رحلة صعود الجنيه المصري .. من التعويم إلى ثاني أفضل عملة عالمياً

Download

رحلة صعود الجنيه المصري .. من التعويم إلى ثاني أفضل عملة عالمياً

موضوع الغلاف
العدد 484 -آذار/مارس 2021

رحلة صعود الجنيه المصري .. من التعويم إلى ثاني أفضل عملة عالمياً

صندوق النقد الدولي: الإقتصاد المصري يُحقّق أداء أفضل من المتوقع

واجهت مصر في السنوات الماضية تحديات إقتصادية ومالية ونقدية، إستوجبت مواجهتها، فخلال السنوات الأربع الماضية، صعد الجنيه المصري أمام الدولار بعد تعويمه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ورغم التحديات التي واجهت العالم بسبب جائحة كورونا، والتي تسببت في تأثيرات سلبية كبيرة على إقتصادات العالم، صمد الجنيه ليكون ثاني أفضل عملة على مستوى العالم من حيث التحسن.

يتصدّر الجنيه المصري أفضل عملات الأسواق الناشئة أداءً أمام الدولار، مدفوعاً بتحسن مصادر النقد الأجنبي، مواصلاً بذلك أداءه القوي، وفقا لتقرير المركز الإعلامي التابع لمجلس الوزراء في مصر. علماً أن «بلومبرغ» (الشركة العالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية، متعددة الجنسيات، يقع مقرها في برج بلومبيرغ، نيويورك في الولايات المتحدة)، تُصنّف الجنيه في خانة «الأفضل أداء» في العام 2019، وكثاني أفضل العملات أداءً على مستوى العالم خلال الأشهر الستة الأولى من 2019، إذ إرتفع سعر صرف الجنيه بنحو 6.5 % أمام الدولار الأميركي خلال الفترة المشار إليها.

تعويم الجنيه مجدداً؟

هل تضطر مصر إلى تعويم الجنيه مجدداً؟ أصبح هذا السؤال الأكثر إلحاحا في ظل المنعطف النقدي الحرج الذي تواجهه، بعد إرتفاع العائد على سندات الخزانة الأميركية، والمؤشرات السلبية للإقتصاد المصري.

وتُشكل الخطوة الأميركية لإحتواء آثار جائحة كورونا، تهديداً حقيقياً لتدفقات إستثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة المصرية (الأموال الساخنة)، مما يضعها أمام تحديات صعبة.

وقد أثارت تغريدة كبير إقتصاديي معهد التمويل العالمي، «روبين بروكس» على موقع تويتر (twitter)، بأن مصر قد تضطر إلى خفض قيمة الجنيه المصري مجدداً، مما أحدث جدلاً بين خبراء الإقتصاد والمحللين، وقلقاً بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي.

وبنى بروكس نظريته على أن إرتفاع سعر الفائدة الأميركية، سيجذب أموال المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، ويتزامن مع إستمرار تفاقم عجز المدفوعات.

إضافة إلى عودة سعر الصرف الحقيقي للجنيه المصري إلى ما كان عليه قبل خفض العملة في 2016، وتالياً إختفاء الميزة التنافسية لشراء سندات الخزانة المصرية. علماً أن مصر تُعدّ من أكبر البلاد تأثراً بإرتفاع أسعار الفائدة والتضخم في أميركا، وفق مدير تجارة العملات في «غولدمان ساكس». (مؤسّسة خدمات ماليَّة وإستثماريَّة أميركيَّة متعددة الجنسيَّات).

22.5  مليار دولار زيادة في الإحتياطي الأجنبي

وعلى مدار نحو 6 سنوات، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقاليد الحكم، إرتفع الإحتياطى الأجنبي لمصر – حيث يُستخدم في أوقات الأزمات – إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، بفعل خطة مدروسة لترشيد إستخدامات العملة الصعبة والإستيراد من الخارج، وتنويع مصادر العملة الأجنبية من القروض الدولية بدعم مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، إلى جانب إصدار سندات دولية لمصر في الأسواق العالمية.

وسجل حجم الإحتياطي من النقد الأجنبي لمصر 16.687 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران 2014، ليرتفع إلى نحو 39.220 مليار دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بزيادة قدرها نحو 22.5 مليار دولار، وهي أعلى زيادات منتظمة شهرياً في أرصدة الإحتياطات الدولية لمصر.

ويُتوقع أن تستمر مستويات الإحتياطيات الدولية في الإرتفاع خلال الفترة المقبلة، لتصل إلى مستوى الـ50 مليار دولار، خلال عامين من تاريخه، مع إنحسار أثر فيروس كورونا، ومدفوعة بتدفق إيرادات السياحة بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وإصدارات السندات الدولية لمصر بفي لخارج المقومة بالدولار واليورو، البالغ متوسطها نحو7  مليارات دولار سنوياً، إلى جانب 10 مليارات دولار أخرى من الإستثمارات الأجنبية المباشرة، وإرتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، والتي سجلت28  مليار دولار خلال السنة المالية 2019 – 2020.

