سياسات بنك السودان المركزي لمعالجة سعر الصرف
مزادات النقد الاجنبي من أهم الجهود المبذولة لاستقرار سعر صرف الجنيه السوداني
سياسة البنك المركزي لعام 2022 تستهدف استقرار سعر الصرف
بالاستمرار في سياسة سعر الصرف المرن المدار
يكرِّس بنك السودان المركزي جهوداً كبيرة للسيطرة على سعر الصرف، وذلك في ظروف محلية وإقليمية وعالمية معقدة، ويحقق نجاحات ملحوظة في هذا الإطار، ومن تلك السياسات القرارات المباشرة، ومزادات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى مجمل السياسات الواردة في السياسة النقدية للبنك لعام 2022، وسنعمل على استعراض تلك الجهود باقتضاب وفق ما تسمح به المساحة المتاحة.
سياسات توحيد سعر الصرف:
أدّت عدة عوامل تتعلق بالاقتصاد السوداني ككل إلى تذبذب وارتفاع متواصل في سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية في السودان مقابل الجنيه السوداني. واتبع بنك السودان المركزي سياسة السعر التأشيري، وهو آلية اتبعها البنك المركزي مع البنوك العاملة في السودان، يتم على أساسها بشكل يومي تحديد سعر صرف الدولار في السوق المحلية لأغراض التجارة والمدفوعات وأسعار الصرف الرسمية، بناء على التطورات النقدية في البلاد. وفي عام 2019 كان السعر التأشيري في حدود 30 جنيهاً، وارتفع إلى 47.5 جنيهاً للدولار، ولكن في أبريل 2019 أعلن البنك المركزي خفض سعر صرف الدولار التأشيري في البنوك التجارية إلى 45 جنيهاً، مقارنة مع 47.5 جنيهاَ. ولم يستمر ذلك طويلاً حيث تحرك السعر التأشيري إلى 55 جنيهاً ثم إلى 120 جنيهاً، وفي فبراير 2021 بلغ سعر صرف الدولار في السودان في السوق الموازي أكثر من 350 جنيهاً سودانياَ.
وفي خطوة تستهدف توحيد سعر السعر أعلن بنك السودان المركزي في فبراير 2021 عن توحيد سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار في السوقين الرسمي والموازي. وقال بيان بنك السودان المركزي إن «القرار يهدف إلى توحيد واستقرار سعر الصرف، وتحويل الموارد من السوق الموازي إلى السوق الرسمي بجانب استقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية واستقطاب تدفقات الإستثمار الأجنبي». وأضاف البيان أنّ «القرار سيساهم في تطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات وتحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص بإعطائهم سعر الصرف المجزي». وأكّد على أن توحيد سعر الصرف سيعمل على الحدّ من تهريب السلع والعملات وسدّ الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي والمساعدة في العمل على إعفاء ديون السودان الخارجية بالاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.
وعقد اتحاد المصارف السوداني مؤتمراً صحفياً بوكالة سونا للأنباء لدعم سياسات البنك المركزي حول توحيد سعر الصرف، وأثرها في استقرار سعر صرف العملة الوطنية، ومواجهة الشائعات الضارة بسعر الصرف، ودعم ذلك ببيان وردود وتصريحات، حيث أوكلت لاتحاد المصارف مهمة العمل الإعلامي الخاص بسياسات سعر الصرف.
وبالفعل كان للقرار، الذي تجاوبت معه المصارف السودانية، واتحاد المصارف السوداني، آثاره الإيجابية إذ إن تحويلات المغتربين قد بدأت في التدفق إلى السودان عبر القنوات الرسمية، وأصبح هنالك في الداخل اتجاه لبيع العملات من قبل المواطنين للبنوك التجارية بفعل توحيد سعر الصرف وساعدت تلك السياسة في بناء احتياطات من العملات الحرة في البلاد، برغم آثارها التضخمية.
