صندوق النقد الدولي يُوزع حقوق سحب خاصة على أعضائه
وحصة لبنان بـ 860 مليون دولار
فما هي الطريقة الأفضل لصرفها؟
لا شك في أن قرار صندوق النقد الدولي توزيع حقوق سحب خاصة على أعضائه والتي بلغت 650 مليار دولار أي ما يعادل 456 مليار وحدة، سيكون له صداه الإقتصادي والمالي على دول العالم التي تملك حقوق السحب ومنها الدول العربية ولبنان، كون هذه الخطوة هي الأكبر تاريخياً، وتأتي بعد إنتشار جائحة كورونا التي أدت إلى خسائر باهظة على صعيد الإقتصاد العالمي.
من الناحية التقنية إجراء التوزيع، يعني أن البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي تستطيع حيازة مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة كجزء مما تملكه من إحتياطات النقد الأجنبي أو بيعها أو إستخدامها كلها أو جزء منها. ويُمكن للبلدان الأعضاء أيضاً مبادلة حقوق السحب الخاصة بأي عملات قابلة للإستخدام الحر، سواء في ما بينها أو مع الحائزين المعتمدين، ويُمكن إتمام هذه المبادلة بموجب إتفاق طوعي أو خطة تكليف إلزامية تُطبّق على البلدان التي تتمتع بمراكز خارجية قوية بالدرجة الكافية، وهو ما يُمثل المورد الإحتياطي الأخير لسوق حقوق السحب الخاصة.
على صعيد لبنان، وبسبب الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة التي يتخبط فيها منذ سنتين، يتم النظر إلى حصة لبنان من السحوبات والتي تُقدّر بـ 860 مليون دولار بأنها «طوق نجاة» يمنعه من الغرق أكثر فأكثر في وحول أزمته، علماً أن الخبراء الإقتصاديين يعتبرون أن الأزمة الحالية أسبابها متعددة ومتشعبة ومتداخلة وطويلة الأمد، ويلفتون إلى أن لبنان شهد طوال العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الاهلية أحداثاً داخلية وخارجية أدت الى إضعاف إقتصاده ومنعه من تسجيل معدلات نمو جيدة.
ويُسجل الخبراء الإقتصاديون أيضاً أن النمو الإقتصادي الملحوظ الذي سجله لبنان بين عاميّ 1993 و1997 كان سببه الطفرة الإقتصادية الكبيرة الناجمة عن إطلاق مشاريع إعادة الإعمار الشاملة وتحديداً في البنية التحتية الذي قامت به حكومة الرئيس رفيق الحريري، فيما كان السبب وراء النمو الكبير بين عاميّ 2008 و2010 التدفقات المالية الكبيرة الواردة إلى لبنان في ظل الازمة المالية العالمية، فيما كان لبنان ينعم بأجواء إستقرار سياسي وثقة نقدية ومصرفية عالية.
ويذِّكر الخبراء أن الإقتصاد اللبناني شهد خلال العقد الذي سبق إنفجار الأزمة الإقتصادية الحالية تباطؤاً واضحاً في النمو، مع تفاقم العجز في الحساب الجاري، نتيجة لتراجع التدفقات المالية الى لبنان وبدء خروج تدريجي للأموال منه. وبعد إحتجاجات 17 أكتوبر/تشرين الاول 2019 تسارع الإنهيار الإقتصادي والمالي والنقدي، ومن ثم أتت جائحة كورونا، ومن بعدها إنفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، ما أدى الى إنهيار شبه تام في الأوضاع الإقتصادية، تجلّت تحديداً في هبوط قيمة الليرة اللبنانية بحيث وصل سعر الصرف بتاريخ إعداد هذا التقرير إلى حوالي 20000 ليرة للدولار الواحد، وفي التضخم المفرط ولا سيما الإرتفاع الهائل لأسعار المواد الغذائية الاساسية.
إذاً، يتخبَّط لبنان في وحول أزمته الإقتصادية والمالية منذ سنتين، في ظل إرتباك كبير للإدارة السياسية في حلّها، وبالحدّ الأدنى لم تؤد الى وقف الإنهيار الإقتصادي والمالي والنقدي المستمر حتى الآن. وفي الوقت الحالي تُصّور الطبقة السياسية للشعب اللبناني حقوق السحب الخاصة التي سيحصل عليها لبنان والتي تبلغ 860 مليون دولار، على أنها العصا السحرية التي تُحدث فرقاً كبيراً في مشهد الأزمة السياسية التي نغرق فيها، لذلك يُصبح من الجائز البحث عن الفرق الذي سيحدثه هذا المبلغ في مشهد الأزمة المالية التي يتخبط فيها لبنان، وما هي الطريقة الأمثل لصرفها بما يفيد اللبنانيين لتحقيق النمو الإقتصادي وخصوصاً «أن هذه المخصصات ينبغي إستخدامها على نحو مسؤول وحكيم بما يُحقق صالح كل المواطنين»؟ وفق مديرة الصندوق كرستالينا غورغيفا.
غبريل: لاستخدام هذا المبلغ في معالجة شح السيولة
وتمويل مؤسسات القطاع الخاص بكافة أحجامه وقطاعاته
يُجيب الخبير الإقتصادي ومدير مركز الأبحاث في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل «مجلة إتحاد المصارف العربية» على هذا السؤال بالقول: إن «المبلغ الذي سيخصص للبنان من صندوق النقد الدولي لن يصل إلى لبنان بسهولة، لأنه عبارة عن سحوبات خاصة من صندوق النقد خصصها لكل البلدان الأعضاء فيه بحسب الكوتا التي يملكها في الصندوق، ولبنان عليه أن يجد بلداً آخر مستعداً لشراء هذه السحوبات الخاصة، مقابل أن يحصل على 860 مليون دولار، بمعنى آخر أن لبنان حصل على حقوق السحوبات الخاصة، وعليه التفتيش عن بلد أو بلدان مستعدة لشرائها منه».
