الأمين العام لإتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح في حديث صحافي:
إعتماد العملة الرقمية المنظَّمة هدفه تسهيل التعاملات
وخلق بيئة نقدية ملائمة لتحقيق النمو في الإقتصاد الرقمي
تحدَّث الأمين العام لإتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح عن أهمية التوجه إلى الأوراق النقدية البلاستيكية، والذي يستند عموماً لإعتبارات عدَّة، منها البيئية والأمنيّة (بغية الحدّ من عمليات تزوير العملة) كذلك لخفض تكلفة طباعة وإدارة العملة، وقال: « إن الهدف من الإستثمار في العملات الرقمية المحرَّرة وإقتنائها، ليس فقط تسهيل عمليات الدفع، إنما تحقيق الأرباح وهو خيار سيكون للأفراد حرية التداول به ضمن منظومة من العملات الرقمية المتنافسة عالمياً، بينما الهدف من إعتماد العملة الرقمية المنظَّمة هو تسهيل التعاملات، وخلق بيئة نقدية ملائمة لتحقيق النمو في الإقتصاد الرقمي. ومما لا شكَّ فيه، أنه للعملات الرقمية قدرة حقيقية على تغيير هيكل التجارة والإستثمار ونشاطات التمويل، وجعلها أسرع، وأرخص، وأكثر إتاحة».
ونصح الأمين العام لإتحاد المصارف العربية في حوار مع مجلة «الرؤية»، تنشره مجلة «إتحاد المصارف العربية»، الحكومات المحلية والمصارف المركزية بـ «تبنِّي إستراتيجية للنقد الرقمي تتلاءم مع واقعها الحالي والتطلُّعات والعقبات. وهنا تستطيع وحدة التحوُّل الرقمي في إتحاد المصارف العربية العمل يداً بيد مع المصارف المركزية لرسم إستراتيجيات فعَّالة وقابلة للتنفيذ». وقال: «لا توجد إستراتيجية وخريطة طريق واحدة للإنتقال إلى العملة الوطنية الرقمية، إذ تختلف خريطة الطريق بإختلاف النمط الإقتصادي للبلد والأولويات والمحفِّزات وغيرها من العوامل التي تُؤثِّر في جدوى الإنتقال إلى النقد الرقمي».
في ما يلي الحوار مع الأمين العام لإتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح:
*بداية، هناك توجُّه لطرح عملات بلاستيكية، عوضاً عن الورقية في بعض الدول ومنها مصر والسعودية على سبيل المثال لا الحصر، فكيف ترون مستقبل العملات؟ وهل سنرى إتجاهاً إلى العملات البلاستيكية عاليماً وعربياً؟
– إن التوجُّه إلى الأوراق النقدية البلاستيكية يستند عموماً لإعتبارات، منها البيئية والأمنية (بغية الحدّ من عمليات تزوير العملة)، كذلك لخفض تكلفة طباعة وإدارة العملة، وعليه سوف نشهد إعتماداً متزايداً لهذا النوع من الأوراق النقدية بشكل تدريجي، على الصعيد العالمي وفي المنطقة العربية، ونتوقع أن قرار التحوُّل إلى الأوراق النقدية البلاستيكية سيكون أسرع في الدول التي تُولي حكوماتها أهمية عالية لمسألة الحفاظ على البيئة، سواء من خلال الممارسات المحلية، أو إمتثالاً لإتفاقيات وتحالفات دولية لتحقيق أهداف بيئية معينة. وأشير هنا إلى أن إتحاد المصارف العربية يُولي منذ فترة الإهتمام بنشر ثقافة البيئة والمجتمع والحوكمة، بإعتباره توجهاً عالمياً لقياس إستدامة الإستثمارات في جميع القطاعات، ولا سيما في قطاع الخدمات المالية، وإنطلاقاً من ذلك، فإننا نشجِّع توجُّه الدول العربية – وفي مقدمها مصر التي إتخذت قراراً بالتحوُّل إلى النقود البلاستيكية – الإنتقال إلى إعتماد هذا النوع الجديد من النقود.