ولكن عندما عاد الانفلات مرة أخرى في سعر صرف الدولار في السوق الموازي في عام 2022، عاد بنك السودان المركزي ووزارة المالية ولجنة الطوارئ الاقتصادية مرة أخرى إلى العمل على توحيد سعر الصرف. وفي مارس 2022 أعلن بنك السُّودان المركزي، عن توحيد سعر صرف الجنيه السوداني، لتقوم المصارف وشركات الصرافة بتحديد وإعلان أسعار بيع وشراء العملات الحرة دون تدخُّل من البنك المركزي في عملية تحديد الأسعار. جاء ذلك، في اللقاء التنويري الذي عقده معالي الأستاذ حسين يحيى جنقول، محافظ بنك السودان المركزي، مع مديري عموم المصارف التجارية وشركات الصرافة. ويأتي هذا الإجراء في إطار سياسات نقدية إصلاحية متكاملة ومُستدامة تصدر تباعاً، تستهدف استقرار سعر الصرف وزيادة قدرة الجهاز المصرفي على استقطاب الموارد. وأكّد معالي المحافظ أنّ حزمة الإصلاحات المستهدفة سوف يكون لها الأثر الإيجابي على الجهاز المصرفي وعلى الاقتصاد الكلي على المديين المتوسط والطويل، كما أكّد سيادته على قدرة المصارف التجارية وشركات الصرافة على القيام بدورها في إنجاح هذه السياسات الإصلاحية بما يُحقِّق المصلحة العامّة.
سياسة مزادات النقد الأجنبي:
ضمن جهوده لتوفير النقد الأجنبي للبنوك بما يؤدي إلى الحد من انفلات سعر الصرف، أعلن بنك السودان المركزي عن سياسات مزادات النقد الأجنبي لبيع العملات الحرة للبنوك السودانية لتفي بالتزاماتها تجاه عملائها، وتم الإعلان عن قيام المزاد الأول الذي حمل الرقم «1/2021» بحجم كلي «40» مليون دولار أميركي. وكان الحد الأعلى لقيمة الطلب المسموح بتقديمه من كل مصرف كنسبة من حجم المزاد الكلي 20 %. وأوضح البنك المركزي أن المزاد يقتصر على المصارف فقط إنابة عن عملائها، على أن يُقدِّم العميل طلباً واحداً عبر مصرف واحد مع توضيح الرمز الإئتماني والرقم الضريبي، على ألّا تزيد قيمة الطلب عن النسبة التي يحددها البنك عند الإعلان عن المزاد. واستمرت المزادات مع إعلان نتائجها من قبل البنك المركزي.
شروط دخول مزادات النقد الأجنبي:
1- يقتصر المزاد على المصارف فقط نيابة عن عملائها على أن يقدم العميل طلباً واحداً عبر مصرف واحد مع توضيح الرمز الائتماني والرقم الضريبي .
2- على المصرف تقديم طلب واحد يوضح فيه احتياجات العملاء، على ألا تزيد قيمة الطلب عن النسبة التي يحددها بنك السودان المركزي عند الإعلان عن المزاد.
3- تُقدم الطلبات بحد أدنى 20,000 دولار للعميل الواحد.
4- يتم تسعير كل طلب في صورة أربعة أرقام عشرية لسعر الشراء مثال: (381.8000) جنيه للدولار.
5- توفر رصيد كافٍ بالعملة المحلية في حساب العميل مقدم الطلب .
6- توفر رصيد كافٍ بحساب المصرف بالعملة المحلية لدى بنك السودان المركزي يغطي قيمة المبلغ المطلوب شراؤه.
7- في حالة عدم وجود رصيد كافٍ في حساب المصرف يتم فرض غرامة على المصرف.
8- على جميع المصارف الإلتزام بتقديم طلبات بأسعار عملائها.
9- يجب على المصرف إرفاق طلبات العملاء.
10- في حالة عمليات الاستيراد الآجلة السداد وعمليات الدفع ضد المستندات يجب على المصرف إرفاق بوليصة الشحن والفاتورة.
11- في حالة استيراد أدوية غير مدعومة إرفاق خطاب عدم ممانعة من المجلس القومي للأدوية والسموم.
12- في حالة استيراد الأسمدة والمبيدات الحشرية يجب اعتماد الفاتورة من وزارة الزراعة/ وقاية النباتات.
13 تقتصر الطلبات التي تقدم على عمليات استيراد السلع حسب ما هو محدد بقائمة سلع المزاد رقم 2/2022.
وهكذا تستمر المزادات بفعالية وتحقق أغراضها المرجوة.
سياسة البنك المركزي للعام 2022
أصدر بنك السودان المركزي سياساته للعام 2022 وعممها على كافة المصارف للعمل بها اعتباراً من الاول من يناير في العام الجاري. وتستهدف سياسات المركزي تحقيق الاستقرار النقدي والمساهمة في الاستقرار المالي وتبني الحوكمة والنزاهة ومحاربة الفساد وإدارة المخاطر والالتزام.
