عمليات الدمج والإستحواذ المصرفي في دول الخليج
هدفها ﺗﺄسيس كياﻧﺎت ﻣﺼﺮفية كبيرة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ إقليمياً وﻋﺎلمياً
وﻣﻮاﺟهة اﻟﺘﺤﺪيات اﻹﻗﺘﺼﺎدية واﻹﻣﺘﺜﺎل ﻟﻠﻤﻌﺎيير اﻟﺪولية
ﺗﮭﺪف عمليات الإندماج المصرفي إﻟﻰ ﺗﺄسيس كياﻧﺎت ﻣﺼﺮفية كبيرة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ إقليمياً وﻋﺎلمياًً وﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺘﺤﺪيات اﻹﻗﺘﺼﺎدية واﻹﻣﺘﺜﺎل ﻟﻠﻤﻌﺎيير اﻟﺪولية، وﻣﻌﺎيير ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﺗﻤﻮيل اﻹرهاب وﺗﺒييض اﻷﻣﻮال، والمعيار اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﻲ اﻟﺪوﻟﻲ IFRS9. ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﺎهم عمليات اﻟﺪﻣﺞ بين اﻟﻤﺼﺎرف ﻓﻲ ﺗﺮشيد اﻹﻧﻔﺎق ﻋﺒﺮ ﺧﻔﺾ اﻟﺘﻜﺎليف واﻟﻤﺼﺮوﻓﺎت، ﻣﻤﺎ يساهم ﻓﻲ زيادة هواﻣﺶ اﻟﺮﺑﺢ وﺗﻌﺰيز ﻛﻔﺎءة وﻣﺘﺎﻧﺔ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻤﺼﺮﻓﻲ. ويؤدي اﻹﻧﺪﻣﺎج إﻟﻰ ﺗﺒﺎدل اﻟﺨﺒﺮات اﻟﻤﺼﺮفية بين اﻹدارتين اﻟﺴﺎﺑﻘتين، واﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﻔﺮص اﻟﺘﻤﻮيلية واﻹﺳﺘﺜﻤﺎرية واﻟﺘﺨﺎرج ﻣﻦ اﻹﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﻤﺘﻌثرة، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ تقليل اﻟﺘﻜﺎليف، ﻣﺎ يعني زيادة ﻓﻲ ربحية اﻟﺴﮭﻢ وﻋﺎﺋﺪات اﻟﻤﺴﺎهمين. وﺑﺤﺴﺐ وﻛﺎﻟﺔ ﻣﻮديز، فإن عمليات اﻹﻧﺪﻣﺎج ﺗُﻌﺰز اﻟﻘﻮة التسعيرية للمصارف وﺗﺨﻔﻒ اﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺎليفها اﻟﺘﻤﻮيلية، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺴﺐ ﺛﻘﺔ اﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺮين، ﻣﺎ يعزز ﺗﻨﻮع السيوﻟﺔ اﻟﻤﺎلية اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎهم ﺑﺪورها ﻓﻲ ﺗﻤﻮيل اﻟﻤﺸﺎريع اﻟﺘﻨﻤﻮية.
إن إرﺗﻔﺎع ﺗﻜﺎليف اﻹﻣﺘﺜﺎل ﻣﻊ ﺗﻄﺒيق اﻟﻤﻌﺎيير اﻟﻤﺤﺎﺳﺒية اﻟﺠﺪيدة، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺴﺎرع وﺗيرة اﻹﺑﺘﻜﺎرات اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟية اﻟﺠﺪيدة، واﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أطر أﻗﻮى ﻟﺤﻮﻛﻤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎت، ﺗُﻤثل ﻋﻮاﻣﻞ ﻣﮭﻤﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗﺰيد ﻣﻦ ﺗﻜﺎليف اﻟﺒﻨﻮك، ويُلاحظ ﺗﺄثير ذﻟﻚ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى المصارف الصغيرة واﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ اﻟﺘﻲ تتجه ﻧﺤﻮ خيار اﻹﻧﺪﻣﺎج أﻛﺜﺮ ﻣﻦ غيرها.