يُبدي غبريل أسفه لـ «شهية بعض القوى السياسية المفتوحة على هذه الأموال»، ويقول: «دعوها تصل أولاً إلى لبنان، وبعدها مصرف لبنان هو الجهة الوحيدة المخولة إتخاذ القرار حول كيفية إستخدام هذا المبلغ»، ناصحاً بإستخدام هذا المبلغ «في معالجة شح السيولة الذي يعاني منها القطاع الخاص، ومن الأجدى أن يتحول هذا المبلغ لتمويل مؤسسات القطاع الخاص بكافة أحجامه وبكافة القطاعات، وهذا يقرره مصرف لبنان والمصارف التجارية، لأن تمويل الشركات اليوم يشكل معضلة وهي تعتمد على السوق الموازية لشراء الدولارات».
ويضيف غبريل: «الأولوية برأيي، يجب أن تكون لتمويل القطاع الخاص في لبنان، لأن ذلك يُنعش القطاع الخاص الذي يعاني مجموعة أزمات، وأهمها شح السيولة بالعملات الاجنبية»، لافتاً إلى أن «فتح إعتمادات لهذه الشركات يسمح لها بالإستمرارية والحفاظ على موظفيها ويعطيها وقتاً لإطلاق العملية الاصلاحية، وهذا ما يُنعش الدورة الإقتصادية».
يُشدِّد غبريل على أن «شراء حقوق لبنان في صندوق النقد الدولي ليس أمراً بسيطاً، وعلى المسؤولين التفتيش عن دول تشتري سحوبات من صندوق النقد، علماً أن هناك شهية من القوى السياسية على صرف هذه الأموال، لكن يجب أن يكون هناك شفافية وحذر لإستخدامها بطريقة تفيد الإقتصاد اللبناني».
وينبّه غبريل إلى أن «السحوبات من صندوق النقد الدولي ليست حلاً للأزمة المالية والإقتصادية الخانقة التي يعانيها لبنان، بل الحل بعد تشكيل حكومة وهو في تطوير برنامج إصلاحي – إقتصادي – مالي – نقدي متكامل، وتقديمه للبحث مع صندوق النقد الدولي والوصول إلى إتفاق تمويلي إصلاحي معه».
ويختم غبريل قائلاً: «إن توقيع الصندوق على هذا البرنامج يُعطي مصداقية عالمية وإنضباطاً ويفتح الباب أمام ضخ رؤوس الاموال إلى لبنان وهذا ما نحتاجه حقيقة».
يوافق الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة على وجهة نظر غبريل، ويشرح لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية» بأن «الأموال التي سيمنحها صندوق النقد الدولي للبنان، ليست مساعدات بل هي إشتراكات تدفعها الدول، وهذا البرنامج هدفه مساعدة الدول على مكافحة تداعيات جائحة كورونا الإقتصادية والإجتماعية». والسؤال الذي يطرح هنا ماذا يمكن أن تفعله الدولة اللبنانية بهذه الأموال؟
يجيب عجاقة: «من المؤكد أن كل الأموال التي ستُصرف ستكون ضمن إطار مكافحة تداعيات جائحة كورونا الإقتصادية والإجتماعية، وحصلت تمنيات من قبل رئيس الصندوق الدولي والعديد من السفراء المعنيين بالأزمة، أن لا يكون الإنفاق تشغيلياً، بل إستثمارياً»، لافتاً إلى أن «الرئيس نجيب ميقاتي طرح أن يستخدم جزءاً من هذه الأموال للإستثمار في الكهرباء، وهذا أمر محبّذ لأن الأهم بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى صندوق النقد الدولي تشجيع الإستثمار لإنعاش الإقتصاد».
عجاقة: طريقة إنفاق هذه الأموال ستضع الحكومة المقبلة
أمام اختبار والتفاوض مع صندوق النقد والمنظمات الدولية
ويضيف عجاقة: «إن طريقة إنفاق هذه الأموال، ستكون تجربة، وستضع السلطة التنفيذية أمام إختبار ومؤشر على المرحلة المقبلة، وما بعد تشكيل الحكومة، وبدء التفاوض مع صندوق النقد وأمام المنظمات الدولية»، لافتاً إلى أن «المواطن العادي يُريد صرفها على دعمه لأن الأوضاع الإقتصادية صعبة جداً، أما المسؤولون اللبنانيون فأغلب الظن أنهم يُريدون صرفها كرشوة للإنتخابات النيابية المقبلة، علماً أنه لا يُمكننا أن نُحدد الأضرار التي سبّبتها كورونا للإقتصاد اللبناني، لأن الأزمات توالت، من جائحة كورونا إلى أزمة سياسية فإنهيار إقتصادي».
ويرى عجاقة أن «الكهرباء باب ضروري للإستثمار، لما تُشكله من باب للإستنزاف للمواطن وللمال العام، وحل مشكلة الكهرباء بجزء من هذه الأموال أمر جيد، أما إنفاق المبلغ على الإستيراد أمر سيء لصورة لبنان أمام المجتمع الدولي».