رفع الدولار الجمركي سيزيد أسعار المواد الغذائية 5%

Download

رفع الدولار الجمركي سيزيد أسعار المواد الغذائية 5%

arabic

رفع الدولار الجمركي سيزيد أسعار المواد الغذائية 5 %

والكماليات 70 % والتضخم 30 %

لا يزال قرار رفع الدولار الجمركي الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني، ضمن إطار موازنة العام 2022، الشغل الشاغل للبنانيين والإقتصاديين، وخصوصاً مع إستمرار إرتفاع دولار السوق الموازية، والذي يبدو أن لا سقف له في غياب أي خطوات حقيقية للخروج من الأزمة.

حكايةُ الدولار الجمركي بدأت، بعدما طرحت الحكومة اللبنانية منذ أوائل العام الحالي، رفع قيمته من 1500 ليرة (سعر الصرف الرسمي) للدولار، إلى 20 ألفاً، بناءً على طرح وزير المال يوسف الخليل. وإستند فيه إلى صلاحية تشريعية إستثنائية، تُمكّنه من إجراء التعديل وذلك بالتفاهم أيضاً، مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، على أن يكون السعر قابلاً للتغيير، من دون أن يشمل مواد غذائية وسلعاً أساسية.

منذ ذلك الطرح، إختلفت وجهات النظر بين الوزراء والمسؤولين السياسيين، حول السعر الواجب إعتماده للدولار الجمركي، بين مَن يُفضّل 12 ألفاً و18 ألفاً و20 ألفاً وسعر منصة صيرفة (26500 ليرة)، أو متدرجاً على مراحل بدءاً من 8 آلاف ليرة، وهو سعر دولار الودائع الذي يستفيد منه المودعون، والإقتراح الأخير تمّ طرحه من قبل المجلس الإقتصادي والإجتماعي، إلى أن إستقر الرأي على تثبيته على سعر 15000 ليرة. علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون، كان رفض توقيع مرسوم رفع سعر الصرف، بعدما أحاله إليه موقعاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، متمسّكاً بضرورة الإتيان به ضمن قانون يُقرّ في البرلمان أو ضمن موازنة العام 2022.

وتهدف هذه الزيادة الكبيرة، إلى إدخال مزيدٍ من العائدات والأرباح، على خزينة الدولة تسمح لها بتغطية نفقاتها، وخصوصاً رواتب وأجور القطاع العام.

سلبيات وإيجابيات

في ميزان الإقتصاديين، هذا القرار له تداعيات سلبية كبيرة جداً، على الإقتصاد اللبناني بشكل عام، وعلى كل المواطنين بالأخص، وإن كان سيخدم القطاع العام عبر زيادة الرواتب والأجور للموظفين، لكنه سيضرّ القطاع الخاص بشكل كبير، كذلك كافة المواطنين بمن فيهم موظفي القطاع العام، الذين سيربحون بيد وسيخسرون باليد الأخرى، جرّاء إرتفاع الأسعار والمزيد من الإرتفاع في سعر صرف الدولار.

ويشدّد الإقتصاديون، على أنه رغم التطمينات الرسمية بأن إرتفاع الأسعار، لن يشمل المواد الغذائية الأساسية، إلاَّ أن هذه التطمينات غير دقيقة، لأن رفع الدولار الجمركي سيشمل كافة السلع حتى المعفيّة منها، إذ سيلحقها الإرتفاع بشكل غير مباشر، من خلال وسائل النقل والشحن وإرتفاع أسعار صيانة السيارات، متوقعين أن يُراوح هذا الإرتفاع بين 5 % على المواد الغذائية، و70 % على الكماليات كالسيارات والإطارات والأدوات الكهربائية، وغيرها من السلع غير الأساسية، وحتى المواد الغذائية التي عليها رسم جمركي مرتفع. كما ستشهد الأسواق إنخفاض بنسبة المشتريات والإستهلاك، كما ستنخفض القدرة الشرائية، وسيُراوح معدل نسبة التضخم بين 25 % و30 %.