* إنتقالاً إلى العملات الرقمية، كيف ترون مستقبل العملات التقليدية وتداولها مع إنتشار العملات الرقمية والإفتراضية وإرتفاع معدَّلات قبولها وتراجع إستخدام النقد بالأساس؟
– أُُشير أولاً إلى أن الإبتكار في الخدمات المالية ليس بظاهرة جديدة. فعلى مدى العقود القليلة الماضية شملت الإبتكارات المالية بطاقات الإئتمان في الستينيات من القرن الماضي، وأجهزة الصراف الآلي والصيرفة عبر الهاتف في السبعينيات والثمانينيات، والمنتجات المالية الجديدة في أعقاب تخفيف القيود التنظيمية في التسعينيات.
كما سهَّلت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والتطبيقات المصرفية على الهواتف الذكية إجراء التعاملات المصرفية عن بُعد، والتي لا تتطلَّب التفاعل وجهاً لوجه بين العملاء وموظفي المصارف. ومن هنا نشأت العملات الرقمية كنوع جديد من الإبتكار المالي الرقمي. وقد أصبح إستخدام العملات الرقمية واقعاً فرض نفسه بسبب الحاجة إلى منظومة نقدية أكثر رشاقة ومرونة من المنظومة التقليدية القائمة منذ عقود وذلك لمواكبة متطلِّبات الإقتصاد الرقمي.
وهناك نوعان من العملات الرقمية، النوع الأول هو العملات المشفَّرة Cryptocurrencies، وهي العملات الرقمية المحرَّرة مثل البيتكوين، والنوع الثاني وهو العملة الرقمية الوطنية المنظَّمة Central bank digital currency. هناك إختلاف تنظيمي بين النوعين من حيث مركزية إدارة النقد، بحيث تقوم العملات المشفَّرة على لا مركزية مطلقة لإدارة النقد الرقمي، بينما تقوم العملات الرقمية الوطنية المنظَّمة على مركزية إدارة النقد الرقمي من قبل البنوك المركزية بحسب القوانين المرعية الإجراء.
إن الهدف من الإستثمار في العملات الرقمية المحرَّرة وإقتنائها، ليس فقط تسهيل عمليات الدفع إنما تحقيق الأرباح، وهو خيار سيكون للأفراد حرية التداول به ضمن منظومة من العملات الرقمية المتنافسة عالمياً. بينما الهدف من إعتماد العملة الرقمية المنظَّمة هو تسهيل التعاملات وخلق بيئة نقدية ملائمة لتحقيق النمو في الإقتصاد الرقمي. مما لا شك فيه أنه للعملات الرقمية قدرة حقيقية على تغيير هيكل التجارة والإستثمار ونشاطات التمويل، وجعلها أسرع، وأرخص، وأكثر إتاحة.
* ما هي نصائحكم للوقوف في وجه التحديات التي تحملها العملات الرقمية ولا سيما حيال التنظيم والتشريعات؟ وهل أن العملات الرقمية تعني تراجع تكلفة إدارة النقد؟
– إن أهم ظاهرة في مجال التكنولوجيا المالية هي سلسلة البلوكات أو تكنولوجيا بلوكشين (Blockchain)، وهي بمثابة دفتر رقمي لا مركزي، يتم فيه تسجيل المعاملات التي تتم في العملات الرقمية. وقد تميَّز العام 2017 بإقتحام العملات الإفتراضية المشفَّرة، أسواق المال العالمية، وأكثرها جدلاً هي «البتكوين» وهي عملة رقمية إفتراضية مشفَّرة باتت أشهر أدوات التداول المالي والمضاربة، لا وجود مادي لها، ولا تخضع لسيطرة أية مؤسسة مالية أو بنك مركزي في العالم، إذ يتم التعامل بها فقط عبر الإنترنت.
وهنا تبرز مخاطر هذه العملات الرقمية كونها لا تتبع لأية دولة أو سلطة رقابية أو بنك مركزي، ويتم تداولها من خلال نظام مشفَّر يخفي هوية المحوِّل والمتلقِّي، مما قد يشكل خطراً على الإستقرار المالي في حال إستخدامها في عمليات مشبوهة مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أن أحد مساوىء العملات الرقمية، أنها تُشكِّل تحدياً للنظام المالي لأنها تسمح لمعاملات الند للند، من دون وسيط مالي أو بنك مركزي، وتالياً فهي متقلِّبة، محفوفة بالمخاطر، غير شفَّافة، وشبه وهمية، لذلك ليس منطقياً أن تستبدل بالعملات الورقية الرسمية.
