شغور موقع الحاكم المركزي يعني «أن سياسة مصرف لبنان ستسير بشكل أعرج»
الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمُّود: لا يُمكن حلّ الأزمة المالية في لبنان
من خلال قوانين وتشريعات كانت نافعة قبل حصول الإنهيار
ليس تفصيلاً، أن يبقى الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي في لبنان من دون معالجة، والبلاد تعيش الشلل السياسي والفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية الذي قد يمتد إلى فترة زمنية طويلة. فقدرة لبنان على الصمود ليست كبيرة، في ظل الإنهيار المالي والإقتصادي الذي يعيشه منذ سنوات، والخيارات لا تبدو كبيرة، فما هي السيناريوهات المحتملة؟
يرسم الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمُّود، لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، معالم الواقع المصرفي والإقتصادي في لبنان من دون قفّازات، ويُحدّد مكامن الضعف بناء على ما إقترفت أيادي المسؤولين، السياسيين والماليين فيه. وينطلق في تحديد الواقع النقدي والمصرفي في لبنان من خلال تأكيدين، الأول «ألاّ يجب إنتظار إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، للقيام بإجراءات مالية ونقدية ترقيعية تسمح بإبقاء لبنان على قيد الحياة»، والثاني أنه «لا يُمكن مقاربة وحلّ الأزمة المالية والنقدية، من خلال قوانين وتشريعات كانت نافعة قبل حصول الإنهيار، والمطلوب مقاربة وقوانين جديدة».
يؤكد سمير حمُّود أن «لبنان يسير بقوة دفع أموال المغتربين التي يُرسلونها إلى ذويهم، ومن الموسم السياحي، سواء في الشتاء أو في الصيف، بالإضافة إلى الحركة الطفيفة التي تحصل في السوق الداخلية، ممّا يُولد نمواً بدرجات صغيرة جداً لا يُمكن التعويل عليه»، واصفاً «الإجراءات التي تطال بعض البنوك، بأنها ترقيعية لا تُصيب الهدف، وهيكلة المصارف تحتاج إلى تشريع جديد، وخطة شاملة وكاملة وهذا ما لا يحصل اليوم».
ويرى حمُّود أن «تعيين حاكم جديد في تموز (يوليو) 2023، خطوة مهمة جداً، لأن القانون يُعطي للحاكم صلاحية مطلقة. وفي غياب الحاكم، القانون لم يسمح بالفراغ، بل بشغور يُمكن أن يُغطّيه نائب الحاكم الأول، لكنه في الأزمات، نائب الحاكم غالباً ما يكون حذراً، لأنه يعلم أن مسؤولياته ليست مستدامة، ولن يستطيع أخذ قرارات كبيرة لمعالجة أزمة بهذا الحدّ.
وفي حال شغور موقع الحاكم المركزي، فإن سياسة مصرف لبنان ستسير بشكل أعرج، لأنه يُواجه أزمة شديدة جداً لن يحملها نائب حاكم مصرف لبنان وحده».
ويوافق حمُّود على أن «جوهر المشكلة سياسي، لكن في غياب الحل السياسي الواضح، يُمكن القيام بخطوات تُخفّف من إنعكاسات الأزمة المالية والنقدية على الناس وإستمرارية لبنان. وفي ظل إنسداد الافق السياسي، الترقيع المالي يُصبح مفيداً لكي يبقى لبنان على قيد الحياة».
لا إنعكاسات سلبية إضافية
يقرأ حمُّود الوضع المالي والإقتصادي في ظل الشلل السياسي في لبنان فيقول: «لا أعتقد أن هناك إنعكاسات سلبية إضافية على الواقع الإقتصادي والمالي الحالي في ظل الفراغ في سدّة الرئاسة اللبنانية. ومع التشديد على ضرورة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن الإستحقاق الأهم بالنسبة إلى اللبنانيين، والمتعلق بالموضوع النقدي، هو تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان في تموز (يوليو) 2023».
يضيف حمُّود: «برأيي الشخصي، إن تعيين الحاكم هو الإستحقاق الأهم في الموضوع النقدي في لبنان، وإلى أن يحين هذا الموعد، وحتى ولو طالت عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فسيكون هناك إحاطة للإنعكاسات السلبية لهذا الفراغ حيال الوضع المالي. بمعنى أن لبنان يسير بقوة دفع أموال المغتربين، التي يُرسلونها إلى ذويهم ومردود الموسم السياحي، سواء في الشتاء أو في الصيف، بالإضافة إلى الحركة الطفيفة التي تحصل في السوق الداخلية، ما يخلق نمواً بدرجات صغيرة جداً، وخصوصاً أن حجم الناتج القومي في لبنان، لا يزيد عن 40 % عمّا كان عليه قبل الأزمة، وهذا النمو يعني أنه لا يُمكننا التعويل عليه».
