مشروع الإتحاد النقدي، وإستمرار بقاء بعض الدول الأعضاء خارج منظومته، إلى جانب أن هذه الخطوة تتسق مع مقرّرات السوق ‏المشتركة ومعطياتها التي تتواصل منذ تطبيقها فعلياً مطلع العام 2008 والمساهمة في تعميق مفهوم المواطنة الخليجية الإقتصادية.

كما أن من أبرز الأهداف التي سيُحقّقها ربط نظم المدفوعات ونظم تسويتها المالية إجراء التحويلات المالية آليا وضمان وصولها إلى المستفيد فوراً، وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية متطورة، وتقليل المخاطر المالية والإستغناء عن حمل النقد بغرض التحويل من بنك إلى آخر، مما يُسهم في خفض تكاليف الخدمات المالية المصرفية، وتعزيز الأداء المصرفي والمالي. كما سيُسهم في إرساء البنية التحتية التقنية، التي تضمن تحويلاً سريعاً وموحداً وآمناً للمدفوعات المالية، ما يُعزّز من نشاطات التجارة الثنائية بين دول المجلس والمتعددة الأطراف بين دول المجلس وبقية دول العالم.