من جهة أخرى، يستوجب التحوُّل إلى النقد الرقمي للإستثمار في البنية التحتية التقنية التي تُمكِّن من إدارة هذا النوع من العملة الوطنية، كذلك الإستثمار في العنصر البشري لتمكين الكوادر العاملة من تشغيل المنظومة الجديدة. ويُشار إلى أن إتحاد المصارف العربية من خلال وحدة التحوُّل الرقمي في الإتحاد (UAB digital) يعمل على مبادرة تطوير عملة رقمية وطنية نموذجية، يُمكن لكافة الدول العربية المشاركة في المبادرة، والإستفادة منها، ممَّا يضمن تخفيض تكلفة التحوُّل بشكل كبير. أما لجهة التكلفة التشغيليَّة، فمن المتوقع أن تشهد السنوات العشر المقبلة إنخفاضاً تدريجياً في تكلفة إدارة النقد الرقمي مع التحوُّل التدريجي إلى العملات الرقمية.
* هل يُمكن تصميم وطرح عملات رقمية أو إفتراضية من قبل البنوك المركزية، لتكون على شاكلة العملات الأخرى كالـ «بيتكوين» وغيرها، إنما أكثر إنضباطاً وتنظيماً؟ وأين المنطقة العربية من ذلك؟
– يُمكن لإبتكارات التكنولوجيا المالية مثل العملات الرقمية، ودفاتر الحسابات الرقمية الموزَّعة (Blockchain)، أن تُساهم في توفير آليات للمدفوعات العربية العابرة للحدود، تتَّسم بإرتفاع الكفاءة والمردودية والسرعة، مقارنة بالمصارف التقليدية أو شركات تحويل الأموال التي تعتمد على علاقات المراسلة المصرفية. وتالياً، يُمكن التخفيف من حددَّة التحديات التي يفرضها توتر العلاقات في بعض الدول العربية مع المصارف المراسلة. وقد بدأت مجموعة دول عربية مبادرات لإتاحة العملة الرقمية، وأصدرت تشريعات من شأنها أن تُسهِّل هذه العملية، ولكن لا نزال في بداية الطريق، ومع ذلك سوف تشهد السنوات الخمس التالية تبنياً تدريجياً للعملة الرقمية.
وعليه، فإننا ننصح الحكومات المحلية والمصارف المركزية بتبنِّي إستراتيجية للنقد الرقمي، تتلاءم مع واقعها الحالي والتطلُّعات والعقبات. وهنا تستطيع وحدة التحوُّل الرقمي في إتحاد المصارف العربية العمل يداً بيد مع المصارف المركزية لرسم إستراتيجيات فعَّالة وقابلة للتنفيذ. علماً أنه لا توجد إستراتيجية وخريطة طريق واحدة للإنتقال إلى العملة الوطنية الرقمية، إذ تختلف خريطة الطريق بإختلاف النمط الإقتصادي للبلد والأولويات والمحفِّزات وغيرها من العوامل التي تؤثر في جدوى الإنتقال إلى النقد الرقمي.
أخيراً، أشير إلى أننا في إتحاد المصارف العربية نعمل على نشر ثقافة التمويل والصيرفية الرقمية ومن ضمنها النقد الرقمي على مستوى العالم العربي، ونعمل على تصحيح المفاهيم في ما يخص العملات الرقمية المنظَّمة وغير المنظَّمة وتصويب الأمور في إطار ضرورة إتاحة عملات رقمية وطنية منظَّمة، لتنشيط الإقتصاد الرقمي العربي، بما يضمن تنافسية القطاع على المستوى العالمي. كما إننا، وإدراكاً منَّا للدور الحاسم للتكنولوجيا – وفي طليعتها التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية – بغية المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ 17 ومن دون إستثناء، فإننا ندعو إلى التوسُّع في الإستفادة القصوى من الإمكانات الهائلة للتكنولوجيا المالية والعملات الرقمية، في دعم النمو والتنمية في المنطقة العربية.