كما إن الإندماج بين المصارف من الأدوات النافعة لتشكيل كيانات أكبر وتعظيم الأصول ومواجهة الأزمات الإقتصادية كالتي عصقت بالدول خلال العام الماضي، والتي تمثلت في إنخفاض أسعار النفط عالمياً، إضافة إلى تفشي فيروس كورونا وتداعيات ذلك على الإقتصاد العالمي.
رغم الأبعاد الإيجابية لعمليات الإندماج على الإقتصاد والقطاع المصرفي، إلاّ أنها لا تخلو من بعض النواحي السلبية ومنها تسريح الموظفين، وإغلاق بعض الفروع، وتقلّص عدد المصارف، وعدم التكافؤ في الحصص بين المصارف المندمجة، والإنعكاسات السلبية على التنافس ورفع كفاءة الخدمات والإنتشار.
أبرز عمليات الإندماج المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي
بعد أكثر من عام على ظهور فيروس كورونا، يشهد القطاع المصرفي الخليجي زيادة في عمليات الإندماج والإستحواذ، حيث يُواصل المقرضون التعامل مع التداعيات الإقتصادية. ففي مايو/أيار من العام الماضي، توقعت مجموعة أكسفورد للأعمال، أن التحديات الإقتصادية المزدوجة الناتجة عن إنتشار جائحة «كوفيد-19» وإنهيار أسعار النفط ستُسرّع التوجه نحو عمليات الإندماج والإستحواذ بين البنوك الخليجية، حيث تتوقع معظم المؤسسات ربحية مقيّدة، رغم الأداء الجيد في مؤشرات المخاطر.
وأشار تقرير نشرته «ستاندرد آند بورز» للخدمات المالية في مارس/آذار 2021 إلى أنه من المحتمل أن تُلقي الآثار السلبية الطويلة الأمد، الناتجة عن صدمة العام 2020، بظلالها على الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان والبحرين بشكل خاص، وأن يكون الوقع أقل على المملكة العربية السعودية وقطر، وأن الموجة الثانية من عمليات الإندماج والإستحواذ يُمكن أن تجتاح المنطقة بشكل أكبر، بحيث يصبح التأثير الكامل للبيئة الإقتصادية الضعيفة أكثر وضوحاً.
وتأتي ما يُسمّى بالموجة الثانية في أعقاب سلسلة سابقة من عمليات الإندماج والإستحواذ في المنطقة، التي تم تسجيلها في الإمارات العربية المتحدة. ففي العام 2019، جاءت الشراكة المتمثلة بأكبر إندماج في المنطقة العربية حتى اليوم، بين بنك أبو ظبي التجاري وبنك الإتحاد الوطني ومصرف الهلال، وأصبح الكيان المندمج ثالث أكبر بنك في الإمارات العربية المتحدة بأصول تقدر بنحو 114 مليار دولار.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، أعلن بنك أبو ظبي الأول وبنك عوده ش م ل عن توقيع الإتّفاقية النهائيّة لعمليّة إستحواذ بنك أبو ظبي الأوّل على 100 % من رأسمال بنك عوده ش م م (مصر). وتُعدّ هذه العمليّة أوّل إستحواذ دولي لبنك أبو ظبي الأوّل، ومن شأنها أن تُساهم في جعل بنك أبوظبي الأول أحد أكبر البنوك الدولية العاملة في مصر، من حيث الأصول التي تتجاوز قيمتها 9 مليارات دولار.
وفي هذا السياق، شهدت المملكة العربية السعودية في العام 2019 أول عملية إندماج مصرفي لها منذ عقدين، بين البنك السعودي البريطاني والبنك الأول، لإنشاء ثالث أكبر مؤسسة مالية في البلاد بأصول بلغت 71 مليار دولار. وفي الأول من أبريل/نيسان 2021، إندمج البنك الأهلي التجاري مع مجموعة سامبا المالية، وأُطلق عليه إسم البنك الأهلي السعودي. وقد أدى هذا الإندماج إلى إنشاء أكبر بنك في المملكة العربية السعودية، وثالث أكبر كيان مصرفي في المنطقة العربية بأصول بلغت حوالي 240 مليار دولار.
