لبنان الرسمي بدأ مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي
ودمج المصارف أحد بنود خطته
فأيُّ آلية هي الأنسب؟
تقنياً، بدأ لبنان عبر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً لوضع خطة تساعده على الخروج من أزمته، ما يعني أن ساعة الحقيقة دقت لمقاربة كل الملفات المالية، ومنها ملف دمج المصارف بطريقة علمية تُقنع صندوق النقد الدولي، فهل سيتمكن لبنان من تحقيق هذا الأمر؟
تستعد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لدخول مرحلة التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي، كخطوة أولى من سلسلة خطوات، على لبنان إجتيازها كي ينال مساعدة المجتمع الدولي للخروج من أزمته الإقتصادية والمالية غير المسبوقة منذ أكثر من عامين.
ما يُميّز هذه الخطوة المرتقبة هو أن حكومة ميقاتي تُقارب أحد أبرز عناوين الأزمة، أي إعادة هيكلة القطاع المصرفي بذهنية مَن يريد أن يأكل عنباً لا أن يقتل الناطور، وقد أوردت في بيانها الوزاري أنها ستعمد إلى «وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته، حيث يلزم تنشيط الدورة الإقتصادية، بما يُساهم في تمويل القطاع الخاص بفوائد مشجعة، مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق وأموال المودعين».
أما ترجمة هذه العبارة عملياً، فهي بحسب أهل الإختصاص تخفيض حجم مديونية الدولة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة لا تتعدى الـ 100 %، بما فيها الديون الجديدة التي سيُوفرها صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، ما يفتح الباب لقروض قد يُوفرها الصندوق وبشروطه طبعاً، وتوفير حماية لفئات المواطنين الأكثر حراجةً، وتحقيق توازن إقتصادي، وتخطي الإختلالات الأساسية، ما يتطلب من جهة أولى التقليص التدريجي للإستهلاك والإنفاق الإجمالي، ويتطلب من جهة ثانية تخفيض عجز ميزان المدفوعات الجاري.
ومن جهة ثالثة، إصدار قانون «الكابيتال كونترول» الذي يضع حدّاً لخروج الرساميل، فيما يُساهم في تقليص عجز ميزان المدفوعات الكلّي، وتالياً نزف العملات الصعبة إلى الخارج، وتوحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، أي معالجة الفجوة المالية البالغة قرابة 67 مليار دولار.
بلغة الإختصاصيين، يشرح أحد المصرفيين «أنّ دمج المصارف يُساعد على حماية أموال المودعين، وعدم ضعضعة الثقة أكثر فأكثر بالقطاع، بعدما بات الزبائن يلمسون عدم القدرة على تلبية الحدّ الأدنى من طلباتهم، وهذه العملية يجب أن يقوم بها في هذه الحالة الإستثنائية، المصرف المركزي من خلال دمج بنك أو أكثر يملك فائضاً من السيولة الإيجابية، مع المصرف الذي لديه سيولة سلبية بطريقة تُقلّل نسبة الإنكشاف والمخاطر. لكن يجب على مصرف لبنان أن يُقدّم حوافز كي تتم هذه الخطوة، فلن يقبل مصرف لديه سيولة أن يتحمّل عبء مصرف منهاراً، من دون مردود».
كل ما سبق يعني، أن الحكومة اللبنانية قامت بتوزيع المسؤوليات على الدولة ومصرف لبنان والمصارف وكبار المودعين، وقد لاقت هذه المقاربة ترحيباً من الجهات المعنية، أي مصرف لبنان وجمعية المصارف، ما مكّنها من الذهاب لمفاوضة صندوق النقد الدولي بأرقام موحدة، على عكس ما جرى مع حكومة الرئيس حسان دياب التي إختلفت مع «المركزي» والمصارف حول حجم الفجوة المالية وتوزيعها. وهذا المعطى الجديد يجعل السؤال مشروعاً عن الآلية الأنسب لإعادة دمج المصارف، وما هو دور لجنة المال والإقتصاد النيابية في تحديد معالم هذه الآلية ومتابعتها، وما هو تأثيرها على القطاع المصرفي الذي يُحاول الإستمرار رغم عنف الأزمة المالية التي تضرب لبنان.
