*د. محمد عادل
الاقتصاد المصرى مرهون بما يحدث على مسرح الاقتصاد العالمى، وأى تحسن سينعكس مباشرة على الاقتصاد، ويرى الخبراء الذين استطلعت “الوفد” آراءهم، أن العام القادم سيشهد انفراجة خلال النصف الثانى.
فإلى أين يتجه الاقتصاد العالمى والمصرى خلال العام القادم، وأين نحن الآن؟
قالت الدكتورة عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لـ«الوفد»، إن مشكلة الاقتصاد العالمى ليست فى الحرب الروسية، وإنما بدأت بسبب جائحة كورونا، وتوقف سلاسل الامداد من جنوب وشرق أسيا، وهو ما سبب مشاكل فى مدخلات الإنتاج بأمريكا وأوروبا وسبب فى أزمة التضخم قبل الحرب، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل لمحاربة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة بشكل كبير.
وتابعت: أدى هذا إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للخارج، وما يطلق عليه الأموال الساخنة، ما تسبب فى خلق أزمة عملة، وقامت الحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد من التأثير السلبى على الاقتصاد، وخاصة على بعض المواد الغذائية مثل القمح والذى لم يستمر لفترة طويلة، وحاليا لا توجد أزمة.
وأكدت ضرورة الاهتمام بالقطاعات الانتاجية من خلال سياسة واضحة وقابلة للتنفيذ السريع، بما يؤدى لتقليل الاستيراد والحد من عملية الاقتراض الخارجى، مع ضرورة الاهتمام بالطبقات الفقيرة وتمكينها من مواجهة الظروف الصعبة التى يمر بها الاقتصاد وارتفاع الأسعار.
جسم المريض
أما الدكتور وائل النحاس المستشار الاقتصادى وخبير أسواق المال، فقد وصف ما يحدث فى العالم بأن الولايات المتحدة الأمريكية فتحت جسم المريض «الاقتصاد»، وتقوم الآن بعمليات جراحية دقيقة من أجل علاج المشاكل التى يعانى منها الاقتصاد المتراكمة منذ عام ١٩٩٧ والتى كانت تسمى فى تلك الفترة بأزمة النمور الأسيوية وفى مقدمتها ارتفاع الديون، فالمعروف عن الديمقراطيين «بايدن» أنهم هم من يصلحون الخلل فى الاقتصاد عن طريق سياسة النفس الطويل.
فهناك خلل اقتصادى كبير فى الاقتصاد العالمى وهو ارتفاع الديون العالمية إلى 305 تريليونات دولار فى حين إن الناتج المحلى للعالم يصل إلى 92 تريليون دولار، ما يشير إلى أن دول العالم تعيش بالاقتراض «بالسلف».
وقال «النحاس» إن العالم يتغير، وهناك سياسة وضعت منذ عام 2019 لإصلاح الاقتصاد العالمى وعلاج الخلل، والانتقال إلى الجيل الخامس والذكاء الاصطناعى، ما يغير مفهوم الصناعة والتكنولوجيا وما يقدم للعميل والمواطن من خدمات، وما يتعلق بالحياة اليومية فى جميع انحاء العالم بعد أن تؤدى الحرب غرضها من تدمير مخزون روسيا، والجائحة إلى إنهاك الاقتصاد الصينى، وارتفاع الدين الصينى، وكذلك تراجع النمو فى الاقتصاد اليابانى.
وأضاف أن المنطقة العربية سوف تتأثر بسبب السياسة الأمريكية فى العالم، حيث تتجه الولايات المتحدة إلى عدم ربط الدولار بالبترول، حتى لا يتأثر الدولار فيما بعد ذلك من متغيرات وعلى رأسها اقرار قانون «non-OPEC» وهو يسمح لكل من تضرر من ارتفاع سعر برميل البترول ومشتقاته ان يرفع قضية فى المحاكم الامريكية يحصل على تعويض من دول الأوبك، ما جعل قطر تكون سابقة فى التخارج من منظمة اوبك منذ فترة بعيدة مع بداية فترة التلويح بذلك فى نهاية عصر أوباما.
وتابع وائل النحاس، أن ما يحدث هو إعادة تصحيح للاقتصاد العالمى، بعد أن فشلت المحاولة الأولى فى عام 2008، وذلك من خلال الهبوط الناعم الذى يؤدى إلى السيطرة على التضخم وفى ذات الوقت المحافظة على إتاحة فرص العمل والحفاظ على الأموال دون تبخر، حتى لا تتكرر كما حدث فى ازمة الرهن العقارى فى ٢٠٠٨، مؤكدا أن عام 2023 هو عام تقديم كشوف الحسابات ودفع ثمن الفواتير والعودة للاقتصاد الحقيقى بعد أن ارتفع الاقتصاد غير الحقيقى بشكل مبالغ فيه.