في الوقت عينه، تشهد دول أصغر مثل عُمان، والبحرين، وقطر عمليات إندماج. ففي أبريل/نيسان 2020، وقّع كل من بنك عُمان العربي وبنك العزّ الإسلامي، إتفاقية إندماج بعد عامين من التفاوض بين الطرفين، لتأسيس كيان مصرفي ضخم بذراعين مستقلين، أحدهما يعمل في مجال الصيرفة التجارية التقليدية، والآخر يعمل في مجال الصيرفة الإسلامية، ويُعتبر هذا الإندماج هو الأول من نوعه في القطاع المصرفي العُماني.
كما يتوقع المحللون المزيد من الإندماج في البحرين مع تنفيذ البلاد لبرنامج الإصلاح المالي. وتحقيقاً لهذه الغاية، وافق بنك البحرين الإسلامي في يناير/كانون الثاني 2020 على عرض من بنك البحرين الوطني يقضي بزيادة مساهمة الأخير فيه من 29 % إلى 79 %، وذلك للإستفادة من الطلب المتزايد على خدمات التمويل الإسلامي. وفي أغسطس/آب 2021، أعلنت المؤسسة العربية المصرفية («بنك ABC») عن إستكمال إستحواذها على 99.5 % من بنك بلوم مصر. وسيُساهم الإستحواذ في زيادة الحصة السوقية لبنك ABC بأكثر من ثلاثة أضعاف في القطاع المصرفي المصري، مما يُعزّز من حجم وزخم أعمال البنك، وتحقيق المزيد من النمو في المنطقة العربية.
كما شهدت قطر خلال العام 2021 أكبر عملية إندماج مصرفي في تاريخها بين كل من مصرف الريان وبنك الخليج التجاري (الخليجي)، ليُنشئ عنها أكبر كيان مصرفي إسلامي في قطر بأصول تزيد عن 47 مليار دولار. ويُشكل الإندماج بين الخليجي والريان ثاني عملية إندماج في قطر بين مؤسستين مصرفيتين بعد الإندماج بين بنك بروة و بنك قطر الدولي في العام 2019.
عمليات الاندماج المصرفي في الإمارات العربية المتحدة
إن دعم سياسات الإندماج بين المؤسسات المصرفية، جاء إنطلاقاً من رؤية الإمارات الشمولية في تمتين القطاعات الإقتصادية غير النفطية، والإستفادة من حجم أعمال المؤسسات الكبرى لتعزيز قدراتها على الصمود في مواجهة الأزمات المستقبلية.
في أيار/مايو 2019، أعلنت مجموعة بنك أبو ظبي التجاري عن إتمام كافة نواحي عملية الاندماج والتكامل مع بنك الإتحاد الوطني ومصرف الهلال قبل موعدها المحدد، لتنتهي بذلك عملية الإندماج بين المصارف الثلاثة، والتي نشأ عنها ثالث أكبر مؤسسة مصرفیة في الإمارات بأصول تقدر بنحو 114 مليار دولار.
وتُعدُّ مجموعة بنك أبو ظبي التجاري واحدة من أكبر مقدمي الخدمات المصرفية والمنتجات المالية للأفراد في الإمارات، حيث تبلغ قاعدة العملاء حوالي المليون عميل، وتبلغ حصتها السوقية، كما في 30 حزيران/يونيو 2021، نحو 12 % من مجمل محفظة الأصول في الامارات ونسبة 21 % من مجمل قروض العملاء من الأفراد ونسبة 19 % من مجمل محفظة الودائع المصرفیة.