ويعتبر الإقتصاديون أن أكثر التداعيات قساوة، هو إنعكاس سعر الدولار الجمركي، على إرتفاع سعر صرف الدولار، لأنه سيكون هناك المزيد من الضغط على شراء الدولار، بسبب إرتفاع كلفة الإستيراد. أما الطامة الكبرى برأيهم، فهي في إزدياد التهريب خصوصاً بين لبنان وسوريا. والجميع يعلم أن في لبنان 134 معبراً غير شرعي، إضافة إلى المعابر الشرعية. كما  أن عدم الإستيراد عبر المرافئ الشرعية يؤدي إلى إنخفاض مدخول الدولة من الجمرك والضرائب والرسوم.

 ويُوصي هؤلاء بأن يكون الرفع، متزامناً مع إقرار سلّة متكاملة من الحلول، كالإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتطبيق الإصلاحات البنيوية وترشيد القطاع العام.

يُوافق الخبير المالي الدكتور مروان قطب (أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية)، على أن «تعديل الدولار الجمركي له حسنات وسيئات»، شارحاً لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «من حيث المبدأ سيؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة، وهذا الأمر يُوفر سيولة نقدية للخزينة، لأن الجمارك تؤمّن تدفقاً نقدياً يومياً للخزينة، وهذا سيُؤدي إلى تقليص العجز في الموازنة العامة، وستتمكّن الدولة من تغطية نفقاتها، ولا سيّما الرواتب والأُجور للقطاع العام».

يضيف د. قطب: «كلما إرتفع معدّل إحتساب الجمارك، ستزيد الأعباء على التجار، وسيتحمل تبعاتها المستهلك. لكنها ستؤدي إلى تقليص إستيراد الكماليات، ما يعني إنخفاض العجز في الميزان التجاري  لكن بشكل  محدود».

ويشدّد د. قطب في المقابل، على أن «رفع الدولار الجمركي سيؤدي الى إرتفاع ملحوظ في الأسعار. صحيح أن هناك سلعاً معفاة، لكن سترتفع الأسعار بسبب الكلفة التشغيلية للمؤسسات والتجار، أبرزها كلفة المحروقات، كونُها غير معفاة من الضريبة على القيمة المضافة، والتي ستزيد بدورها من كلفة النقل والحفظ والتبريد وتوليد الكهرباء».

 ويختم د. قطب قائلاً: «معظم المواطنين يعتمدون على المولّدات الخاصة، وسيتأثر محدودو الدخل، وستزيد نسبة الفقر بصورة أساسية، لذلك كان من الأجدى أن يُتخذ هذا القرار في ظل حلول شاملة وليست جزئية».

القطاع الخاص وخسائره

يتناول الخبير المالي الدكتور باتريك مارديني، قرار رفع الدولار الجمركي من زاوية تأثيره على القطاع الخاص، ويقول لمجلة «إتحاد المصارف العربية»: «إن رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى مزيد من التهريب عبر الحدود، كما أن المهرّبين سيبيعون بضاعتهم في الأسواق المحلية من دون دفع دولار جمركي، والقطاعات الشرعية لن تعود قادرة على منافسة القطاعات غير الشرعية، وسيزداد وضعها صعوبة، فيما المهربون ستزيد أرباحهم، وسيدفع هذا الأمر إلى مزيد من التهرّب الجمركي، مما سيجعل إيرادات الدولة أقل من المتوقع».

ويرى د. مارديني: «أن رفع الدولار الجمركي سيرفع الكلفة على المستهلك اللبناني، مما سيزيد من الضائقة الإقتصادية، كون غالبية ما نستهلكه من مواد هو مستورد، وتالياً المردود الذي يجنيه لبنان من قطاع السياحة سيتم خنقه بزيادة الضرائب»، موضحاً أن «هناك الكثير من الشركات التي تتكبّد الخسائر، وتعاني الجمود، ومع الدولار الجمركي ستزيد أزمة هذه الشركات، وستؤدي إلى مزيد من الركود والإقفال وتسريح الموظفين، وهذه الخطوة ستُعمّق الركود الإقتصادي في لبنان بدل أن تُطلق العجلة الإقتصادية».

