روسيا وإحتمال العجز عن سداد الديون بالدولار
إستطاعت روسيا على مدى الأسابيع الأولى التي رافقت غزوها لأوكرانيا أن تتفادى، رغم العقوبات الدولية، خطر العجز عن سداد الديون. لكن هذه المرّة وبعد قرار أميركي ينص على عدم قبول دولارات تعود إلى موسكو داخل البنوك الأميركية، فروسيا مهدّدة من جديد بعدم قدرتها على السداد. وهذا ما أكّدته وحدة الإستثمار الخاصة في وكالة التصنيف العالمية «موديز»، بأن روسيا يُمكن أن تُعلن عدم القدرة على السداد في حال لم تلتزم إستحقاقين للدفع بالدولار لغاية فترة السماح التي تنتهي في 4 أيار/ مايو 2022.
وزير المال الروسي كان قد أكد مطلع نيسان/ أبريل 2022 أن بلاده سدّدت بالعملة المحلية (الروبل) ما قيمته 650 مليون دولار سندات ديون للدائنين الدوليين، لكن هذا الإحتمال قد يتوقف أيضاً مع تشديد العقوبات، ولا سيما من جهة وزارة المال الأميركية التي لم تعد تسمح بأن تستخدم روسيا أموالها بالدولار في الولايات المتحدة.
وهنا تجد روسيا نفسها بين أمرين: إيجاد مخرج سياسي لغزوها لأوكرانيا، والحفاظ على ماء الوجه في حال لم تصل إلى هدفها بالسرعة التي توقعتها، لأن الأمور على ما يبدو قد تأخذ حيّزاً من الزمن. وبالتوازي مع هذا السيناريو، كم بمقدور موسكو التحمّل مع عقوبات تزداد أسبوعاً بعد أسبوع عليها، وكم يكفها المخزون من دون الحديث عن إحتمال أن يُعلق الإتحاد الأوروبي إستيراد الغاز الروسي وحرمان روسيا من العملة الصعبة.
وكالة التصنيف «موديز» أكدت في بيان، أن ما قامت روسيا بتسديده في 4 نيسان/ أبريل بالعملة المحلية (الروبل)، عبارة عن إستحقاقين، الأول في 2022 والثاني في 2024. وأن الدفع بالروبل ليس بالدولار يُخالف ويُغيّر شروط العقود الأساسية التي إستدانت موسكو بموجبها، وبالتالي فهذا الأمر بحد ذاته، يُعتبر تخلّفاً عن السداد في حال لم تستطع روسيا سداد إستحقاقاتها في 4 أيار/ مايو.
فالعقود الموقعة بين روسيا ودائنيها في الخارج، لا تنص على سداد الديون بعملة غير الدولار. علماً أن بعض سندات اليوروبوندز التي أُدرجت بعد العام 2018، تسمح بحسب «موديز» أن يتم السداد بعملة الروبل، لكن ضمن شروط. بينما السندات التي تم إدراجها قبل العام 2018، فالعقود الخاصة بهذه السندات، إما لا تنص على السداد بالروبل، وإما تسمح بالسداد بعملة بديلة، لكن بإحدى العملات التالية: فرنك سويسري، الجنيه الإسترليني، اليورو وطبعاً الدولار وهي العملة الأساسية التي صدرت السندات على أساسها.
فلا شك في أن روسيا اليوم في وضع إقتصادي ونقدي لا تُحسد عليه. بالإضافة إلى تخفيض تصنيف موسكو في 9 نيسان / أبريل من قبل وكالة التصنيف المالي «ستاندرد أند بورز» S&P – Global Ratingo، من قدرتها على سداد ما يتوجب عليها من مدفوعات دولية بالعملة الصعبة، وباتت علامة روسيا في خانة العجز عن السداد في مجالات معينة defaut de paiement selectif، وهذه المرحلة تسبق مرحلة العجز عن السداد التام أو العام. وهذه المرحلة التي وصلت إليها روسيا هي تفسير لما قامت به من سداد بالعملة المحلية.
نظرياً، إن روسيا ليس لديها مشكلة في تسديد ديونها، ولا سيما أن ديونها لا تتعدى نسبة الـ 18 % من ناتجها المحلي. حتى أرقام نهاية العام 2020 وفي العام 2012 لم تتعدَّ ديونها نسبة الـ 10 % من الناتج نفسه. وتملك 630 مليار دولار إحتياطي من عملات صعبة ودولار. لكن العقوبات طاولت نصف هذه الإحتياطات تقريباً، ولا سيما التعامل بالدولار المملوك للدولة الروسية من بنوك الخارج، كما جاء في تشديد العقوبات الأميركية على موسكو نتيجة غزوها لأوكرانيا.
مدى تأثير تخلّف روسيا عن الديون إن حصل على الإقتصاد العالمي
إذا وقعت روسيا في عجز عن سداد ديونها، لن يكون لذلك الصدى البعيد على الإقتصاد الدولي، لأن الإقتصاد الروسي يزن نسبة ضئيلة بالنسبة إلى إقتصاد العالم والإقتصاد الريعي الذي يعتمد على العائدات من مبيعات النفط والغاز. وصادراتها تشكل نسبة 3 % من صادرات العالم. علماً أن الحرب الروسية – الاوكرانية تركت بصماتها على أسعار المحروقات والحبوب والزيوت، وكل ما هو مواد غذائية مصدرها أوكرانيا. بعض الإقتصاديين يقول في هذا الموضوع، وهم بالغالب مختصون بالإقتصاد الروسي، إن روسيا إذا تخلّفت عن السداد قد تشهد تصعيداً في سعر مواد الطاقة والحبوب.
ومن جانب الإستثمارات المالية، نلاحظ أنه ومنذ أن ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014، فإن غالبية الإستثمارات الدولية قد غيّرت وجهتها عن روسيا، في خطوة تهدف إلى التخفيف من التعرّض للمخاطر الناجمة عن تطورات غير منتظرة، كما حصل مؤخراً مع أوكرانيا.
في الإجمال، إن وضع روسيا اليوم مختلف عن فترة العام 1998، عندما عصفت بروسيا أزمة مالية حادة هزّت أسواق العالم، وإنعكست سلباً على العملة المحلية التي تأثرت وتدنت قيمتها، ووقعت روسيا في محظور عجز السداد عن الديون.
ولا أحد اليوم يتوقع سيناريو متشائماً نظراً إلى ترابط الأسواق في أيامنا هذه، والمختلفة عن تلك الفترة، نظراً إلى تطور السوق المصرفية العالمية والأدوات المنيعة والتي تأخذ في الإعتبار مخاطر الدول.
إنطلاقاً من هنا، قد لا يكون لتخلّف روسيا إذا حصل، إرتدادات قوية، ولن تكون هناك بحدود الإفلاس والتخلّف في الأسواق العالمية، ولا حتى مخاطر على سوق المال أو سوق البنوك.
إن دولة تُصنّف في عجز عن السداد، عندما تكون غير قادرة على الوفاء بالإستحقاق المتوجب عليها بإتجاه دائنيها، وهم إما دول أو مؤسسات مالية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين أو مستثمرون في السوق المالية، والعجز قد يكون جزئياً عندما تتخلّف الدولة عن سداد جزء من سنداتها.