وتملك حكومة أبوظبي، من خلال مجلس أبوظبي للإستثمار، نسبة 60.2 % من أسهم مجموعة بنك أبوظبي التجاري، فیما تبلغ حصّة المساهمین الآخرین في بنك أبوظبي التجاري نسبة 28 %، والمساهمین الآخرین في بنك الإتحاد الوطني نسبة 11.8 %. وكان الإندماج بین مصرفيّ أبو ظبي التجاري والإتحاد الوطني عن طریق إصدار أسهم جدیدة من بنك أبو ظبي التجاري لصالح مساهمي الإتحاد الوطني، ثم قام الكیان الناتج عن بنك أبوظبي التجاري وبنك الإتحاد الوطني بالإستحواذ على مصرف الهلال مقابل 272 مليون دولار، وذلك بعد توقيع مذكرة إلزامية بين الأطراف.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، أعلن بنك أبو ظبي الأوّل وبنك عوده ش م ل عن توقيع الإتّفاقية النهائيّة لعمليّة إستحواذ بنك أبو ظبي الأوّل على 100 % من رأسمال بنك عوده ش م م (مصر). وتُعدّ هذه العمليّة أوّل إستحواذ خارج الحدود لبنك أبو ظبي الأول، ومن شأنها أن تُسهم في تسريع وتيرة نمو أعمال المجموعة في أسواق تتمتّع بإمكانات واعدة، وخصوصاً أنّ هذا الإستحواذ سيُضيف خبرة واسعة وقوّة ماليّة تدعمان مسيرة النمو والإيرادات المستدامة للمجموعة.
وسوف تُساهم عملية الإستحواذ في زيادة حجم ونطاق نشاط بنك أبو ظبي الأول في مصر بشكل كبير، وستجعل منه أحد أكبر البنوك الأجنبية العاملة في فيها من حيث الأصول التي تتجاوز قيمتها 9 مليارات دولار. ومن شأن الخدمات المصرفيّة المتميّزة التي يقدّمها بنك عوده – مصر للأفراد والشركات، إلى جانب شبكة فروعه المنتشرة والبالغ عددها 53 فرعاً، أن تُكمّل العمليّات التشغيلية لبنك أبو ظبي الأوّل في مصر من خلال فروعه البالغ عددها 17 فرعاً وحضوره المتميّز في السوق المصريّة منذ العام 1975.
عمليات الإندماج المصرفي في المملكة العربية السعودية
بينما تركز جزء كبير من النشاط على الإمارات العربية المتحدة بعد عقدين، من عدم وجود إندماجات مصرفية، شهدت المملكة العربية السعودية أيضاً تطورين رئيسيين في الآونة الأخيرة. ففي العام 2019، تم الإعلان عن إندماج البنك السعودي البريطاني (ساب) والبنك الأول (السعودي الهولندي سابقاً)، وتم تقييد هذه الخطوة أخيراً في مارس/آذار من هذا العام، ما أدى إلى إنشاء رابع أكبر بنك في المملكة العربية السعودية من حيث الأصول والقيمة السوقية، بأصول تقارب قيمتها 73 مليار دولار وقيمة سوقية متوقعة تصل إلى 18 مليار دولار. وأصبح مصرف «أتش أس بي سي» – HSBC البريطاني أكبر المساهمين في الكيان الجديد بنسبة 29.2 %، تليه شركة العليان الإستثمارية بنسبة 18.2 %، فيما يملك إئتلاف دولي يُمثله رويال بنك أوف سكوتلاند نسبة 10.8 %، وتملك مؤسسة التأمينات 9.9 %.
ويقدم ساب اليوم أكثر العروض إكتمالاً في مجال مصرفية الشركات في المملكة، لدعم النمو في جميع جوانب الإقتصاد، وحتى تمويل أكبر مشاريع البنية التحتية. وسيتمكن عملاء مصرفية الأفراد أيضاً من الوصول إلى شبكة فروع أكبر في جميع أنحاء المملكة، إلى جانب إدخال معايير جديدة في الخدمات الرقمية بالمملكة.
وفي الأول من أبريل/نيسان 2021، أعلن البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية عن إتمام إندماجهما رسمياً لتأسيس عملاق مصرفي وطني وقوة مالية إقليمية، حيث بدأ المصرف الجديد عمله تحت إسم «البنك الأهلي السعودي».