ولفت إلى أن «الدولار الرقمى» الذى يتوقع أن يصدر فى منتصف العام القادم، هو ما يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من معرفة أين يصرف كل دولار فى العالم، وبالتالى يتم محاربة الفساد وسارقى أموال الشعوب، وكل من يحصل على دولار بطرق غير مشروعة، بل ويجعل العملة الورقية فى طريقها إلى الزوال، كما يؤدى إلى ضياع أموال حائز الدولار فى البيوت والذين لن يستطيعوا التعامل بما لديهم من دولار فى المستقبل نتيجة عدم دخولها الى المصارف.
وعما هو مشاع عن تحول العالم بعيداً عن الدولار، قال د. وائل النحاس إن 90% من حجم التجارة العالمية يتم بالدولار، ومن خلال نظام السويفت الأمريكى والنسبة الباقية تتم بعملات أخرى، ما يجعل الدولار هو العملة السائدة، وهذا يزيد من قوة الاقتصاد الأمريكى وليس ضعفه أو انهياره كما يروج، وما يحدث فى العالم محدد بالتواريخ ولن يستطيع الاثرياء من المال الحرام إخفاء أموالهم، لأن أمريكا سوف تتحكم فى إدارة الأموال فى العالم، وتستطيع معرفة السلوك الاستهلاكى للمواطن عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى.
وأكد أهمية الاستثمار فى التعليم والصحة والزراعة غير التقليدية، مؤكدا أن هناك فرصا كبيرة يمكن أن تستغلها مصر لجذب الاستثمارات الاجنبية والعربية للاستثمار والتوسع فى تلك المجالات، مع استغلال كافة المشروعات التى قامت بها الدولة المصرية من بنية تحتية وبنية فوقية، لكى تتحول الى قيمة مضافة واعادة استرداد ما تم الانفاق فيها، ومما يحولها بكل مقوماتها الى دولة ربط بين الثلاث قارات وهى آسيا وافريقيا وأوروبا.
واقترح بأن ينعقد المجلس الأعلى للاستثمار انعقادا دائما لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، لإزالة كافة المعوقات للمستثمرين الحاليين المقيمين على الأراضى المصرية وكذلك على من يأتى للاستثمار فى مصر.
التفاؤل بعام
قال هانى جنينة، الخبير الاقتصادى، إن الاقتصاد الأمريكى إيجابى والنمو مرتفع، وهذا ما تظهره مؤشرات العمالة، مع توقع انتهاء مرحلة التشديد النقدى خلال 6 شهور يليها ثبات أو تخفيض حسب الظروف العالمية، وفى الوقت نفسه بعض المؤشرات تؤكد أنه لا يوجد مخاوف قهرية لدى المستثمرين، هذا بخلاف الحرب الروسية الأوكرانية.
وأوضح أن الصين تمر بتباطؤ بسبب الأزمة العقارية ويعمل الحزب الشيوعى على النهوض بالاقتصاد من خلال مجموعة من الاجراءات مثل تخفيف ضغوط كورونا وخفض الفائدة والاحتياطى الالزامى، مشيرا إلى أن هذا مفيد للاقتصاد المصرى حيث تبدأ أسعار السلع فى التباطؤ.
وعن مصر قال جنينة، إن الاقتصاد المصرى يشهد تحسنا خلال النصف الثانى من عام 2023 نتيجة لتسارع وتيرة الاصلاحات، حيث تم توزيع الصدمات على عامين وسيشهد عام 2023 اصلاحات بالأسعار
المحددة إداريا، ومعدلات التضخم ما بين 15% و20% رغم تباطؤ السلع والركود عالميا.
لافتا إلى أن هناك تعديلا فى النصف الأول 2023 لأسعار البنزين والسولار وخلافه، وهذا له تأثير تضخمى قصير الأجل، حيث يتسارع التضخم إلى 25% خلال النصف الأول وهو سيناريو متكرر مثل عام 2017، فبعد 6 شهور من تحرير سوق الصرف وصل 35% ثم يبدأ فى التراجع مع وفرة فى الدولار.
وأوضح أن الفجوة التمويلية هذه المرة سيتم تمويلها بالاستثمارات، حيث سيدخل جزء عن طريق الصندوق وبعض الشركاء، إلا أن الجزء الأكبر سيكون نتيجة لتدفق الاستثمارات من الشركاء العرب للاستثمار فى البورصة واستحواذات قوية، خاصة مع مجموعة من الطروحات ستتم خلال العام القادم.