عون: خطة الدمج ستُراعي حماية صغار المودعين
والحفاظ على النظام المصرفي ليستعيد دوره
الإجابة على هذا السؤال جاء من زوايا عدة، وبحسب المهمات التي يضطلع بها المجيبون عليه، فعلى صعيد المجلس النيابي اللبناني، يُجيب عضو كتلة المال النيابية النائب آلان عون لمجلة «إتحاد المصارف العربية» قائلاً: «إن تواصلهم مع نائب رئيس الحكومة الذي أوكل إليه مهمة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أظهر أن الحكومة ستتعاطى مع ملف دمج المصارف، وفقا لأربعة مبادئ الأول حماية صغار المودعين إلى أقصى حد، والثاني مساهمة أكبر في سدّ الفجوة المالية لأكثر المستفيدين من النظام المصرفي والمالي في السنوات الماضية، والثالث هو الحفاظ على النظام المصرفي، لكي تستعيد المصارف عافيتها ودورها الإقتصادي والرابع هو يجب أن تكون الخطة مقبولة من صندوق النقد الدولي».
جابر: القطاع المصرفي مثل مريض لا يزال في بداية تشخيص
مرضه ليتمّ بعدها تحديد العلاج اللازم له
من جهته يشير عضو لجنة الاقتصاد النيابية النائب ياسين جابر لمجلة «إتحاد المصارف العربية» إلى أن «دمج المصارف، يجب ألاّ يطال حقوق المودعين، والأهم أنه يجب أن يتم وفقاً لمبدأ مساعدة المصارف الكبيرة للمصارف الصغيرة، وإلى الآن لا تزال الأمور مجرد أفكار، وهذا أمر تمّ النقاش فيه، منذ حكومة الرئيس دياب تحت عنوان «إعادة هيكلة القطاع المصرفي» وهذه الفكرة لا تزال قيد النقاش في حكومة الرئيس ميقاتي»، لافتاً إلى أن هذا أمر يحصل عالمياً لجهة دمج المصارف أو وضع المصرف المركزي يده على أحد المصارف لإعادة هيكلته، ونحن كنواب لا نزال ننتظر ما ستقدم لنا الحكومة، وهي تحاول أن تنتقي من التجارب العالمية التي حصلت في هذا الإطار ما هو مناسب للوضع اللبناني، بالتشاور مع صندوق النقد الدولي.
ويلفت جابر إلى أن «الجهات المعنية، وهي نائب رئيس الحكومة وجمعية المصارف، وصندوق النقد الدولي، والإستشاريين، ووزير المال، ووزير الإقتصاد، وشركة لازار ومصرف لبنان، وحين يُصبحون جاهزين سنُواكبهم».
ويختم جابر قائلاً: إن القطاع المصرفي في لبنان، مثل مريض لا يزال في بداية تشخيص مرضه، ليتم بعدها تحديد العلاج اللازم له.
أفيوني: الدمج بين مصارف متعثّرة وميزانيتها غير صحيحة قبل
إعادة الهيكلة هو مضيعة للوقت
في المقابل يقدم وزير الدولة السابق لشؤون الإستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني لمجلة «إتحاد المصارف العربية» رؤيته حول كيفية مقاربة هذا الملف بالقول: «إن دمج المصارف في لبنان، لا يمكن أن يحصل قبل أن تتم إعادة هيكلة للقطاع المصرفي، لأن كل المصارف في لبنان تعاني خسائر ضخمة جداً، وتحتاج إلى إعادة هيكلة أولاً، وبعدها تحصل عملية الدمج»، لأنه لا يُمكن أن تتم أي عملية دمج قبل تصحيح الميزانيات، والإعتراف بالخسائر وإعادة الهيكلة، عندها تصبح عملية الدمج جزءاً من خطة إعادة الهيكلة».
ويختم أفيوني قائلاً: «إن الإعتراف بالخسائر، وإعادة الهيكلة هو المرحلة الأولى، وبعدها تأتي عملية الدمج، ولا يُمكن دمج مؤسستين مصرفيتين تُعانيان معاً التعثر، لأن ذلك يخلق مشاكل جديدة، وتالياً، المطلوب هو خطة لإعادة هيكلة المصارف، ويتم بعدها الدمج ضمن إطارها وكنتيجة لها».