ومع حصة سوقية تبلغ 30 % تقريباً وفق جميع المؤشرات الإقتصادية، يُعد البنك الأهلي السعودي أكبر مؤسسة مالية في المملكة العربية السعودية وثالث أكبر كيان مصرفي في العالم العربي بإجمالي أصول تتجاوز 240 مليار دولار، وقاعدة حقوق ملكية تبلغ 35 مليار دولار، وصافي ربح مجمّع يبلغ 4.2 مليارات دولار. ويتمتع المصرف بسيولة معزّزة ومركز رأسمالي قوي يُمكّنه من تمويل الخطط الإستراتيجية الخاصة بدعم النمو الإقتصادي المستدام.
ويفتخر البنك الوطني السعودي بخططٍ استراتيجية موسعة، حيث أنه وفقاً لوكالة «ستاندرد أند بورز» «سيُغير بشكلٍ حاد المشهد في إقراض الشركات» في كل من المملكة والمنطقة العربية بشكل أوسع. وسيقوم الكيان المصرفي الجديد بتمويل خطط التنمية الإقتصادية والمساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030، بالإضافة إلى توسيع وتعميق التجارة وتدفقات رأس المال بين المملكة العربية السعودية وبقية العالم. وسيكون التركيز المهم الآخر للبنك الوطني السعودي هو رعاية التحول نحو الخدمات المصرفية الرقمية التي تسارعت بسبب «كوفيد-19»، حيث يقدم مجموعة من الخدمات والمنتجات الرقمية للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمؤسسات الكبيرة على حد سواء. وبدأ البنك الأهلي السعودي التداول ككيان موحّد مُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) في أول أبريل/نيسان 2021.
عمليات الإندماج المصرفي في دولة قطر
شهدت قطر أيضاً نشاطاً مُهمّاً من حيث عمليات الإندماج والإستحواذ في أعقاب إنتشار فيروس «كوفيد-19» في جميع أنحاء المنطقة. ففي أبريل/نيسان 2019، شهدت قطر إنجاز أول إندماج مصرفي في تاريخها من خلال صفقة الإندماج بين كل من بنك بروة وبنك قطر الدولي والتي أسفرت عن إنشاء بنك دُخان وهو أحد أكبر الكيانات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية على الصعيدين المحلي والإقليمي، مدعوماً بمستويات عالية من السيولة والملاءة المالية بإجمالي أصول تفوق 24 مليار دولار، وبقاعدة عملاء تضم أكثر من 130 ألف عميل في قطر.
وأظهرت بيانات العام 2020 نجاح تجربة الإندماج من خلال البيانات المالية القوية التي أعلنها بنك دخان والتي كشفت عن تحقيقه نمو في حجم أصوله بنسبة 12 % في العام 2020 مقارنة بعام 2019 لتتجاوز مستوى 24 مليار دولار معزّزة بالنمو في الأنشطة التمويلية والتي تخطت مستوى 16 مليار دولار، وبنسبة إرتفاع 12.7 % مقارنة بالعام 2019. وسيُساهم هذا الإندماج في إعادة تشكيل القطاع المالي في قطر من خلال الإستفادة من نقاط قوة كلا المصرفين في مجال عروض الخدمات المصرفية للعملاء من المؤسسات والشركات والأفراد، بالإضافة إلى أنشطة أسواق رأس المال المتنوعة ومحفظتهما في إدارة الثروات والأصول.
