قال صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له: إن حيازات الدين السيادي لدى البنوك ترتفع إلى مستوى قياسي في ظل لجوء الحكومات إلى الإنفاق للتخفيف من آثار الجائحة، التي أدت إلى حيازة بنوك الأسواق الصاعدة مستويات قياسية من الدين الحكومي، مما يزيد من احتمالية أن تتسبب الضغوط المفروضة على مالية القطاع العام في تهديد الاستقرار المالي. وينبغي للسلطات أن تتحرك سريعا للحد من هذه المخاطر.
وقد تحملت الحكومات حول العالم نفقات هائلة لمساعدة الأسر وأرباب الأعمال على تجاوز الآثار الاقتصادية للجائحة. وارتفعت مستويات الدين العام نتيجةً لإصدار الحكومات سندات لتغطية عجز الموازنة. وطبقا لما جاء في الفصل الثاني من عدد أبريل 2022 من تقرير الاستقرار المالي العالمي، سجل متوسط نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي -وهو من أهم مقاييس السلامة المالية للبلدان- ارتفاعا قياسيا قدره 67% خلال العام الماضي في بلدان الأسواق الصاعدة.
وأتاحت بنوك الأسواق الصاعدة الجزء الأكبر من هذا الائتمان، مما أدى إلى ارتفاع النسبة المئوية لحيازات الدين الحكومي من مجموع أصول هذه البنوك إلى مستويات قياسية بلغت 17% في عام 2021. ويشكل الدين الحكومي ربع الأصول المصرفية في بعض الاقتصادات. ونتيجة لذلك، تعتمد حكومات الأسواق الصاعدة اعتمادا كبيرا على بنوكها من أجل الحصول على الائتمان، كما تعتمد هذه البنوك اعتمادا كبيرا بدورها على السندات الحكومية باعتبارها استثمارا يمكن استخدامه كضمان للحصول على التمويل من البنك المركزي.
ويستخدم خبراء الاقتصاد مصطلحا يصف علاقة الاعتماد المتبادل بين البنوك والحكومات، حيث يطلقون عليها «الرابطة بين الكيانات السيادية والبنوك»، نظرا لأن الدين الحكومي يُعرف أيضا بالدين السيادي وهو مسمى قديم يعود إلى العصور الوسطى عندما كان الملوك والملكات يقومون بالاقتراض.
وهناك ما يثير القلق إزاء هذه الرابطة. ذلك أن الحيازات الكبيرة من الدين السيادي تعرض البنوك لخسائر في حالة وجود ضغوط على مالية الحكومة وتراجع القيمة السوقية للدين الحكومي. ومن شأن ذلك أن يضطر البنوك -ولا سيما ذات رأس المال الأقل- إلى تقليص الإقراض المتاح للشركات والأسر، مما يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي. ومع تباطؤ الاقتصاد وتراجع الإيرادات الضريبية، قد تتعرض مالية الحكومة لمزيد من الضغوط وهو ما يؤدي بالتالي إلى زيادة الضغوط على البنوك. وهكذا إلى ما لا نهاية.
ويمكن أن تؤدي الرابطة بين الكيانات السيادية والبنوك إلى حلقة من التأثيرات المرتدة السلبية قد تدفع الحكومة في نهاية المطاف إلى التعثر في سداد ديونها. ولذلك مسمى أيضا، وهو «حلقة الدمار المتبادل». وقد شهدنا ذلك في روسيا عام 1998 والأرجنتين خلال الفترة 2001-2002.
وأوضح الصندوق أنه في الوقت الحالي، تعد اقتصادات الأسواق الصاعدة أكثر عرضة لهذه المخاطر مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. وذلك لسببين، أولهما أن آفاق النمو لدى هذه الاقتصادات أضعف من اتجاهات ما قبل الجائحة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، فضلا عن قلة الموارد المالية المتاحة لها لدعم الاقتصاد، وثانيا، ارتفاع تكلفة التمويل الخارجي بوجه عام، حيث سيكون على الحكومات تحمل تكلفة أكبر على الاقتراض بالتالي. وقال إنه يمكن لكل ما سبق أن يضع بعض حكومات الأسواق الصاعدة في موقف صعب. فمن ناحية، يقتضي تباطؤ التعافي استمرار هذه الحكومات في الإنفاق لدعم النمو. غير أن تزايد العوائد في الاقتصادات المتقدمة بالتزامن مع بدء عودة البنوك المركزية إلى سياساتها النقدية العادية قد يجعل ديون الأسواق الصاعدة أقل جذبا للمستثمرين، مما ينشأ عنه ضغوط رافعة لتكلفة الاقتراض. لذلك يتعين توخي الحيطة المالية لتجنب تزايد حدة الارتباط بين الكيانات السيادية والبنوك. كذلك يمكن للحكومات تعزيز ثقة المستثمرين في أوضاعها المالية من خلال وضع خطط موثوقة لتقليص العجز على المدى المتوسط.
ودعا الصندوق إلى دعم صلابة القطاع المصرفي من خلال الحفاظ على هوامش الأمان الرأسمالية لامتصاص الخسائر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال خفض المبالغ المالية التي تقوم البنوك بتوزيعها على مساهميها في صورة توزيعات أرباح وعمليات لإعادة شراء الأسهم، ولا سيما في ظل درجة عدم اليقين الكبيرة التي تحيط بآفاق الاقتصاد. وبمجرد انتهاء المدة المقررة لتأجيل مدفوعات القروض، قد يكون من الضروري مراجعة جودة الأصول لقياس الخسائر المستترة والكشف عن البنوك الضعيفة لتحديد مستويات الكفاية الرأسمالية.