وعلى ضفة الخبراء الماليين أيضاً، يرى الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور مروان قطب لمجلة «إتحاد المصارف العربية» أن «الإشكالية في لبنان هو وجود عدد مصارف كبير لا يتناسب مع حجم الإقتصاد اللبناني، والذي يبلغ 60 مصرفاً، في حين أن حجم الإقتصاد اللبناني قبل الأزمة، كان 54 مليار دولار، وحالياً 20 ملياراً»، مشيراً إلى أنه «مقارنة بالإقتصاد السعودي مثلاً (الذي يُعتبر من الدول العشرين)، فإن عدد المصارف في المملكة يبلغ حوالي 30 مصرفاً بين مصارف وطنية وأجنبية، وهذا يعني أن حجم الإقتصاد اللبناني الذي لا يتجاوز 20 مليار دولار، لا يتناسب في أن يكون لديه ما يزيد عن 60 مصرفاً، وبالتالي لا بد أن يحصل تقليص وترشيق لحجم القطاع المصرفي».
قطب: تأثير الدمج سيكون إيجابياً لأنه يُعزز مكانة المصارف
وملاءتها ورأسمالها وسيولتها وهذا أمر مطلوب
يضيف قطب: «إن الأزمة الأخيرة التي حصلت في القطاع المصرفي، تدل على أنه لا بد من إعادة هيكلته وتقوية المصارف، وتعزيز إمكاناتها وملاءتها المالية، ومصرف لبنان يُدرك هذا الأمر، لذلك حين أصدر التعميم 154 في العام 2020 أدرج متطلبات من المصارف لتعزيز قوة رأسمالها وسيولتها النقدية، وخصوصاً لدى المصارف المراسلة، وإشترط أن تزيد المصارف اللبنانية من رأسمالها بحدود 20 %، وأن تكوّن إحتياطياً بالعملة الاجنبية لدى البنوك المراسلة بمعدل 3 % بالعملة الاجنبية»، موضحاً أن «المصارف حاولت أن تستوفي هذه الشروط، ومصرف لبنان أعّد لجنة لدراسة مدى تقيّد المصارف بهذه المتطلبات، وغايته هو إعادة هيكلة القطاع المصرفي لأنه حدّد العام 2021 لإعادة الهيكلة، وتم تحديد مهلة لإستيفاء الشروط المطلوبة، وتم تشكيل لجنة في مصرف لبنان لدراسة مدى التقيُّد بهذه الشروط»، ويلفت إلى أن «النتيجة أظهرت أن هناك العديد من المصارف الكبرى إستوفت هذه الشروط، وستستمر في عملها. أما المصارف التي لديها القدرة على الإندماج، وعلى إستيفاء هذه الشروط ستُدمج وهناك مصارف ستخرج من السوق».
ويشرح قطب أن «هذه الخطوات لم تُطبّق بسبب الأزمة السياسية المستفحلة والمتلاحقة التي تعرّض لها الإقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي ومصرف لبنان»، مشدداً على أن «الدمج لن يُؤثر على الودائع، بل سيكون للأصول والودائع بأنها ستنتقل من مصرف لآخر، إذا حصل إستحواذ من مصرف كبير على مصرف صغير، وفي حال الدمج ستندمج الودائع، والمصرف الجديد مسؤول عن الودائع بالنسبة إلى المودعين».
ويلفت قطب إلى أن «الجميع يعلم أن المصارف تتعرّض لأزمة في ما يتعلق بالودائع، ولا بد من إجراء حلول لها، وبعض المصارف في حال إندماجها تُصبح لديها القدرة الأكبر على رد الودائع، وستمتلك سيولة نقدية و ملاءة أفضل، وهي تساهم في حلِّ مشكلة الودائع»، مشيراً إلى أن «تأثير الدمج سيكون إيجابياً، لأنه يُعزّز مكانة المصارف وملاءتها ورأسمالها وسيولتها النقدية، وهذا أمر مطلوب، والتعميم 154 كان يهدف إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان، وحالياً فقد مفعوله وخصوصاً أن المصارف إستوفت الشروط المطلوبة منها ودقة هذا الأمر تحتاج إلى تحقيق وتأكد».
ويختم قطب بالقول: «لا بد من آلية جديدة لإعادة دمج المصارف، برعاية المصرف المركزي، وفي ظل إشراف لجنة الرقابة على المصارف، وهذا أمر مطلوب إقتصادياً ويُعزّز واقع القطاع المصرفي اللبناني».