وتوقع ارتفاعا حادا جدا فى أداء البورصة المصرية قد يصل إلى 15 إلى 16 ألفا طبقا لعاملين، الأول أن تستمر مصر فى وتيرة الإصلاح ولا يوجد تردد أو تأخير فى النصف، وأمريكا تصل إلى قمة الرفع للفائدة، وهو ما سيؤدى إلى تدفق الأموال للأسواق الناشئة، وبالفعل هناك أموال بدأت تدخل الأسواق الناشئة حاليا وسوف تتسارع الوتيرة كما سنرى انعكاسا للعجز التوأمى «عجز الموازنة والميزان الجارى»، وتوقع ارتفاع أسعار الفائدة مع إجراءات تقشفية من الحكومة.
وأشار إلى أن أفضل استثمار فى الأسهم خلال العام القادمة نتيجة لارتفاع مؤشر البورصة ما يقرب من 50% خلال النصف الأول، وبعض الأسهم ارتفعت 100% وسوف يكون هناك زخم خلال الفترة القادمة وهى فرصة ذهبية لأى مستثمر، ويساعد فى هذا الزخم التدفقات لمصر، وعمليات الطروحات المتوقعة.
موسم الشتاء
قال علاء رفاعى عضو مجلس إدارة سيتى تريد لتداول الاوراق المالية، إن الاقتصاد العالمى شهد خلال الفترة الماضية مشاكل كثيرة بسبب التضخم، وجائحة كورونا والحرب، وهو ما أدى بالولايات المتحدة إلى تشديد وتيرة رفع الفائدة، ما أدى إلى أزمات بالأسواق الناشئة، إلا أن وتيرة الارتفاع يتوقع أن تقل خلال الاجتماعات القادمة.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبى يعانى من أزمة، خاصة فى موسم الشتاء، بسبب نقص الغاز ما تسبب فى ارتفاع الأسعار، وأيضا اتجاه البنوك المركزية إلى رفع الفائدة لمواجهة التضخم، وفى الصين مع تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا قد تتجه إلى الإغلاق، ما يتسبب فى مشاكل على الاقتصاد العالمى، مؤكدا أن العالم قد يشهد انفراجة مع النصف الثانى من العام القادم، وبالتالى حدوث انفراجة فى الاقتصاد المصرى.
وعن أفضل فرص الاستثمار خلال الفترة الحالية، أوضح أن الذهب مرتفع للغاية ولا يعبر عن قيمته الحقيقية الآن، وأن الأفضل هو شراء الأسهم فى الوقت الحالى، لأن الأسهم حتى تاريخه لم تعوض عملية التعويم التى حدثت فى 2016، كما لم تعوض الانخفاضات التى حدثت فى الجنيه المصرى خلل العام الحالى، وهو ما قد يدفع الأسهم إلى الارتفاع خلال الفترة القادمة، مؤكدا أن المشكلة فى عدم اتجاه المصريين للبورصة تتمثل فى عدم وجود ثقافة الاستثمار فى البورصة، وهو ما يجعل الساحة مفتوحة أمام الأجانب لتحقيق مكاسب كبيرة والخروج من السوق.
أزمة التضخم
وأضاف أحمد عياد مدير شركة المتدول العربى، أن الاقتصاد العالمى يعانى من أزمة تضخم، وهو ما أدى إلى اتجاه البنك المركزى الأمريكى إلى رفع الفائدة وبقوة خلال الفترة الماضية، ولكن ما زال الاقتصاد الأمريكى يولد فرص عمل وبعيدا عن التضخم، موضحا أن دول الخليج فى وضع أفضل، إلا أن ارتفاع الفائدة يؤثر على تدفقات الاستثمار الأجنبى، حيث يتجه الاستثمار إلى الفائدة الأمريكية والتى يتوقع أن تصل إلى 5% خلال النصف الثانى حيث يتوقع رفع الفائدة إلى نصف بالمائة على مرتين خلال الاجتماعين القادمين للبنك المركزى الأمريكى.
وأوضح عياد، أن الدول الناشئة سوف تتأثر بسبب الضغط على سوق الصرف لدى هذه الدول نتيجة لارتفاع الفائدة الأمريكية، وهذا ما نشاهده فى كثير من الأسواق الناشئة، وهذه الأزمات تتكرر بشكل مستمر، لهذا يجب على هذه الدول وضع الخطط التى تؤدى إلى زيادة مواردها من العملة الأجنبية وأول أهداف هذه الخطة هو الاستثمار فى البشر، وإعداد أجيال قادرة على التعامل مع العصر الحديث، وتوفير الخبرات والكفاءات التى تحتاجها السوق.