الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح
لمجلة «الأمن العام» اللبنانية:
أحد عوامل عودة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني اعلانُ الحكومة الجازم
والقاطع بأنه لن تتم أية عمليات شطب للودائع
خصّ الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح مجلة «الأمن العام» اللبنانية، بحديث صحافي شدّد فيه على « أن أحد عوامل عودة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني هي إعلان الحكومة الجازم والقاطع بأنه لن تتم أية عمليات شطب للودائع. من هنا نبدأ. إن تبنّي الحكومة الحالية لفكرة «فكّ الترابط» بين ميزانيات مصرف لبنان والمصارف، يعني حكماً شطب الجزء الأكبر من الودائع. وحتى فكرة صندوق إسترداد الودائع هي نظرية وليست عملية. لذلك أُشدّد على أن إعادة الثقة بصناعة القرار الإقتصادي والمالي والنقدي، هو حجر الأساس لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي»، مشيراً إلى أن «إمكانية دخول مصارف أجنبية إلى لبنان، ستكون نتيجة عودة الثقة وزوال الضبابية في ما خصّ الخطة الإصلاحية الشاملة للحكومة، وليست الدافع لها. علماً أنه يوجد فعلاً إهتمام عربي ملحوظ بدخول السوق المصرفية العربية، عبر فتح فروع أو الإستحواذ على مصارف قائمة، ولكن الضبابية وأجواء عدم اليقين السائدة تجعلهم يتردّدون في إتخاذ هكذا قرار».
في ما يلي تنشر مجلة «إتحاد المصارف العربية» حديث الأمين العام الدكتور وسام فتوح:
*كيف يُمكن إعادة خلق قطاع مصرفي وفق المعايير الدولية وليس بحسب المعايير المحلية؟
-لا يُمكننا النظر في كيفية معالجة وضعية القطاع المصرفي دون الأخذ بالإعتبار الأزمة الإقتصادية والنقدية والمالية التي عصفت بلبنان. أشرتُ الى ذلك، لأُشدد أنه لا المصارف الموجودة حالياً، ولا أية مصارف جديدة قد تدخل إلى السوق اللبنانية، حتى لو كانت أهم المصارف العالمية، يمكنها أن تعمل بشكل طبيعي في ظل الأزمة غير المسبوقة التي تمر في لبنان، والتي هي من أخطر الأزمات التي تم تسجيلها خلال مئة عام.
من جهة أخرى، فإن المصارف اللبنانية كانت قبل الأزمة تعمل فعلاً وفقاً للقواعد والنظم والمعايير الدولية، سواء بالنسبة إلى الرسملة، أو السيولة، أو الإمتثال، أو مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أوالحوكمة وغيرها. وكان هذا رأي المؤسسات المالية ووكالات التصنيف الدولية، حتى بالنسبة إلى تركيز جزء كبير من موجوداتها لدى مصرف لبنان وفي سندات اليوروبوندز، فقد كانت المصارف تتعامل معها بالنسبة لمتطلبات الملاءة والرسملة بحسب ما تنص عليه قواعد بازل. لذلك، فأنا أرى انه من الخطأ «إلغاء» القطاع المصرفي الحالي، و«خلق» قطاع جديد، بل السعي الى حلّ الأزمة تدريجاً «من فوق إلى تحت»، أي البدء بحل الأزمة الإقتصادية والنقدية، ومن ثم النظر في كيفية معالجة الأزمة المصرفية.
