محمود محيي الدين: الشمول المالي في العالم العربي لا يزال متدنياً ومعدلات النمو في الشرق الأوسط أقل من العالمية

Download

محمود محيي الدين: الشمول المالي في العالم العربي لا يزال متدنياً ومعدلات النمو في الشرق الأوسط أقل من العالمية

موضوع الغلاف
العدد 443

محمود محيي الدين: الشمول المالي في العالم العربي

لا يزال متدنياً ومعدلات النمو في الشرق الأوسط أقل من العالمية

كشف الدكتور محمود محيي الدين نائب رئيس البنك الدولي لأجندة 2030 للتنمية المستدامة أن العالم العربي لا يزال في أدنى الدرجات العالمية في مسألة الشمول المالي فهي أقل بنسبة 14 في المئة فيما تتقدم عليه أفريقيا.

واعتبر في حوار مع مجلة إتحاد المصارف العربية في مقر البنك الدولي في واشنطن أن مفهوم الشمول المالي المتمثل بفتح الحسابات المصرفية ليس هو الحل بعدما دخلت التكنولوجيا إلى عالم المصارف ما جعل مسألة الحسابات المصرفية رأسمالها المطلوب، ومن الواجب وهو ظاهرة هامة هو أن الدول التي تحسن فيها الشمول المالي ليس أن تركز على مسائل التمويلات وخلافها من دون أن يزداد الإدخار وترشيد الدول الغنية في ثقافتها لكن نسب الإدخار في العالم العربي قليلة جداً، علماً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحث على ثقافة الإدخار واعتماد التقنيات المالية الملائمة لذلك وتشجيع الشبان والشابات على ذلك. وحث الدكتور محيي الدين على التحضر لاستقبال متطلبات العمل المالي المستقبلي الممثل بسلسلة الكتل Block chain، حيث يتغير شكل عمل البنوك وحتى مستقبل البنوك نفسها إذ يتغير حتى شكل الوساطة المالية بفعل التقنيات المصرفية الجديدة. وهذا التطور يهدد الوساطة المالية بشكلها التقليدي، وإن رؤية 2030 هي فرصة في هذه التحولات.

ويرى الدكتور محيي الدين فرصة هائلة لدول الشرق الأوسط في خوض غمار الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة إذا أحسنت الإنفاق الاستثماري الجيد في الأخذ بهذه التكنولوجيا ويرغب البنك الدولي في تشجيع القطاع الخاص للقيام بالمشروعات، لأن أي دولة لها سقف في محفظتها المالية. فإذا قامت الدولة باستنفاد المبالغ في مشروعات يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص، فسيكون ذلك على حساب مشروعات حيوية أخرى لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها أو لا يقدم عليها، مثل مشروعات تعليم الفتيات في المناطق الريفية، أو مشروعات تأهيل الفقراء وسيركز البنك الدولي على هذا المجال بشكل كبير في الفترة القادمة.

ويشير الدكتور محيي الدين إلى أن كل التقارير التي أصدرتها المؤسسات الدولية تشير عموماً إلى عدم التفاؤل المفرط في مسألة معدلات النمو، لأنها أول زيادة لهذه المعدلات حيث شهد العام الماضي أقل معدل للنمو منذ الأزمة المالية، لذا يرى البعض أنه يجب أخذ هذه المعدلات بحذر وعدم الإفراط في التفاؤل، لأنه إذا ما حدث تقييد في اتجاهات السياسة النقدية في المستقبل فمن الممكن أن تتراجع معدلات النمو، ولو حدثت اضطرابات مالية في عدد من الأسواق المهمة حول العالم فمن الممكن أن تؤثر في هذه المعدلات.

وترتبط بعض أسباب التحفظ على التفاؤل المفرط بالتوجهات نحو الداخل، أو «السياسات الحمائية»، في حركة التجارة والاستثمار وهناك أيضاً عوامل غير اقتصادية أشارت لها بعض الدراسات، منها أثر الاضطرابات السياسية والنزاعات في بعض المدن، والأبعاد الجيوسياسية في بعض المناطق، والانشطة الإرهابية وأيضاً ارتفاع تكلفة التحوط ضد الإرهاب ومكافحته.

أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فتوقعات التقرير حول معدلات النمو في المنطقة تدور حول 2.2 %، والمتوقع العام المقبل أن تبلغ معدلات النمو ما يقرب من 3 %، أي أن معدلات النمو في المنطقة العربية أقل من معدلات النمو العالمي وتتراوح الاسباب بين انخفاض أسعار النفط في الدول المصدرة له، أو أسباب ترتبط بأن الدول العربية التي حققت مكاسب من انخفاض أسعار النفط لم تعوض خسائر الدول الأخرى في معدلات النمو، إضافة إلى المشكلات التي ما زالت تعاني منها بعض الدول العربية من نزاعات وصراعات وأزمات مختلفة.

هناك أيضاً تناقض بين موقف الدول الأوروبية التي تعاني من انخفاض حاد في معدلات التضخم، وموقف دول الشرق الأوسط التي تعاني من مشكلات ارتفاع حاد في معدلات التضخم، ويطالب التقرير الدول المتقدمة بعلاج المشكلة المتعلقة بانخفاض التضخم عن الهدف المنشود وهو 2 في المئة، بل إن بعض الدول الأوروبية وصل بها التضخم لمعدلات سلبية، وعلى العكس تعاني الدول العربية من ارتفاعات في معدلات التضخم، ويقال هنا إن التضخم مثل الملح، قليل منه مطلوب لأنه يحرك الاقتصاد ويدفع النمو، وكثير منه مضر، لأنه يؤدي إلى ظاهرة الغلاء، وانعدامه يربك أيضاً حركة السياسة النقدية.

تحتل قضايا التعليم والرعاية الصحية وتشجيع القطاع الخاص أولوية برامج البنك الدولي الذي يسعى إلى زيادة رأس ماله للتوسع في الاستجابة لمطالب الدول المتزايدة للاقتراض… فما تفاصيل هذه التوجهات؟ يقول الدكتور محمود محيي الدين إن البنك الدولي قد أصدر تقريرworld development report، وهناك ورقة ملخصة معروضة على مجلس المحافظين للبنك حول أزمة التعليم، وهي ليست الأزمة التقليدية المتعلقة بارتباط التعليم بالعمل التي كان يتم التصدي لها ببعض الدورات التدريبية، وإعانات البطالة المؤقتة وإعادة التأهيل، الآن الأزمة في التعليم رغم زيادة أعداد المنخرطين في التعليم في العالم.

وهذه الورقة تقدم ثلاثة أبعاد في قضية أزمة التعليم، الأول أن الدول تفقد كثيراً عندما لا تقيس بشكل جيد مخرجات التعليم، فالطريقة القديمة للتقييم بحساب النجاح والرسوب طريقة تقليدية، وهناك معايير دولية لقياس جودة التعليم ومدى امتيازه في بعض المجالات، وخاصة العلوم التطبيقية، والقدرة على إكساب الطالب فرصة على التعلم في المستقبل.

البعد الثاني، كيف نجعل من المدارس ساحات راقية للتعلم؟ وما هو المطلوب للتلميذ والمعلم؟ وإمكانيات تتجاوز المباني والمقاعد إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتطوير العلوم لمواجهة تحديات القرن الحالي، والتنافس مع الاقتصاد الرقمي (الديجيتال) التي قد تقلل من فرص العمل.

والبعد الثالث يتصل بما هي الإجراءات المطلوبة من الدولة لتستثمر في التعليم؟ ليس فقط في البنية الأساسية، وإنما في البنية البشرية والصحة والتغذية، وهناك أدلة على أن سوء التغذية في مراحل مبكرة معوق لفترة طويلة جداً لقدرة الطفل على الاستيعاب، وبالتالي قدرته على العمل.