وفي يونيو/حزيران 2021، وافقت هيئة قطر للأسواق المالية على طلب الإندماج بين مصرف الريان وبنك الخليج التجاري (الخليجي)، لينشأ عنه أكبر كيان مصرفي إسلامي في قطر بأصول تزيد عن 47 مليار دولار. وكان المصرفان المدرجان في بورصة قطر قد أبرما في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي إتفاقية إندماج يتم بموجبها إحتواء أنشطة البنك الخليجي في نشاط مصرف الريان، بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وسيتم تنفيذ الإندماج بين مصرفيّ الريان والخليجي من خلال إندماج قانوني يتم بموجبه حل «الخليجي» وضم جميع أصوله ولتزاماته إلى «الريان» بحكم القانون إعتباراً من تاريخ إتمام الإندماج. وسيكون للكيان المندمج حضور قوي في قطر، ووجود دولي موسع، مما سيُساعد على تحقيق صدارة في السوق القطرية في ما يتعلق بكفاءة التشغيل، وزيادة إمكانات النمو المستقبلية بسبب زيادة قاعدة رأس المال والإمكانات الكبيرة للتكامل التي بدورها ستقوم بتعظيم قيمة حقوق المساهمين.
وبحسب التقديرات، فإن الإندماج سيؤدي إلى حزمة من الإيجابيات أبرزها: قدرة فائقة على التحكم في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية، وترشيد النفقات نتيجة دمج الإدارات المتشابهة بين المصرفين، وإحتواء تكلفة التمويل، وطاقة إقراضية أكبر للمشاريع التنموية الكبرى، ورسملة أقوى تتيح إمكانية التوسع في الأسواق الاقليمية أو العالمية وتنويع قاعدة الإستثمارات والدخل، بالإضافة الى زيادة جودة الأصول وإرتفاع نسب كفاية رأس المال والربحية والسيولة. كما سوف يؤدي الإندماج إلى زيادة قدرة الكيان المصرفي الجديد على طرح خدمات ومنتجات تكنولوجية مصرفية ورقمية متطورة.
عمليات الإندماج المصرفي في مملكة البحرين
يتوقع المحللون المزيد من الإندماج في البحرين مع تنفيذ البلاد لبرنامج الإصلاح المالي. وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن بنك البحرين الوطني عن نتائج صفقته الرامية للإستحواذ على ما يصل إلى 100 % من الأسهم العادية الصادرة والمدفوعة لبنك البحرين الإسلامي، حيث تم إستلام الموافقات في ما يتعلق بحوالي 529 مليون سهم من الأسهم العادية للمصرف. وعليه أصبح لبنك البحرين الوطني حصة مسيطرة حيث يمتلك ما نسبته 79 % من أسهم بنك البحرين الإسلامي بعد أن كانت ملكيته 29 %. وتأتي الصفقة ضمن إطار جهود بنك البحرين الوطني للإستمرار في تطوير أنشطته المصرفية الإسلامية، وتقديم مجموعة متكاملة من الخدمات المصرفية التقليدية والإسلامية لعملائه.
ومن المتوقع أن تُساهم هذه الخطوة في تقوية العلامتين التجارتين لكلٍ من بنك البحرين الوطني وبنك البحرين الإسلامي، اللذين بدورهما، سيستمران بالعمل كمصرفين مستقلين على الصعيدين المحلي والإقليمي. ومن المزمع أن ينجم عن ذلك أيضاً، تضافر الأصول والإيرادات والتكاليف والتشغيل وغيرها من أوجه التآزر، والتي من شأنها أن تعزز العائدات.
وفي أغسطس/آب 2021، أعلنت المؤسسة العربية المصرفية («بنك ABC») عن إستكمال إستحواذها على 99.5 % في بنك بلوم – مصر لتوسيع نطاق حضورها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وترسيخ جذورها في السوق المصرية. وسيواصل بنك ABC – مصر وبنك بلوم – مصر أعمالهما بشكل مستقل حتى اكتمال عملية الإندماج القانوني المتوقع إستكمالها في الربع الأول من العام 2022 بعد الحصول على موافقة الجهات الرقابية المعنية.