ووفق المنشور يتم الاستقرار النقدي من خلال استقرار المستوى العام للأسعار والنزول بمعدل التضخم إلى رقم ثنائي نهاية العام الجاري باتباع عدد من الإجراءات الخاصة بضبط التوسع النقدي وتحجيم دور البنك المركزي والمصارف في تمويل الحكومة وتعزيز تمويل القطاع الخاص لخدمة القطاعات الإنتاجية، من خلال استهداف نمو القاعدة النقدية بمعدل 13 % ونمو في عرض النقود بمعدل 22 % بنهاية العام 2022، واستدعاء ودائع بنك السودان المركزي والقروض الحسنة طرف المصارف ومساهماته في المحافظ الاستثمارية والتي حان أجلها ويمنع جدولتها أو رسملتها.
ويستمر بنك السودان في الخروج التدريجي من المساهمات الرأسمالية في المصارف التجارية والشركات ومؤسسات التمويل الأصغر مع التنسيق مع الحكومة لتعديل الإجراءات القانونية التي تساعده في الخروج من مساهَماته في رؤوس أموال مصارف التنمية والهيئات العامة، والعمل على إحكام التمويل المباشر وغير المباشر المقدم من المصارف والجهات والمؤسسات الحكومية وفقاً للضوابط المنظمة وتوجيه فروع المصارف العاملة بالولايات بتخصيص نسبة 70 % من جملة الموارد المستقطبة في الولاية للقطاعات الإنتاجية داخل الولاية حسب طبيعة النشاط الاقتصادي مع تشجيع المصارف بإنشاء َمخافظ تمويلية والإسهام في تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.2 % لهذا العام.
وكذلك التأكيد على استقرار سعر الصرف بالاستمرار في سياسة سعر الصرف المرن المدار ومواصلة سياسة مزادات النقد الأجنبي، وتعظيم موارد النقد الأجنبي وترشيد استخدامه والطلب عليه مع بناء احتياطيات رسمية من النقد الأجنبي والذهب مع استعادة وتطوير العلاقات المصرفية الخارجية.
وتشمل أدوات السياسة النقدية الاحتياطي النقدي القانوني وذلك بالاحتفاظ بأرصدة نقدية لدى بنك السودان المركري بنسبة 20 % من جهة الودائع الخاضعة للاحتياطي القانوني بالعملتين المحلية والأجنبية، كما تشمل تكلفة التمويل عمليات السوق المفتوحة وعمليات مبادلة وبيع وشراء النقد الأجنبي ودور بنك السودان المركزي كمقرض أخیر.
وركزت السياسات النقدية على تبني سياسات احترازية كلية من خلال تحديد وإدارة المخاطر النظامية التي تؤثر على استقرار القطاع المالي، وتطبيق الآليات والأدوات لمراقبة وتقييم وإدارة المخاطر النظامية وتقوية وتفعيل الإطار المؤسسي بين الجهات الرقابية على القطاع المالي ككل لتحقيق الاستقرار المالي.
ويكون الاستقرارالمالي من خلال خلق كيانات مصرفية قوية، والاستمرار في إصلاح الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، وتعزيز دور المصارف المتخصصة ومؤسسات وشركات التمويل الأصغر والصغير بالعمل وفق تخصصاتها، كما الاستمرار في تعزيز رؤوس أموال المصارف بما يحافظ على نسبة كفاية رأس المال المحددة من البنك المركزي في أي وقت من الأوقات، ويسمح للمصارف بإجراء عمليات الدمج والاستحواذ أو التصفية لاستيفاء المطلوب، إضافة إلى الاستمرار في رفع رؤوس أموال مؤسسات التمويل الأصغر بما يحقق الملاءة المالية والسماح لمؤسسات التمويل الأصغر بالدمج أو الاستحواذ أو التصفية.
ووجهت السياسات المصارف بضمان استيفاء النسبة المخصصة للتمويل الأصغر والمحددة بـ12 % من المحفظة التمويلية لكل مصرف، واستيفاء ضوابط البنك في ما يتعلق بالعملة النظيفة ومحاربة التزوير والتهيئة لتطبيق النظام المصرفي المزدوج (إسلامي ـ تقليدي) مع التطبيق العملي للموجهات الفقهية لمختلف صيغ التمويل الإسلامي..
ومنحت السياسات المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية الحق والحرية في تحديد هامش الربح عند التمويل بكافة الصيغ المسموح بها، وتفعيل عمليات السوق المفتوح عبر بيع وشراء الأوراق المالية المتاحة وعمليات مبادلة وبيع وشراء النقد الأجنبي.
وفق السياسات المذكورة حقق بنك السودان المركزي منجزات مهمة في ظروف بالغة الدقة اقتصادياً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، إذ تشتكي معظم بلدان العالم من صعوبات اقتصادية وغلاء في المعيشة وارتفاع في الأسعار وآثار تضخمية غاية في الصعوبة.