*ماذا يعني إعادة هيكلة المصارف؟ وهل بات من الصعب إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان؟
-في المبدأ، تتم «إعادة هيكلة» أي مصرف عند وقوعه في أزمة جدّية، كحل بديل عن تصفيته أو إستحواذه من قبل مصرف آخر. وتتم إعادة هيكلة المصرف في جانب الموجودات و/أو المطلوبات من الميزانية، وصولاً حتى إلى إعادة هيكلة إدارة المصرف. لذلك، فإن تعقيبي على الجزء الأول من السوال، هو طرح التساؤل التالي: ما هو المطلوب هيكلته في المصارف اللبنانية؟ الإدارة؟ أم الموجودات؟ أم المطلوبات؟ أم الملكية؟ وهنا يوجد رأيان سائدان: الرأي الأول، وتتبنّاه خطة الحكومة الحالية وهو إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي اللبناني، على إعتبار أن الأزمة الحالية هي «أزمة نظامية»Systemic Crisis ، وتالياً فإن الحل يجب أن يكون للقطاع بأكمله. والرأي الآخر، والذي أميل اليه، هو النظر في وضعية كل مصرف على حدى، وإجراء دراسة عميقة لموجوداته ومطلوباته، ورسملته وسيولته الحالية والمستقبلية، وخطة الطوارئ الذي يعتمدها، وخطط إعادة النهوض، وبناء على كل ذلك، يتم إتخاذ القرار من السلطات الرقابية في إمكانية إستمراره من عدمها. أخيراً، من المؤكد أنه لو تم البدء بمعالجة الأزمة الإقتصادية والمالية عند بدئها، لكانت تداعياتها النقدية والمصرفية والإجتماعية أقلّ، وإمكانية معالجتها أسرع وبتكلفة أقل. ويسري ذلك دون شك على معالجة وضع المصارف، فكل تأخير في حل الأزمة الإقتصادية يفاقمها، ويفاقم كذلك الأزمة المصرفية. وختاما،ً أنا أدعو إلى إعادة إحياء القطاع المصرفي، وليس إعادة هيكلته.
*هل خرج لبنان من أُصول العمل المصرفي؟
-على الإطلاق، فالمصارف، ورغم الوضع التشغيلي الصعب، لا تزال تقوم بجزء كبير من عملياتها، كالسابق. تحديداً، تقوم المصارف اللبنانية بعمليات تمويل التجارة الخارجية بشكل طبيعي، وإلاّ لما وجدنا السلع التي نشتريها تملأ الاسواق. كذلك، تتم عبر المصارف عمليات تحويل مالية عبر الحدود (من لبنان وإليه)، كذلك عمليات الإيداع وبطاقات الإئتمان وغيرها. كما أن التعامل مع المصارف المراسلة مستمر، ولا صحّة على الإطلاق لإشاعات قطع علاقات المصارف المراسلة الدولية مع المصارف اللبنانية.
طبعاً، لا ينفي ذلك إستمرار إشكالية الودائع وكيفية إعادة دفعها، وضرورة إيجاد حلّ لها يشترك فيه الحكومة ومصرف لبنان والمصارف نفسها.
*إعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، هل تتم عبر عودة المصارف الأجنبية للعمل في لبنان؟ ما هي الشروط ولماذا؟
– أرى أن أحد عوامل عودة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، هي إعلان الحكومة الجازم والقاطع بأنه لن تتم أية عمليات شطب للودائع. من هنا نبدأ. إن تبنّي الحكومة الحالية لفكرة «فكّ الترابط» بين ميزانيات مصرف لبنان والمصارف، يعني حكماً شطب الجزء الأكبر من الودائع. وحتى فكرة صندوق إسترداد الودائع هي نظرية وليست عملية، لذلك أعيد وأُشدّد على أن إعادة الثقة بصناعة القرار الإقتصادي والمالي والنقدي، هو حجر الأساس لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
أما بالنسبة إلى إمكانية دخول مصارف أجنبية إلى لبنان، فهي ستكون نتيجة لعودة الثقة وزوال الضبابية في ما خصّ الخطة الاصلاحية الشاملة للحكومة، وليست الدافع لها. علماً أنه يوجد فعلاً إهتمام عربي ملحوظ بدخول السوق المصرفية العربية، عبر فتح فروع أو الإستحواذ على مصارف قائمة، ولكن الضبابية وأجواء عدم اليقين السائدة تجعلهم يترددون في إتخاذ هكذا قرار.
