سياسة المصارف المركزية العالمية تفضح هشاشة البتكوين:
تجربة الإحتياطي الفدرالي الأميركي
لشدّة ضعفها على تلقّي الصدمات، كان يكفي للإحتياطي الفدرالي أن يرفع سعر الفائدة 75 نقطة أساس في ضربة واحدة لإحتواء التضخم، حتى إنهارت العملة المشفّرة (بتكوين) بنسبة أثارت بل إستدعت التفكير بهذا النوع من العملات، وما الفائدة منها، وما مدى قدرتها على تحمّل الويلات الإقتصادية والمالية العالمية، وهل هي فعلاً إستثمار ملجأ؟
أسئلة كهذه وغيرها، تستحق أن تُطرح عندما نرى العملة الرقمية هذه تتقلّب بأحجام قياسية، وهذا عيبها، علماً أنها غير قابلة للإختراق.
عملةُ بتكوين تراجعت إلى ما دون العشرين ألف دولار، مواصلة تراجعها الذي بدأ قبل إتخاذ الإحتياطي الفدرالي رفع الفائدة بواقع 0.75 %، لكنه تفاقم غداة رفع الفائدة وسط مخاوف من هبوط أكبر لأداء العملة في الأيام المقبلة، حيث جاء تراجع بتكوين بالتزامن مع موجة نزوح من الإستثمارات عالية المخاطر كالعملات المشفرة، وأسواق الأسهم والسندات والتحوّط بشراء الدولار (الذي يستفيد من رفع الفائدة) تخوّفاً من حدوث ركود في الإقتصاد الأميركي.
ومع تراجع عملة البتكوين بمعدّل 40 % منذ العام 2021 حتى هبوطها تحت العشرين ألف دولار، بعدما بلغت قيمة ليست بعيدة عن الـ 70 ألف دولار، تُكوّن القيمة السوقية للبتكوين في التعاملات التي أعقبت رفع الفائدة الأميركية نحو 350 مليار دولار هبوطاً من 1250 مليار دولار (1.25 تريليون) في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
بينما بلغت القيمة السوقية للعملات الإفتراضية كافة حول العالم في التعاملات نفسها نحو 854 مليار دولار نزولاً من ذروتها التاريخية البالغة 3 آلاف مليار (3 تريليونات) من التاريخ ذاته.
– لماذا تأثرت البتكوين بقرار الإحتياطي الفدرالي
هذه العملة بدأت تخط طريق النزول عشية القرار الأميركي غير المسبوق منذ ثلاثة عقود (0.75 % ضربة واحدة)، رفع الفائدة المركزية لمواجهة تضخم غير مسبوق منذ أكثر من 40 عاماً، متخطيّاً نسبة الـ 8 %، ملوّحاً بالمزيد، إن لم تتخذ السلطات النقدية إجراءات عاجلة وسريعة لتأخير سرعة سير التضخم لئلا الإصطدام بحائط الكارثة وارد جداً. هذا السيناريو متوقع، ليس فقط في الولايات المتحدة بل في بلدان عظمى أخرى بلغ فيها معدّل التضخم مستويات مخيفة أيضاً مثل منطقة اليورو.
إلاّ أن البتكوين سريعة التأثر، وتتقلَّب بأحجام كبيرة جداً في الهبوط كما في الصعود، ومن أكبر خصائصها أنها لا تخضع لمراقبة مصارف مركزية، لكنها تُعتبر المؤشر الرئيسي لحركة العملات المشفرة في السوق. ومع ذلك، فهي عرضة لتغيّرات ماكروإقتصادية، وها هي اليوم في وجه زوبعة الإستثمارات مضطربة نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا والتضخم الناجم في جزء منه عن إرتفاع أسعار الطاقة والحبوب بسببب الغزو الروسي وأيضاً نتيجة سياسة مصرفية، بدأت مصارف مركزية مثل الإحتياطي الأميركي بتطبيقها مع رفع سعر الفائدة، وأيضاً وأيضاً التوقف عن التمويل الذي كان الإحتياطي الفدرالي يتبعه من خلال شراء سندات دين حكومية وسندات شركات متعثّرة مقابل ضخ السيولة في الأسواق.
هذه السياسة توقفت بإعتبار أن الإقتصاد آخذ بالتعافي ولا سيما بعدما عبر مطبّات جائحة الكوفيد. وهذا التعافي يُشجّع على قرار رفع الفائدة. وهذه الأخيرة ظلت لأعوام طويلة قريبة من الـ 0 % وأحياناً ما دون الصفر.
فإن التقنين بالتمويل خلق نوعاً من القلق في الأسواق، يُرافقه رفع للفائدة، مما خلق حالاً من التردُّد في الإستثمار بالأصول التي تُعتبر معرّضة للمخاطر بالأدوات التكنولوجية. وهذه الأدوات تُعتبر حاضنة لعملة البتكوين والعملات الرقمية عموماً، ما يؤدي إلى تعرّضها للمخاطر والإهتزاز وحتى إلى هروب المستثمرين منها، مما يدفع إلى التفكير من أن تتواصل حلقة الإنهيارات، وتُطاول مجمل العملات المشفّرة. وهذا قد يكون وارداً. علماً أن هذا النوع من العملات مُعرّض أيضاً للإرتفاع وبسرعة عندما تعود الأمور الإقتصادية إلى نصابها.
لقد بيّنت التجارب منذ عرفت هذه العملة التعامل بها قبل غيرها، أن البتكوين تتجه دوماً نحو المطبّات بتقلباتها هبوطاً وصعوداً، ولا سيما عندما يتخذ البنك المركزي قراراً يتعلق بسعر الفائدة. لكن غالباً ما يكون التأثير لذلك واضحاً، بعد أيام قليلة من رفع الفائدة.
وهنا الجدير بالذكر، أن الإحتياطي الفدرالي وعندما رفع الفائدة بواقع 0.5 % في أيار/ مايو الماضي، وهي النسبة الأعلى في الرفع منذ نحو 22 عاماً، لاحظنا حينها أن البتكوين حققت بعض الإنتصارات، إلاّ أنها سرعان ما هبطت بعد ذلك بأيام قليلة، ولم تُواصل رحلة الصعود متأثرة أيضاً بردة فعل أسواق المال التي تراجعت مؤشراتها نتيجة رفع الفائدة، سياسة من شأنها أن تُعزز الدولار على حساب التكنولوجيا وأسواق المال عموماً. فالمستثمرون تخلَّصوا من أصول عرضة للمخاطر، وتالياً تقوّضت عملة البتكوين وسوق العملات المشفرة.
أمام الإحتمالات المقبلة من رفع الفائدة الأميركية لمواجهة تضخّم قد يُعوّق التقدم في النمو الإقتصادي ويُدخل الولايات المتحدة في ركود، كل الأمور واردة من إرتفاع إضافي لمعدّل الفائدة كما من هبوط إضافي لعملة البتكوين وفي أسواق المال العالمية، حيث إن سوق الأصول الرقمية تتأثر إلى حد ما بأسواق المال. وهذه المرّة تبيّن أن البتكوين لحقت بأداء أسواق البورصات هبوطاً.
البتكوين تضرب موعداً مع رفع الفائدة المقبل في الولايات المتحدة.