وسيُساهم الإستحواذ في زيادة حصة بنك ABC في السوق المصرية بأكثر من ثلاثة أضعاف، كما سيُعزّز قاعدة أصول المجموعة إلى ما يقارب 4 مليارات دولار. وسيحظى عملاء بنك ABC بتجربة مصرفية موسعة مع إمكانية الوصول إلى 41 فرعاً إضافياً (وهذا أكثر من ضعف عدد الفروع الحالية لبنك ABC في مصر)، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المصرفية الرقمية، فضلاً عن الإستفادة من إمكانات بنك ABC الرقمية المبتكرة مثل بنك «إلى» الرقمي المخصص للعمليات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وإمكانات الدفع الرائدة لشركة الخدمات المالية العربية التابعة لبنك ABC.
عمليات الإندماج المصرفي في سلطنة عمان
في أبريل/نيسان 2020، شهد القطاع المصرفي العُماني توقيع كل من بنك عمان العربي وبنك العزّ الإسلامي، إتفاقية اندماج بعد عامين من التفاوض بين الطرفين لتأسيس كيان مصرفي ضخم بذراعين مستقلين، أحدهما يعمل في مجال الصيرفة التجارية التقليدية والآخر يعمل في مجال الصيرفة الإسلامية، ويُعتبر هذا الإندماج هو الأول من نوعه في القطاع المصرفي المحلي. وتعكس عميلة الإندماج توجه المصارف العمانية للبحث عن فرص توسعية وخصوصاً مع صعوبة إستقطاب ودائع جديدة من قبل المصارف التقليدية.
ويسعى بنك عُمان الوطني من هذه الصفقة إلى التوسع في سوق المصرفية الإسلامية من خلال تزويد عملائه بخدمات مصرفية إسلامية في السلطنة والتي تُعتبر من الأسرع نمواً في المنطقة. وسيحافظ بنك العزّ الإسلامي على هويته الإسلامية المستقلة، وسيتم دمج أصول نافذة «اليسر» الإسلامية التابعة لبنك عُمان العربي مع بنك العزّ.
وتندرج هذه العملية أيضاً ضمن سعي المصارف الإسلامية في المنطقة إلى إعادة هيكلة عملياتها بخاصة مع إرتفاع التحديات التشغيلية. فرغم إمتلاكه لقاعدة رأسمالية متينة، كان بنك العزّ يعاني تذبذباً في أدائه المالي، ولا سيما في ما يتعلق بالأرباح. وسيرتفع حجم الكيان الجديد ليحتل المرتبة الخامسة بين المصارف العُمانية المدرجة من حيث الأصول والتي سترتفع بنحو 29 % إلى 7.8 مليارات دولار وفقاً لميزانيات العام 2019.
مستقبل عمليات الإندماج والإستحواذ في القطاع المصرفي الخليجي
أشار تقرير لـ «ستاندرد آند بورز» نُشِرَ في مارس/آذار 2021 أن العام 2020 شهد معاناة المصارف في المنطقة العربية لصدمة ثلاثية للربحية، ناجمة عن إنخفاض نموِ الإقراض، وإنخفاض أسعار الفائدة لفترة أطول، وإرتفاع تكلفة المخاطر. ورغم أن الوضع يبدو أنه يتحسن في النصف الثاني من العام 2021، فمن المرجّح أن تدفع التداعيات الإقتصادية لفيروس كورونا العديد من المصارف لتعزيز مرونتها من خلال الاندماج مع كيانات أخرى. ومن المتوقع أن تحفز الموجة الثانية أيضاً زيادة عمليات الدمج والإستحواذ عبر الحدود. وكان تقرير وكالة «موديز» في العام الماضي قد أشار إلى أن الدافع نحو الإندماج كان محسوساً بشكل خاص من قبل المصارف الأصغر التي تكابد في مزاحمتها من قبل المصارف الأكبر. كما أشار تقرير لشركة «ألفاريز ومارسال» (Alvarez & Marsal) الإستشارية في مارس/آذار 2021، أن القطاع المصرفي الإماراتي من المرجح أن يشهد زيادة في نشاط الإندماج والإستحواذ.l
الأمن السيبراني في المنطقة العربية
توعية المصارف والمؤسسات المالية لإتباع المعايير العالمية
في هذا العصر الرقمي، الثقة هي كل شيء. لذا يُعد الأمن السيبراني أمراً حاسماً لضمان الوصول الشامل والجدير بالثقة والمنصف إلى الإتصال. فبينما يُتيح إستخدام تكنولوجيات المعلومات والإتصالات (ICT) إدارة أفضل، وزيادة الإنتاجية، فإن إستخدام الأنظمة الرقمية يُولد أيضاً مخاطر. من هنا، تُثير التهديدات السيبرانية والهجمات السيبرانية تحديات أمنية متزايدة بإستمرار لكل من القطاعين العام والخاص في جميع البلدان.