*لم يعد للمصارف اللبنانية قدرة السيطرة على السوق اللبنانية، فهل عودة المصارف الأجنبية أو فروعها ممكن الآن؟
-كما أشرت سابقاً، تسعى معظم المصارف اللبنانية إلى إعادة عملياتها كما قبل الأزمة. كما أن بعضها أعلن مؤخراً عن إمكانية إعادة الإقراض. طبعاً، مع الإشارة إلى أن المصارف اللبنانية قد أصبح لديها ميزانيتان: الحسابات القديمة )أي الموجودات والمطلوبات القديمة) والحسابات الجديدة (أي الموجودات والمطلوبات الجديدة).
في ما خصّ الحسابات الجديدة، عادت المصارف إلى العمل بشكل شبه طبيعي. وتبقى الإشكالية طبعاً في موضوع الحسابات القديمة، لا شك في أن دخول المصارف الأجنبية يُساهم في تعزيز المنافسة وتطوير الخدمة المصرفية، ولكن لا يُمكن أن تكون المصارف الاجنبية بديلاً من المصارف اللبنانية. ولا يمكنني تصوّر أن تصبح المصارف اللبنانية هامشية في بلدها الأم. وهذا ما لا أقبله لأي قطاع مصرفي عربي آخر. فحتى في ظلّ النزاعات والحروب التي شهدتها دول عربية عديدة، بقيت مصارفها هي الأساس، وحتى خلال الحرب اللبنانية، لم تحل المصارف الأجنبية محلّ الوطنية.
في الخلاصة، نحن نشجع دخول المصارف الأجنبية )وعلى رأسها المصارف العربية(، ولكن لتكون مكمّلة للمصارف اللبنانية، وليست بديلاً منها.
*هل يُعتبر حضور المصارف الاجنبية ميزة هامة في ربط الإقتصاد اللبناني بالأسواق العالمية؟
-بشكل عام، يُفيد دخول المصارف الأجنبية إلى لبنان، كما أي بلد آخر، من حيث تعزيز المنافسة وتطوير الخدمات المصرفية وخفض تكلفتها وزيادة آفاق الشمول المالي وغيرها. ولكن ربط الإقتصاد، أو الأسواق المالية المحلية، بالأسواق العالمية، يتم عبر علاقات المصارف المراسلة الدولية العاملة في الخارج. هكذا تتم عمليات تمويل التجارة الخارجية وعمليات تحويل الأموال. وفي حال قرّرت المصارف المراسلة قطع علاقاتها مع أي دولة، فإنها تمتنع عن إجراء أية معاملات مالية مع تلك الدولة، عبر الـDe-risking ، حتى في ظلّ وجود مصارف أجنبية.
وأُعيد التأكيد، أن المصارف اللبنانية لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة جداً مع المصارف المراسلة، ولا تزال «تربط» الإقتصاد اللبناني بالأسواق الدولية. لذلك، نحن ننظر في الإفادة من دخول المصارف الأجنبية من ناحية «المستهلك المالي»، وليس من ناحية الربط مع الأسواق الدولية.
*كيف يُمكن إعادة الثقة إلى المصارف اللبنانية، وما هي أبرز خطواتها؟
-رغم الأزمة الهائلة التي يعيشها لبنان، منذ قرابة ثلاث سنوات ونصف السنة، لا تزال آفاق الحل مفتوحة. ولا تزال عودة الثقة بالإقتصاد اللبناني وبالمصرف المركزي وبالمصارف ممكنة.
في ما خصّ المصارف، لا شك في أن الهوّة بينها وبين مودعيها كبيرة. ولا شك في أنه مطلوب منها أن تكون أقرب إلى المودعين، أي أن تقوم بالتحاور معهم، وعرض إجراءات إعادة الودائع لهم، وما تقوم به من خطط لتعزيز رسملتها ومركزها المالي. كما يجب على المصارف أن تكون شريكاً في تحمُّل المسؤولية في ما وصلت الأمور إليه. وعلى كل حال، أظنُّ أن المصارف مستعدة لتحمُّل جزءاً من الخسائر، بسبب تركيز جزء كبير من مواردها لدى الدولة اللبنانية (الحكومة ومصرف لبنان).
عامل آخر أساسي لإعادة الثقة هو إلغاء بند الشطب الضمني للودائع من الخطة الإصلاحية للحكومة الحالية.