ويختم د. مارديني: «إن هذا القرار ينطوي على كثير من السلبيات، أما إيجابيته الوحيدة، فهي أننا نقترب من توحيد سعر الصرف، وأرى أن هذه الزيادة في الدولار الجمركي، يجب أن تترافق مع خفض بالنسب الجمركية، فمَن كان يدفع جمارك بنسبة 30 %، من الأفضل خفضها إلى 3 % للتعديل، وتجنُّباً للمساوئ التي سيُوقعها رفع الدولار الجمركي لأن ضرره سيكون كبيراً على الإقتصاد اللبناني».

تعديل القرار بيد الوزير!!

في المقابل يشرح الخبير الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أنه «سيتم  رفع الدولار الجمركي ودولار الضريبة على القيمة المضافة، كمرحلة أولى من رفع سعر الصرف الرسمي، وتم ربطها بخطة الحكومة الإنقاذية. والهدف هو تغطية تكاليف القطاع العام، مع زيادة الأُجور للقطاع العام بقيمة 3 مليارات ليرة شهرياً، وليس أمام الحكومة إلاّ خياران، إما رفع الدولار الجمركي أو طباعة العملة».

 ويرى  د. عجاقة أن «التداعيات ستكون من خلال إرتفاع الأسعار، بغياب الرقابة وستكون مرحلة صعبة على المواطن بسبب غياب الرقابة على التجار، فضلاً عن رفع مستوى  التضخُّم، مما سيزيد من الأعباء المعيشية للمواطن»، موضحاً أن «صندوق النقد الدولي يُراهن (من خلال تأييده هذا القرار) على تراجع الإستهلاك بسبب إرتفاع الأسعار، من دون الأخذ في الإعتبار التهريب الحاصل والذي يمتصُّ نصف الدولارات التي تُستخدم للإستيراد».

 ويختم د. عجاقة: «أن هناك صلاحيات إستثنائية أُعطيت لوزير المال، برفع الدولار الجمركي، وهذا يعني أنه يُمكن أن يُعاود لاحقاً على رفعه ليكون مقارباً لسعر السوق السوداء».

تركيب طرابيش

ماذا عن تأثر قطاع العقارات؟

يُجيب أمين سر نقابة المطورين العقاريين مسعد فارس، مجلة «إتحاد المصارف العربية» بالقول: «إن الدولار الجمركي سيؤثر على أسعار البناء الجديد الذي سيُشيّد، لأن كلفة مواد البناء التي تُستورد من الخارج، سيتم إحتسابها وفقاً للدولار الجمركي الجديد، مما سيزيد سعر متر البناء»، مشيراً إلى أن «الكلام يكثر حول أن رسوماً أخرى سيتم إحتسابها وفقاً لدولار 15000، والخوف أن يشمل ذلك المعاملات العقارية جميعها، مما سيزيد الكلفة على المواطن وعلى القطاع العقاري وعلى ثمن البناء».

يضيف مسعد فارس: «أما الأبنية المشيّدة قبل هذا القرار، فإن أصحابها سيأخذون في الإعتبار، بأن الأبنية الجديدة ستكون كلفتها أكبر على كل من المطوّر العقاري والزبون، لذلك ستزيد أسعار العقارات في المرحلة المقبلة»، مشدّدا على أن «الحل الجزئي لا ينفع بل يضرُّ بالإقتصاد الوطني والمطلوب هو حل شامل، أي تثبيت سعر الصرف وخطة إقتصادية متكاملة، وكل القطاعات الإقتصادية لن تقبل بهذه الحلول المجتزأة، لأنها كلّها ستتأثر، وما يحصل هو تركيب طرابيش، وليس حلولاً عادلة يُمكن أن تُخرجنا من الأزمة».

 باسمة عطوي

قطب:

 ستزيد نسبة الفقر

ومن الأجدى أن يُتخذ هذا القرار في ظل حلول شاملة وليست جزئية

مارديني:

 هذه الخطوة ستُعمّق

الركود الإقتصادي

بدل أن تُطلق العجلة الاقتصادية

عجاقة:

صلاحيات وزير المال

 تسمح له بمعاودة

 رفع الدولار

ليكون مقارباً لسعر

السوق الموازي

فارس:

ستزيد أسعار العقارات

 في المرحلة المقبلة

وما يحصل

 حلول مجتزأة

 تضرُّ كلّ القطاعات