 كما يُتوقع أن يستمر سعر صرف الجنيه في الإرتفاع أمام الدولار، خلال الفترة المقبلة، ليصل إلى مستوى يُراوح بين 15  جنيهاً، و15.25 جنيهاً للدولار، مدفوعاً بزيادة موارد العملة الصعبة في الإقتصاد المصري، وإرتفاع الصادرات المصرية إلى الخارج، المتوقع أن تسجل نحو 30 مليار دولار، خلال السنوات المقبلة، وبعد أن تراجع الدولار بنحو 41 قرشاً منذ بداية العام 2020، وحتى تاريخه، ليسجل 15.59 جنيهاً للدولار مقارنة بنحو 16 جنيهاً قبلاً.

صندوق النقد الدولي

وأفاد صندوق النقد الدولى في تقرير، «أن الإقتصاد المصري حقّق أداء أفضل من المتوقع، رغم جائحة كورونا، وذلك بفضل حزمة الإجراءات التنشيطية السريعة والشاملة والمتوازنة التي إتخذتها الحكومة، وإستجابة السياسة النقدية، ومبادرات القطاع المالي الموجهة للقطاعات والفئات المتضررة، والطلب الذي قدمته مصر للصندوق في الوقت المناسب للحصول على تمويل من خلال «أداة التمويل السريع»، و«إتفاق الإستعداد الإئتماني»، بنحو 8 مليارات دولار».

وأكد صندوق النقد الدولي أنه «من الضروري مواصلة تنفيذ الإجراءات الإصلاحية بقوة، بما في ذلك إستمرار التقدم في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الأساسية، لبناء الصلابة في مواجهة الأزمات، مما يضمن أيضاً الحفاظ على ثقة المستثمرين في مستقبل الإقتصاد المصري».

تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض

في هذا السياق، قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركـزي المصـري أخيراً، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25 % و9.25 %، و8.75 % على الترتيب. كذلك الإبقاء على سعر الإئتمان والخصم عند مستوى 8.75 %.

وقد إرتفع المعدل السنوي للتضخم العام بشكل طفيف في الحضر الى 4.5 % في فبراير/ شباط 2021 من 4.3 % في يناير/ كانون الثاني 2021، مقابل 5.4 % في ديسمبر/ كانون الأول 2020. وقد جاء الإرتفاع في فبراير/ شباط 2021 مدفوعاً بالتأثير السلبي لفترة الأساس، والذي عكس إرتفاع مساهمة السلع غير الغذائية. في حين ظل المعدل السنوي للسلع الغذائية مستقراً، بعدما ساهم في إنخفاض المعدل السنوي للتضخم في يناير/ كانون الثاني 2021 مدفوعاً بإستمرار تلاشي صدمة العرض لأسعار الطماطم. كما إستقر المعدل السنوي للتضخم الأساسي عند 3.6 % للشهر الثاني توالياً في فبراير/ شباط 2021.

وتشير البيانات الأولية إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سجل 2.0 %، وذلك خلال الربع الرابع من العام 2020، مقابل 0.7 % خلال الربع الثالث وسالب 1.7 % خلال الربع الثاني من العام عينه.

وتلفت البيانات التفصيلية إلى إستمرار الإستهلاك في دعم النشاط الاقتصادي خلال الربع الثالث من العام 2020. كما تشير معظم المؤشرات الأولية إلى التعافي التدريجي إلى مستويات ما قبل إنتشار جائحة كورونا. وفي الوقت عينه، إستقر معدل البطالة عند 7.2 % خلال الربع الرابع من العام 2020 مقارنة بـ 7.3 % خلال الربع الثالث من العام عينه، وبعد تحسنه بشكل ملحوظ من 9.6 % المسجلة خلال الربع الثاني من العام 2020، مدفوعاً بالتحسن المستمر في أعداد المشتغلين.

وعلى الصعيد العالمي، لا يزال النشاط الإقتصادي يعكس تعافي إقتصادات الدول والقطاعات المختلفة، وإن كان بشكل متفاوت في ظل إستمرارية تأثير إنتشار جائحة فيروس كورونا، والتي تُلقي بظلالها على الآفاق المستقبلية. ويعتمد تعافي النشاط الإقتصادي العالمي على مدى فعالية وسرعة توزيع اللقاحات الخاصة بجائحة كورونا.

ويُتوقع إستمرار الأوضاع المالية الملائمة والداعمة للنشاط الإقتصادي على المدى المتوسط، رغم الإرتفاع الملحوظ في عوائد السندات العالمية. بينما إرتفعت الأسعار العالمية للبترول والسلع الغذائية والسلع الأخرى، مسجلين أعلى مستوى لهم منذ إنتشار جائحة كورونا ليرفع بذلك من حالة عدم اليقين حول المسار المستقبلي لأسعارها. وقد جاء إرتفاع أسعار البترول مدفوعاً بالتطورات من ناحية العرض، في حين تأثرت أسعار السلع العالمية الأخرى بعوامل العرض والطلب معاً.

وفي ضوء ماسبق، قررت لجنة السياسة النقدية، أن أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي، تُعد مناسبة في الوقت الحالي، وتتسق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف والبالغ 7 % (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط، خلال الربع الرابع من العام 2022، وإستقرار الأسعار على المدى المتوسط، كذلك تحقيق معدلات النمو غير التضخمية المستهدفة.