وهناك أيضاً ورقة بحثية خاصة بمنهج التمويل الجديد الذي يتبعه البنك الدولي، ودور البنك ممولاً ومحفزاً للقطاع الخاص، والتصور أن يقوم البنك الدولي بعملية التمويل بوصفها ملجأ أخيراً ومن أبرز الأمثلة على هذا الأمر، مشروعات بناء المطارات، وهي مشروعات يمكن مشاركة القطاع الحكومي والخاص في تنفيذها وهناك نماذج ناجحة كثيرة في دول أفريقية وآسيوية.
ومن توجهات البنك الدولي في المستقبل وفقاً للتغيرات العالمية فهناك مثلاً مطالب متزايدة للاقتراض من البنك الدولي، سواء من الدول متوسطة الدخل أو الدول منخفضة الدخل… واهتمام البنك بالتنمية المستدامة وبرنامج 2030 للتنمية المستدامة يجعله يستثمر في ثلاثة مجالات، وهي البنية الأساسية والنمو الشامل، والاستثمار في التنمية البشرية من خلال الرعاية الصحية والتعليم، والاستثمار في تمكين قدرات الاقتصاد والمجتمعات على تلقي الصدمات، سواء كانت صدمات خارجية في شكل تغيُّرات مناخية والأوبئة (مثل زيكا وإيبولا) أو صدمات خاصة بمشكلات الجفاف أو نزوح لاجئين.

البعد الثاني يتعلق بهذا التطور الهائل والسريع في صناعة الوساطة المالية بما يتجاوز البنوك، وما يعرف بالتكنولوجية المالية financial technology، ويوجد حولها ندوات ونقاشات مهمة، فهذه الوساطة المالية تجعل التمويل من شخص لآخر، وتحتاج إلى منصة تشاركية مؤمنة حيث يضع الفرد معلوماته وبياناته الصحيحة، وتعتمد على الثقة المتبادلة بين الأشخاص المتعاملين.

ونعود إلى البعد الثالث، وهو ما يعرف بانتشار الذكاء الاصطناعي، حيث أشارت مديرة صندوق النقد إلى أن 80 % من البيانات المستخدمة الآن حدثت في العامين الماضيين فقط. وقالت لاغارد إن هناك ثورة لبيانات من نوع جديد تعرف بالبيانات السلوكية ونمط استهلاك الفرد، حيث يتم تجميعها واستخدامها في التسويق بناء على نمط سلوكيات الفرد. وهو نمط جديد حيث تزايد وتضخم حجم البيانات التي نتعامل معها الآن. وبدأنا عصر «البيانات الضخمة ذات الطبيعة السلوكية»، وهي تتطلب نظماً جديدة للتعامل مع البيانات وتصنيفها، وثقافة جديدة للتعامل مع البيانات وحماية مالكيها والحماية من سوء استخدامها. وهذا سيعيدنا إلى جدل قديم ما بين حرية المعلومات وتداولها بوصفها حقاً في المعرفة، وبين ما يرتبط باعتبارات الخصوصية للفرد أو الشركات مثل حقوق الملكية وبعد السرية والبعد الأمني للدول، وهذا يرتبط بثقافة ورقابة وتأمين، فما تنفقه المؤسسات الضخمة من تأمين بوجود حراس يعتبر هامشاً مما تنفقه فيما يرتبط بالأمن السيبراني والأمان المعلوماتي، وأصبح مكلفاً جداً، وقد رأينا حوادث اختراق لمنظومات معلومات قواعد بيانات وتقليدياً، هناك اهتمام في دول في المنطقة بدخول المتفوقين في كليات علوم تطبيقية وهندسية، لكن التحدي هو وضعهم في الإطار الأمثل لاستغلال إبداعاتهم، وربطهم بالأسواق وديناميكياتها والانفتاح على العالم الخارجي. والاقتصاد الرقمي يحتاج إلى استثمار ضخم فيما هو تقليدي، بمعنى أنه مع استثمار في التعليم (التقليدي) لكن بطرق مبتكرة، أو استثمار في الرعاية الصحية لكن بطرق مبتكرة، فهنا يكون هناك فرصة في التفوق في المجال الرقمي (الديجيتال)، والتغيير من تكنولوجيا قديمة إلى الأخذ بتكنولوجيا جديدة والاستثمار فيها، حيث إن الفرص فيها أفضل، والإشارات توضح أن هناك عالماً جديداً يتكون بنظام معلوماتي وبياناتي جديد باستثمارات مختلفة عن ذي قبل.