في هذا السياق، يأتي تنظيم إتحاد المصارف العربية لـ «الملتقى المصرفي العربي للأمن السيبراني» في العاصمة اللبنانية بيروت، (لمدة يومين) بهدف توعية العاملين في مجال الأمن السيبراني في المصارف والمؤسسات المالية العربية، وتعميق معرفتهم حول الأساليب والتقنيات الحديثة التي يستخدمها قراصنة المعلوماتية Hackers، للولوج إلى الأنظمة المعلوماتية للمصارف وسرقة بياناتها، بغية إبتزازها للحصول على فدية مالية أو إلحاق الأذى بها. ويُمكِّن المشاركين بعمق من التعرُّف على التكنولوجيا المتطوِّرة والوسائل والأدوات التي تسمح بمواجهة هذه الأساليب من القرصنة، ووضع أنظمة الضبط والرقابة التي تُمكِّنهم من رصد وتعطيل هذه الهجمات.
ويشكِّل الملتقى أيضاً فرصة للإستفادة من تبادل الخبرات بين المسؤولين والخبراء المتخصصين في هذا المجال، على المستويين العربي والعالمي، مما يؤدي إلى رفع كفاءة النظام المصرفي العربي ومواكبته للتطورات الحاصلة على المستوى العالمي. علماً أن هذه الموضوعات تتناولها مجموعة مميزة من الخبراء والمختصين وكبار المسؤولين في الأمن السيبراني من مختلف المصارف العربية والمؤسسات العالمية المتخصصة في هذا المجال.
في المحصلة، إن تعزيز الأمن السيبراني وحماية البنى التحتية للمعلومات الحيوية أمران أساسيان للتنمية الإجتماعية والإقتصادية لكل دولة. ويُمكن أن تؤثر الحوادث المتعلقة بالأمن السيبراني على توافر وسلامة وسرية المعلومات التي تنتقل عبر الشبكات وتعطّل عمليات وأداء البنية التحتية الحيوية والرقمية والمادية، ويُمكن أن تُعرّض للخطر أيضاً أمن الناس والبلدان بأسرها.
من هنا تأتي دعوة المصارف والمؤسسات المالية العربية إلى وضع أطر قانونية خاصة بمؤسسات الدفع التي تُسهم في تطوير المنتجات المالية التكنولوجية، وتُساعد على تعميم خدمات الشمول عبر تمكين الشرائح المهمشة من النفاذ إلى منظومة الدفع، فضلاً عن أهمية إرساء منظومة رقابية فعالة تضمن سلامة نظم المدفوعات، وتشمل جميع المتدخلين فيها بما فيها المصارف والمؤسسات المالية، وضرورة إستثمار التقنيات التكنولوجية الحديثة المشفّرة على غرار سلسلة الكتل النقدية في إطار تطوير الخدمات المالية الإلكترونية للتقليص من الطرق التقليدية في إستعمال النقد، وضرورة إهتمام القطاع المصرفي والمالي العربي بتدريب موظفيه على آليات وتقنيات التكنولوجيا المالية نظراً إلى دورها في تنويع النشاط الإقتصادي، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المنطقة العربية لمواجهة تحديات إستيعاب إبتكارات التكنولوجيا المالية، وأهمية تشجيع المصارف المركزية العربية على مواكبة الذكاء الإصطناعي وتشجيع عملية تحوُّل القطاعات المالية والمصرفية العربية من الإقتصاد التقليدي إلى الرقمي.