مبادرة التمويل العقاري لدعم المواطن

في هذا السياق، يوضح نائب محافظ البنك المركزي المصري جمال نجم، «أن حجم المبادرة الجديدة للتمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل، تبلغ 100 مليار جنيه بفائدة 3 %، طبقًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقيام البنك المركزي ببلورة وإطلاق برنامج جديد للتمويل العقاري لصالح الفئات من محدودي ومتوسطي الدخل، لدعم قدرتهم على تملك الوحدات السكنية»، مشيراً إلى «أن الفائدة الخاصة بمبادرة التمويل العقاري سوف تصل بمدد السداد إلى 30 سنة».

وفي سياق متصل، يرى رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، هشام عكاشة «أن مبادرة التمويل العقاري الجديدة لدعم متوسطي ومحدودي الدخل، تُعد محفزاً أساسياً للمواطنين للحصول على سكن خاص بهم، يليق بمستوى حياة أفضل تستهدفه لهم الدولة»، مشيراً إلى «أن حجم التمويل المباشر من البنك الأهلي المصري للجهات العاملة في التنمية العقارية ومواد البناء، يبلغ 95 مليار جنيه».

ويؤكد عكاشة «أن البنك الأهلى المصرى حقق من خلال مبادرة التمويل الأولى للإسكان المتوسط ومحدود الدخل ما يقارب 95 ألف قرض للمواطنين بمبلغ يفوق 10 مليارات جنيه».

ويشير رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصري عكاشة إلى «أن مبادرة التمويل العقاري الجديدة لدعم متوسطي ومحدودي الدخل، تعمل على تحفيز قطاع المقاولات الذي يُعد قاطرة الإقتصاد لإرتباطة بالعديد من القطاعات الصناعية والخدماتية، وتالياً توفير فرص العمل من خلال زيادة الطلب على الوحدات السكنية وما تتطلبه من تشغيل القطاعات التي تخدم هذا القطاع مع ضخ التمويل لها من خلال هذه المبادرة».

ويخلص عكاشة إلى «أهمية الدور الفعال الذى تقوم به شركة الأهلي للتمويل العقاري، التابعة للبنك الأهلي المصري، من خلال تمويلها للوحدات السكنية في جميع فئاتها».

تنسيق كامل لمصلحة الإقتصاد المصري

ويستكمل رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الملفات المشتركة بين الحكومة والبنك المركزي المصري، في سبيل تطوير الإقتصاد، والأوضاع الماالية والنقدية وإثر لقائه الأخير مع محافظ البنك المركزي طارق عامر، ووزير المالية الدكتور محمد معيط، ونائب وزير المالية للسياسات المالية أحمد كجوك، ونائبي محافظ البنك المركزي جمال نجم ورامي أبو النجا، ووكيل مساعد القطاع المالي في البنك المركزي ميرفت الليثي، ووكيل مساعد محافظ البنك المركزي زكية إبراهيم، أكد رئيس الوزراء «الأهمية التي يوليها للتنسيق الدائم بين الجهات المسؤولة عن ضبط الأداء النقدي والمالي للدولة؛ من أجل الحفاظ على ثمار برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي أنجزته الدولة خلال الفترة الماضية»، مشيرا إلى «الجهود المبذولة لجذب الإستثمارات، وحل مشكلات المستثمرين، وتشجيع الصناعة الوطنية، وتخفيض الفجوة بين الواردات والصادرات، وترشيد الإنفاق العام وتشجيع الإستهلاك».

 من جهته أكد المحافظ طارق عامر «النشاط العام للقطاع المصرفي والبنوك، حيث تم التأكيد على قوته وإستقرار أدائه خلال إختبارات وضغوط جائحة «كورونا»، كذلك القدرة على تحمّل الصدمات والمخاطر».

«فيتش»: النمو الإقتصادي في مصر

في المحصلة، توقعت وكالة «فيتش» للتصنيف الإئتماني، «نمو الإقتصاد المصري بنسبة 6 % في 2021/2022، وأن ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3 % خلال العام المالي 2021»، مشيرة الى «أن الإصلاحات المالية والإقتصادية التي تنفذها الحكومة تدعم تصنيف مصر والتوقعات المستقبلية، بالإضافة إلى إمتلاك مصر لإقتصاد كبير إستطاع المحافظة على الإستقرار والمرونة خلال الأزمة الصحية العالمية «كورونا».

في الخلاصة بحسب «فيتش»، صل نمو الإقتصاد المصري بنسبة 6 % في العام المالي 21/2022، ويتراجع  مستوى التضخم، ويُتوقع أن يبلغ في المتوسط 5 % خلال العام المالي 20/2021، ويتفوق أداء الإقتصاد المصري على العديد من الدول المصنّفة. علماً أنه وفق بنك التنمية الإفريقي، «إن نمو الإقتصاد المصري، يمتاز بالقوة والمرونة منذ تطبيق الإصلاحات الإقتصادية بدءاً من العام 2016».