لا حلول تُقدّم لإنقاذ القطاع المصرفي
يأسف حمُّود «لأنه ما من أحد يُعطي حلولاً للقطاع المصرفي والأزمة المصرفية الحاصلة. وكل الحلول التي تُطرح هي حلول ترقيعية لا تُصيب الهدف، لأن إعادة العمل في القطاع المصرفي، هو جزء أساسي وركيزة في إعادة بناء الإقتصاد اللبناني»، معتبراً أن «ما يجري على صعيد التبليغات لمصارف صغيرة لتصفيتها، هو أصغر بكثير من أي خطوة، بإتجاه إعادة هيكلة المصارف اللبنانية، لأن إعادة هيكلة المصارف تحتاج إلى تشريع جديد، وخطة شاملة وكاملة وهذا ما لا يحصل اليوم».
ويُشدّد حمُّود على أن «قوانين النقد والتسليف الحالي، والقانون 110 وقانون 92 /93، لم تعد نافعة لمعالجة قطاع مصرفي بحجم القطاع الموجود في لبنان، وإعادة الهيكلة تحتاج إلى تشريعات جديدة، ومعالجة شاملة وكاملة لإعادة تكوين القطاع المصرفي وليس إعادة الهيكلة»، معتبراً أن «ما يجري من خطوات في القطاع حالياً، هو إعتماد معايير سابقة لمقاربة مشاكل بعض المصارف على الورق، وهذا ما كان يصلح قبل حصول الأزمة، إذ إنطلقوا في إجراءاتهم من إعتبار أن المصارف المعنية، لديها ملاءة وسيولة على الدفتر أو الورق، ويطلب منها تسوية أوضاعها».
يضيف حمُّود: «في الحقيقة كل المصارف لا تدفع الودائع لمودعيها، وفي جوهر الموضوع أن كل المصارف في لبنان، تعيش حالة التوقف عن الدفع للمودعين، وكل ما يحاول مصرف لبنان القيام به، هو محاسبة عدم إيفاء بعض المصارف ببعض الإلتزامات الورقية – الشكلية، المطلوبة وفقاً لمعايير الملاءة والسيولة».
تعيين الحاكم خطوة أساسية
يرى حمُّود أن تعيين حاكم جديد خطوة مهمة جداً، لأن القانون يُعطيه صلاحية مطلقة، وفي حال غياب القانون لن يُسمح بالفراغ بل بالشغور الذي يُمكن أن يغطيه نائب الحاكم الأول، لكنه في الأزمات نائب الحاكم، غالباً ما يكون حذراً، لأنه يعلم أن مسؤولياته ليست مستدامة، ولن يستطيع أخذ قرارات كبيرة لمعالجة أزمة بهذا الحد، وفي حال شغور موقع الحاكم المركزي، فإن سياسة مصرف لبنان ستسير بشكل أعرج، لأنه يُواجه أزمة شديدة جداً لن يتحمّلها نائب حاكم مصرف لبنان وحده».
يضيف حمُّود: «صحيح أن «جوهر المشكلة سياسي، ولا حلّ للمشكلة المالية والإقتصادية في لبنان على حساب الوضع السياسي، لكن لا يُمكن الإنتظار حتى تنفرج سياسياً، حتى نقوم بمعالجة الوضع المالي»، مؤكداً أن «المشكلة أكبر من ذلك، وما أقوله أنه في غياب الحل السياسي الواضح، يُمكن أن نقوم بخطوات تُخفف من إنعكاسات الأزمة المالية النقدية على الناس وإستمرارية لبنان».
ويشير حمُّود إلى أن «الأزمة السياسية هي من دون شك، الأساس، ومن دون معالجتها كل الحلول تصبح ترقيعية. لكن في ظلّ إنسداد الأفق السياسي، الترقيع المالي يُصبح مفيداً لكي يبقى لبنان على قيد الحياة. نحن لا نُقدم أهمية موقع حاكم مصرف لبنان على موقع الرئاسة الاولى، لكن الناس في لبنان تهتم بواقعها المعيشي أكثر من إسم رئيس الجمهورية».
ماذا عن التحذيرات الدولية من إهمال لبنان، في حال ظل المسؤولون السياسيون ثابتين على أدائهم السيء؟، يقول حمُّود: «مَن لا يهتم بتحذيرات شعبه، لن يهمُّه تحذيرات صندوق النقد الدولي، فالمسؤولون اللبنانيون لا يكترثون لصرخات الناس، فهل يُعقل أن يهتموا لتحذيرات المجتمع الدولي؟ الأزمة فاضحة وواضحة، والحلُّ بديهي، لكننا نبتعد عن الحلول ولا نُقاربها، يا للأسف الشديد بكل موضوعية وإهتمام، أقلّه للمحافظة على الوطن والشعب».
ويختم سمير حمود قائلاً: «نحن نحتاج إلى إستثمار صداقاتنا العربية والدولية، ودعم صندوق النقد الدولي، لكن ينبغي أن نتحلّى بالجرأة كي نُقارب الحلول العملية والضرورية قبل فوات الأوان».